صقر الجنوب
28/06/2005, 02:14 PM
أطيب النشر في الوصايا العشر
إسم المؤلف : د . مرزوق بن هياس الزهراني الناشر: مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين .
من المعلوم والمستقر في الأفهام أن القرآن الكريم الكريم هو الكتاب المعجز ، وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه لا تنقضي عجائبه " ، وهو مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم " كما ورد في التوجيه النبوي الكريم ، ومهما غاص في بحوره الباحثون والمفسرون فلن يحيطوا بأسراره العجيبة وخواصه الربانية المذهلة ، ولا غرو في ذلك فهو كتاب الله المنزل المحفوظ الذي لا يبلى من كثرة الرد ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
والكتاب الذي بين أيدينا واحد من تلك الكتب التي جاءت لتنهل من هذا المنهل العذب فتروي ظمأ النفوس ، وتضيئ دروب السالكين ، بالإشارات الواضحات المسلطة على الوصايا العشر التي تضمنتها سورة الأنعام ، مبينة عظم تلك الوصايا ومنوهة بمكانتها في الإسلام . وقد توزعت صفحات الكتاب ال(105) على ما يقرب من عشرين عنواناً استغرق البحث التمهيدي منها قرابة العشر صفحات ، أما بقية صفحات الكتاب فقد تناولت الوصايا العشر بدرجات متفاوتة من حيث عدد الصفحات وسنحاول بمشئية الله تعالى المرور على محاور الكتاب بصورة مختصرة فإلى عرض الكتاب .
المقدمة :
ذكر المؤلف في مقدمته الاسباب التي دعته للكتابة في هذا المجال : وأهمها :
• حب المعايشة لكتاب الله عز وجل ولأن هذه الوصايا عليها مدار الإسلام .
• إن كتاب الله عزو جل هوالمصدر الأول للشريعة الإسلامية ، والسنة النبوية هي المصدر الثاني المبين والمفصل لما جاء في المصدر الأول ، فالعناية بهما أوجب الواجبات والتعرف على شيء من كنوزهما جهد المقل .
منهجه في البحث:
إتبع على المنهج القرآني في سرد الوصايا مرتبة كما وردت في التنزيل ، وقد جعل كل وصية عنوانا مستقلاً ، أدرج تحته ما تضمنته كل وصية من مبادئ وأحكام تحت عناوين جانبية مع إيضاح وبيان للغريب من الألفاظ. والاعتماد فيما يقوم به من إيضاح على أئمة التفسير ، وعزو الأدلة إلى مصادرها ، وتوثيق المعلومات .
• كمدخل للبحث تحدث المؤلف عن بعض ما جاء في فضل هذه الآيات التي غدت تعرف بالوصايا العشر ، وذكر في مستهل هذا المدخل الحديث الذي رواه الترمذي :
"من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات ( قل تعالوا أتل ما حرَم ربكم عليكم .. . إلى قوله لعلكم تتقون ) الآية (151) من سورة الأنعام .
ثم تطرق المؤلف إلى صلة الآيات بالكتب السماوية فقد أورد حديثاً رواه الإمام الطبري : قال: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال : ثنا أبي قال : سمعت يحي بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبدالله عن عبيدالله بن عدي بن الخيارقال : سمع كعب الأحبار رجلاً يقرأ : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " الآية فقال : والذي نفس كعب بيده إنَ هذا لأول شيئ في التوراة .
ثم بين المؤلف أن هذه الآيات من محكم القرآن الكريم إستناداً إلى مارواه الطبري رحمه الله حيث قال: حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن السدي قال : هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن ) .
ثم ربط بين هذه الآيات والآيات التي قبلها بالقول :
[ إن الله عز وجل لما بين فساد رأي الكفار وضلالهم فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والثمار وأوضح سفههم في ذلك وأبطل دعواهم بمطالبتهم بالبرهان ولا قدرة لهم عليه ، فلله الحجة البالغة ... ناسب بعد ذلك أن يوجههم بالأسلوب الحكيم إلى ما يجب عليهم اتباعه من شرع الله عزوجل لا مما تمليه عليهم أهواؤهم ، وتسوقهم إليه رغباتهم فيضعوا لأنفسهم قانوناً فيما يحل وما يحرم . بل مرد ذلك إلى العليم الخبير الذي أوضح لهم بأقوى بيان كمال قدرته عزَوجل وشدة عجزهم عن تدبر شئونهم ، فقال تعالى موجهاً الأمر إلى عبده ورسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم : ( قل تعالوا أتل ما حرَ م ركم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرَم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الآيات( 151-153) .
