صقر الجنوب
05/07/2005, 08:18 PM
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-07-02/Pictures/open.jpg
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-07-02/Pictures/0207.nat.p8.n665.jpg
سبيل الله مقام
جدة: صفاء الشريف
لا تصلح الأرقام الصماء مدخلا أساسيا وحيدا لتناول قضية مشاكل الخادمات في السعودية فخلف الأرقام تكمن تفاصيل عديدة غائبة بوعي أو بدون وعي عن الذين يتصدون للقضية. وإجمالا يمكن القول دون الابتعاد عن الحقيقة إن انخفاض أعداد الشكاوى المقدمة من خادمات أو أعداد المقدمات على الانتحار أو الهرب منهن لا يعد دليلا دامغا على أن علاقة الكفيل بالخادمة على ما يرام. وفي المقابل لا يمكن اعتبار تضخم إحصائيات شكاوى الخادمات ومحاولاتهن الانتحار والهروب دليلا على إساءة معاملة الكفيل للخادمة.. فواقع الحال يقول إن معظم مشاكل الخادمات في السعودية وغيرها من الدول تبدأ قبل وصول الخادمة إلى هذه البلاد، إما لخطأ في الاختيار أو لأن الخادمة لا تحمل معها فقط جواز سفرها بل تحمل قبل ذلك ملفا ضخما من المشاكل والعقد النفسية والانحرافات الشخصية. وعلى الجانب الآخر تختلف معايير اختيار الخادمة واستقدامها من مواطن إلى آخر، فالبعض يختار على أساس الشكل وآخرون يختارون على قاعدة الكفاءة، وفريق ثالث يختار بلا أي أساس.. على أن القسم الأكبر من مشاكل الخادمات ـ ووفق أطراف عديدة ـ تتحمله مكاتب الاستقدام التي تفتح أبوابها للخادمات الهاربات من كفلائهن وتشغلهن سرا. وتشير الأرقام غير الرسمية إلى انتحار حوالي 130 خادمة من الجنسية الإندونيسية من بين أكثر من 585 ألفا من العمالة الإندونيسية الموجودة في المنطقة الغربية فقط. كما تشير إلى دخول حوالي 32 خادمة المستشفيات بسبب إساءة التعامل معهن بأسلوب عنيف، وذلك خلال الفترة ما بين عام 2003 وحتى يونيو من العام الحالي. كما توجد في القنصلية الإندونيسية بجدة حتى الآن حوالي 120 خادمة إندونيسية هربن من كفلائهن بسبب الإساءة لهن. وفي الوقت الذي مازالت الجهود تبذل لوضع شروط وضوابط لكيفية التعامل مع الخادمات بمختلف جنسياتهن وكيفية استقدامهن، إلا أن عدم وجود نظام أو نص قانوني يحمي هذه الفئة ويردعهن في نفس الوقت خلق العديد من الثغرات التي يستفيد منها كلا الطرفين سواء الخادمات أو كفلاؤهن.
ولا تختلف روايات الخادمات الهاربات في تبرير أسباب هروبهن فكلهن يضعن أنفسهن في موقف المجني عليه حيث تشير (بدرية الإندونيسية) إلى أنها جاءت إلى الرياض منذ حوالي 7 سنوات، وكان كفيلها وزوجته طاعنين في السن، ولهذا حاول أكثر من مرة الإساءة لها فهربت من الرياض إلى جدة عن طريق أصدقائها، وذلك منذ حوالي 5 سنوات، وهي تعمل الآن في المنازل بدون إقامة نظامية. وتؤكد أن ذلك أفضل رغم المخاطر التي تواجهها من رجال الجوازات إلا أن دخلها الشهري يصل في شهور الذروة (رمضان، ذي الحجة ) إلى 1600 ريال بعد أن اكتسبت خبرة في إعداد المأكولات المختلفة وإقامة موائد الولائم وتربية الأطفال.
ووفق رواية الخادمة- وهي مجرد نموذج- فإن الربح الأكبر يطرح نفسه سببا أول للهروب من الكفيل وإلا ما كانت الخادمة سلكت هذا الطريق.
وتحفل أقسام الشرطة والجهات المسؤولة بالعديد من قصص الخادمات اللاتي يمارسن أعمال السحر الأسود والشعوذة مما تسبب في خراب الكثير من البيوت.
الأخطاء والتجاوزات من الجانبين
ووفق قنصل الإعلام بالقنصلية الإندونيسية بجدة سبيل الله مقام لـ"الوطن" فإن عدد العمالة الإندونيسية الموجودة في المنطقة الغربية يقدر بحوالي 650.000 إندونيسيي منهم 90% خادمات في المنازل، مشيرا إلى أن نسبة العاملات اللاتي يشتكين من تعرضهن للإساءة لا تتجاوز 0.02 % فقط.
وعن حقيقة وجود انتهاكات في حق هؤلاء الخادمات، يرى أن الأخطاء والتجاوزات موجودة من الجانبين فالإنسان ليس ملاكا. ويشير مقام إلى أن القنصلية تستقبل يومياً حوالي 15 خادمة هاربة من كفلائهن بسبب الإساءة لهن، أي ما يعادل 5490 خادمة هاربة سنوياً في المنطقة الغربية وحدها، وفي هذه الحالات قد تتم تسوية الموضوع بشكل سريع إلا أنه في بعض الأحيان وبسبب تعنت الكفيل يتم تعليق المشكلة مما يطيل مدة إقامة الخادمة في القنصلية إلى عام أو أكثر. كما أشار إلى تواجد حوالي 120 خادمة حالياً بالقنصلية يواجهن مشكلات مختلفة مع كفلائهن معظمها بسبب عدم حصولهن على أجورهن لمدة قد تصل إلى 14 عاما، أو بسبب منعهن من السفر بعد إقامتهن مدة قد تصل إلى 10 سنوات متواصلة تخوفاً من عدم عودتهن مرة أخرى بعدما اعتادت عليهن الأسر. وتأتي في المرتبة الثالثة مشكلة تعرض الخادمة للانتهاكات سواء بالضرب أو العنف أو زيادة ساعات العمل أو التحرش.
