صقر الجنوب
13/07/2005, 12:57 PM
" ثقافة العيب" أدخلت الشباب في دائرة البطالة
في الجنوب يرفضون مهنة "الطبيب" وفرص عمل مهدرة يخطفها الآخرون في كافة المدن
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-07-13/Pictures/1307.nat.p16.n983.jpg
شباب تحمل طوابير طلب الوظائف وبعضهم لم يكلف خاطره بالعمل المهني خوفا من "العيب"
الرياض: عضوان الأحمري
احتلت ثقافة العيب مساحة كبيرة من عقلية أغلب الشرائح الاجتماعية وأصبحت تشكل سبباً رئيساً في تفاقم أزمة البطالة بين الشباب السعودي. وأدت هذه الثقافة الغريبة على مجتمعنا إلى عزوف كثير من الشباب عن بعض المهن, خوفاً من نظرة المجتمع الدونية لها, إضافة إلى خشيتهم من غضب الأهل أو ازدراء الأصدقاء. وتختلف نسبة العيب باختلاف المهنة والمنطقة ومن الشباب إلى الفتيات, فمهنة الطبيب التي يحلم بها كل شاب, تشكل نسبة ضئيلة من أحلام الشابات. ويرجع ذلك إلى الخوف من نظرة المجتمع إلى اختلاط النساء بالرجال في أماكن العمل بل تنظر بعض المناطق في جنوب غرب البلاد إلى وظيفة الطبيب على أنها وظيفة لا تناسب أبناء العائلات في الوقت الذي يدفع فيه أهل جدة كل ما لديهم لكي يحصل أبناؤهم على فرصة تعليمية في الداخل أو الخارج تؤهلهم ليصبح الواحد منهم طبيبا ليكتب اسم عائلته على لافتات المستشفيات والعيادات والميادين العامة. وتسببت هذه النظرة في نقص وفقر كبيرين في كثير من المهن التي تحتاج إلى بنات وشباب الوطن كي يملأوا فراغاتها بدلاً من الوافد.
المجتمع والزمن
يقول أستاذ علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض محمد التويجري: في اعتقادي أن ثقافة العيب في المجتمع السعودي تضرب بقوة في عمق المجتمع الذي تقوم ثقافته على كثير من القيود والحواجز، وتعمل جهات متعددة في المجتمع على تأصيلها والإبقاء عليها وتقويتها للإبقاء على الحياة بشكل مصطنع ومزيف أمام الكثير من التغيرات الحضارية والاجتماعية. ويرى أن مفهوم "العيب" ليس ما يتعارض مع عادات المجتمع وتقاليده التي لا تقوم على أساس علمي أو شرعي، بل أصبح هذا المفهوم يقوم على خرافات وتقاليد بالية عفى عليها الزمن، ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحاضر. و يوضح بقوله إن العيب في نظري هو ما يتعارض مع الشرع أو مع مصلحة الوطن العامة أو يسرق فرصة مواطن آخر مستحق. وفي النهاية هو ما يتعارض مع النظام الذي تقوم عليه سياسة الوطن باعتبارنا مواطنين فيه وننتمي إلى ترابه.
وترى الأديبة والقاصة السعودية الدكتورة هنا حجازي أن تعريف العيب تحول إلى موروث اجتماعي وهو من منطلق أنثوي طبقا لثقافة العيب التي ربينا عليها مازلنا رغم استهجاننا له نكرره على أبنائنا ونربيهم عليه. وتقول أمسك نفسي أحيانا حين يعجزني المنطق فأقول لابني حين يسألني عن السبب عن منعه من أشياء معينة "عيب" ولكن "عيب عن عيب يفرق". وتروي مثلا يقول "ما عيب إلا العيب". وتذكر: أن هذا المثل يشغلها كثيرا، لأنه يبين أنه لا يوجد اتفاق عام على ما هو العيب؟. والعيب عند مجتمع، ليس عيبا عند مجتمع آخر، والعيب في بيئة، ليس عيبا في بيئة أخرى، هنا في مناطق السعودية مثلا تختلف كل منطقة عن أخرى في معنى العيب، أو الأشياء التي تدخل تحت عباءة العيب.