ثم دلف المؤلف مباشرة إلى :
• الوصية الأولى : وهي قوله تعالى :
( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألاَ تشركوا به شيئاً ) .
وقد تحدث المؤلف عن مفرداتها اللغوية والنحوية ، ثم بين تحت عنوان " الإيضاح " عن العلة في البدئ بتحريم الشرك وأن تكون أولى الوصايا العشر ، حيث يرى المؤلف أن ذلك مرده لأمور ثلاثة من وجهة نظره :
أولها : أن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ) الآية (48)من سورة النساء ،وقوله عز وجل ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ) الآية 116 من سورة النساء.
الثاني : أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " سورة الذارايات الآية(56) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ : أتدري ما حق الله على عباده ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال: أن يعبدوه لا يشركوا به شيئأ ، أتدري ما حقهم عليه ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال : أن لا يعذبهم " ثالثاً : أن الإنسان تتحقق إنسانيته بقلبه وروحه ولا صلاح له إلا بصلاحهما ولا صلاح لهما إلا بوحدانية الله عزوجل إله هذا المخلوق الذي أوجده من العدم وركب أجزاءه ، لا إله إلا هو ولا رب سواه ، قال تعالى " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) سورة ق الآية (16) .
ثم تطرق المؤلف إلى بيان أقسام الشرك ، وهي ثلاثة أقسام :
1- القسم الأول : الشرك في الربوبية وهو نوعان :
أ- شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك ،إذ أنه إنكار لوجود الله تعالى ، ومن وقع في هذا الذنب العظيم الدهريون والطبائعيون وإمامهم في ذلك فرعون القائل " وماربُ العالمين " ومن هذا النوع كذلك شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته ، وأنه لم يكن معدوماً أصلاً بل لم يزل ولا يزال ، والمخلوقات عندهم جميعاً ترجع إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها " العقول والنفوس " .
ب- النوع الثاني من شرك الربوبية هو شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطَل أسماءه وصفاته ، وربوبيته ، ومنه شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة ، قال تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا اله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " الآية (73) من سورة المائدة ، ومنه شرك المجوس القائلين باسناد حوداث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة .
القسم الثاني من الشرك : الشرك في توحيد الأسماء والصفات وهو كذلك نوعان
1- تشبيه صفات الخالق بالمخلوق : كأن يقول : يد كيدي وسمع كسمعي ، وبصر كبصري وهذا يسمى شرك الشبه ، وهذا النوع ينافي قوله تعالى " فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " الآية (74) من سورة النحل وقوله تعالى " ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير " الآية (11) من الشورى .
2- اشتقاق أسماء الآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق كا شتقاق اللاَت من الإله والعزى من العزيز ، وهذا ما نهى الله عنه بقوله " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " ، وممن فسر الإلحاد في أسماء الله بالاشتقاق إبن عباس رضي الله عنهما .
القسم الثالث من الشرك : الشرك في توحيد الإلوهية والعبادة .
وهذا القسم هو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية ، وهو كذلك نوعان :
1- أن يجعل العبد لله نداً يدعوه كما يدعو الله عز وجل ويسأله الشفاعة كما يسأل الله تعالى ، ويرجوه كما يرجو الله ويحبه كما يحب الله ، يخشاه كما يخشى الله ، قال تعالى " واعبدو الله ولا تشركوا به شيئأ " .
2- الشرك الأصغر : كيسير الرياء والتصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله عز وجل في العبادة ، بل يعمل العبد لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة، فله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب ، والله عزوجل لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً ، وذكر الله تعالى الإخلاص في كتابه العزيز أكثر من عشرين مرة ، قال تعالى " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " .
الوصية الثانية : وهي قوله تعالى : " وبالوالدين إحسانا " .
لقد بينت الوصية الأولى عظم نعمة العبودية لله تعالى وحده لا شريك له ، ويلي حق الله تعالى في المنزلة والعظمة حق الوالدين فقد جعلهما الله سبباً لوجود الولد .
وقد كرَمهما الله تعالى حين جعل حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى ، ولذا قال تعالى " أن اشكر لي ولولديك إليَ المصير " .
ثم تطرق المؤلف الى الجانب اللغوي من حيث النحو والمفردات ، مبيناً الأحكام المترتبة على هذه الوصية :
• وجوب طاعة الوالدين وبرَهما وصيانتهما .
• تحريم عقوق الوالدين والإساءة إليهما .
• إن حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى .
• تحريم طاعتهما فيما حرم الله عز وجل .
الوصية الثالثة : قوله تعالى :" ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"
المناسبة :
يقول المؤلف : لعل المناسبة واضحة من السياق وأن الله عز وجل لما قرر في كتابه العزيز واجب الإبن تجاه الوالدين أردف عز وجل بالوصية بالأبناء وبيان ما لهم من الحقوق كما أوضح ما عليهم من الواجبات ، وهذا تحقيق للموازنة بين الحقوق والواجبات .
ثم بيَن المؤلف الأسباب التي كانت وراء قتل الأبناء في الجاهلية وقد حدَدها في نقاط أربع :
1- الفقر الواقع والحال بالوالدين، فلا ينبغي لأجل ذلك قتل الأولاد ، قال تعالى " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " فقدم الوالدين على الأولاد لأنهم تابعون لأبنائهم في الرزق الحال .
2- الفقر المتوقع مستقبلاً ، يويد هذا قوله تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " وهنا قدم رزق الأولاد على الآباء لتعلق رزقهم بالمستقبل ، وكثيراً ما يكون الآباء عاجزين عن الكسب يحتاجون من ينفق عليهم فقدم رزق الأولاد في مقام الخوف والخشية من عدم الكسب وقلة الرزق .
3- الخوف من العار وهذا خاص بالبنات فقد كانوا في الجاهلية يئدون البنات حماية للشرف وبعداً عن السبة لكنها وسيلة قاسية وظالمة والغاية في الإسلام لا تبررالوسيلة
4- التدين فقد ينحر الجاهلي ولده تقرباً إلى الآلهة ، وقد يستدل له بأن عبدالمطلب نذر حين لقي من قريش ما لقي ، لئن ولد له عشرة أولاد لينحرن أحدهم .
الوصية الرابعة : قال تعالى : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن "
ذكر المؤلف الرابط والمناسبة بين الوصايا الثلاث الأول والوصية الرابعة حيث قال : إن الله تعالى أوصى في الوصية الأولى بطهارة القلب من عبادة غيره ، وفي الثانية بطهارة الجوارح من الإساءة إلى الوالدين ، وفي الثالثة أمر بطهارة الجوارح من كل صفة ذميمة مارسها الجاهليون ، فأكد على تحريمها ، والثانية والثالثة فيهما حماية للأسرة وجاءت الرابعة شاملة لحماية الفرد والأسرة والمجتمع ، فالطهارة المعنوية قاعدة يقوم عليها صلاح الفرد والأسرة والمجتمع . ثم بين معاني المفردات الواردة في الوصية .
الوصية الخامسة : وهي قوله تعالى " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الاَبالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "
بين المؤلف في هذه الوصية المعاني اللغوية والنحوية الواردة فيها موضحاً أن قتل النفس داخل في جملة الفواحش ، إلا أن الله تعالى أفرده بالذكر لفائدتين اثنتين
1- أن الإفراد بالذكر يدل على التعظيم .
2- أن الفواحش لا يتستثنى منها فلا يقال : لا تقربو ا الفواحش إلا بالحق،وهو وارد في القتل فجاء إفراده لغرض الاستثناء أيضاً .
ثم تطرق إلى أقسام القتل الثلاثة وهي : 1- العمد 2- شبه العمد 3- الخطأ .