تحسين إجراءات الاستقدام
ويعلق مقام على عدم وجود بند في نظام العمل والعمال يختص بخادمات المنازل مشيراً إلى أن نظام العمل والعمال يعتبر من الأمور الداخلية للمملكة، ولا يمكن التدخل فيه أو حتى المطالبة بتعديل جزء منه، لأنه من المؤكد أن الحكومة لها أولوياتها، ورغم ذلك نتمنى أن يُستحدث بند في نظام العمل والعمال فيما يخص عاملات المنازل ليحفظ حقوقهن، وفي نفس الوقت يردع المخالفات منهن.. وهذا ليس مطلبنا فقط بل من ضمن مطالب الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن ما يمكن فعله في الوقت الراهن هو تحسين إجراءات الاستقدام وهذا بالفعل ما قامت به الحكومة الإندونيسية مؤخراً حيث فرضت بعض الشروط وهي:
- إبرام عقد بين الكفيل ومكتب الاستقدام يذكر فيه مجموعة بيانات عن الكفيل تتلخص في عنوان منزله ورقم الهاتف وعدد أفراد الأسرة وخريطة مبسطة للمنزل ومن ثم يقدمها مكتب الاستقدام بدوره إلى القنصلية أو السفارة وبما أنه لا يوجد قانون يحميهم بالتالي فوجود هذه البيانات عن الكفيل تمكننا إلى حد ما من حمايتهن في حال حدوث إساءة للوصول إلى حل دبلوماسي ودي بين الطرفين قبل تدخل الجهات الرسمية وتصاعد المشكلة .
- حقها في الحصول على إجازة يوم في الأسبوع تقضيه خارج المنزل وليكن في مكتب الجاليات أو مكاتب الدعوة والإرشاد لكي تحصل على دروس في اللغة العربية ودروس دينية وتوعوية كما تقابل فتيات من بني جلدتها تتحدث معهن مما يخفف من غربتها، وفي حال عدم موافقة الكفيل على خروجها من المنزل عليه منحها بدل مادي ليوم الإجازة باعتباره عملاً إضافياً والذي تم تقديره بحوالي 25 ريالا، مشيراً إلى أن العديد من الكفلاء يحرمون خادماتهم من الخروج من المنزل لعدة سنوات كما يمنعونهن من مقابلة خادمة أخرى من بني جلدتها مما يؤثر سلباً على نفسيتها.
ويشير مقام إلى أهمية استحداث وظيفة مفتشة تتابع أحوال الخادمات على أن تكون هذه المفتشة تابعة للسفارة. وقال إن مشكلة المتخلفات والمتخلفين من العمرة هي المشكلة الكبيرة التي تؤرق القنصلية الإندونيسية ولم تجد لها حلا.. ففي الفترة ما بين يناير ويونيو 2005 تم ترحيل حوالي 3000 من العمالة الإندونيسية المخالفة ما بين ذكور وإناث. وأضاف أن من أهم أسباب المشكلة، وجود مواطنين يشجعون على ذلك فيتواصلون مع سماسرة خادمات المنازل للحصول على خادمة بدون إقامة لا تكلف سوى 1000 ريال في الشهر دون اللجوء إلى المصاريف الباهظة عن طريق مكاتب الاستقدام، وفي نفس الوقت إذا لم تكن مناسبة يمكنه تغييرها دون انتظار أو خسارة. كما أن الخادمات المخالفات يستفدن حيث يحصلن على أجور أفضل من التي يحصلون عليها في الشكل النظامي والتي لا تتجاوز 600 ريال.
عنف خادمات المنازل
من جهتها، تشير رئيسة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الجوهرة العنقري إلى أن عنف خادمات المنازل هو عملة ذات وجهين، فهو إما أن يكون عنفا ضدها أو عنفا تقوم به ضد أحد أفراد الأسرة خاصة من الأطفال، مؤكدة أن العنف لا يقتصر على المملكة فقط بل على مستوى العالم. وأضافت أن معدل العنف حول العالم في زيادة خاصة في الولايات المتحدة، فوفقا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان، فإن وجود مشكلات خطيرة وحقيقية في مجال حقوق الإنسان مازالت قائمة في المملكة خاصة فيما يتعلق بانتهاك الحريات وما يتعلق بالتمييز ضد الأقليات العرقية والدينية وتقييد حقوق العمال وعلى الأخص عاملات المنازل.
وتشير العنقري إلى أن أعلى معدلات العنف موجودة في أمريكا صاحبة التقرير حيث تتعرض امرأة من كل ثلاث للعنف. وتقول إن العنف في بلادنا مستهجن ومنبوذ لسبب رئيسي، وهو أن ديننا الإسلامي الحنيف يحرم العنف خاصة الموجه لخدم المنازل والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالأحداث والقصص التي تجرم الإساءة لهن. وتعرب العنقري عن أسفها لأن الجمعية مازالت تفتقد إلى الإحصائيات والأرقام التي توضح مدى تواجد مؤشر لوجود هذا النوع من العنف، مطالبة بإيجاد مركز للدراسات والأبحاث تابع للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك لإيجاد قاعدة معلومات والحصول على نسبة أولية لهذه الحوادث ومدى تكرارها لتحديد ما إذا كانت ظاهرة أو مؤشرا لحدوث ظاهرة وبالتالي نحدد كيفية التعامل معها.
وتشير العنقري إلى أن الحد من وجود هذه الظواهر مسؤولية المجتمع من خلال عملية التوعية وإعداد الدراسات، مؤكدة على أهمية وجود عقاب لمن يمارس العنف في البيت نحو أفراد الأسرة باعتبار الخادمة أحد أفراد الأسرة. كما تطالب بإعداد دراسة من مجلس القضاء الأعلى لهذا الموضوع بالذات لوضع عقوبة رادعة للتقليل من حدوث مثل هذه الحالات التي لا تعتبرها ظاهرة، ولكنها مؤشر خطير. وتضيف أن حماية الخادمة واجبة على رب وربة الأسرة. وتذكر العنقري إحدى حالات العنف ضد الخادمات التي استقبلتها الجمعية وكانت الجانية هي ربة المنزل، بسبب غيرتها من جمال الخادمة ومظهرها الحسن. وتستنكر العنقري هذا العنف مشيرة إلى وجود حلول أفضل من التعذيب والضرب، وهو إخلاء سبيلها واستقدام أخرى بدلاً من تعنيفها لشيء لا تملكه.
