بنت الرياض
26/08/2012, 08:21 PM
وسائل الإقناع وغسيل الدماغ ؟
http://islamray.net/vb/picture.php?albumid=4&pictureid=97
وسائل الإقناع وغسيل الدماغ ؟
http://4.bp.blogspot.com/-NaRC1fJzIcM/TzY2ldvSfFI/AAAAAAAAC5w/Q11rBsRMyN4/s1600/%D8%BA%D8%B3%D9%8A%D9%84+%D9%85%D8%AE.jpg
هناك وسائل وأساليب إيجابية متعددة يمكن من خلالها إقناع الآخرين واستمالتهم .
فمثلا طريقة الحوار أو عرض المعلومة أو توضيح المقصود وغيرها من الأساليب المتبادلة ووسائل الاتصال ، وكل ذلك يأتي بطابع التودد والمحبة وبغرض الوصول للصواب أو تبيّن وجه الحقيقة أو لتسوية ما .
وهذا النهج في عملية الإقناع يمارسه في الغالب أصحاب النفوس الهادئة وذي النفس الطويل والثقافة الراقية والأخلاق السامية التي تحترم رأي الآخرين وتقدر جانب الفروقات الفردية والاجتماعية والثقافية .
وقد يحمل الإنسان علما أو فكرا حميدا .. لكن مع بالغ الأسف لا تحمله أخلاقه لإيصال ما يحمله من فكر أو علم .. فالأخلاق الفاضلة والتحلي بآداب الإسلام تلعب دورا أساسياً في تقبل الآخرين . فقبل كل شيء الدين المعاملة . فمها اختلف الناس فيما بينهم وهذا أمر طبعي يبقى التعامل بالأخلاق الحسنة من كمال الرجولة والإنسانية وهو ما أمر به ديننا . ويأتي السؤال : لماذا نحاول أن نعتدي على الآخرين بالسب أو الشتم أو التطاول والاتهام لمجرد أنهم اختلفوا معنا ؟!
فهذا رسول البشرية وخير البرية صلى الله عليه وسلم يضرب أرقى صور الحوار والإقناع .
فعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قلت : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ). ( متفق عليه ).
أنظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم الشديد في تبين الأمر وإزالة الإشكال عنهم حيث أوردوا على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام استفسارهم : هذا القاتل فما بال المقتول ؟
ولم يعنفهم النبي عليه الصلاة والسلام أو يغضب منهم بل رد عليهم بما يفيد الإقناع وإزالة الالتباس في الفهم . وصدق الله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : فأبو بكرة رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا القاتل وهذه الجملة هي ما يعرف في باب المناظر بالتسليم يعني سلمنا أن القاتل في النار فما بال المقتول كيف يكون في النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه . فهو حريص على قتل صاحبه ولهذا جاء بآلة القتل ليقتله .إهـ . شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين رحمه الله - (ص: 11)
وهذه التربية النبوية الفاضلة تندر في زماننا فلو أورد اليوم طالب علم على معلمه أو شيخه أو أورد موظف على رئيسه أو مديره سؤالا أو إشكالاً أو أبدى اعتراضا بغية توضيحه ودفع التوهم عنه أو لسبب ما ، لوصم السائل بقلة الأدب والفضول وغيرها .. وحدث ولا حرج ؟!