الوصية السادسة : وهي قوله تعالى : " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده "
حيث جاءت هذه الوصية في وقت كان المجتمع الجاهلي لا يعير مال اليتيم أدنى رعاية ، بل كان يتعدى عليه ، فقررت هذه الوصية " قاعدة التكامل الاجتماعي " كما يقول المؤلف، والتي ألقت بالمسئولية على كواهل المسلمين أفراداً وجماعات حاثة إياهم على رعاية اليتيم وكفالته ورعاية حقوقه حتى يبلغ أشده .
ثم تطرق المؤلف إلى أقوال المفسرين في تحديد " الأشد " حيث ذكر ثمانية أوجه لهذا السن وهذه الوجوه هي : 40 ، 33 ،25، 18 ،34، 30، بلوغ الحلم ، 18-30 .
ثم ذهب إلى أن المراد بالأشد في شأن اليتيم بلوغ الحلم مع حسن التصرف وهو المبين في قوله تعالى( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) الآية (6) من النساء، وبلوغ الحلم هو بلوغ النكاح ، لكنه مشروط بإيناس الرشد .
الوصية السابعة : قال تعالى :
( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفساً إلا وسعها ) .
وتمشياً على نهجه في الربط بين الوصايا وإيضاح الغريب من المفردات وبيان معانيها ، كان للوصية هذه أيضاً نصيب من ذلك ، مبيناً معاني القسط والقسطاس والحث على إيفاء الناس حقوقهم غير منقوصة وأن الأمر بالإيفاء يفهم منه تحريم النقص .
الوصية الثامنة : وهي قوله تعالى :" وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى "
كدأبه في الحديث بدأ المؤلف الحديث عن مناسبة الوصية الثامنة بالسابعة فقال " إن المتأمل في الوصية السابقة وهي الأمر بالإيفاء وتحري الكمال في أداء الحقوق وأخذها ، قد يرى مناسبة للربط بين الوصيتين وهي ان إيفاء الحقوق لا يقوم إلا على ركيزة أساسية في المجتمع المسلم وهي مبدأ العدالة في الحقوق والواجبات المتعلقة بسائر المعاملات التجارية وغيرها ، ثم أردف بالأمربالعدل والتزام الانصاف في المعاملات القولية الشاملة للشهادات والأمور القضائية وغيرها مما يتعلق باظهار الحق واشهاره بين أفراد المجتمع المسلم .
الوصية التاسعة : وهي قوله تعالى : "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " يقول المؤلف : مما تقدم بيانه يتضح لنا أن تلك الأوامر والنواهي وتلك الأسس الاجتماعية ما هي إلا أجزاء بنود عقد أقامه الرب سبحانه بينه وبين عباده ، ويتمثل ذلك في القيام بتلك الأوامر والنواهي فعلاً وتركاً ، والعهد شامل لكل ما عهد الله إلى الناس كا فة على ألسنة الرسل فطلب من هذه الأمة الوفاء بما عهد إليها ، فقال " وبعهد الله أوفوا " فالوفاء بما تقدم وبكل عهد بين العبد وربه مطلوب شرعاً .
الوصية العاشرة : وهي قوله تعالى :
(وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
المناسبة :
بعد سباق ما تقدم وتوصية المسلم إلى العمل بما جاء من الأوامر ، وترك ما نهى الله عز وجل ، واتضح طريق الله عز وجل ، ناسب ختم ذلك بالإشارة إلى أن تلك المجموعة من الأوامر والنواهي تمثل صراط الله المستقيم الذي يوصل سالكه إلى جنة الله ورضوانه وإن من فرط في شيئ منها فعلاً أو تركاً فقد تنكب صراط الله وابتعد عنه واتجه نحو هوة سحيقة تهوي به في نار جهنم ، فليتق الله كل مسلم .
أخيراً :
لا نملك في هذه العجالة إلا أن ندعوالله تعالى للمؤلف بالخير العميم والجزاء الوفير لقاء ما قدم من رفد للمكتبة الإسلامية باسهامه الطيب ، فجزاه الله خيراً . والكتاب من إصدارات مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة وقد صدرت الطبعة الأولى منه في عام 1412هـ -1991م ويقع في خمس ومائة صفحة . ويباع في المكتبات .
