المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البرنامج العملي لاغتنام إجازة الصيف


صقر الجنوب
19/06/2005, 12:59 PM
البرنامج العملي لاغتنام إجازة الصيف



الدكتور رياض بن محمد المسيميري


الحمد لله ، وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد :

فبمناسبة بدء الإجازة الصيفية ، وسعة الوقت لدى الكثيرين ، أحببت أن أكتب برامج ميسرة ، وجادة لمن حرص على استغلال وقته ، وشح بساعات يومه وليلته ، وهم كثر بحمد الله إلا أن غياب التوجيه والنصح العملي ، أدى إلى تبديد الأوقات ، وإضاعة الساعات تلو الساعات .. وهذه البرامج هي اجتهادات شخصية لا أزعم فيها الكمال ولا ما يدانيه ، والمجال مفتوح لمن أحب أن يفيد إخوانه ، وينصح لأئمة المسلمين وعامتهم .

وهذه البرامج روعي فيها التنويع إلى حد ما ليتلاءم مع الرغبات المختلفة .. فهناك برنامج لراغب حفظ كتاب الله عز وجل ، وبرنامج لمن رغب في حفظ الصحيحين ، وبرنامج لراغب حفظ المتون العلمية ، وبرنامج للداعية ، وبرنامج لمحبي الرحلات الدعوية ، وهكذا .

ثم إن هذه البرامج برامج مكثفة ، وتتطلب جدية وعزيمة راسخة ، وهي بالطبع لا تصلح لمحبي الخمول والكسل ، والراحة والاسترخاء ، ومن عجز عن الانخراط في هذه البرامج فلا يثبط غيره أو يفتر عزيمة إخوانه حتى لا يكون مِغلا ق خير لا سمح الله ، ولا ينس الجميع أن الدال على الخير كفاعله ، والله ولي التوفيق

أولاً : برنامج حفظ القرآن الكريم :

هذا البرنامج يمكن طالب العلم من حفظ القرآن كاملاً خلال الإجازة الصيفية(ثلاثة أشهر) ويكون من خلال الخطوات العملية التالية:

1- حفظ ثلاثة أرباع الجزء ( 6 أثمان ) كل يوم ومراجعته في اليوم الثاني، ثم حفظ نفس المقدار في اليوم الثالث ومراجعته في اليوم الرابع وهكذا.

2- يبدأ الحفظ عقب صلاة الفجر وقراءة الأذكار، ويجزّأ نصف الجزء المراد حفظه إلى أوجه متساوية ثم يشرع الطالب في حفظ الوجه الأول فإذا أتمه أعاد قراءته عدة مرات حتى يتقنه ثم ينتقل إلى الوجه الثالث حتى يفرغ من نصف الجزء فإذا فرغ منه أعاد قراءته على نفسه أو على شخص غيره أكثر من مرة , مع التزام قراءته في صلوات النافلة والتهجد , ويظل مع هذا الحزب القرآني طيلة يومه وغده طالباً من المولى تعالى أن يخلص له نيته , ويثبت له حفظه ويكثر من الدعاء والتضرع حتى يسهل أمره , ويصل مناه.

3- لا يفضل لراغب الحفظ إشغال نفسه بغير القرآن أو حضور الدورات العلمية أو نحوها مع أهميتها وفائدتها بل يجمع نفسه لحفظ القرآن العظيم وإن أمد الله في العمر أدرك ما كتب له من العلوم والفنون الأخرى .

4- يستحسن أن يكون بجواره كتاباً مختصراً في التفسير ليطالع مادعت إليه

الضرورة من معاني الكلمات أو مفهوم بعض الآيات وليطرد به السآمة والملل عن نفسه بلا إسراف ونوصي هنا بمفردات الراغب الأصفهاني وتفسير ابن سعدي .

5- يمتد وقت البرنامج الصباحي إلى أذان الظهر يتخلله تناول الإفطار في أي ساعات الصباح الأولى شاءها الطالب .