وعن استحداث وظيفة مفتشة أو مراقبة تابعة للجمعية لمتابعة أحوال الخادمات في المنازل، تقول العنقري إن دور جمعية حقوق الإنسان هو المراقبة والمتابعة والتبليغ ولكن ليس لها صلاحية التنفيذ، مشيرة إلى أنه مع نهاية موسم الصيف سوف يبدأ تنفيذ مشروع الخط الساخن لاستقبال مكالمات المتضررين على مدار 24 ساعة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين من ضمنهم خادمات المنازل ونحن الآن في طور الاستعداد والتخطيط لتنفيذ هذا المشروع بشكل متكامل ومشرف.
كما تدعو العنقري إلى إيجاد مراكز في جميع الأحياء لتقديم الخدمات الإنسانية ليس للخادمات فقط، ولكن أيضا للمواطنات اللاتي قد يتعرضن للعنف، على أن يكون دور المركز الحماية وتقديم الاستشارات والتوجيه وذلك لمحاولة الوصول إلى حلول من بداية المشكلة قبل وصولها إلى الشرطة أو الإمارة مما يزيد من حجم المشكلة .
خلل في نظام العمل
أما عن عدم وجود نص قانون في نظام العمل والعمال يحمي حقوق عاملات المنازل تشير العنقري إلى وجود خلل وقصور في هذا الشأن، ففي حال وجود عقد يوقع عليه الكفيل عند استلامه للخادمة بحيث ينص هذا العقد على ساعات عمل محددة ومكان إنساني للإقامة وغيرها من شروط ينص عليها العقد ويلتزم بها الطرفان سنستطيع وبسهولة الحد من العديد من مشكلات الخادمات في منازلنا مشيرة إلى أنها عايشت واقعياً بعض الأسر في تعاملها مع الخادمات فمن وقت وصولها وحتى استحقاقها الإجازة والتي عادة ما تكون بعد سنتين تُعامل وكأنها آلة حيث تعمل ما بين 18-20 ساعة متواصلة دون الحصول على قسط من الراحة إلى جانب راتب منخفض جداً والإساءة بكل أشكالها.. وجميع هذه الأمور يجب أخذها في الاعتبار في نص العقد.
وترى العنقري أن ادعاء بعض الكفلاء بالجهل وعدم وجود عقد هو من أهم أسباب المشكلة. لهذا نطالب بوجود قوانين مفصلة ومحددة لحماية حقوق الخادمات .
وتعلل العنقري عدم وجود نص أو بند في قانون العمل والعمال فيما يخص خادمات المنازل باعتقاد المسؤولين أن طبيعة العمل في البيوت والمنازل قد تختلف عن غيرها. وتطالب بإيجاد هذا القانون بالاستناد إلى دراسة عن طبيعة العمل في المنازل لتحديد ما للخادمات وما عليهن في جميع الأمور ابتداءً من ساعات العمل والراحة وحتى وجبات الطعام فمن أدنى حقوقهن اختيار نوع الأكل الذي يفضلنه.
متعة تربية الأبناء
وعلى صعيد آخر تستنكر العنقري حال ربات البيوت من تواكلهن بشكل كامل على الخادمة في جميع أمور المنزل من تنظيف وطهي وتربية الأبناء وغيرها من الأمور التي تقع على كاهل الخادمة وحدها دون مراقبة مع علمهن بأن هؤلاء الخادمات ذوات لهجات وعادات مختلفة عن مجتمعنا بشكل كبير. وتوجه كلمة للأمهات قائلة "لا تحرمن أنفسكن من متعه تربية أبنائكن"، وتشير في حال اضطرار الأم إلى الغياب عن المنزل فترة طويلة بسبب ظروف عملها فإن عليها أخذ احتياطاتها باستخدام أسلوب المراقبة كالقدوم المفاجئ للمنزل في غير موعدها أو بتثبيت كاميرات خفية وهذه الإجراءات ليست ضد الخادمة فقط بل لحمايتها أيضا، ففي حال حدوث إساءة لها من قبل الأبناء أو الزوج سيكون هذا دليلاً على ذلك.
توعية الخادمة بحقوقها
وتؤكد العنقري على أهمية توعية الخادمة نفسها بحقوقها وهذا دور الجهات المعنية والمسؤولة فبمجرد وصولها من حقها الحصول على أرقام هواتف الإمارة وجمعية حقوق الإنسان والسفارة التي تنتمي إليها ولجنة الحماية الاجتماعية التابعة للشؤون الاجتماعية للاتصال بهم في حال حدوث إساءة وبالتالي سوف تشعر بالأمان وفي المقابل سيفكر الكفيل وزوجته عدة مرات قبل التعرض والإساءة لها بأي شكل من الأشكال.
وتشير العنقري إلى إحدى الحالات التي قابلتها حيث أقدم الكفيل على حبس الخادمة في الحمام بعد تعذيبها حتى لا تستنجد بأحد ولكن الأمر تم اكتشافه في المطار عندما سمح الكفيل لها بالسفر. وقامت الجمعية بتبليغ الإمارة بالحادثة وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
فراغ تنظيمي وقانوني
من جهته، يؤكد المحامي عدلي حماد أنه مازال هناك فراغ تنظيمي وقانوني بين كل من الكفلاء وخادمات المنازل حيث إن نظام العمل والعمال يستثنيهن من قوانينه وقد حان الوقت للتغيير خاصة بعدما تجاوز عدد عمال وعاملات المنازل المليون حسب الإحصائيات المعلنة، وبالتالي أصبحنا في حاجة ملحة إلى وجود تنظيم وقانون لنتجاوز العديد من المشكلات التي أفرزها وجود هذا النوع من العمالة.