منقول
إسم المؤلف : د . مرزوق بن هياس الزهراني الناشر: مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين .
من المعلوم والمستقر في الأفهام أن القرآن الكريم الكريم هو الكتاب المعجز ، وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه لا تنقضي عجائبه " ، وهو مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم " كما ورد في التوجيه النبوي الكريم ، ومهما غاص في بحوره الباحثون والمفسرون فلن يحيطوا بأسراره العجيبة وخواصه الربانية المذهلة ، ولا غرو في ذلك فهو كتاب الله المنزل المحفوظ الذي لا يبلى من كثرة الرد ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
والكتاب الذي بين أيدينا واحد من تلك الكتب التي جاءت لتنهل من هذا المنهل العذب فتروي ظمأ النفوس ، وتضيئ دروب السالكين ، بالإشارات الواضحات المسلطة على الوصايا العشر التي تضمنتها سورة الأنعام ، مبينة عظم تلك الوصايا ومنوهة بمكانتها في الإسلام . وقد توزعت صفحات الكتاب ال(105) على ما يقرب من عشرين عنواناً استغرق البحث التمهيدي منها قرابة العشر صفحات ، أما بقية صفحات الكتاب فقد تناولت الوصايا العشر بدرجات متفاوتة من حيث عدد الصفحات وسنحاول بمشئية الله تعالى المرور على محاور الكتاب بصورة مختصرة فإلى عرض الكتاب .
المقدمة :
ذكر المؤلف في مقدمته الاسباب التي دعته للكتابة في هذا المجال : وأهمها :
• حب المعايشة لكتاب الله عز وجل ولأن هذه الوصايا عليها مدار الإسلام .
• إن كتاب الله عزو جل هوالمصدر الأول للشريعة الإسلامية ، والسنة النبوية هي المصدر الثاني المبين والمفصل لما جاء في المصدر الأول ، فالعناية بهما أوجب الواجبات والتعرف على شيء من كنوزهما جهد المقل .
منهجه في البحث:
إتبع على المنهج القرآني في سرد الوصايا مرتبة كما وردت في التنزيل ، وقد جعل كل وصية عنوانا مستقلاً ، أدرج تحته ما تضمنته كل وصية من مبادئ وأحكام تحت عناوين جانبية مع إيضاح وبيان للغريب من الألفاظ. والاعتماد فيما يقوم به من إيضاح على أئمة التفسير ، وعزو الأدلة إلى مصادرها ، وتوثيق المعلومات .
• كمدخل للبحث تحدث المؤلف عن بعض ما جاء في فضل هذه الآيات التي غدت تعرف بالوصايا العشر ، وذكر في مستهل هذا المدخل الحديث الذي رواه الترمذي :
"من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات ( قل تعالوا أتل ما حرَم ربكم عليكم .. . إلى قوله لعلكم تتقون ) الآية (151) من سورة الأنعام .
ثم تطرق المؤلف إلى صلة الآيات بالكتب السماوية فقد أورد حديثاً رواه الإمام الطبري : قال: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال : ثنا أبي قال : سمعت يحي بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبدالله عن عبيدالله بن عدي بن الخيارقال : سمع كعب الأحبار رجلاً يقرأ : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " الآية فقال : والذي نفس كعب بيده إنَ هذا لأول شيئ في التوراة .
ثم بين المؤلف أن هذه الآيات من محكم القرآن الكريم إستناداً إلى مارواه الطبري رحمه الله حيث قال: حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن السدي قال : هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن ) .
ثم ربط بين هذه الآيات والآيات التي قبلها بالقول :
[ إن الله عز وجل لما بين فساد رأي الكفار وضلالهم فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والثمار وأوضح سفههم في ذلك وأبطل دعواهم بمطالبتهم بالبرهان ولا قدرة لهم عليه ، فلله الحجة البالغة ... ناسب بعد ذلك أن يوجههم بالأسلوب الحكيم إلى ما يجب عليهم اتباعه من شرع الله عزوجل لا مما تمليه عليهم أهواؤهم ، وتسوقهم إليه رغباتهم فيضعوا لأنفسهم قانوناً فيما يحل وما يحرم . بل مرد ذلك إلى العليم الخبير الذي أوضح لهم بأقوى بيان كمال قدرته عزَوجل وشدة عجزهم عن تدبر شئونهم ، فقال تعالى موجهاً الأمر إلى عبده ورسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم : ( قل تعالوا أتل ما حرَ م ركم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرَم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الآيات( 151-153) .
