تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دول مجلس التعاون... تحدي النجاح أو الفشل


صقر الجنوب
28/06/2005, 06:52 PM
دول مجلس التعاون... تحدي النجاح أو الفشل




http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2005/06/28/0841081.jpghttp://www.alarabiya.net/img/spc.gif




د. محمد الرميحي

يضرب المنطقة العربية إعصار سياسي كبير، وتتراوح مقدمات الإعصار من الشعارات التي ترفع في القاهرة كما نقلتها الصحف الصادرة في الخارج (حكومة هز الوسط بكرة الرغيف يبقى بالقسط) وهو شعار يستمع إليه كثيرون في العواصم المختلفة، إلى سلسلة اغتيالات يبدو أنها لن تتوقف في وقت قريب في لبنان، إلى حرب تكاد تتحول إلى أهلية وجاهلية في العراق، إلى معاناة سورية نتيجة الضغط الخارجي والداخلي، إلى شقاق يبدو انه غير ذي نهاية في السودان,إلى نتائج انتخابات رئاسية في الجوار تحمل التشدد.
إذا الإعصار يبرق ويرعد في المنطقة حولنا، انه «التسونامي» السياسي الشرق أوسطي، ونحن في الخليج لا نريد أن نرى ما خلف الأكمة، كما يقول المثل العربي!
نتحدث عن مجلس التعاون حديثا موسميا وهو في الغالب ينتعش آخر العام من كل سنة عندما يبدأ الاستعداد لعقد القمة الخليجية في احدى العواصم، وبعده يفتر الحديث حتى العام القادم.
وعندما أتحدث عن المجلس هنا لا اقصد الإدارة التشغيلية المُكونة من الأمانة العامة ومنتسبيها، فهي تبذل في إطار المتاح في الفضاء المسموح لها به أقصى الجهد الممكن، وهو جهد مشكور، ولكن الحديث هنا ينصب على (فقد القرار المركزي لاستراتيجية عامة لدول الخليج) وتطوير رؤية تأخذ بعين الاعتبار ما يحيط بالمنطقة من تغيرات جذرية شاخصة، بعضها من نتائج الإعصار الذي ذكرت، وبعضها بسبب التطورات العالمية.
فهل القيادات في مجلس التعاون بصيرة بما يحيط بالمنطقة من تغيرات ضخمة، وهل لديها الاستعداد لمناقشة تأثير هذه المتغيرات على الخليج وأهله في المستقبل المنظور والمتوسط.
جملة المتغيرات كثيرة، ولعل أولها الحرب على الإرهاب الذي تحول إلى حرب من اجل الديموقراطية والشفافية وحكم القانون وسيادة أنظمة السوق من بين أمور أخرى، لعل الموضوع المركزي هنا هو (الاقتصاد) الذي لا يبدو أن هناك تصورات منطقية ومستقبلية له في الخليج غير الاعتماد على السوق الدولي في رفع أسعار النفط والاستفادة الموقتة منها.
رفع أسعار النفط هي مجلبة للنفع للمنطقة ومثلبة في نفس الوقت، لان المبالغ الخيالية التي تدر على خزينة الدولة في دول النفط، تجد لها مسارب غير تنموية أن لم يكن تحكمها رقابة صارمة وتقودها خطط تنموية، فقد تذهب إلى غير منفعة، والإصلاح المطلوب هو الإصلاح الاقتصادي، لان اكبر مزالق الفساد، هو الفساد الاقتصادي، ولقد مر على الخليج حين من الدهر بين ارتفاع للأسعار وانخفاض لها، تذبذبت معها السياسات المختلفة بين شد الأحزمة على البطون، حتى إرخائها دون سقف، فتترك الأولى مرض سوء التغذية، وتترك الثانية مرض التخمة، إلا أن المرضين ينتجان محصلة واحدة، هي نقص المناعة الاجتماعية والسياسية لمجتمعات الخليج.
ما يواجه المجلس هو هذا الغياب في الاستراتيجية الاقتصادية، والذي يؤثر غيابها بعد ذلك على جملة من الملفات.
رغم أن الاتفاقية الاقتصادية، كما أقرت منذ البداية من المسؤولين ووصفت أنها (عصب الاتفاقيات لمجلس التعاون) إلا أنها مازالت تراوح مكانها، يخترقها البعض، فيخرقها الكل.
إذا كان ثمة تحد في دول الخليج مشترك وجوهري فهو تحدي الإصلاح الاقتصادي، أبو الإصلاحات جميعا وأمها.
الوفرة المالية الحالية في الخليج تجبر البعض أو الكثرة إلى النظر إلى الوضع القائم وكأنه دائم، ولا أضر من اقتناع المسؤول، خاصة الكبير، أن الوضع القائم دائم، فهذه النظرة مهلكة للكثير من الدول والمجتمعات، ويظل المسؤول أسيرا لهذه النظرة الآنية حتى تفاجئه الأحداث.
إذا كان ثمة تغيير قادم في منطقة الشرق الأوسط مرورا بالعراق والسودان ومصر وبعض البلدان العربية الأخرى، فان التغيير في دول الخليج هو الأسرع والأكثر قدرة على تجاوز آلام التغيير التي قد تصيب بلاداً عربية أخرى بمقتل.
