صقر الجنوب
09/05/2012, 12:47 PM
قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي الزهراني
[ تحذير قريش له من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يرى من قومه ، يبذل لهم النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم ، يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب .
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا .
[ استماعه لقول قريش ثم عدوله وسماعه من الرسول ]
قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه . قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة . قال : فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فسمعت كلاما حسنا قال : فقلت في نفسي : [ ص: 383 ] واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته
[ التقاؤه بالرسول وقبوله الدعوة ]
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك .
قال : فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه . قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية
[ الآية التي جعلت له ]
قال : فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى ، أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم . قال : فتحول فوقع في رأس سوطي . قال : فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال : حتى جئتهم فأصبحت فيهم
[ دعوته أباه إلى الإسلام ]
قال : فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال : فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني قال : ولم يا بني ؟ قال : قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : أي بني ، فديني دينك ؟ قال : [ ص: 384 ] فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . قال : فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه . قال : ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم .
[ دعوته زوجه إلى الإسلام ]
( قال ) ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ، قالت : لم ؟ بأبي أنت وأمي ، قال : ( قلت : قد ) فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فديني دينك ، قال : قلت فاذهبي إلى حنا ذي الشرى - قال ابن هشام : ويقال : حمى ذي الشرى - فتطهري منه .
( قال ) : وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، ( و ) به وشل من ماء يهبط من جبل . قال : فقلت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ، قال : قلت : لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت .
[ دعوته قومه إلى الإسلام وما كان منهم ولحاقهم بالرسول ]
ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت له : يا نبي الله ادع الله عليهم ، فقال : اللهم اهد دوسا ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم . قال : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله [ ص: 385 ] صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر . حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأسهم لنا مع المسلمين
[ ذهابه إلى ذي الكفين ليحرقه ]
ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال : قلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه . قال ابن إسحاق : فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول :
:
يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا
:
إني حشوت النار في فؤادكا
[ جهاده مع المسلمين بعد قبض الرسول ، ثم رؤياه ومقتله ]
قال : ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم . فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حبس عني ، قالوا : خيرا ، قال : أما أنا والله فقد أولتها ؟ قالوا : ماذا ؟ قال : أما حلق رأسي فوضعه ، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني . فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا .
[ ص: 386 ]
المصدر
الكتب (http://www.islamweb.net/newlibrary/Bookslist.php) » السيرة النبوية لابن هشام
[ تحذير قريش له من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يرى من قومه ، يبذل لهم النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم ، يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب .
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا .
[ استماعه لقول قريش ثم عدوله وسماعه من الرسول ]
قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه . قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة . قال : فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فسمعت كلاما حسنا قال : فقلت في نفسي : [ ص: 383 ] واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته
[ التقاؤه بالرسول وقبوله الدعوة ]
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك .
قال : فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه . قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت : يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية
[ الآية التي جعلت له ]
قال : فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى ، أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم . قال : فتحول فوقع في رأس سوطي . قال : فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال : حتى جئتهم فأصبحت فيهم
[ دعوته أباه إلى الإسلام ]
قال : فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال : فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني قال : ولم يا بني ؟ قال : قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : أي بني ، فديني دينك ؟ قال : [ ص: 384 ] فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت . قال : فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه . قال : ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم .
[ دعوته زوجه إلى الإسلام ]
( قال ) ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ، قالت : لم ؟ بأبي أنت وأمي ، قال : ( قلت : قد ) فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فديني دينك ، قال : قلت فاذهبي إلى حنا ذي الشرى - قال ابن هشام : ويقال : حمى ذي الشرى - فتطهري منه .
( قال ) : وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، ( و ) به وشل من ماء يهبط من جبل . قال : فقلت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ، قال : قلت : لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت .
[ دعوته قومه إلى الإسلام وما كان منهم ولحاقهم بالرسول ]
ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت له : يا نبي الله ادع الله عليهم ، فقال : اللهم اهد دوسا ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم . قال : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله [ ص: 385 ] صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر . حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأسهم لنا مع المسلمين
[ ذهابه إلى ذي الكفين ليحرقه ]
ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال : قلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه . قال ابن إسحاق : فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول :
:
يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا
:
إني حشوت النار في فؤادكا
[ جهاده مع المسلمين بعد قبض الرسول ، ثم رؤياه ومقتله ]
قال : ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم . فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حبس عني ، قالوا : خيرا ، قال : أما أنا والله فقد أولتها ؟ قالوا : ماذا ؟ قال : أما حلق رأسي فوضعه ، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني . فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا .
[ ص: 386 ]
المصدر
الكتب (http://www.islamweb.net/newlibrary/Bookslist.php) » السيرة النبوية لابن هشام