ثم دلف المؤلف مباشرة إلى :
• الوصية الأولى : وهي قوله تعالى :
( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألاَ تشركوا به شيئاً ) .
وقد تحدث المؤلف عن مفرداتها اللغوية والنحوية ، ثم بين تحت عنوان " الإيضاح " عن العلة في البدئ بتحريم الشرك وأن تكون أولى الوصايا العشر ، حيث يرى المؤلف أن ذلك مرده لأمور ثلاثة من وجهة نظره :
أولها : أن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ) الآية (48)من سورة النساء ،وقوله عز وجل ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ) الآية 116 من سورة النساء.
الثاني : أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " سورة الذارايات الآية(56) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ : أتدري ما حق الله على عباده ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال: أن يعبدوه لا يشركوا به شيئأ ، أتدري ما حقهم عليه ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال : أن لا يعذبهم " ثالثاً : أن الإنسان تتحقق إنسانيته بقلبه وروحه ولا صلاح له إلا بصلاحهما ولا صلاح لهما إلا بوحدانية الله عزوجل إله هذا المخلوق الذي أوجده من العدم وركب أجزاءه ، لا إله إلا هو ولا رب سواه ، قال تعالى " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) سورة ق الآية (16) .
ثم تطرق المؤلف إلى بيان أقسام الشرك ، وهي ثلاثة أقسام :
1- القسم الأول : الشرك في الربوبية وهو نوعان :
أ- شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك ،إذ أنه إنكار لوجود الله تعالى ، ومن وقع في هذا الذنب العظيم الدهريون والطبائعيون وإمامهم في ذلك فرعون القائل " وماربُ العالمين " ومن هذا النوع كذلك شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته ، وأنه لم يكن معدوماً أصلاً بل لم يزل ولا يزال ، والمخلوقات عندهم جميعاً ترجع إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها " العقول والنفوس " .
ب- النوع الثاني من شرك الربوبية هو شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطَل أسماءه وصفاته ، وربوبيته ، ومنه شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة ، قال تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا اله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " الآية (73) من سورة المائدة ، ومنه شرك المجوس القائلين باسناد حوداث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة .
القسم الثاني من الشرك : الشرك في توحيد الأسماء والصفات وهو كذلك نوعان
1- تشبيه صفات الخالق بالمخلوق : كأن يقول : يد كيدي وسمع كسمعي ، وبصر كبصري وهذا يسمى شرك الشبه ، وهذا النوع ينافي قوله تعالى " فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " الآية (74) من سورة النحل وقوله تعالى " ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير " الآية (11) من الشورى .
2- اشتقاق أسماء الآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق كا شتقاق اللاَت من الإله والعزى من العزيز ، وهذا ما نهى الله عنه بقوله " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " ، وممن فسر الإلحاد في أسماء الله بالاشتقاق إبن عباس رضي الله عنهما .
القسم الثالث من الشرك : الشرك في توحيد الإلوهية والعبادة .
وهذا القسم هو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية ، وهو كذلك نوعان :
1- أن يجعل العبد لله نداً يدعوه كما يدعو الله عز وجل ويسأله الشفاعة كما يسأل الله تعالى ، ويرجوه كما يرجو الله ويحبه كما يحب الله ، يخشاه كما يخشى الله ، قال تعالى " واعبدو الله ولا تشركوا به شيئأ " .
2- الشرك الأصغر : كيسير الرياء والتصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله عز وجل في العبادة ، بل يعمل العبد لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة، فله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب ، والله عزوجل لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً ، وذكر الله تعالى الإخلاص في كتابه العزيز أكثر من عشرين مرة ، قال تعالى " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " .
الوصية الثانية : وهي قوله تعالى : " وبالوالدين إحسانا " .