العزوف عن المهن!
وعن أسباب عزوف الشباب عن بعض المهن بسبب مفهوم العيب، تقول الدكتورة حجازي بخصوص المهن: مثلا أتذكر وأنا في أبها أن إحدى الفتيات كانت تحدثني عن كيف يستهجن الناس عمل الفتاة كطبيبة، ويعتبرونه عيبا بينما في جدة عندما أصبحت طبيبة كنت أحد مفاخر أهلي بي، بمعنى أنه ليس فقط أنواع من المهن المتدنية هي التي تعتبر عيبا، بل مهنة كطبيب، تعتبر عيبا، ليس للبنات فقط، بل تعتبر عيبا بشكل عام في بعض المجتمعات ، لأن المهنة تخدم الناس، و يبدو في نظر البعض، أن المهنة التي تخدم فيها الآخرين تعتبر عيبا، حيث لديهم ثقافة خاصة تدعم مبدأ يؤكد على ضرورة أن يخدمك الناس، كي تكون متخطيا لمنطقة العيب. وتعتقد الدكتورة هنا حجازي أن الاقتصاد له دور كبير في تخطي الكثير من المسائل المتعلقة بمفهوم العيب لأن الكثير من العيب، يصبح لا عيب، حين يعرف الشاب أو الشابة أن هذه المهنة تحديدا هي المتاحة، و التي ستجلب له عيشا كريما، وستخلصه من البطالة، وسيصبح صاحب دخل. وترجع الدكتورة حجازي مسؤولية التوسع في مفهوم العيب إلى فترة الطفرة النفطية التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة. وتقول إن الطفرة للأسف، غيرتنا بشكل سلبي في كثير من القضايا وهذه إحداها، لأن الناس قبلها كانوا يعملون في كل المهن، ولم يكن هناك عيب فيما يختص بمهنة معينة. وتؤكد أن الواقع العملي والتطبيقي سيخرج المجتمع من مسألة العيب حيث إنه في السابق كان عمل الممرضة عيبا كبيرا, والآن نجد ممرضات من جميع الطبقات، والعائلات، لأن الناس أصبحت تعي أن عمل الممرضة عمل جليل، ومطلوب و راق.
وتراهن على أن الأيام هي التي ستخرجنا من هذا المفهوم ـ العيب ـ الذي نحدد به وسيلة الارتباط بالمهن. وتطالب بالحديث بصراحة وشفافية عن هذه الأمور، بأن تطرح الأشياء بمسمياتها، وتناقش القضية إعلاميا بالحديث عن هذه المهن بطريقة واضحة، والتحدث في مختلف جوانبها، والكشف عن السبب الذي يدعو الناس لاعتبار ممارسة مهنة عيباً، حتى يكون النقاش فعالا.
وعن علاقة البطالة بالعيب يرى الدكتور محمد التويجري أن ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب السعودي، لا يرتبط بثقافة العيب وإن كان لا يعفي ثقافة العيب من بعض الأثر موضحا أن هذه الثقافة بلا شك تمنع بعض الشباب من الانخراط في بعض المهن بسبب اعتقادهم أن العمل في هذه المهن من العيب، وتنقص من قيمة الشخص وتحط من شأنه واعتباره وأهله وعشيرته. ويقول هناك سبب أشد أثراً في رأيي، وهو الاتجاهات السالبة التي لدى الشباب نحو العمل المهني والتي تكون لديهم بسبب التنشئة الاجتماعية والأسلوب التربوي الذي نشأوا عليه، فقد نشأوا معتمدين على والديهم وظهروا للحياة بمفاهيم خاطئة تجاه العمل وضرورة قيام الأجنبي بخدمتهم، فتولد عندهم عدم القدرة على القيام بالأعمال المهنية التي تتطلب جهدا ووقتا يتعارضان مع برنامج الشاب اليومي القائم على أساس التجمع مع الشلة والنوم في أوقات ذروة العمل وسهولة الحصول على المال من أبيه عند حاجته، وتوفر كل مستلزمات الحياة لديه بيسر وسهولة. إننا نحتاج إلى برنامج وطني لإعادة تأهيل شبابنا على حب العمل وتغيير اتجاهاتهم السلبية نحو العمل والمهنة واتجاهاتهم الإيجابية نحو النوم والسهر وحب الذات والاعتماد على الأهل في كل ما يحتاجون إليه.