6- بعد صلاة الظهر, وتناول الغداء ينبغي أخذ قسط من الراحة والنوم بحدود الساعة إلى الساعة والنصف ولا يتجاوز الساعتين بحال , وينفرد بنفسه لاستكمال محفوظاته إن لم يكن فرغ منها , إذ بالإمكان حفظ الحزب المقرر والفراغ منه قبل الظهر , وهذا أمر تتفاوت فيه القدرات وتتباين فيه الاستعدادات .

7- بعد العصر تبدأ المراجعة للحزب اليومي دون ملل أو كلل طيلة يومه وليلته وغده كما تقدم .

8- في خلال ثمانين يوماً يكون الطالب قد أتم الحفظ كاملاً وإن شاء أن يحفظ كل يومين نصف جزء أمكنه حفظ القرآن كاملاً في عشرين ومائة يوم بإذن الحي القيوم , والله المسؤول أن يجعلنا من أهل القرآن حملاً وأداءً , وقولاً وعملاً وجهاداً .

ثانياً: برنامج حفظ الصحيحين:

وهذا البرنامج لا يفضل الشروع فيه إلا لمن أتم حفظ القرآن الكريم وأتقنه ، وللتسهيل والاختصار يستحسن البدء بالمختصرين ، أعني مختصر البخاري للزبيدي ، ومختصر مسلم للمنذري ، وليبدأ بأحدهما ، ثم يحفظ زيادات الثاني عليه

ولو شرع الطالب بحفظ مختصر مسلم مثلاً لوجده يتكون من 580 صفحة وفق طبعة المكتب الإسلامي وتحقيق العلامة ناصر الدين الألباني ويمكنه أن يقسمه على 58 يوماً بمعدل 10 صفحات كل يوم ، فيكون قد أتم حفظه في أقل من شهرين ، ثم يأخذ زيادات البخاري ويحفظها بسهولة في الشهر المتبقي .

آلية البرنامج :

1- يبدأ البرنامج اليومي عقب صلاة الفجر وقراءة الأوراد الصباحية بقراءة الحديث مرة أو مرتين ثم حفظه أو تجزئته إلى أسطر وجمل إن كان الحديث طويلاً ، ومسألة الطول والقصر مسألة نسبية ، وفي ظني أن الحديث أن الحديث إذا تجاوز خمسة أسطر فيحتاج إلى تقسيم من أجل ظبطه .

ولا ينبغي الانتقال إلى حديث آخر إلا بعد التأكد من إتقان الحديث ومعرفة راويه ، ثم يشرع الطالب في الحديث الثاني ثم يقرأ الاثنين معاً عن ظهر قلب ، ثم يأخذ الحديث الثالث وهكذا حتى يفرغ من الأوجه المقررة كل يوم وأعتقد أن فترة ما بين الصباح إلى الظهر كافية لحفظ المطلوب وإتقانه شريطة التركيز ، وجمع الذهن واستغلال الوقت كله عدا ما لا بد منه كالإفطار مثلاً .

2- بعد صلاة الظهر يفضل تناول الغداء مبكراً ثم الراحة والنوم ما بين الساعة إلى الساعة والنصف ، ولا يتجاوز الساعتين بحال ، وعند الاستيقاظ يبدأ الطالب بمراجعة محفوظاته اليومية ، ويستذكر محفوظاته بصوت مسموع إذ أن ذلك مما يعين على تثبيت الحفظ وتركيزه .

3- بعد العصر– وهو في الصيف وقت ذهبي ثمين – يقضيه في مكان خالٍ إما في منزله أو مسجد أو غيره يراجع محفوظاته اليومية ومحفوظات الأمس والذي قبله وهكذا ، لأنه في كل يوم ستزيد محفوظاته بإذن الله ، فحتى لا تتعرض للنسيان يخصص فترة ما بعد العصر وإلى الحادية عشرة مساء في المدارسة والمراجعة ، موطناً نفسه على الصبر والاحتساب ، وليتذكر أنه بهذا العمل الجليل ينضم إلى جماعة المعظمين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتشبه بعمالقة هذه الأمة وجهابذتها من أمثال أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة وأنس - رضي الله عنهم – ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داوود ويحيى بن معين والدار قطني وسفيان وغيرهم – رحمهم الله – ممن جعلوا حفظ الحديث والتفقه فيه صناعتهم وهممهم .