ويقترح حماد ضمهن لمظلة نظام العمل مع استثنائهن من بعض الأمور مثل مكافآت نهاية الخدمة مثلاً، مشيرا إلى وجود بعض القوانين المنصوص عليها في نظام العمل والتي لا يستفاد منها وعلى سبيل المثال منها ( نظام عمال البحر) حيث تم تشريع هذا الجانب فيما يخص عمال البواخر والسفن وهي عمالة ليس لها أي احتكاك بالمجتمع وبالتالي لا تسبب أي مشكلات، وفي المقابل نجد شريحة مثل خادمات المنازل أو السائقين تركت في فراغ قانوني .
ويضيف حماد أن معظم القضايا والمشاكل في هذا المجال تترتب على عدم وجود عقود بين الطرفين وإن وجدت فلا تُحترم من الطرفين مع عدم وجود مرجعية تعود لها الخادمة وتستند عليها مما يشعرها بالضياع ويترتب عليه العديد من الأمور والتجاوزات.
ويضيف أن أغلب القضايا التي تلقاها خلال عمره المهني والتي وصفها بالتي لا تعد ولا تحصى هي قضايا مالية كأن يؤخر الكفيل راتب الخادمة مؤكداً لها أنه يدخره لحين سفرها وعندما يحين وقت مغادرتها يساومها على هذا المال كأن يحسم منها ثمن التذاكر وبعض الإجراءات ، وبما أن هذه الفئة من العمالة ضعيفة ولغتها العربية لا تؤهلها لكي توضح ما يقع عليها من الظلم فإنها ربما ترضى بالأمر الواقع مؤكداً أن الخادمة إذا تقدمت ببلاغ ضد كفيلها وأثبتت أنها على كفالته ولم تحصل على أجرها مقابل عملها لديه لعدد من السنوات فإن المحكمة في هذه الحالة ستطالب الكفيل بإثبات العكس مشيراً إلى أنه في كل الحالات سواء كانت الخادمة صادقة أو كاذبة فإن المحكمة تلقي بعبء الإثبات على رب العمل، ولهذا يقترح حماد على الكفلاء استحداث سجل لاستلام الرواتب سواء للخادمة أو السائق وليكن دفترا صغيرا يتم التوقيع فيه عند استلام الراتب وبالتالي يحفظ الكفيل حقه إلى جانب عقد عمل واضح.
أما في حالة عمل الخادمة بشكل غير نظامي في أحد المنازل وحٌجب عنها أجرها فيمكنها أيضاً اللجوء للقضاء وكل ما تحتاجه هو وجود شهود على أنها كانت تعمل خادمة في هذا المنزل مشيراً إلى أن نظام العمل مبني على العلاقة الشخصية المباشرة بين رب العمل والعامل ولا يشترط وجود نص مكتوب لإثبات العلاقة العمالية تحقيقاً لمبدأ ( أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ). أما فيما يتعلق بمخالفة نظام الإقامة فهذا أمر آخر يعاقب عليه مؤكداً أنه في كل الأحوال فإن المسؤولية القانونية تقع على رب العمل.
وفي حالة الإساءة الجسدية بالضرب أو التعذيب فإن القضية تأخذ شكلا جنائيا تحركها هيئة الادعاء والتحقيق وفي مثل هذه الحالات يقوم المحامي الموكل في القضية بالمطالبة بتعويض للخادمة، في حين تدخل العقوبة التي تقع على الجاني تحت مبدأ ( التعزير).
أما في حالات الإساءة الجسدية التي تدخل تحت بند هتك العرض والتحرش بالخادمة فيؤخذ بتقرير الطب الجنائي المثبت في مرحلة التحقيق لصعوبة تقديره من قبل ( مقدر الشجاج ) لأن الإصابة في هذه الحالة إصابة معنوية ولا يمكن إثباتها، ويضيف حماد أنه في مثل هذه القضايا يحكم القاضي على الجاني بالجلد أو السجن وتقدر مدة عقوبة السجن حسب رؤية وتقدير القاضي فمن الممكن أن تكون شهرا أو عدة شهور أو سنة أو ما يزيد.
اكتئاب الخادمات
ويؤكد الاستشاري النفسي شريف عزام أن الإساءة للخادمات لا يشترط أن تكون على شكل تعنيف أو ما شابه فالعديد من العائلات يعاملون خادماتهم جيداً إلا أنهم يسيئون إليهن من جانب آخر وهو (الحبس) كأن تمنع من الخروج من المنزل أو رؤية غيرها من الخادمات وأشد أنواع العقاب في السجون هو الحبس الانفرادي، ويشير عزام إلى أن أكثر الأمراض النفسية التي قد تصيب خادمات المنازل هو الاكتئاب باعتباره حالة وليس سمة أي أنها تصاب به لسبب معين وقع عليها وبمجرد زوال السبب تعود إلى طبيعتها وفي حال إهمال حالتها قد يتطور الأمر فتفكر في التخلص من حياتها مؤكداً أن المصاب بالاكتئاب لا يفكر في إيذاء غيره ولا يمكنه التخطيط لجريمة ما لأنه سلبي ولا يملك تفكيرا متسلسلا. ويوصي عزام باستحداث كشف نفسي وعقلي ( منتلي ايدج ) للخادمة عند قدومها من بلدها بحيث تكون ضمن تحاليل الإقامة.
التأخر اللغوي لدى الأطفال
وبخصوص الآثار النفسية التي تترتب على اعتماد الأمهات على الخادمات في جميع شؤون المنزل يشير عزام إلى أن تأثيره سلبي مزدوج فنجد أن الخادمات من أهم أسباب حالات التأخر اللغوي لدى الأطفال وذلك بسبب ازدواجية اللغة في المنزل فنجد الوالدين يتحدثان بلغة والخادمة بلغة أخرى أو بنفس اللغة ولكنها ركيكة وبالتالي يضطر الطفل إلى الاستماع إلى هذا الأسلوب من الكلام معظم ساعات النهار.