وتشير الشابة نهلة الأسمري إلى أن بعض العيب لا يكون عيبا من الأساس وإنما نما من المجتمع ذاته, وقد يكون نتاج تقاليد وأعراف نتاج قناعات عقلية تجاه بعض الأمور واستمرت قراءتها عيبا من قبل المجتمع. وتبين أن العيب المهني موجود منذ الزمن الجاهلي وهو من مساوئ القبلية مع أن الإسلام قام بتصحيح تلك النظرة للمهن، لكننا نجده في وقتنا الحاضر استفحل مرضه وعاد بقوه حتى امتد لمهن كثيرة نحتاجها ونحن الأولى بامتهانها، لكن للأسف خوف بعضنا من نظرة المجتمع تجعله يعزف فعليا حتى عن المحاولة بدخول مجال المهنة التي يريد.
وتتحدث الأسمري عن المجالات التي ترغب العمل بها وتخاف من العيب بقولها: هي مجالات كثيرة أولها المجال الصحافي وعالم الأدب، ومن المهن التي لا يقبلها المجتمع التجميل. وأما الطب والتمريض فما زال يعاني من نظرة المجتمع غير أن النظرة المعيبة لهذا المجال خفت حدتها في بعض الأسر.
خ. العتيبي، 26 سنة, تخرج في الثانوية العامة وكان يأمل الالتحاق بإحدى الجامعات, إلا أن ظروفه المعيشية ووفاة والده أجبراه أن يعمل أي عمل في سبيل الحصول على دخل له ولإخوته، يقول العتيبي: كنت أبحث عن عمل لفترة طويلة, ونصحني أحدهم بالعمل في سوق الخضار، وعملت فترة حتى استطعت الحصول على مرتب ودخل جيد يكفي احتياجات العائلة فقط. وبعد فترة طلبت من أحد أقاربي أن يساعدني في الحصول على سيارة "دينا" أنقل بها البضائع. والحمد لله اشتراها لي وبدأت أقسط عليه بدون فوائد. والآن أصبح دخلي من هذه السيارة قرابة 7000 ريال شهرياً, وأنا أحاول الآن شراء سيارة أخرى بالأقساط واستقدام سائق يتنقل بها وأحاول تأجيرها. ويتحدث العتيبي عن المشاكل التي واجهته بقوله: في البداية كان المزاح يضايقني حيث إن بعض الأصدقاء أو الأهل كانوا ينعتوني بـ"السواق" من باب المزاح. ومع الوقت زادت الثقة في نفسي ولم يعد يهمني كلامهم لأنه هو مصدر دخلي الوحيد.
معايير العيب
ومن الناحية النفسية يعود الدكتور التويجري للحديث عن إمكانية علاج المشكلة وإزالة هاجس العيب بقوله: باستطاعة علم النفس كسر هذا الحاجز وتغيير هذه الاتجاهات السائدة عند أفراد المجتمع بواسطة الكثير من البرامج المعرفية والسلوكية التي تعمل على تغيير الاتجاهات السائدة عند الشباب على وجه الخصوص، فعندما ينجح علم النفس في مثل هذه البرامج يصبح للمجتمع موقف مغاير في التعامل مع ثقافة العيب، ويصبح العيب مقبولا بدل الرفض الذي يلقاه اليوم. ويؤكد أنه لكي ينجح علم النفس في ذلك، لابد من مساعدة جهات معينة لما يقوم به علم النفس. من ضمن هذه الجهات وزارات الإعلام و العمل والتربية والتعليم, والجامعات.