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

ولا ينبغي لطالب العلم والحديث أن يحقر نفسه، أو يستصعب المشوار فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.

4- فترة ما بين المغرب والعشاء تكون فترة الراحة المفيدة، والراحة المفيدة تكون بالجلوس مع الوالدين والإخوان، وقضاء حوائجهم أو زيارة الأقارب وصلى الأرحام أو مطالعة كتاب، أو استماع شيء نافع والله المستعان.

ثالثاً : برنامج الداعية :

هذا البرنامج مخصص للداعية المبتدئ الراغب في المساهمة في الحقل الدعوي ، إلقاءً ، ووعظاً، وخطابة ، وتوزيعاً للمواد الدعوية النافعة أو التنسيق للمشايخ والدعاة في إلقاء الكلمات وإحياء الأمسيات الشبابية في الاستراحات وخلافها ويكون ما تقدم وفق التالي :

أولاً: إلقاء الكلمات:

1- على الراغب في تعلم الإلقاء والوعظ أن يمرن نفسه في بادئ الأمر على الكلمات القصيرة أمام زملائه ، وفي المساجد الصغيرة ، وليُحضِّر كلمة قصيرة لا تتجاوز سبع دقائق أو عشر تكون مادتها حديثاً يحفظه ويلخص فوائده للحضور ثم يكرر هذه الكلمة في مسجد آخر وثالث ورابع حتى ينطلق لسانه ويزول هاجس الرهبة .

2- في المرحلة الثانية يُعِّود نفسه إلقاء كلمات متنوعة فمرة عن فضل قيام الليل، وأخرى عن ثواب صيام التطوع وثالثة عن الصبر ورابعة عن الحلم وخامسة عن بر الوالدين، وهكذا، وهذه الكلمات تكون من إنشائه في الأصل وبأسلوبه الخاص دون محاولة تقليد أحد من الناس مهما كان مؤثراً.

3- في المرحلة الثالثة على الداعية أن يقترب كثيراً من المساجد الكبيرة والمكتظة بالمصلين ، ويعود نفسه على الإقدام والمبادرة بشجاعة ، وليحسن التوكل على الله ، فإنه معينه وكافيه ثم ليحذر النكوص أو التراجع عند رؤيته من يعرفه أو يفوقه علماً أو يسبقه دعوة ، فقد كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب الوفود بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غيبته .

4- في المرحلة الرابعة ينبغي للداعية أن يعلي المنابر، ويخطب الجمع، ويقرأ ما كتبه أهل العلم ونشروه فيستفيد منه، وإن عود نفسه منذ البداية على التحضير والإعداد الذاتي فذلك أمكن له وأفضل وأدعى لتحقيق النجاح بإذن الله وقوته.

ثانياً : الرحلات الدعوية :

وهذا البرنامج يفضل أن يكون جماعياً ، فلا يقل العدد عن ثلاثة أفراد ، ولا يزيد عن خمسة ، ويحددون لأنفسهم خط سير مدروس باتجاه الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب ، ثم العودة بنفس الخط أو القيام برحلة دائرية حول مناطق المملكة شرقاً فشمالاً فغرباً فجنوباً وهكذا كل بحسبه ، وبما يروق له ، وفي هذه الرحلات يتم ما يلي :

1- حمل المطويات والكتيبات والأشرطة النافعة المنسوخة من قبل الجهات ذات العلاقة وإهداء بعضها للمكاتب الدعوية التي يمرون بها أو توزيعها على المساجد والعامة الذين يقابلونهم في الطريق .

2- يفضل أن يكون بين المجموعة شخص أو أكثر قادرين على الإلقاء والوعظ في المساجد التي يمرون بها ليعم نفعهم في كل أرض يحلون بها.

3- يحرص الدعاة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن ويزورون مكاتب الهيئات التي يمرون بها، ويدعون لهم ويثبتونهم.