ويؤكد عزام أن هناك أثاراً سلبية أخرى تترتب على الاعتماد على الخادمة في أمور المنزل، ومنها فقدان ربات البيوت للشعور بالسمة الأساسية للأم وهي العطاء والحنان.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-07-02/Pictures/0207.nat.p8.n665.jpg
سبيل الله مقام
جدة: صفاء الشريف
لا تصلح الأرقام الصماء مدخلا أساسيا وحيدا لتناول قضية مشاكل الخادمات في السعودية فخلف الأرقام تكمن تفاصيل عديدة غائبة بوعي أو بدون وعي عن الذين يتصدون للقضية. وإجمالا يمكن القول دون الابتعاد عن الحقيقة إن انخفاض أعداد الشكاوى المقدمة من خادمات أو أعداد المقدمات على الانتحار أو الهرب منهن لا يعد دليلا دامغا على أن علاقة الكفيل بالخادمة على ما يرام. وفي المقابل لا يمكن اعتبار تضخم إحصائيات شكاوى الخادمات ومحاولاتهن الانتحار والهروب دليلا على إساءة معاملة الكفيل للخادمة.. فواقع الحال يقول إن معظم مشاكل الخادمات في السعودية وغيرها من الدول تبدأ قبل وصول الخادمة إلى هذه البلاد، إما لخطأ في الاختيار أو لأن الخادمة لا تحمل معها فقط جواز سفرها بل تحمل قبل ذلك ملفا ضخما من المشاكل والعقد النفسية والانحرافات الشخصية. وعلى الجانب الآخر تختلف معايير اختيار الخادمة واستقدامها من مواطن إلى آخر، فالبعض يختار على أساس الشكل وآخرون يختارون على قاعدة الكفاءة، وفريق ثالث يختار بلا أي أساس.. على أن القسم الأكبر من مشاكل الخادمات ـ ووفق أطراف عديدة ـ تتحمله مكاتب الاستقدام التي تفتح أبوابها للخادمات الهاربات من كفلائهن وتشغلهن سرا. وتشير الأرقام غير الرسمية إلى انتحار حوالي 130 خادمة من الجنسية الإندونيسية من بين أكثر من 585 ألفا من العمالة الإندونيسية الموجودة في المنطقة الغربية فقط. كما تشير إلى دخول حوالي 32 خادمة المستشفيات بسبب إساءة التعامل معهن بأسلوب عنيف، وذلك خلال الفترة ما بين عام 2003 وحتى يونيو من العام الحالي. كما توجد في القنصلية الإندونيسية بجدة حتى الآن حوالي 120 خادمة إندونيسية هربن من كفلائهن بسبب الإساءة لهن. وفي الوقت الذي مازالت الجهود تبذل لوضع شروط وضوابط لكيفية التعامل مع الخادمات بمختلف جنسياتهن وكيفية استقدامهن، إلا أن عدم وجود نظام أو نص قانوني يحمي هذه الفئة ويردعهن في نفس الوقت خلق العديد من الثغرات التي يستفيد منها كلا الطرفين سواء الخادمات أو كفلاؤهن.
ولا تختلف روايات الخادمات الهاربات في تبرير أسباب هروبهن فكلهن يضعن أنفسهن في موقف المجني عليه حيث تشير (بدرية الإندونيسية) إلى أنها جاءت إلى الرياض منذ حوالي 7 سنوات، وكان كفيلها وزوجته طاعنين في السن، ولهذا حاول أكثر من مرة الإساءة لها فهربت من الرياض إلى جدة عن طريق أصدقائها، وذلك منذ حوالي 5 سنوات، وهي تعمل الآن في المنازل بدون إقامة نظامية. وتؤكد أن ذلك أفضل رغم المخاطر التي تواجهها من رجال الجوازات إلا أن دخلها الشهري يصل في شهور الذروة (رمضان، ذي الحجة ) إلى 1600 ريال بعد أن اكتسبت خبرة في إعداد المأكولات المختلفة وإقامة موائد الولائم وتربية الأطفال.
ووفق رواية الخادمة- وهي مجرد نموذج- فإن الربح الأكبر يطرح نفسه سببا أول للهروب من الكفيل وإلا ما كانت الخادمة سلكت هذا الطريق.
وتحفل أقسام الشرطة والجهات المسؤولة بالعديد من قصص الخادمات اللاتي يمارسن أعمال السحر الأسود والشعوذة مما تسبب في خراب الكثير من البيوت.
الأخطاء والتجاوزات من الجانبين
ووفق قنصل الإعلام بالقنصلية الإندونيسية بجدة سبيل الله مقام لـ"الوطن" فإن عدد العمالة الإندونيسية الموجودة في المنطقة الغربية يقدر بحوالي 650.000 إندونيسيي منهم 90% خادمات في المنازل، مشيرا إلى أن نسبة العاملات اللاتي يشتكين من تعرضهن للإساءة لا تتجاوز 0.02 % فقط.
وعن حقيقة وجود انتهاكات في حق هؤلاء الخادمات، يرى أن الأخطاء والتجاوزات موجودة من الجانبين فالإنسان ليس ملاكا. ويشير مقام إلى أن القنصلية تستقبل يومياً حوالي 15 خادمة هاربة من كفلائهن بسبب الإساءة لهن، أي ما يعادل 5490 خادمة هاربة سنوياً في المنطقة الغربية وحدها، وفي هذه الحالات قد تتم تسوية الموضوع بشكل سريع إلا أنه في بعض الأحيان وبسبب تعنت الكفيل يتم تعليق المشكلة مما يطيل مدة إقامة الخادمة في القنصلية إلى عام أو أكثر. كما أشار إلى تواجد حوالي 120 خادمة حالياً بالقنصلية يواجهن مشكلات مختلفة مع كفلائهن معظمها بسبب عدم حصولهن على أجورهن لمدة قد تصل إلى 14 عاما، أو بسبب منعهن من السفر بعد إقامتهن مدة قد تصل إلى 10 سنوات متواصلة تخوفاً من عدم عودتهن مرة أخرى بعدما اعتادت عليهن الأسر. وتأتي في المرتبة الثالثة مشكلة تعرض الخادمة للانتهاكات سواء بالضرب أو العنف أو زيادة ساعات العمل أو التحرش.