في الجنوب يرفضون مهنة "الطبيب" وفرص عمل مهدرة يخطفها الآخرون في كافة المدن
http://www.alwatan.com.sa/daily/2005-07-13/Pictures/1307.nat.p16.n983.jpg
شباب تحمل طوابير طلب الوظائف وبعضهم لم يكلف خاطره بالعمل المهني خوفا من "العيب"
الرياض: عضوان الأحمري
احتلت ثقافة العيب مساحة كبيرة من عقلية أغلب الشرائح الاجتماعية وأصبحت تشكل سبباً رئيساً في تفاقم أزمة البطالة بين الشباب السعودي. وأدت هذه الثقافة الغريبة على مجتمعنا إلى عزوف كثير من الشباب عن بعض المهن, خوفاً من نظرة المجتمع الدونية لها, إضافة إلى خشيتهم من غضب الأهل أو ازدراء الأصدقاء. وتختلف نسبة العيب باختلاف المهنة والمنطقة ومن الشباب إلى الفتيات, فمهنة الطبيب التي يحلم بها كل شاب, تشكل نسبة ضئيلة من أحلام الشابات. ويرجع ذلك إلى الخوف من نظرة المجتمع إلى اختلاط النساء بالرجال في أماكن العمل بل تنظر بعض المناطق في جنوب غرب البلاد إلى وظيفة الطبيب على أنها وظيفة لا تناسب أبناء العائلات في الوقت الذي يدفع فيه أهل جدة كل ما لديهم لكي يحصل أبناؤهم على فرصة تعليمية في الداخل أو الخارج تؤهلهم ليصبح الواحد منهم طبيبا ليكتب اسم عائلته على لافتات المستشفيات والعيادات والميادين العامة. وتسببت هذه النظرة في نقص وفقر كبيرين في كثير من المهن التي تحتاج إلى بنات وشباب الوطن كي يملأوا فراغاتها بدلاً من الوافد.
المجتمع والزمن
يقول أستاذ علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض محمد التويجري: في اعتقادي أن ثقافة العيب في المجتمع السعودي تضرب بقوة في عمق المجتمع الذي تقوم ثقافته على كثير من القيود والحواجز، وتعمل جهات متعددة في المجتمع على تأصيلها والإبقاء عليها وتقويتها للإبقاء على الحياة بشكل مصطنع ومزيف أمام الكثير من التغيرات الحضارية والاجتماعية. ويرى أن مفهوم "العيب" ليس ما يتعارض مع عادات المجتمع وتقاليده التي لا تقوم على أساس علمي أو شرعي، بل أصبح هذا المفهوم يقوم على خرافات وتقاليد بالية عفى عليها الزمن، ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحاضر. و يوضح بقوله إن العيب في نظري هو ما يتعارض مع الشرع أو مع مصلحة الوطن العامة أو يسرق فرصة مواطن آخر مستحق. وفي النهاية هو ما يتعارض مع النظام الذي تقوم عليه سياسة الوطن باعتبارنا مواطنين فيه وننتمي إلى ترابه.
وترى الأديبة والقاصة السعودية الدكتورة هنا حجازي أن تعريف العيب تحول إلى موروث اجتماعي وهو من منطلق أنثوي طبقا لثقافة العيب التي ربينا عليها مازلنا رغم استهجاننا له نكرره على أبنائنا ونربيهم عليه. وتقول أمسك نفسي أحيانا حين يعجزني المنطق فأقول لابني حين يسألني عن السبب عن منعه من أشياء معينة "عيب" ولكن "عيب عن عيب يفرق". وتروي مثلا يقول "ما عيب إلا العيب". وتذكر: أن هذا المثل يشغلها كثيرا، لأنه يبين أنه لا يوجد اتفاق عام على ما هو العيب؟. والعيب عند مجتمع، ليس عيبا عند مجتمع آخر، والعيب في بيئة، ليس عيبا في بيئة أخرى، هنا في مناطق السعودية مثلا تختلف كل منطقة عن أخرى في معنى العيب، أو الأشياء التي تدخل تحت عباءة العيب.