4- يحرص الدعاة على زيارة الهجر والقرى والبقاء معهم وقتاً كافياً يشرحون لهم أركان الإسلام والإيمان ويعلمونهم الوضوء والصلاة وما يحتاجونه من ضروريات العلم.

5- يحرص الدعاة على تدوين كل ما يعرض لهم من عقبات، أو تطرح من استفتاءات أو يطلب منهم من احتياجات حتى يضعوا لها الحلول في رحلاتهم القادمة، ويفيدوا غيرهم من خبرتهم وتجربتهم.

وليتذكر الداعية أنه يقتدي بأسلافه الكرام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم كمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وأبي ذر الغفاري الذين بعثوا دعاة إلى الله في كل مكان .

رابعاً : حفظ المتون :

وهذا البرنامج يتيح لطالب العلم حفظ أبرز المتون وأهمها ، ولا أقل من متن واحد في كل فن :

1- الحديث:
أ‌ - عمدة الأحكام للمقدسي.
ب – بلوغ المرام لابن حجر.

2- المصطلح ( علوم الحديث ) :
أ- نخبة الفكر لابن حجر
ب- نظم البيقونية لطه البيقوني

3- التوحيد:
أ- ثلاثة الأصول.
ب- القواعد الأربع.
ج- كتاب التوحيد
ثلاثتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .
د- سلم الوصول لحافظ الحكمي.
هـ- العقيدة السفّارينية للسفاريني.
و- الواسطية .
ز- الطحاوية .

4- الفرائض:
أ- الرحبية
ب- البرهانية .

5- أصول الفقه :
أ- الورقات للجويني
ب- مختصر التحرير للفتوحي، ويفضل أن يكون بجوار الطالب شرحه الكوكب المنير لشرح الغامض عند الضرورة .

6- أصول التفسير:
أ- مقدمة التفسير لشيخ الإسلام
ب- القواعد الحسان لابن سعدي.

7- النحو:
أ- الآجرومية
ب- أجزاء من ألفية بن مالك

آلية البرنامج :

ينتقي الطالب ثلاثة متون من هذه المجموعات، وتكون من فنون مختلفة، ولا يزيد عليها ويقسمها على ساعات اليوم ويقترح ما يلي:

المجموعة الأولى:
1- عمدة الأحكام للمقدسي.
2- نظم البيقونية .
3- ثلاثة الأصول والقواعد الأربع.

المجموعة الثانية :
1- كتاب التوحيد.
2- الرحبية .
3- الورقات.

المجموعة الثالثة:
1- نخبة الفكر .
2- سلم الوصول .
3- القواعد الحسان.

المجموعة الرابعة:
1- مختصر التحرير.
2- البرهانية .

المجموعة الخامسة:
1- مقدمة التفسير.
2- الآجرومية .
3- السفارينية .

المجموعة السادسة:
1- بلوغ المرام.
2- الواسطية .
3- الطحاوية .
4- أجزاء من الألفية.

(خارج نطاق الاختيار الصيفي )

1- كل مجموعة يخصص لها عشرين يوماً فيكون إجمالي المجموعات الخمس 100 يوماً هي فترة الإجازة، وأما المجموعة السادسة فيحفظها إبان العام الدراسي.

2- قد رُوعي في التقسيم المذكور التناسب إلى حد ما من حيث الطول والقصر، كما أخذ في الحسبان تنوع الفنون .

3- مثال على آلية تنفيذ المجموعة الأولى:

سيجد الطالب أن عمدة الأحكام قرابة 500 حديثاً ، فيحفظ كل يوم قرابة 25 حديثاً ، فيشرع في حفظها بعد صلاة الفجر وقراءة الأذكار الصباحية ويكررها ويراجعها إلى الظهر ، مع ما يتخلل ذلك من فترة قصيرة للإفطار ، وبعد صلاة الظهر والغداء المبكر ينام بما لا يقل عن ساعة ولا يزيد عن ساعتين بحال .

