صقر الجنوب
28/06/2005, 07:57 PM
تفريخ الإرهاب
http://www.alarabiya.net/img/spc.gif
http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2005/06/28/1723491.jpghttp://www.alarabiya.net/img/spc.gif
ليلى الأطرش
بين تصريح إمام المسجد الحرام في مكة، ومدينة سلا المغربية يقف وطن عربي بمشرقه ومغربه على حافة العنف باسم الدين وتحت ستاره.
إمام المسجد الحرام طالب بإعداد جيل جديد يؤمن بالوسطية لتحفظه من التطرف والمغالاة وتبعده عن ضياع التغريب، وندوة سلا المغربية طالبت بتطوير التعليم الديني تحديدا لأنه فرّخ أجيالا من المتطرفين الذين اختطفوا الدين ووسطيته واعتداله، ونصبوا أنفسهم قيمين على التفسير والوعظ وتحديد المناهج واستقطاب الشباب لنهجهم ورؤيتهم، فكانت النتيجة أجيالا من الشباب المغالين الذين لا يعرفون إلا اجتهاد ورؤية شيوخهم، أو وقعوا في براثن الغيبيات والشعوذة حين اختلط الدين بالموروث في فهم قاصر لوسطيته.
الدوافع للارتداد والانغلاقية قد تختلف في مجتمعات الرفاه عن مجتمعات الفقر والجهل العربية، ولكن النتيجة واحدة وهي تفريخ العنف السلفي ورفض الآخر ونبذ الحوار واحتكار النص والتفسير.
الدعوة إلى تغيير النهج في التربية الدينية ومن صروح دينية بحجم المسجد الحرام أو الأزهر أو القيروان سيعيد الشباب المغالي بدينه إلى الوسطية، مع تحرير الناس من سطوتها ورفع يدها عن المناهج العلمية العربية وعدم تدخلها في الفكر والإبداع وحرية التعبير، مما سيعيد العقل العربي من استلابه بالخوف من الدين، وسيشجع البحث العلمي والفكر مما يحتاجه الشباب العربي ويعود بهم من دوائر التبعية للتطرف والإرهاب.
لقد عانت السعودية مثل غيرها من جماعات التشدد، وبعد أن صدّرت هذه الجماعات عناصرها إلى أفغانستان ودول الجوار العربي والعالم. ولهذا فالدعوة إلى الوسطية إدراك أن التطرف يقود العرب إلى التهلكة، فلم يعد »الصليبيون« و»أعداء الأمة« هم الضحايا ولكنهم أولاد المسلمين وعائلاتهم ونساؤهم الذين يقتلون يوميا وبلا ذنب وباسم الدين، من يقبل ما يحدث في العراق من ترويع يمنع الناس من الخروج من بيوتهم إلا لأقصى ضرورة؟ وأن تقام المآتم في بيوت الله ومساجده لأنه المكان الوحيد الآمن، وأن توزع ساعات النهار على عدد القتلى من العراقيين لمعرفة كم حصة كل مأتم من يوم المسجد؟ وما زال حبل العنف والترويع على غارب من توّحشوا باسم الدين.
ومن ينسى ما حدث في الجزائر من قتل وإبادة قرى بكاملها ذبحا كالخراف لأنهم كفرة شاركوا في انتخابات حكومة من زبانية الشيطان؟ من يحدد الخير والشر والخطأ والصواب في فكر انغلاقي لا يرى أبعد من إصبعه، والنتيجة في الجزائر ارتداد الناس إلى الغيبيات وتحول أطباء إلى الرقية يطببون بها الناس بعد أن هجروا شهاداتهم الطبية وراء الربح من عقول لا تؤمن إلا بالخارق وما وراء قدرة الإنسان.