تحسين إجراءات الاستقدام
ويعلق مقام على عدم وجود بند في نظام العمل والعمال يختص بخادمات المنازل مشيراً إلى أن نظام العمل والعمال يعتبر من الأمور الداخلية للمملكة، ولا يمكن التدخل فيه أو حتى المطالبة بتعديل جزء منه، لأنه من المؤكد أن الحكومة لها أولوياتها، ورغم ذلك نتمنى أن يُستحدث بند في نظام العمل والعمال فيما يخص عاملات المنازل ليحفظ حقوقهن، وفي نفس الوقت يردع المخالفات منهن.. وهذا ليس مطلبنا فقط بل من ضمن مطالب الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن ما يمكن فعله في الوقت الراهن هو تحسين إجراءات الاستقدام وهذا بالفعل ما قامت به الحكومة الإندونيسية مؤخراً حيث فرضت بعض الشروط وهي:
- إبرام عقد بين الكفيل ومكتب الاستقدام يذكر فيه مجموعة بيانات عن الكفيل تتلخص في عنوان منزله ورقم الهاتف وعدد أفراد الأسرة وخريطة مبسطة للمنزل ومن ثم يقدمها مكتب الاستقدام بدوره إلى القنصلية أو السفارة وبما أنه لا يوجد قانون يحميهم بالتالي فوجود هذه البيانات عن الكفيل تمكننا إلى حد ما من حمايتهن في حال حدوث إساءة للوصول إلى حل دبلوماسي ودي بين الطرفين قبل تدخل الجهات الرسمية وتصاعد المشكلة .
- حقها في الحصول على إجازة يوم في الأسبوع تقضيه خارج المنزل وليكن في مكتب الجاليات أو مكاتب الدعوة والإرشاد لكي تحصل على دروس في اللغة العربية ودروس دينية وتوعوية كما تقابل فتيات من بني جلدتها تتحدث معهن مما يخفف من غربتها، وفي حال عدم موافقة الكفيل على خروجها من المنزل عليه منحها بدل مادي ليوم الإجازة باعتباره عملاً إضافياً والذي تم تقديره بحوالي 25 ريالا، مشيراً إلى أن العديد من الكفلاء يحرمون خادماتهم من الخروج من المنزل لعدة سنوات كما يمنعونهن من مقابلة خادمة أخرى من بني جلدتها مما يؤثر سلباً على نفسيتها.
ويشير مقام إلى أهمية استحداث وظيفة مفتشة تتابع أحوال الخادمات على أن تكون هذه المفتشة تابعة للسفارة. وقال إن مشكلة المتخلفات والمتخلفين من العمرة هي المشكلة الكبيرة التي تؤرق القنصلية الإندونيسية ولم تجد لها حلا.. ففي الفترة ما بين يناير ويونيو 2005 تم ترحيل حوالي 3000 من العمالة الإندونيسية المخالفة ما بين ذكور وإناث. وأضاف أن من أهم أسباب المشكلة، وجود مواطنين يشجعون على ذلك فيتواصلون مع سماسرة خادمات المنازل للحصول على خادمة بدون إقامة لا تكلف سوى 1000 ريال في الشهر دون اللجوء إلى المصاريف الباهظة عن طريق مكاتب الاستقدام، وفي نفس الوقت إذا لم تكن مناسبة يمكنه تغييرها دون انتظار أو خسارة. كما أن الخادمات المخالفات يستفدن حيث يحصلن على أجور أفضل من التي يحصلون عليها في الشكل النظامي والتي لا تتجاوز 600 ريال.
عنف خادمات المنازل
من جهتها، تشير رئيسة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الجوهرة العنقري إلى أن عنف خادمات المنازل هو عملة ذات وجهين، فهو إما أن يكون عنفا ضدها أو عنفا تقوم به ضد أحد أفراد الأسرة خاصة من الأطفال، مؤكدة أن العنف لا يقتصر على المملكة فقط بل على مستوى العالم. وأضافت أن معدل العنف حول العالم في زيادة خاصة في الولايات المتحدة، فوفقا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان، فإن وجود مشكلات خطيرة وحقيقية في مجال حقوق الإنسان مازالت قائمة في المملكة خاصة فيما يتعلق بانتهاك الحريات وما يتعلق بالتمييز ضد الأقليات العرقية والدينية وتقييد حقوق العمال وعلى الأخص عاملات المنازل.
وتشير العنقري إلى أن أعلى معدلات العنف موجودة في أمريكا صاحبة التقرير حيث تتعرض امرأة من كل ثلاث للعنف. وتقول إن العنف في بلادنا مستهجن ومنبوذ لسبب رئيسي، وهو أن ديننا الإسلامي الحنيف يحرم العنف خاصة الموجه لخدم المنازل والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالأحداث والقصص التي تجرم الإساءة لهن. وتعرب العنقري عن أسفها لأن الجمعية مازالت تفتقد إلى الإحصائيات والأرقام التي توضح مدى تواجد مؤشر لوجود هذا النوع من العنف، مطالبة بإيجاد مركز للدراسات والأبحاث تابع للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك لإيجاد قاعدة معلومات والحصول على نسبة أولية لهذه الحوادث ومدى تكرارها لتحديد ما إذا كانت ظاهرة أو مؤشرا لحدوث ظاهرة وبالتالي نحدد كيفية التعامل معها.
وتشير العنقري إلى أن الحد من وجود هذه الظواهر مسؤولية المجتمع من خلال عملية التوعية وإعداد الدراسات، مؤكدة على أهمية وجود عقاب لمن يمارس العنف في البيت نحو أفراد الأسرة باعتبار الخادمة أحد أفراد الأسرة. كما تطالب بإعداد دراسة من مجلس القضاء الأعلى لهذا الموضوع بالذات لوضع عقوبة رادعة للتقليل من حدوث مثل هذه الحالات التي لا تعتبرها ظاهرة، ولكنها مؤشر خطير. وتضيف أن حماية الخادمة واجبة على رب وربة الأسرة. وتذكر العنقري إحدى حالات العنف ضد الخادمات التي استقبلتها الجمعية وكانت الجانية هي ربة المنزل، بسبب غيرتها من جمال الخادمة ومظهرها الحسن. وتستنكر العنقري هذا العنف مشيرة إلى وجود حلول أفضل من التعذيب والضرب، وهو إخلاء سبيلها واستقدام أخرى بدلاً من تعنيفها لشيء لا تملكه.