وقبل صلاة العصر وبعدها يراجع ما حفظه من العمدة ، وأما المغرب فكما في البرامج السابقة وبعد العشاء يحفظ بيتين أو ثلاثة من البيقونية ويكرر ما حفظ كل ليلة ، وسيجد نفسه بإذن الله قد أتقنها في نهاية الفترة المحددة ، علماً بأن البيقونية منظومة خفيفة الظل ، قليلة الأبيات ، إذ لا تتجاوز الـ34 بيتاً كما هو معلوم .

وأما ثلاثة الأصول والقواعد الأربع فتحفظ فيما تبقى من المساء وتكرر للتثبيت ، وهما من القصر والسهولة بمكان بحيث يفضل استغلال الوقت في تثبيت العمدة ومراجعتها بشكل أكبر آخر الليل .

4- أما المجموعات الباقية فبنفس الطريقة بحيث يراعى المتن الأطول ، فيعطى وقتاً كافياً ، ويقسم على الفترة المقترحة ، وهكذا حتى يختم الطالب بإذن الله هذه الأمهات من المتون في نهاية الإجازة ، واحذر أيها المسدد من تخذيل المخذلين وكيد الشياطين ، فبحسن التوكل وقوة العزيمة وشجاعة القلب يصبح المستحيل في نظر الناس واقعاً محسوساً وأمراً ممكناً .

تنبيه :
لا يشترط حفظ المجموعات الخمس في الإجازة ، وإنما كل طالب ينتقي بحسب قدرته ، كأن يختار أربع مجموعات أو ثلاث ، ويقسم أيان الإجازة على هذه المجموعات المختارة ، إذ أن طلاب العلم يتفاوتون في قوة الحفظ وصدق العزيمة ،