العزوف عن المهن!
وعن أسباب عزوف الشباب عن بعض المهن بسبب مفهوم العيب، تقول الدكتورة حجازي بخصوص المهن: مثلا أتذكر وأنا في أبها أن إحدى الفتيات كانت تحدثني عن كيف يستهجن الناس عمل الفتاة كطبيبة، ويعتبرونه عيبا بينما في جدة عندما أصبحت طبيبة كنت أحد مفاخر أهلي بي، بمعنى أنه ليس فقط أنواع من المهن المتدنية هي التي تعتبر عيبا، بل مهنة كطبيب، تعتبر عيبا، ليس للبنات فقط، بل تعتبر عيبا بشكل عام في بعض المجتمعات ، لأن المهنة تخدم الناس، و يبدو في نظر البعض، أن المهنة التي تخدم فيها الآخرين تعتبر عيبا، حيث لديهم ثقافة خاصة تدعم مبدأ يؤكد على ضرورة أن يخدمك الناس، كي تكون متخطيا لمنطقة العيب. وتعتقد الدكتورة هنا حجازي أن الاقتصاد له دور كبير في تخطي الكثير من المسائل المتعلقة بمفهوم العيب لأن الكثير من العيب، يصبح لا عيب، حين يعرف الشاب أو الشابة أن هذه المهنة تحديدا هي المتاحة، و التي ستجلب له عيشا كريما، وستخلصه من البطالة، وسيصبح صاحب دخل. وترجع الدكتورة حجازي مسؤولية التوسع في مفهوم العيب إلى فترة الطفرة النفطية التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة. وتقول إن الطفرة للأسف، غيرتنا بشكل سلبي في كثير من القضايا وهذه إحداها، لأن الناس قبلها كانوا يعملون في كل المهن، ولم يكن هناك عيب فيما يختص بمهنة معينة. وتؤكد أن الواقع العملي والتطبيقي سيخرج المجتمع من مسألة العيب حيث إنه في السابق كان عمل الممرضة عيبا كبيرا, والآن نجد ممرضات من جميع الطبقات، والعائلات، لأن الناس أصبحت تعي أن عمل الممرضة عمل جليل، ومطلوب و راق.
وتراهن على أن الأيام هي التي ستخرجنا من هذا المفهوم ـ العيب ـ الذي نحدد به وسيلة الارتباط بالمهن. وتطالب بالحديث بصراحة وشفافية عن هذه الأمور، بأن تطرح الأشياء بمسمياتها، وتناقش القضية إعلاميا بالحديث عن هذه المهن بطريقة واضحة، والتحدث في مختلف جوانبها، والكشف عن السبب الذي يدعو الناس لاعتبار ممارسة مهنة عيباً، حتى يكون النقاش فعالا.
وعن علاقة البطالة بالعيب يرى الدكتور محمد التويجري أن ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب السعودي، لا يرتبط بثقافة العيب وإن كان لا يعفي ثقافة العيب من بعض الأثر موضحا أن هذه الثقافة بلا شك تمنع بعض الشباب من الانخراط في بعض المهن بسبب اعتقادهم أن العمل في هذه المهن من العيب، وتنقص من قيمة الشخص وتحط من شأنه واعتباره وأهله وعشيرته. ويقول هناك سبب أشد أثراً في رأيي، وهو الاتجاهات السالبة التي لدى الشباب نحو العمل المهني والتي تكون لديهم بسبب التنشئة الاجتماعية والأسلوب التربوي الذي نشأوا عليه، فقد نشأوا معتمدين على والديهم وظهروا للحياة بمفاهيم خاطئة تجاه العمل وضرورة قيام الأجنبي بخدمتهم، فتولد عندهم عدم القدرة على القيام بالأعمال المهنية التي تتطلب جهدا ووقتا يتعارضان مع برنامج الشاب اليومي القائم على أساس التجمع مع الشلة والنوم في أوقات ذروة العمل وسهولة الحصول على المال من أبيه عند حاجته، وتوفر كل مستلزمات الحياة لديه بيسر وسهولة. إننا نحتاج إلى برنامج وطني لإعادة تأهيل شبابنا على حب العمل وتغيير اتجاهاتهم السلبية نحو العمل والمهنة واتجاهاتهم الإيجابية نحو النوم والسهر وحب الذات والاعتماد على الأهل في كل ما يحتاجون إليه.