لا تعفى الحكومات العربية من مسؤولية اتساع دوائر العنف والإرهاب، فقد صمتت بل ساعدت الفكر الانغلاقي على اختطاف الدين إلى المغالاة والتطرف تحت ستار نشره والدعوة له والتحكم في تشكيل وعي وشخصية الأجيال، وتركت خطباء المساجد ينشرون الفكر الذي يريدون، وسمحت لمدعي المعرفة أن يصيروا وعاظا ودعاة دون أن يتخرجوا من صروح دينية وبدون علم وتبحر في الدين، وقمعت الفكر التنويري ومنعت كتبه واتهمته بالإلحاد والعلمانية والكفر وحالت دون تصديه لهؤلاء ومناقشتهم، وكانت الأهداف السياسية الخاصة بكل دولة وراء إطلاق يد الجماعات لتتحكم في المناهج، وتقيم الصلاة بالقوة وتكفّر وتحاسب فحصدت نتائج سياساتها انفلات الأمن وتنامي قوة التطرف واتهامها بالكفر، وعجزت عن مقاومتها فعمل هذه الجماعات سري ومنظم ويقوم على الطاعة العمياء للأوامر.
لا يختلف اثنان على المحافظة على الخصوصية الإسلامية للدول العربية، ولكنه الإسلام الوسطي المعتدل والقابل للآخر والمجادل بالتي هي أحسن، والقادر على التواصل مع علوم الآخرين وفكرهم وحياتهم دون ذوبان فيها. وقد اقتبس العرب قديما حضارات الآخرين وعلومهم وتفاعلوا معها فظلوا مسلمين ولم تعصف الريح بهويتهم وأصالتهم، بل تطوّروا وأضافوا لجهد العالم الإنساني في العلوم والآداب مما وقف عنده أحفادهم ليفاخروا بمجد لم يدم إلا قليلا.
قوة اليمين الإسلامي المتشدد ظهرت في انتخابات إيران، فأزاحت اعتدال رفسنجاني داعية الإصلاح الذي حاول الخروج بإيران إلى عصر جديد، وقد خسر معركته بسهولة لم يحسبها هو نفسه، ولم يقدّرها أي محلل سياسي، فلم يدركوا حجم قدرة الخطاب الديني في المساجد، ولا تنظيم الجماعات والتزامها بالقرار، فاندحر الاعتدال أمام قوة التنظيم والالتفاف.
العنف والتطرف أساء للإسلام في عالم جديد لا قوة حقيقية فيه للدول العربية، وليس أمامها سوى التعايش مع الآخرين والتفاعل معهم وقبولهم بالحسنى فلهم دينهم ولكم دين.
* نقلا عن جريدة "الدستور" الأردنية
http://www.alarabiya.net/img/spc.gif
http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2005/06/28/1723491.jpghttp://www.alarabiya.net/img/spc.gif
ليلى الأطرش
بين تصريح إمام المسجد الحرام في مكة، ومدينة سلا المغربية يقف وطن عربي بمشرقه ومغربه على حافة العنف باسم الدين وتحت ستاره.
إمام المسجد الحرام طالب بإعداد جيل جديد يؤمن بالوسطية لتحفظه من التطرف والمغالاة وتبعده عن ضياع التغريب، وندوة سلا المغربية طالبت بتطوير التعليم الديني تحديدا لأنه فرّخ أجيالا من المتطرفين الذين اختطفوا الدين ووسطيته واعتداله، ونصبوا أنفسهم قيمين على التفسير والوعظ وتحديد المناهج واستقطاب الشباب لنهجهم ورؤيتهم، فكانت النتيجة أجيالا من الشباب المغالين الذين لا يعرفون إلا اجتهاد ورؤية شيوخهم، أو وقعوا في براثن الغيبيات والشعوذة حين اختلط الدين بالموروث في فهم قاصر لوسطيته.
الدوافع للارتداد والانغلاقية قد تختلف في مجتمعات الرفاه عن مجتمعات الفقر والجهل العربية، ولكن النتيجة واحدة وهي تفريخ العنف السلفي ورفض الآخر ونبذ الحوار واحتكار النص والتفسير.
الدعوة إلى تغيير النهج في التربية الدينية ومن صروح دينية بحجم المسجد الحرام أو الأزهر أو القيروان سيعيد الشباب المغالي بدينه إلى الوسطية، مع تحرير الناس من سطوتها ورفع يدها عن المناهج العلمية العربية وعدم تدخلها في الفكر والإبداع وحرية التعبير، مما سيعيد العقل العربي من استلابه بالخوف من الدين، وسيشجع البحث العلمي والفكر مما يحتاجه الشباب العربي ويعود بهم من دوائر التبعية للتطرف والإرهاب.