والله الموفق,,,
منقول من صيد الفوائد

صقر الجنوب
19/06/2005, 07:56 PM
مازن التويجري

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)
خلق الله بني آدم واستخلفهم في الأرض وسخر لهم برها وبحرها وجوها ليعمروها بعبادته ويتقلبوا فيها وفق شريعته وشرعته.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة: 21 .
فأساس الخلق إنما هو العبادة، والغاية من الاستخلاف إقامة حكم الله في الأرض.
إنّ هذا الأساس وتلك الغاية ليست محدودة بحدٍ أو متعلقةٍ بزمانٍ دون زمان، كما أنها لا تختص بأرض دون أرض، أو قطر دون آخر.
إننا متعبدون لله العظيم، أذلاء بين يديه، فقراء إليه، في كل وقت وحين أياً كانت الأرض التي تحملنا أو السماء التي تظلنا: ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (الأنعام: 162- 163 . فالكون ملكه، والقلوب بيده، والخلق عبيده، فهل يصح من عبد أن يخالف أمر سيده، فيفعل ما يشاء، ويحكم كيف يشاء، ويذهب أين شاء؟
إذن فلا معنىً لعبوديته، ولا وضوح لخضوعه وذلهِ.
وها هي الإجازة قد أقبلت ، فهل يكلُّ المولى عن خدمة سيده؟ وهل يصح من صاحب المطالب العالية أن يتوقف عن سيره نحو هدفه وغايته؟
إن الإجازة استجمام للطالب بعد جهد عام دراسي، وسانحة للموظف لأخذ الراحة واستعادة الهمة من جديد. فلا يجوز أن تغدو مسرحاً للتفلت من نظام العبودية، أو سباقا محموماً نحو التجاوزات والتعديات، وولوغاً في حمأة المعاصي والنقائص، وغوصا في بحر الذنوب والعيوب الآسن.
روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ). البخاري ( 5933).
فحصول الفراغ وكمال الصحة للعبد نعمة عظيمة قل في الناس من يدركهما ويستشعر فضلهما ليستثمرهما فيما يعود عليه بالنفع في الأولى والآخرة: ( وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).سورةالعصر.
معاشر المؤمنين؛ إنّ المسلم بحاجة ماسة إلى أن يضع لنفسه ولأفراد أسرته أهدافاً يسعى لتحقيقها من خلال وسائل ومناشط متعددة تناسب جميع الأعمار، وتلبي مختلف التوجهات والرغبات، خاصة في زمن الإجازات التي تخلو من دراسة نظامية، أو عملٍ وظيفي.
ليس عدلاً في قاموس العقلاء أن تكون الإجازة عند المسلم ضياعا للأوقات واهداراً للطاقات، وركوباً لأصناف المعاصي والذنوب.
بالله عليكم... ماذا جنى أرباب السفر إلى بلاد الكفار وبلاد الفسق والمجون؟
ماذا جنوا غير ضياع الدين، وضعف الغيرة والحياء، والجرأة على معصية الخالق سبحانه، وكسب السيئات والخطايا، ثم هدر الأموال، وتبذير الثروات؟
ماذا جنى أرباب سياحة الطرب والغناء، والمسارح والعروض؟
أين العقول التي ترى أن الحياة أغلى وأعظم من أن تقضى بشهوة ساعة، أو أغنية ماجنة، أو ترحال لبلاد لا يسمع فيها لصوت الحق منادياً؟
أين من يثمن الأعمار ويدرك قصر الحياة، وهو يرى الموت يخطف الأرواح صغيرها وكبيرها، ولا يفرق بين سقيم وصحيح ليسعى لاستغلال دار فانية قصيرة، يتبعها نعيم لا ينفد وغرة عين لا تنقطع؟
نعم إننا نعلم أنه لاخلود في هذه الدار، وأن الموت مصير كل حي، ولكن مشكلتنا الحقيقية تكمن في التطبيق العملي ومجاهدة النفس.
نعم نحن نحب الله ونتمنى دخول الجنة، ونسأل الله المراتب العالية فيها، لكن أفعالنا تخالف الحقيقة التي نؤمن بها، وتضاد أمر ربنا الذي نحبه ونحب ما يقربنا إليه. ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) الانبياء 1- 3
يا أخوتي؛ إن العلم لا يكفي بمفرده، والرغبة لا تغني، والحب لا يصح، إلا أن نقيم الأعمال برهاناً على ذلك العلم وتلك الرغبة، وندلل على الحب والمحبة.
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بيـنات أصحابـها أدعيـاء
وإلا فكل الناس يرجون النجاة... لكن أين من سلكوا طريقها.