وانظر إلى هذا الإمام المبجل أبي حنيفة – رحمه الله – وأسلوبه الذكي الراقي كما في هذه الرواية : أن رجل من أهل الكوفة كان ذا قدر ومنزلة وصاحب كلمة مسموعة، يزعم فيما يزعم أن عثمان ذا النورين رضي الله عنه كان يهودياً وظل على يهوديته، فسمع أبو حنيفة رحمه الله بذلك، فمضى إليه، وقال له: لقد جئتك خاطباً ابنتك فلانة لأحد أصحابي، فقال: أهلاً ومرحباً بك، مثلك يا أبا حنيفة لا ترد حاجته؛ لكن من الخاطب؟ فقال أبو حنيفة : رجل موسومٌ في قومه بالشرف والغنى، سخي اليد، مبسوط الكف، حافظٌ لكتاب الله، يقوم الليل كله في ركعة، كثير البكاء من خشية الله، فقال الرجل: بخٍ بخ، حسبك يا أبا حنيفة ! فقال: لكن فيه خصلة لا بد أن أذكرها لك، فقال: ما هي يا أبا حنيفة ؟ قال: إنه يهودي، فانتفض الرجل، وقال: يهودي؟ أزوج ابنتي من يهودي؟! والله لا أزوجها منه ولو جمع خصال الأولين والآخرين! فقال أبو حنيفة : تأبى أن تزوج ابنتك من يهودي، وتنكر ذلك أشد نكير، ثم تزعم للناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه كلتيهما من ذي النورين ؛ من يهودي هو عثمان رضي الله عنه؟ فعلت الرجل رعدة، وارفض عرقه، وقال: أستغفر الله من قول سوءٍ قلته، ومن كل فرية افتريتها . خطب ومحاضرات للشيخ علي القرني (3/ 30، بترقيم الشاملة آليا)
وسئل أحد المرموقين في مجتمعه يوما ما : من أين تعلمت كل هذه الحكمة فقال : ما قابلت أحدا إلا وظننت أنه أفهم مني بشيء ما .. ومن هنا استطعت أن أتعلم من الآخرين ؟! إنه قمت التواضع والاحترام .
وصدق الله إذا يقول : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } يوسف76
لكن هناك جانبا سلبيا يتمثل في محاولة غسيل الأدمغة وتحويل أفكارها ومبادئها بطريقة معينه ، وهو بيت القصيد من هذا المقال .
والفارق بين وسائل الإقناع ووسائل غسيل الدماغ هو أن غسيل الدماغ : ينطوي في الغالب على سوء النية وإرادة السيطرة والهيمنة على الآخرين وخدمة أهداف وأغراض خفية ( تحقيق مصالح ) بينما وسائل الإقناع الراقية تقف عند حد { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } هود88 .
وهناك أشخاص مهووسين بالفعل ويظنون بأنفسهم الدهاء وأنهم قادرون على تغيير عقول الآخرين وبرمجتها بطريقتهم الخاصة والعبقرية .
وهم في الحقيقة إنما يعملون على محاولة استنساخ عقولهم وأفكارهم وتصديرها إلى الآخرين بطريقة المزامنة ونقل البيانات ( الهاكر ).
فالذين يدعون إلى الحزبية أو التعصب أو الطائفية أو الفئوية أو الإرهاب أو إلى تيارات فكرية ثقافية كاللبرالية وغيرها ، هم يمارسون على الحقيقة غسل الأدمغة واستنساخ الأفكار على الآخرين .
وفي الغالب ينجحون مع من سمحوا لأنفسهم باستقبال وتمرير جميع البيانات المرسلة إليهم دون تمحيص أو تصفية أو مراجعة .
أما الأشخاص الذين توجد لديهم وسائل دفاع قوية ومكافحات فعّالة ومضادات اختراق نشطة تكشف البرامج الضارة ، فيفشلون معهم ويصابون بنكبة ونكسة كبيرة بضياع الفرصة عليهم .
وحينما يفشلون في بعض محاولاتهم يمارس بعضهم الغسيل الإجباري بالتعسف والتسلط والاستبداد الفكري والنفسي وحتى الإداري .
وذلك لأنه عششت فيهم قناعات وترسبات فكرية بصواب ما هم عليه من تصورات وأفكار ومعتقدات وخطأ ما عليه الآخرين بزعمهم . بل قد يصل بهم الحال إلى درجة الاستعلاء بما هم عليه إلى لعب أدوار مضادة تجاه كل الذين يخالفونهم بأساليب ووسائل شتى ، تصل إلى درجة الوقيعة والغيبة والنميمة والبهتان وغيرها ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة ومن لم يكن معنا فهو ضدنا ؟!
شعارهم المجيد مع بالغ الأسف وهو شعار معكوس منكوس : ( رأي صواب لا يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) . قمة العجب والغرور .
وصدق الله إذ يقول : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فاطر8 .