وعن استحداث وظيفة مفتشة أو مراقبة تابعة للجمعية لمتابعة أحوال الخادمات في المنازل، تقول العنقري إن دور جمعية حقوق الإنسان هو المراقبة والمتابعة والتبليغ ولكن ليس لها صلاحية التنفيذ، مشيرة إلى أنه مع نهاية موسم الصيف سوف يبدأ تنفيذ مشروع الخط الساخن لاستقبال مكالمات المتضررين على مدار 24 ساعة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين من ضمنهم خادمات المنازل ونحن الآن في طور الاستعداد والتخطيط لتنفيذ هذا المشروع بشكل متكامل ومشرف.
كما تدعو العنقري إلى إيجاد مراكز في جميع الأحياء لتقديم الخدمات الإنسانية ليس للخادمات فقط، ولكن أيضا للمواطنات اللاتي قد يتعرضن للعنف، على أن يكون دور المركز الحماية وتقديم الاستشارات والتوجيه وذلك لمحاولة الوصول إلى حلول من بداية المشكلة قبل وصولها إلى الشرطة أو الإمارة مما يزيد من حجم المشكلة .
خلل في نظام العمل
أما عن عدم وجود نص قانون في نظام العمل والعمال يحمي حقوق عاملات المنازل تشير العنقري إلى وجود خلل وقصور في هذا الشأن، ففي حال وجود عقد يوقع عليه الكفيل عند استلامه للخادمة بحيث ينص هذا العقد على ساعات عمل محددة ومكان إنساني للإقامة وغيرها من شروط ينص عليها العقد ويلتزم بها الطرفان سنستطيع وبسهولة الحد من العديد من مشكلات الخادمات في منازلنا مشيرة إلى أنها عايشت واقعياً بعض الأسر في تعاملها مع الخادمات فمن وقت وصولها وحتى استحقاقها الإجازة والتي عادة ما تكون بعد سنتين تُعامل وكأنها آلة حيث تعمل ما بين 18-20 ساعة متواصلة دون الحصول على قسط من الراحة إلى جانب راتب منخفض جداً والإساءة بكل أشكالها.. وجميع هذه الأمور يجب أخذها في الاعتبار في نص العقد.
وترى العنقري أن ادعاء بعض الكفلاء بالجهل وعدم وجود عقد هو من أهم أسباب المشكلة. لهذا نطالب بوجود قوانين مفصلة ومحددة لحماية حقوق الخادمات .
وتعلل العنقري عدم وجود نص أو بند في قانون العمل والعمال فيما يخص خادمات المنازل باعتقاد المسؤولين أن طبيعة العمل في البيوت والمنازل قد تختلف عن غيرها. وتطالب بإيجاد هذا القانون بالاستناد إلى دراسة عن طبيعة العمل في المنازل لتحديد ما للخادمات وما عليهن في جميع الأمور ابتداءً من ساعات العمل والراحة وحتى وجبات الطعام فمن أدنى حقوقهن اختيار نوع الأكل الذي يفضلنه.
متعة تربية الأبناء
وعلى صعيد آخر تستنكر العنقري حال ربات البيوت من تواكلهن بشكل كامل على الخادمة في جميع أمور المنزل من تنظيف وطهي وتربية الأبناء وغيرها من الأمور التي تقع على كاهل الخادمة وحدها دون مراقبة مع علمهن بأن هؤلاء الخادمات ذوات لهجات وعادات مختلفة عن مجتمعنا بشكل كبير. وتوجه كلمة للأمهات قائلة "لا تحرمن أنفسكن من متعه تربية أبنائكن"، وتشير في حال اضطرار الأم إلى الغياب عن المنزل فترة طويلة بسبب ظروف عملها فإن عليها أخذ احتياطاتها باستخدام أسلوب المراقبة كالقدوم المفاجئ للمنزل في غير موعدها أو بتثبيت كاميرات خفية وهذه الإجراءات ليست ضد الخادمة فقط بل لحمايتها أيضا، ففي حال حدوث إساءة لها من قبل الأبناء أو الزوج سيكون هذا دليلاً على ذلك.
توعية الخادمة بحقوقها
وتؤكد العنقري على أهمية توعية الخادمة نفسها بحقوقها وهذا دور الجهات المعنية والمسؤولة فبمجرد وصولها من حقها الحصول على أرقام هواتف الإمارة وجمعية حقوق الإنسان والسفارة التي تنتمي إليها ولجنة الحماية الاجتماعية التابعة للشؤون الاجتماعية للاتصال بهم في حال حدوث إساءة وبالتالي سوف تشعر بالأمان وفي المقابل سيفكر الكفيل وزوجته عدة مرات قبل التعرض والإساءة لها بأي شكل من الأشكال.
وتشير العنقري إلى إحدى الحالات التي قابلتها حيث أقدم الكفيل على حبس الخادمة في الحمام بعد تعذيبها حتى لا تستنجد بأحد ولكن الأمر تم اكتشافه في المطار عندما سمح الكفيل لها بالسفر. وقامت الجمعية بتبليغ الإمارة بالحادثة وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
فراغ تنظيمي وقانوني
من جهته، يؤكد المحامي عدلي حماد أنه مازال هناك فراغ تنظيمي وقانوني بين كل من الكفلاء وخادمات المنازل حيث إن نظام العمل والعمال يستثنيهن من قوانينه وقد حان الوقت للتغيير خاصة بعدما تجاوز عدد عمال وعاملات المنازل المليون حسب الإحصائيات المعلنة، وبالتالي أصبحنا في حاجة ملحة إلى وجود تنظيم وقانون لنتجاوز العديد من المشكلات التي أفرزها وجود هذا النوع من العمالة.