لا شك أن التغيير الحادث في العراق هو تغيير مؤلم، وهو تغيير يراق الدم على طريقه الصعب كل يوم بل كل ساعة، ويفقد آلاف من إخوتنا في العراق أرواحهم كل شهر بسبب رياح التغيير العاصفة، إلا أن السكوت عن ذلك سوف يسبب الكثير من ألام لنا في منطقة الخليج في المستقبل القريب، فسوف نرى قريبا، كما رأينا في السابق، جماعات «العائدون من أفغانستان والشيشان» وغيرهما من مناطق الصراع، وسوف نرى فئة جديدة هي «العائدون من العراق»، فليس لنا في الخليج حتى الساعة تصورات تواجه احتمالات الفشل أو النجاح في العراق، فان فشل المشروع العراقي المدعوم أميركيا، وهو عقلياً أمر محتمل، وسحبت أميركا وحلفاؤها قواتهم من العراق أو تراخت، فان دول الخليج هي أول من يواجه العاصفة، سواء (من القاعدة، أو غيرها)، وان نجح العراق والمشروع الأميركي فيه، فان أول استحقاقات هذا النجاح سيكون مصوب إلى دول الخليج، وفي الحالتين لا أخال أن لهذه الدول استراتيجية متقاربة لمواجهة الاحتمالين!
لا شك أن الخليج قد شهد ثورة مستترة وهي انتشار التعليم الذي استمر لأربعة عقود على الأقل، وهناك من القوى البشرية في الخليج ما هو مؤهل وقادر على المنافسة، ولديه من العلم الحديث حصيلة معقولة، بشهادة هذا الجيش من المهندسين والكيميائيين والأطباء وغيرهم، وهم يختلفون عن بقية المناطق العربية اختلافين أساسين، الأول أن هذه النخبة ما زالت قائمة لم تلحقها تصفيات وإبعاد أو إجبار على الرحيل، كما لحقت بمجموعات النخب العربية في البلدان الأخرى، والاختلاف الثاني هو توافر الوسائل الحديثة للاطلاع على العالم، وهو أمر توافر بسبب الوفرة المادية، ولم يكن متاحاً للنخب في الكثير من البلاد العربية، وفي زيارة أخيرا لجامعة العين في دولة الإمارات وجدت أن الطالب يستطيع أن يحصل على كل الدوريات في تخصصه، وخاصة الغربية بكبسة زر كما يقال، أي من خلال تلك الآلة السحرية (الانترنت) وهو يتكرر في الكثير من الجامعات في الخليج، ويصعب على الطالب العربي في الكثير من البلدان العربية الأخرى مثل هذا الامتياز العلمي.
والحبل على الجرار فهناك آلاف الطلبة في الخارج وعشرات الالاف في الداخل الذين تحتضنهم الجامعات ليست الحكومية فقط، ولكن الأهلية التي تتناسل بسرعة على ضفة الخليج الغربي.
ولا تزال الشكوى، وهي شكوى صحية، حول قصور التعليم الحديث في الخليج عن الوفاء باحتياجات متطلبات التنمية المتسارعة، ولا تزال الخطط توضع لتجويد الأداء التعليمي في مختلف المراحل وعلى جميع المستويات، فان وصفنا كل ذلك بالثورة العلمية، فهو وصف ليس بعيدا عن الواقع.
يرى البعض أن التغيير في المنطقة العربية قد يأخذ شكلين، الاول تغيير هادئ ومنظم ومرحلي وقد يحدث في الخليج، في ما الثاني تغيير عنفي في بلاد الشرق العربية، ربما هي نظرة متفائلة، ولكنها ممكنة إذا قيض لمتخذ القرار في الخليج الإقدام على اتخاذ القرار الصعب الحالي، قبل أن يصبح الصعب مستحيلا في المستقبل.
لقد كانت زيارة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية أخيرا إلى المنطقة مؤشرا للإصرار الأميركي لإحداث التغيير، وقد يبدأ البعض بالتقليل علنا عما ترغبه الولايات المتحدة، إلا أن الواقع الموضوعي يقول ان رغبات الولايات المتحدة في هذه الفترة من الزمن، هي رغبات واجب الأخذ بها، أو الاعتراف بوجودها على الأقل، ان لم يكن تنفيذها، فالعالم يحتاج إلى بعضه البعض كما لم يحتج في السابق، سواء للتبادل الاقتصادي أو الحرب على الإرهاب أو حتى جلب التأييد لإقامة دورة رياضية، كما فعل جاك شيراك أخيرا، عندما سافر إلى سنغافورة لإقناعها بتأييد باريس كحاضنة للدورة الاولمبية في عام 2012.
في الخليج هناك قضايا ملحة أكثر كثيرا من إقامة دورة رياضية، انها إقامة المجتمع المتكافل، والاقتصاد المنتج والاستقرار، ألا يستحق كل ذلك بذل الجهد، وترك التقاعس، والتسامي على المنغصات الصغيرة,,, في تقديري ان ذلك يستحق العناء، لان الخيار الآخر هو خيار مسكُوت عنه الآن ولكن يمكن أن يحدث دون مقدمات.
لهذا فإننا محتاجون إلى وضع سيناريو يحسب دون عواطف، إمكانيات النجاح واحتمالات الفشل في مسيرة شبت عن الطوق وأصبح رصيدها من السنين ربع قرن، ذلك هو التحدي.

* نقلا عن جريدة "الرأي العام" الكويتية