وأنا شخصيا أتعجب كل العجب من الشخص الذي يمارس النقد على الآخرين بل ويكثر من النقد ثم يرفض ولا يقبل أن ينتقده أحد ، بل ترى معظم هؤلاء – إلا ما رحم ربك - إذا أراد أن ينتقد مقالا أو كتابا أو موضوعا أو أطروحة يحاول جاهدا من خلال التلاعب بالنصوص إقناع القارئ أو المستمع بأمرين :
الأول : إيراده القاعدة ( أن كلا يأخذ من قوله ويترك ) وتكرارها في محاولة منه لتهيئة المتلقي إلى أن ما سيعرضه لا حقا من نقد هو الصواب أو الأصوب ؟! مع أن هذه القاعدة تنطبق أيضا عليه ولا تستثنيه أبداً فكل نقده عندئذٍ يأخذ منه ويترك وليس هو قرآنا يتلى . وقليلون أولئك الذين يتواضعون لله ويصرحون بأن ما يسطرون أو ينتقدون بأنه لا يعدو أن يكون نوع اجتهاد قابل للخطأ والصواب تطبيقا للقاعدة السابقة .
الثاني : التعامل المزاجي مع الكلمات والجمل المقروءة والمسموعة والمرئية بنوع اجتزاء أو انتقائية لأغراض مختلفة والتغافل والتجاهل المتعمد في الغالب لسياقها التي وردت فيه والتي توضح معناها ، وذلك في محاولة منه للإقناع ومن ثم توظيف تلك النصوص لصالحه الشخصي وصالح توجهه ظلما وعدوانا .
وأخيرا : فإن عالم الأفكار والتصورات عالم يحتمل الخطأ والصواب فلماذا يكون الاستبداد ومحاولة غسيل الدماغ ؟
وإذا افترضنا أن الشخص مقتنع بآرائه الشخصية حد التمام فمن الصعب أن يفرض هذه القناعات على الطرف الآخر !!
ولذلك ليس هناك خلق أفضل بعد إخلاص القصد من التواضع لأنه يمنحك الفرصة الحقيقية لتبادل وجهات النظر وأن تستفيد من الآخرين ، فأنت لوحدك أيها الإنسان لا تستطيع ولن تستطيع أن تحتوي أو تستوعب كل شيء في هذه الحياة ؟! وكما قيل : ليس فينا من هو أذكى منا مجتمعين ..
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر .. على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفســـه .. إلى طبقات الجو وهو وضيع
وتقبلوا فائق تحياتي ..
كتبه الشيخ: إدريس بن ابكر مجرشي
http://islamray.net/vb/picture.php?albumid=4&pictureid=97
وسائل الإقناع وغسيل الدماغ ؟
http://4.bp.blogspot.com/-NaRC1fJzIcM/TzY2ldvSfFI/AAAAAAAAC5w/Q11rBsRMyN4/s1600/%D8%BA%D8%B3%D9%8A%D9%84+%D9%85%D8%AE.jpg
هناك وسائل وأساليب إيجابية متعددة يمكن من خلالها إقناع الآخرين واستمالتهم .
فمثلا طريقة الحوار أو عرض المعلومة أو توضيح المقصود وغيرها من الأساليب المتبادلة ووسائل الاتصال ، وكل ذلك يأتي بطابع التودد والمحبة وبغرض الوصول للصواب أو تبيّن وجه الحقيقة أو لتسوية ما .
وهذا النهج في عملية الإقناع يمارسه في الغالب أصحاب النفوس الهادئة وذي النفس الطويل والثقافة الراقية والأخلاق السامية التي تحترم رأي الآخرين وتقدر جانب الفروقات الفردية والاجتماعية والثقافية .
وقد يحمل الإنسان علما أو فكرا حميدا .. لكن مع بالغ الأسف لا تحمله أخلاقه لإيصال ما يحمله من فكر أو علم .. فالأخلاق الفاضلة والتحلي بآداب الإسلام تلعب دورا أساسياً في تقبل الآخرين . فقبل كل شيء الدين المعاملة . فمها اختلف الناس فيما بينهم وهذا أمر طبعي يبقى التعامل بالأخلاق الحسنة من كمال الرجولة والإنسانية وهو ما أمر به ديننا . ويأتي السؤال : لماذا نحاول أن نعتدي على الآخرين بالسب أو الشتم أو التطاول والاتهام لمجرد أنهم اختلفوا معنا ؟!
فهذا رسول البشرية وخير البرية صلى الله عليه وسلم يضرب أرقى صور الحوار والإقناع .
فعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قلت : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ). ( متفق عليه ).
أنظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم الشديد في تبين الأمر وإزالة الإشكال عنهم حيث أوردوا على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام استفسارهم : هذا القاتل فما بال المقتول ؟
ولم يعنفهم النبي عليه الصلاة والسلام أو يغضب منهم بل رد عليهم بما يفيد الإقناع وإزالة الالتباس في الفهم . وصدق الله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : فأبو بكرة رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا القاتل وهذه الجملة هي ما يعرف في باب المناظر بالتسليم يعني سلمنا أن القاتل في النار فما بال المقتول كيف يكون في النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه . فهو حريص على قتل صاحبه ولهذا جاء بآلة القتل ليقتله .إهـ . شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين رحمه الله - (ص: 11)
وهذه التربية النبوية الفاضلة تندر في زماننا فلو أورد اليوم طالب علم على معلمه أو شيخه أو أورد موظف على رئيسه أو مديره سؤالا أو إشكالاً أو أبدى اعتراضا بغية توضيحه ودفع التوهم عنه أو لسبب ما ، لوصم السائل بقلة الأدب والفضول وغيرها .. وحدث ولا حرج ؟!
وانظر إلى هذا الإمام المبجل أبي حنيفة – رحمه الله – وأسلوبه الذكي الراقي كما في هذه الرواية : أن رجل من أهل الكوفة كان ذا قدر ومنزلة وصاحب كلمة مسموعة، يزعم فيما يزعم أن عثمان ذا النورين رضي الله عنه كان يهودياً وظل على يهوديته، فسمع أبو حنيفة رحمه الله بذلك، فمضى إليه، وقال له: لقد جئتك خاطباً ابنتك فلانة لأحد أصحابي، فقال: أهلاً ومرحباً بك، مثلك يا أبا حنيفة لا ترد حاجته؛ لكن من الخاطب؟ فقال أبو حنيفة : رجل موسومٌ في قومه بالشرف والغنى، سخي اليد، مبسوط الكف، حافظٌ لكتاب الله، يقوم الليل كله في ركعة، كثير البكاء من خشية الله، فقال الرجل: بخٍ بخ، حسبك يا أبا حنيفة ! فقال: لكن فيه خصلة لا بد أن أذكرها لك، فقال: ما هي يا أبا حنيفة ؟ قال: إنه يهودي، فانتفض الرجل، وقال: يهودي؟ أزوج ابنتي من يهودي؟! والله لا أزوجها منه ولو جمع خصال الأولين والآخرين! فقال أبو حنيفة : تأبى أن تزوج ابنتك من يهودي، وتنكر ذلك أشد نكير، ثم تزعم للناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه كلتيهما من ذي النورين ؛ من يهودي هو عثمان رضي الله عنه؟ فعلت الرجل رعدة، وارفض عرقه، وقال: أستغفر الله من قول سوءٍ قلته، ومن كل فرية افتريتها . خطب ومحاضرات للشيخ علي القرني (3/ 30، بترقيم الشاملة آليا)
وسئل أحد المرموقين في مجتمعه يوما ما : من أين تعلمت كل هذه الحكمة فقال : ما قابلت أحدا إلا وظننت أنه أفهم مني بشيء ما .. ومن هنا استطعت أن أتعلم من الآخرين ؟! إنه قمت التواضع والاحترام .
وصدق الله إذا يقول : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } يوسف76
لكن هناك جانبا سلبيا يتمثل في محاولة غسيل الأدمغة وتحويل أفكارها ومبادئها بطريقة معينه ، وهو بيت القصيد من هذا المقال .
والفارق بين وسائل الإقناع ووسائل غسيل الدماغ هو أن غسيل الدماغ : ينطوي في الغالب على سوء النية وإرادة السيطرة والهيمنة على الآخرين وخدمة أهداف وأغراض خفية ( تحقيق مصالح ) بينما وسائل الإقناع الراقية تقف عند حد { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } هود88 .
وهناك أشخاص مهووسين بالفعل ويظنون بأنفسهم الدهاء وأنهم قادرون على تغيير عقول الآخرين وبرمجتها بطريقتهم الخاصة والعبقرية .
وهم في الحقيقة إنما يعملون على محاولة استنساخ عقولهم وأفكارهم وتصديرها إلى الآخرين بطريقة المزامنة ونقل البيانات ( الهاكر ).