وتشير الشابة نهلة الأسمري إلى أن بعض العيب لا يكون عيبا من الأساس وإنما نما من المجتمع ذاته, وقد يكون نتاج تقاليد وأعراف نتاج قناعات عقلية تجاه بعض الأمور واستمرت قراءتها عيبا من قبل المجتمع. وتبين أن العيب المهني موجود منذ الزمن الجاهلي وهو من مساوئ القبلية مع أن الإسلام قام بتصحيح تلك النظرة للمهن، لكننا نجده في وقتنا الحاضر استفحل مرضه وعاد بقوه حتى امتد لمهن كثيرة نحتاجها ونحن الأولى بامتهانها، لكن للأسف خوف بعضنا من نظرة المجتمع تجعله يعزف فعليا حتى عن المحاولة بدخول مجال المهنة التي يريد.
وتتحدث الأسمري عن المجالات التي ترغب العمل بها وتخاف من العيب بقولها: هي مجالات كثيرة أولها المجال الصحافي وعالم الأدب، ومن المهن التي لا يقبلها المجتمع التجميل. وأما الطب والتمريض فما زال يعاني من نظرة المجتمع غير أن النظرة المعيبة لهذا المجال خفت حدتها في بعض الأسر.
خ. العتيبي، 26 سنة, تخرج في الثانوية العامة وكان يأمل الالتحاق بإحدى الجامعات, إلا أن ظروفه المعيشية ووفاة والده أجبراه أن يعمل أي عمل في سبيل الحصول على دخل له ولإخوته، يقول العتيبي: كنت أبحث عن عمل لفترة طويلة, ونصحني أحدهم بالعمل في سوق الخضار، وعملت فترة حتى استطعت الحصول على مرتب ودخل جيد يكفي احتياجات العائلة فقط. وبعد فترة طلبت من أحد أقاربي أن يساعدني في الحصول على سيارة "دينا" أنقل بها البضائع. والحمد لله اشتراها لي وبدأت أقسط عليه بدون فوائد. والآن أصبح دخلي من هذه السيارة قرابة 7000 ريال شهرياً, وأنا أحاول الآن شراء سيارة أخرى بالأقساط واستقدام سائق يتنقل بها وأحاول تأجيرها. ويتحدث العتيبي عن المشاكل التي واجهته بقوله: في البداية كان المزاح يضايقني حيث إن بعض الأصدقاء أو الأهل كانوا ينعتوني بـ"السواق" من باب المزاح. ومع الوقت زادت الثقة في نفسي ولم يعد يهمني كلامهم لأنه هو مصدر دخلي الوحيد.
معايير العيب
ومن الناحية النفسية يعود الدكتور التويجري للحديث عن إمكانية علاج المشكلة وإزالة هاجس العيب بقوله: باستطاعة علم النفس كسر هذا الحاجز وتغيير هذه الاتجاهات السائدة عند أفراد المجتمع بواسطة الكثير من البرامج المعرفية والسلوكية التي تعمل على تغيير الاتجاهات السائدة عند الشباب على وجه الخصوص، فعندما ينجح علم النفس في مثل هذه البرامج يصبح للمجتمع موقف مغاير في التعامل مع ثقافة العيب، ويصبح العيب مقبولا بدل الرفض الذي يلقاه اليوم. ويؤكد أنه لكي ينجح علم النفس في ذلك، لابد من مساعدة جهات معينة لما يقوم به علم النفس. من ضمن هذه الجهات وزارات الإعلام و العمل والتربية والتعليم, والجامعات.