إننا نسأل الله الهداية في كل ركعة من صلاتنا "اهدنا الصراط المستقيم" لكن أين من يسعى لنيلها؟ وأين من يتجاوز شهواته؟ ويكسر حنين نفسه ليحصل مطلوبه وغايته، ويسابق في ميادين البر والخير؟
أما آن للآباء والأمهات أن يلتفتوا لمصالح أبنائهم في مثل هذه الإجازات؟، وأن يسعوا لتزكية نفوسهم، وغرس مفاهيم الإسلام وتعاليمه في قلوبهم؟، وهم يرون الفتن قد أقبلت بخيلها ورجلها تجوس خلال الديار.
ليس هناك أعظم من حفظ الأبناء والبنات من فتن الشهوات والشبهات، والدعاوى المضللات ولا يقوم بهذا ويهتم به إلا البيت المسلم التقي النقي، وما أروع مقالة العبد الصالح لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان: 17.
إننا لكي نحقق الاستفادة معاً في هذه الإجازة فلا بد من بعض المقترحات والوصايا:
أولاً: إشراك الابناء في الدورات المكثفة لحفظ القران الكريم، والبنات في دور تحفيظ القران الكريم المنتشرة ولله الحمد في مناطق كثيرة.
ففي هذه الدورات يستطيع الطالب أن يحفظ القران كاملاً في خمس وأربعين يوما أو شهر واحد، ومن أمثلة التجربة في العام المنصرم استطاع شابٌ أن يحفظ القران في ستة عشر يوماً فقط، وآخر في ثمانية عشرة يوما، وشابان في تسعة وعشرين يوماً.
إنه مشروع كبير، فلم لايشارك فيه الأب وابناؤه سوياً؟ من أجل أن يرى يرى الأبناء صورة القدوة ماثلةً أمامهم فيتشجعوا ويتنافسوا.
إنّ هذه الدورات تبدأ من حفظ خمسة أجزاء وتتدرج إلى حفظ القران كاملاً.
وبحمد الله فقد انطلقت قبل أعوام يسيرة دورة حفظ السنة النبوية في المسجد الحرام في مكة المكرمة، فهناك يحفظ طلاب العلم صغاراً وكباراً صحيح البخاري ومسلم خلال شهرين تزيد أو تنقص.
إنّه إنجازٌ كبير، وفوز عظيم.
لقد كان من جملة المشاركين في دورة حفظ السنة النبوية في العام المنصرم طلابٌ في المرحلة المتوسطة فما فوق.
أيها الأب المبارك؛ لم لا نجعل هذه الإجازة أياماً لحفظ القران الكريم بمشاركة الجميع؟ ولنتذكر على الدوام ما يحطم العقبات: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر: 17.
ثانياً: الدورات العلمية التي يأخذ فيها طالب العلم علوماً شتى في التفسير والحديث والفقه والعقيدة وغيرها في أيام قليلة وفي فترة وجيزة، مما قد لا يتيسر مثله في غير هذه الإجازات، فكم من أمر التي نجهله عن ديننا؟
لا أقول في دقائق العلم بل في مسائل من أهم المهمات، في التوحيد والفقه.
لماذا لا تجعل هذه الإجازة فرصةً لك للتزود من العلوم ولقاء العلماء والأخذ منهم. لماذا لا تجعل هذه الإجازة فرصةً لانطلاقة الأبناء في طريق العلم والمعرفة؟
يُذكر مع هذا أن تقوم في مبتدأ الإجازة بزيارة إلى مكتبة علمية مع أبنائك ليختار كل ابن وبنت مجموعةً يسيرةً من الكتب النافعة فيما يحب من فنون لتكون رفيقة دربه في هذه الأيام، ويجمل أن يكون هناك كتاب يقرأه الجميع في جلسة عائلية كل صباح أو مساء.
ثالثاً: صقل مواهب الابناء بإشراكهم في دورات صيفية في الحاسب الآلي أو تعلم السباحة أوالدفاع عن النفس، أو دورات في التفكير وفن إدارة الأوقات.
كما أنه يمكن للأبوين الالتحاق بالدورات المتخصصة في العلاقات الزوجية، وغير ذلك، وهذا وغيره ولله الحمد مطروح وبكثرة، وهو أمر يجمع بين الفائدة والترفيه في آن واحد فاجعل في جدولك منه نصيباً.
رابعاً: إشراك الأبناء في المراكز الصيفية، وهي كثيرة ولله الحمد، لا على سبيل التخلص منهم وإلقاء عبء و همّ متابعتهم على كاهل الغير، ولكن رغبة في الفائدة والنفع.
أيها الأب المبارك؛ إنّ هذه المراكز تقام فيها بعض الدورات مما سبق في المقترح السابق، وفيها يُعتني بحفظ القران الكريم، وتُقام المسابقات، ثم أنّها تفيد الشاب فتكسر الحاجز المانع من التعرف على المجتمع و الانخراط فيه، وفيها يكنشف مواهبه وقدراته وينميها، ويلقى من يعتني به من أهل الخير ليعينك في طريق تربيته وإصلاحه.