فالذين يدعون إلى الحزبية أو التعصب أو الطائفية أو الفئوية أو الإرهاب أو إلى تيارات فكرية ثقافية كاللبرالية وغيرها ، هم يمارسون على الحقيقة غسل الأدمغة واستنساخ الأفكار على الآخرين .
وفي الغالب ينجحون مع من سمحوا لأنفسهم باستقبال وتمرير جميع البيانات المرسلة إليهم دون تمحيص أو تصفية أو مراجعة .
أما الأشخاص الذين توجد لديهم وسائل دفاع قوية ومكافحات فعّالة ومضادات اختراق نشطة تكشف البرامج الضارة ، فيفشلون معهم ويصابون بنكبة ونكسة كبيرة بضياع الفرصة عليهم .
وحينما يفشلون في بعض محاولاتهم يمارس بعضهم الغسيل الإجباري بالتعسف والتسلط والاستبداد الفكري والنفسي وحتى الإداري .
وذلك لأنه عششت فيهم قناعات وترسبات فكرية بصواب ما هم عليه من تصورات وأفكار ومعتقدات وخطأ ما عليه الآخرين بزعمهم . بل قد يصل بهم الحال إلى درجة الاستعلاء بما هم عليه إلى لعب أدوار مضادة تجاه كل الذين يخالفونهم بأساليب ووسائل شتى ، تصل إلى درجة الوقيعة والغيبة والنميمة والبهتان وغيرها ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة ومن لم يكن معنا فهو ضدنا ؟!
شعارهم المجيد مع بالغ الأسف وهو شعار معكوس منكوس : ( رأي صواب لا يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) . قمة العجب والغرور .
وصدق الله إذ يقول : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فاطر8 .
وأنا شخصيا أتعجب كل العجب من الشخص الذي يمارس النقد على الآخرين بل ويكثر من النقد ثم يرفض ولا يقبل أن ينتقده أحد ، بل ترى معظم هؤلاء – إلا ما رحم ربك - إذا أراد أن ينتقد مقالا أو كتابا أو موضوعا أو أطروحة يحاول جاهدا من خلال التلاعب بالنصوص إقناع القارئ أو المستمع بأمرين :
الأول : إيراده القاعدة ( أن كلا يأخذ من قوله ويترك ) وتكرارها في محاولة منه لتهيئة المتلقي إلى أن ما سيعرضه لا حقا من نقد هو الصواب أو الأصوب ؟! مع أن هذه القاعدة تنطبق أيضا عليه ولا تستثنيه أبداً فكل نقده عندئذٍ يأخذ منه ويترك وليس هو قرآنا يتلى . وقليلون أولئك الذين يتواضعون لله ويصرحون بأن ما يسطرون أو ينتقدون بأنه لا يعدو أن يكون نوع اجتهاد قابل للخطأ والصواب تطبيقا للقاعدة السابقة .
الثاني : التعامل المزاجي مع الكلمات والجمل المقروءة والمسموعة والمرئية بنوع اجتزاء أو انتقائية لأغراض مختلفة والتغافل والتجاهل المتعمد في الغالب لسياقها التي وردت فيه والتي توضح معناها ، وذلك في محاولة منه للإقناع ومن ثم توظيف تلك النصوص لصالحه الشخصي وصالح توجهه ظلما وعدوانا .
وأخيرا : فإن عالم الأفكار والتصورات عالم يحتمل الخطأ والصواب فلماذا يكون الاستبداد ومحاولة غسيل الدماغ ؟
وإذا افترضنا أن الشخص مقتنع بآرائه الشخصية حد التمام فمن الصعب أن يفرض هذه القناعات على الطرف الآخر !!
ولذلك ليس هناك خلق أفضل بعد إخلاص القصد من التواضع لأنه يمنحك الفرصة الحقيقية لتبادل وجهات النظر وأن تستفيد من الآخرين ، فأنت لوحدك أيها الإنسان لا تستطيع ولن تستطيع أن تحتوي أو تستوعب كل شيء في هذه الحياة ؟! وكما قيل : ليس فينا من هو أذكى منا مجتمعين ..
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر .. على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفســـه .. إلى طبقات الجو وهو وضيع
وتقبلوا فائق تحياتي ..
كتبه الشيخ: إدريس بن ابكر مجرشي