لقد بينت الوصية الأولى عظم نعمة العبودية لله تعالى وحده لا شريك له ، ويلي حق الله تعالى في المنزلة والعظمة حق الوالدين فقد جعلهما الله سبباً لوجود الولد .
وقد كرَمهما الله تعالى حين جعل حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى ، ولذا قال تعالى " أن اشكر لي ولولديك إليَ المصير " .
ثم تطرق المؤلف الى الجانب اللغوي من حيث النحو والمفردات ، مبيناً الأحكام المترتبة على هذه الوصية :
• وجوب طاعة الوالدين وبرَهما وصيانتهما .
• تحريم عقوق الوالدين والإساءة إليهما .
• إن حقهما أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى .
• تحريم طاعتهما فيما حرم الله عز وجل .
الوصية الثالثة : قوله تعالى :" ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"
المناسبة :
يقول المؤلف : لعل المناسبة واضحة من السياق وأن الله عز وجل لما قرر في كتابه العزيز واجب الإبن تجاه الوالدين أردف عز وجل بالوصية بالأبناء وبيان ما لهم من الحقوق كما أوضح ما عليهم من الواجبات ، وهذا تحقيق للموازنة بين الحقوق والواجبات .
ثم بيَن المؤلف الأسباب التي كانت وراء قتل الأبناء في الجاهلية وقد حدَدها في نقاط أربع :
1- الفقر الواقع والحال بالوالدين، فلا ينبغي لأجل ذلك قتل الأولاد ، قال تعالى " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " فقدم الوالدين على الأولاد لأنهم تابعون لأبنائهم في الرزق الحال .
2- الفقر المتوقع مستقبلاً ، يويد هذا قوله تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " وهنا قدم رزق الأولاد على الآباء لتعلق رزقهم بالمستقبل ، وكثيراً ما يكون الآباء عاجزين عن الكسب يحتاجون من ينفق عليهم فقدم رزق الأولاد في مقام الخوف والخشية من عدم الكسب وقلة الرزق .
3- الخوف من العار وهذا خاص بالبنات فقد كانوا في الجاهلية يئدون البنات حماية للشرف وبعداً عن السبة لكنها وسيلة قاسية وظالمة والغاية في الإسلام لا تبررالوسيلة
4- التدين فقد ينحر الجاهلي ولده تقرباً إلى الآلهة ، وقد يستدل له بأن عبدالمطلب نذر حين لقي من قريش ما لقي ، لئن ولد له عشرة أولاد لينحرن أحدهم .
الوصية الرابعة : قال تعالى : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن "
ذكر المؤلف الرابط والمناسبة بين الوصايا الثلاث الأول والوصية الرابعة حيث قال : إن الله تعالى أوصى في الوصية الأولى بطهارة القلب من عبادة غيره ، وفي الثانية بطهارة الجوارح من الإساءة إلى الوالدين ، وفي الثالثة أمر بطهارة الجوارح من كل صفة ذميمة مارسها الجاهليون ، فأكد على تحريمها ، والثانية والثالثة فيهما حماية للأسرة وجاءت الرابعة شاملة لحماية الفرد والأسرة والمجتمع ، فالطهارة المعنوية قاعدة يقوم عليها صلاح الفرد والأسرة والمجتمع . ثم بين معاني المفردات الواردة في الوصية .
الوصية الخامسة : وهي قوله تعالى " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الاَبالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون "
بين المؤلف في هذه الوصية المعاني اللغوية والنحوية الواردة فيها موضحاً أن قتل النفس داخل في جملة الفواحش ، إلا أن الله تعالى أفرده بالذكر لفائدتين اثنتين
1- أن الإفراد بالذكر يدل على التعظيم .
2- أن الفواحش لا يتستثنى منها فلا يقال : لا تقربو ا الفواحش إلا بالحق،وهو وارد في القتل فجاء إفراده لغرض الاستثناء أيضاً .
ثم تطرق إلى أقسام القتل الثلاثة وهي : 1- العمد 2- شبه العمد 3- الخطأ .