لقد عانت السعودية مثل غيرها من جماعات التشدد، وبعد أن صدّرت هذه الجماعات عناصرها إلى أفغانستان ودول الجوار العربي والعالم. ولهذا فالدعوة إلى الوسطية إدراك أن التطرف يقود العرب إلى التهلكة، فلم يعد »الصليبيون« و»أعداء الأمة« هم الضحايا ولكنهم أولاد المسلمين وعائلاتهم ونساؤهم الذين يقتلون يوميا وبلا ذنب وباسم الدين، من يقبل ما يحدث في العراق من ترويع يمنع الناس من الخروج من بيوتهم إلا لأقصى ضرورة؟ وأن تقام المآتم في بيوت الله ومساجده لأنه المكان الوحيد الآمن، وأن توزع ساعات النهار على عدد القتلى من العراقيين لمعرفة كم حصة كل مأتم من يوم المسجد؟ وما زال حبل العنف والترويع على غارب من توّحشوا باسم الدين.
ومن ينسى ما حدث في الجزائر من قتل وإبادة قرى بكاملها ذبحا كالخراف لأنهم كفرة شاركوا في انتخابات حكومة من زبانية الشيطان؟ من يحدد الخير والشر والخطأ والصواب في فكر انغلاقي لا يرى أبعد من إصبعه، والنتيجة في الجزائر ارتداد الناس إلى الغيبيات وتحول أطباء إلى الرقية يطببون بها الناس بعد أن هجروا شهاداتهم الطبية وراء الربح من عقول لا تؤمن إلا بالخارق وما وراء قدرة الإنسان.
لا تعفى الحكومات العربية من مسؤولية اتساع دوائر العنف والإرهاب، فقد صمتت بل ساعدت الفكر الانغلاقي على اختطاف الدين إلى المغالاة والتطرف تحت ستار نشره والدعوة له والتحكم في تشكيل وعي وشخصية الأجيال، وتركت خطباء المساجد ينشرون الفكر الذي يريدون، وسمحت لمدعي المعرفة أن يصيروا وعاظا ودعاة دون أن يتخرجوا من صروح دينية وبدون علم وتبحر في الدين، وقمعت الفكر التنويري ومنعت كتبه واتهمته بالإلحاد والعلمانية والكفر وحالت دون تصديه لهؤلاء ومناقشتهم، وكانت الأهداف السياسية الخاصة بكل دولة وراء إطلاق يد الجماعات لتتحكم في المناهج، وتقيم الصلاة بالقوة وتكفّر وتحاسب فحصدت نتائج سياساتها انفلات الأمن وتنامي قوة التطرف واتهامها بالكفر، وعجزت عن مقاومتها فعمل هذه الجماعات سري ومنظم ويقوم على الطاعة العمياء للأوامر.
لا يختلف اثنان على المحافظة على الخصوصية الإسلامية للدول العربية، ولكنه الإسلام الوسطي المعتدل والقابل للآخر والمجادل بالتي هي أحسن، والقادر على التواصل مع علوم الآخرين وفكرهم وحياتهم دون ذوبان فيها. وقد اقتبس العرب قديما حضارات الآخرين وعلومهم وتفاعلوا معها فظلوا مسلمين ولم تعصف الريح بهويتهم وأصالتهم، بل تطوّروا وأضافوا لجهد العالم الإنساني في العلوم والآداب مما وقف عنده أحفادهم ليفاخروا بمجد لم يدم إلا قليلا.
قوة اليمين الإسلامي المتشدد ظهرت في انتخابات إيران، فأزاحت اعتدال رفسنجاني داعية الإصلاح الذي حاول الخروج بإيران إلى عصر جديد، وقد خسر معركته بسهولة لم يحسبها هو نفسه، ولم يقدّرها أي محلل سياسي، فلم يدركوا حجم قدرة الخطاب الديني في المساجد، ولا تنظيم الجماعات والتزامها بالقرار، فاندحر الاعتدال أمام قوة التنظيم والالتفاف.
العنف والتطرف أساء للإسلام في عالم جديد لا قوة حقيقية فيه للدول العربية، وليس أمامها سوى التعايش مع الآخرين والتفاعل معهم وقبولهم بالحسنى فلهم دينهم ولكم دين.
* نقلا عن جريدة "الدستور" الأردنية