ويقترح حماد ضمهن لمظلة نظام العمل مع استثنائهن من بعض الأمور مثل مكافآت نهاية الخدمة مثلاً، مشيرا إلى وجود بعض القوانين المنصوص عليها في نظام العمل والتي لا يستفاد منها وعلى سبيل المثال منها ( نظام عمال البحر) حيث تم تشريع هذا الجانب فيما يخص عمال البواخر والسفن وهي عمالة ليس لها أي احتكاك بالمجتمع وبالتالي لا تسبب أي مشكلات، وفي المقابل نجد شريحة مثل خادمات المنازل أو السائقين تركت في فراغ قانوني .
ويضيف حماد أن معظم القضايا والمشاكل في هذا المجال تترتب على عدم وجود عقود بين الطرفين وإن وجدت فلا تُحترم من الطرفين مع عدم وجود مرجعية تعود لها الخادمة وتستند عليها مما يشعرها بالضياع ويترتب عليه العديد من الأمور والتجاوزات.
ويضيف أن أغلب القضايا التي تلقاها خلال عمره المهني والتي وصفها بالتي لا تعد ولا تحصى هي قضايا مالية كأن يؤخر الكفيل راتب الخادمة مؤكداً لها أنه يدخره لحين سفرها وعندما يحين وقت مغادرتها يساومها على هذا المال كأن يحسم منها ثمن التذاكر وبعض الإجراءات ، وبما أن هذه الفئة من العمالة ضعيفة ولغتها العربية لا تؤهلها لكي توضح ما يقع عليها من الظلم فإنها ربما ترضى بالأمر الواقع مؤكداً أن الخادمة إذا تقدمت ببلاغ ضد كفيلها وأثبتت أنها على كفالته ولم تحصل على أجرها مقابل عملها لديه لعدد من السنوات فإن المحكمة في هذه الحالة ستطالب الكفيل بإثبات العكس مشيراً إلى أنه في كل الحالات سواء كانت الخادمة صادقة أو كاذبة فإن المحكمة تلقي بعبء الإثبات على رب العمل، ولهذا يقترح حماد على الكفلاء استحداث سجل لاستلام الرواتب سواء للخادمة أو السائق وليكن دفترا صغيرا يتم التوقيع فيه عند استلام الراتب وبالتالي يحفظ الكفيل حقه إلى جانب عقد عمل واضح.
أما في حالة عمل الخادمة بشكل غير نظامي في أحد المنازل وحٌجب عنها أجرها فيمكنها أيضاً اللجوء للقضاء وكل ما تحتاجه هو وجود شهود على أنها كانت تعمل خادمة في هذا المنزل مشيراً إلى أن نظام العمل مبني على العلاقة الشخصية المباشرة بين رب العمل والعامل ولا يشترط وجود نص مكتوب لإثبات العلاقة العمالية تحقيقاً لمبدأ ( أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ). أما فيما يتعلق بمخالفة نظام الإقامة فهذا أمر آخر يعاقب عليه مؤكداً أنه في كل الأحوال فإن المسؤولية القانونية تقع على رب العمل.
وفي حالة الإساءة الجسدية بالضرب أو التعذيب فإن القضية تأخذ شكلا جنائيا تحركها هيئة الادعاء والتحقيق وفي مثل هذه الحالات يقوم المحامي الموكل في القضية بالمطالبة بتعويض للخادمة، في حين تدخل العقوبة التي تقع على الجاني تحت مبدأ ( التعزير).
أما في حالات الإساءة الجسدية التي تدخل تحت بند هتك العرض والتحرش بالخادمة فيؤخذ بتقرير الطب الجنائي المثبت في مرحلة التحقيق لصعوبة تقديره من قبل ( مقدر الشجاج ) لأن الإصابة في هذه الحالة إصابة معنوية ولا يمكن إثباتها، ويضيف حماد أنه في مثل هذه القضايا يحكم القاضي على الجاني بالجلد أو السجن وتقدر مدة عقوبة السجن حسب رؤية وتقدير القاضي فمن الممكن أن تكون شهرا أو عدة شهور أو سنة أو ما يزيد.
اكتئاب الخادمات
ويؤكد الاستشاري النفسي شريف عزام أن الإساءة للخادمات لا يشترط أن تكون على شكل تعنيف أو ما شابه فالعديد من العائلات يعاملون خادماتهم جيداً إلا أنهم يسيئون إليهن من جانب آخر وهو (الحبس) كأن تمنع من الخروج من المنزل أو رؤية غيرها من الخادمات وأشد أنواع العقاب في السجون هو الحبس الانفرادي، ويشير عزام إلى أن أكثر الأمراض النفسية التي قد تصيب خادمات المنازل هو الاكتئاب باعتباره حالة وليس سمة أي أنها تصاب به لسبب معين وقع عليها وبمجرد زوال السبب تعود إلى طبيعتها وفي حال إهمال حالتها قد يتطور الأمر فتفكر في التخلص من حياتها مؤكداً أن المصاب بالاكتئاب لا يفكر في إيذاء غيره ولا يمكنه التخطيط لجريمة ما لأنه سلبي ولا يملك تفكيرا متسلسلا. ويوصي عزام باستحداث كشف نفسي وعقلي ( منتلي ايدج ) للخادمة عند قدومها من بلدها بحيث تكون ضمن تحاليل الإقامة.
التأخر اللغوي لدى الأطفال
وبخصوص الآثار النفسية التي تترتب على اعتماد الأمهات على الخادمات في جميع شؤون المنزل يشير عزام إلى أن تأثيره سلبي مزدوج فنجد أن الخادمات من أهم أسباب حالات التأخر اللغوي لدى الأطفال وذلك بسبب ازدواجية اللغة في المنزل فنجد الوالدين يتحدثان بلغة والخادمة بلغة أخرى أو بنفس اللغة ولكنها ركيكة وبالتالي يضطر الطفل إلى الاستماع إلى هذا الأسلوب من الكلام معظم ساعات النهار.
ويؤكد عزام أن هناك أثاراً سلبية أخرى تترتب على الاعتماد على الخادمة في أمور المنزل، ومنها فقدان ربات البيوت للشعور بالسمة الأساسية للأم وهي العطاء والحنان.