الوصية السادسة : وهي قوله تعالى : " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده "
حيث جاءت هذه الوصية في وقت كان المجتمع الجاهلي لا يعير مال اليتيم أدنى رعاية ، بل كان يتعدى عليه ، فقررت هذه الوصية " قاعدة التكامل الاجتماعي " كما يقول المؤلف، والتي ألقت بالمسئولية على كواهل المسلمين أفراداً وجماعات حاثة إياهم على رعاية اليتيم وكفالته ورعاية حقوقه حتى يبلغ أشده .
ثم تطرق المؤلف إلى أقوال المفسرين في تحديد " الأشد " حيث ذكر ثمانية أوجه لهذا السن وهذه الوجوه هي : 40 ، 33 ،25، 18 ،34، 30، بلوغ الحلم ، 18-30 .
ثم ذهب إلى أن المراد بالأشد في شأن اليتيم بلوغ الحلم مع حسن التصرف وهو المبين في قوله تعالى( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) الآية (6) من النساء، وبلوغ الحلم هو بلوغ النكاح ، لكنه مشروط بإيناس الرشد .
الوصية السابعة : قال تعالى :
( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفساً إلا وسعها ) .
وتمشياً على نهجه في الربط بين الوصايا وإيضاح الغريب من المفردات وبيان معانيها ، كان للوصية هذه أيضاً نصيب من ذلك ، مبيناً معاني القسط والقسطاس والحث على إيفاء الناس حقوقهم غير منقوصة وأن الأمر بالإيفاء يفهم منه تحريم النقص .
الوصية الثامنة : وهي قوله تعالى :" وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى "
كدأبه في الحديث بدأ المؤلف الحديث عن مناسبة الوصية الثامنة بالسابعة فقال " إن المتأمل في الوصية السابقة وهي الأمر بالإيفاء وتحري الكمال في أداء الحقوق وأخذها ، قد يرى مناسبة للربط بين الوصيتين وهي ان إيفاء الحقوق لا يقوم إلا على ركيزة أساسية في المجتمع المسلم وهي مبدأ العدالة في الحقوق والواجبات المتعلقة بسائر المعاملات التجارية وغيرها ، ثم أردف بالأمربالعدل والتزام الانصاف في المعاملات القولية الشاملة للشهادات والأمور القضائية وغيرها مما يتعلق باظهار الحق واشهاره بين أفراد المجتمع المسلم .
الوصية التاسعة : وهي قوله تعالى : "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " يقول المؤلف : مما تقدم بيانه يتضح لنا أن تلك الأوامر والنواهي وتلك الأسس الاجتماعية ما هي إلا أجزاء بنود عقد أقامه الرب سبحانه بينه وبين عباده ، ويتمثل ذلك في القيام بتلك الأوامر والنواهي فعلاً وتركاً ، والعهد شامل لكل ما عهد الله إلى الناس كا فة على ألسنة الرسل فطلب من هذه الأمة الوفاء بما عهد إليها ، فقال " وبعهد الله أوفوا " فالوفاء بما تقدم وبكل عهد بين العبد وربه مطلوب شرعاً .
الوصية العاشرة : وهي قوله تعالى :
(وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
المناسبة :
بعد سباق ما تقدم وتوصية المسلم إلى العمل بما جاء من الأوامر ، وترك ما نهى الله عز وجل ، واتضح طريق الله عز وجل ، ناسب ختم ذلك بالإشارة إلى أن تلك المجموعة من الأوامر والنواهي تمثل صراط الله المستقيم الذي يوصل سالكه إلى جنة الله ورضوانه وإن من فرط في شيئ منها فعلاً أو تركاً فقد تنكب صراط الله وابتعد عنه واتجه نحو هوة سحيقة تهوي به في نار جهنم ، فليتق الله كل مسلم .
أخيراً :
لا نملك في هذه العجالة إلا أن ندعوالله تعالى للمؤلف بالخير العميم والجزاء الوفير لقاء ما قدم من رفد للمكتبة الإسلامية باسهامه الطيب ، فجزاه الله خيراً . والكتاب من إصدارات مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة وقد صدرت الطبعة الأولى منه في عام 1412هـ -1991م ويقع في خمس ومائة صفحة . ويباع في المكتبات .
منقول