خامساً: الترفيه البرئ مطلب لإجمام النفوس وإعادة نشاطها، وهذا لا يقدر بقدر، فأنت تعطيه ما ترى كفايته من الوقت، وجميل أن يعلق الترفيه والراحة بإنجاز عملٍ أو مطلوب وواجب، فإذا حفظ الجميع ما عليه من ورد لمدة أسبوع أو أربعة أيام، قامت الأسرة برحلة خلوية يختار مكانها الأبن المتميز في الانجاز بين أخوانه.
وهنا يجدر التنبيه على أن الترفيه لابد أن يكون محاطاً بإطار الشرع، فلا يسمح فيه بالتجاوزات والمخالفات الشرعية، وإنما يكون ترفيهاً يجدد النشاط، وبيعث حياة الهمة في النفوس، دون أن يكون في معصية، وما أكثره لو تأملنا.
سادساً: السفر له طعم خاص عند الأبناء، فيجب أن يوضع في الجدول مسبقاً بعد مشاركة الجميع في تلك المناشط أو بعضها حسب ما يتفق عليه، فتكون هذه الرحلة الممتدة لأيام بمثابة الجائزة الكبرى، أو شهادة الشكر للجميع لما بذلوه وقدموه والخيارات كثيرة ولله الحمد في بلادنا.
سابعاً: المحفزات والجوائز، مطلب لنجاح برنامجك الأسري، فيكافأ من أحسن ، وأما من قصر وأخطأ فإنه يدفع برفق ليلحق الركب، مع الدعاء له بالتوفيق والتسديد، والصلاح والهداية. فالتعلق بالله تعالى والانطراح بين يدبيه والذلة له وسؤاله العون، أعظم سبيل للتيسير قبل العمل وأثناءه وبعده.
ثامناً: كيف تبدأ؟ خلال الأسبوع المقبل اجمع المطروح من تلك البرامج على الساحة، من دورات علمية، ودورات لحفظ القران الكريم، والدورات النسائية والمراكز الصيفية، والمعاهد التي تقدم الدورات المختلفة وأماكن الترفيه، ثم انظر الأصلح والأنفع مراعياً ما يلي:-
• لا تكثر البرامج على الأبناء فيملوا، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
• لا تتخيّر مكاناً بعيداً عن منطقة سكنك، فقد يشق عليك وقد يكون سبباً في الانقطاع.
• اجعل للابناء أكثر من خيار ثم اترك لهم مساحة للتفكير والاختيار.
• بعد ذلك ضع جدولا بمشاركاتهم ليكون أبلغ في تطبيقهم له.
• لا تحدد تطبيق بعض البرامج بوقت معين من الساعة كذا إلى الساعة كذا ولكن قل من خلال شهر لابد أن تقرأ هذا الكتاب بمعدل ثلاث صفحات يومياً واترك للابن اختيار الوقت المناسب وهكذا.
وأخيرا: إنّ صلة الرحم من أهم المهمات، فاجعل لها في جدولك نصيباً وافراً.
من خلال ما مضى فإن من العدل والإنصاف أن يقال بأن أولئك الجنود الذين يقفون على تلك البرامج الهادفة من القائمين على الدورات في بيوت الله، والمراكز الصيفية، بل وحتى أولئك الذين يقيمون الدورات النافعة مقابل مردود مادي، ومن يوفرون جوّاً للترفيه البرئ الخالي من منغصات المخالفات الشرعية، كل أولئك لهم منا عاطر الثناء، وصادق الدعاء، إذ لا يستوي جهدهم المبارك مع جهد من فكر وسعى وخطط لإضاعة أوقات الناس وتهيئة جو الفتنة، وتيسير المعصية والرذيلة، مما يعود على الأمة والمجتمع وبالاً، فهذا الصنف الأخير لا يدفع إلى خيرٍ ولا ينشر معرفةً، لايرفع المجتمع ولايرقى بوعي أفراده، لا يكتشف المواهب، ولا ينمي القدرات، بل يساهم في ضياع الشباب والشابات ويشارك في هدر الطاقات.
إنّ الذي أسلفناه من مقترحات، إنما نريد أن نحفظ به أبناءنا ومجتمعنا من عبث العابثين ومن نزغات الشيطان وحزبه، و نريد من خلاله أن نربط المجتمع بدينه وأمته، ونربط الشباب بالمجتمع ونحببهم في الدين الحنيف، ونحفظ عقولهم من واردات الهوى، وأمراض الشهوات والشبهات، و أن يعرف أبناء المجتمع ماذا نريد منه؟ وماذا يريد منا؟
إننا بهذا نفتح للشاب آفاقاً لخدمة أمته وبلده. إذ أننا نكتشف المواهب والقدرات، وننميها ونحفظها ونصقلها.
وخاتمة المقال قول رب العالمين: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس: 1-10

المصدر موقع المربي