تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النصيحة لا تـقـدّر بثمن إذا تم فهمها والعمل بها في الوقت المناسب .


طير حلحال
05/05/2012, 11:54 PM
يُـحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً وقادته الخُطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد إنقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه إتفق معه على ذلك ، عمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويُقدّمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يُكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
ومضت عدة سنوات إشتاق فيها الرجل لبـيـته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .
وسار الرجل ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة
فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟ فقال له الشيخ : أنا أبـيع نصائح فقال الرجل : تـبـيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟! فقال الشيخ : كلّ نصيحة بـبعير ، فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلّفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً .
فقال له الشيخ : ( إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل ) ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تـنـفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات وعندما وجد أنها لا تـنـفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر .
فقال له الشيخ : ( أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له ) وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .
فقال له : ( نام على النَّدَم ولا تنام على الدم ) ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقـتـيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشي وسار في طريقه وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشِدّة الحر .
وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادي كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم شاهد نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يُخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد إشتريت النصيحة بـبعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يـبـيـت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والقوم ، ولم يترك سوى بعض المواشي وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشـيه .
وسار في طريقه عدة أيام أخرى حتى وصل في أحد الأيام إلى بـيـت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به ذو عيون بُرْق وأسنان فُرْق فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يـبـيـت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف حتى يعتقد صاحب البيت أنه هو نائم في فراشه ، وانـتحى مكاناً غير بعيد يُراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ، أخذ يقـتـرب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد إشتريت والله النصيحة بـبعير ثم ضربه بسيفه فقـتلـه وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .
وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحي ، وسار ناحية بـيـته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الإثـنـين ، وفجأة تذكّر النصيحة الثالثة التي تقول ، نام على الندم ولا تنام على الدم ، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البـيـت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح .
وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحّبوا به ، وأستقبله أهل بيته وقالوا له : لقد تركـتـنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبُر خلالها إبنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى إبنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قـتـلهم وقال بـيـنه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير .
وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب .

آميــر الكـونـ
06/05/2012, 12:01 AM
نعم النصيحة لاتقدر بثمن والأخذ بها توفيق
من رب السماء والأرض
ولكن لاننسى أن لها أساليب وطرق حتى تؤتي
ثمارها وتكون مقبولة وأهمها أن لاتكون أمام الملأ وأن تكون بأسلوب مهذب وأن يكون
الغرض من النصيحة الأجر من الله والنفع للناس
وأن لاتكون من باب السخرية والتعالي
أشكرك أخي طير حلحال دائماً مواضيعك
مميزة
تقبل شكري وتقديري
آمير الكون

عاشق القصيد
06/05/2012, 12:24 AM
اوافق امير الكون جزاك الله خيرا