مشاهدة النسخة كاملة : مفكرة طالب العلم ..%%
أبو أنــس
12/01/2013, 05:22 PM
أساليب الدعوة إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة في اللغة والاصطلاح
تعريف الدعوة ومعناها لغة واصطلاحا
أولا : الدعوة في اللغة
كلمة ( الدعوة ) مصطلح إسلامي، وهناك علاقة وثيقة بين مدلول هذا اللفظ في الأصل اللغوي، وبين استعماله كمصطلح إسلامي صرف .
معاني الدعوة في القرآن
ورد لفظ الدعوة في القرآن الكريم للدلالة على معاني متعددة منها:
1 ـ معنى الطلب: نحو قوله تعالى: ( لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً) (الفرقان: 14). بمعنى لا تطلبوا اليوم هلاكاً واحداً بل اطلبوا هلاكاً وويلاً كثيراً فإن ذلك لن ينفعكم.
2 ـ معنى النداء: نحو قوله تعالى( ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا) (الكهف:52). أي فنادوهم فلم يستجيبوا لهم.
3 ـ معنى السؤال: نحو قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) (البقرة:69). أي اسأل ربّك يبين لنا ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها.
4 ـ معنى الحث والتحريض على فعل شيء: نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون(ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) (غافر:41). بمعنى أنه ليس من العدل والإنصاف أن أحثّكم وأحرضكم على فعل ما من شأنه نجاتكم في الدنيا والآخرة، وأنتم تحرضونني على فعل ما من شأنه هلاكي.
5 ـ معنى الاستغاثة: نحو قوله تعالى( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) (الأنعام:40).
بمعنى: هل إذا أتاكم عذاب وغضب من الله وأصابتكم كارثة أو مصيبة أو أتتكم الساعة هل إذ حدث ذلك تستغيثون بغير الله؟ فإن كلمة تدعون في الآية بمعنى الاستغاثة.
6 ـ معنى الأمر: نحو قوله تعالى : {وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم} (الحديد:8). أي والرسول يأمركم أن تؤمنوا بالله ربكم.
7 ـ معنى الدعاء: نحو قوله تعالى( ادعوا ربكم تضرُّعاً وخفية) (الأعراف:55). بمعنى توسلوا إلى الله بالدعاء وتقربوا إليه به.
هذه معاني متعددة استُعمل لفظ الدعوة للدلالة عليها كما ورد في القرآن الكريم ، وإذا نظرنا بشيء من الإمعان إلى تلك المعاني سوف نجد أنها تعود جميعها إلى أصل واحد وهو معنى «الطلب».
فالنداء هو طلب الحضور والمجيء سواء لأمر حسي أو معنوي.
والسؤال: هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً لدى السائل.
والتحريض والحث: هو طلب إتيان فعل غير مرغوب فيه عند المخاطب.
والاستغاثة: طلب رفع ضرر واقع على المستغيث.
والأمر: طلب إتيان الفعل مطلقاً.
والدعاء: هو الطلب من الله سبحانه وتعالى.
وتعدّد معنى الدعوة كما هو واضح بغرض بيان القصد المراد منها.
ومن ثمّ يمكن تعريف الدعوة إلى الإسلام من خلال ما تقدم بأنها : الطلب من الناس الدخول في طاعة الله تبارك وتعالى، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والالتزام بشرائعه أي التدين بالدين الإسلامي الحنيف الذي اختاره الله تبارك وتعالى لخلقه والعمل بتعاليمه. ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة:21) .
الدعوة في الاصطلاح
الدعوة في لسان الشرع قد وردت فيها عدة تعاريف، نذكر منها:
1) تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
(الدعوة إلى الله، هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا).
انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ج15/ 157
2) تعريف د. السيد محمد الوكيل:
الدعوة إلى الله هي جمع الناس إلى الخير،ودلالتهم على الرشد، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قال تعالى: ((والتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)) [آل عمران 103].
انظر: أسس الدعوة وآداب الدعاء للدكتور السيد محمد الوكيل، ص9
3) تعريف الشيخ الصواف:
الدعوة هي رسالة السماء إلى الأرض، وهي هدية الخالق إلى المخلوق، وهي دين الله القويم، وطريقه المستقيم، وقد اختارها الله وجعلها الطريق الموصل إليه سبحانه، ((إن الدين عند الله الإسلام)) [آل عمران 19]، ثم اختارها لعباده، وفرضها عليهم، ولم يرض بغيرها بديلاً عنها ((ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)) [آل عمران 185].
انظر: الدعوة والدعاء للصواف، ص22
وخلاصة التعاريف فإننا نقول بأن الدعوة إلى الله هي قيام الداعية المؤهل بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة (أمة الدعوة وأمة الاستجابة) وفق الأسس والمنهج الصحيح، وبما يتناسب مع أصناف المدعوين ويلائم أحوال وظروف المخاطبين
أنواع الدعوة إلى الله
خصائص الدعوة إلى الله
أولا: ربانية المصدر
الدعوة إلى الله مصدرها الله تعالى، فهي مرتبطة به، وهذا ما أضفى عليها قدسية لا نجدها في الدعوات الوثنية والأرضية الأخرى، بل وحتى الدعوات التي تستند إلى كتب سماوية تفتقد إلى هذه القدسية، كالمسيحية المحرفة التي تتبنى عقيدة التثليث.
وارتباط الدعوة بالله عز وجل يبعث الطمأنينة والسكينة في قلب الداعي، فكما يقول ابن عطاء الله السكندري: [من وجد الله فماذا فقد].
ثانيا: عالمية الانتشار
فهي لا تخص جنسا معينا، بل تتوجه إلى كل البشر مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية 107].
وهي عالمية من حيث الزمان فهي لا تتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولا تتعطل أبدا، أما من حيث المكان فهي نور الله الذي يضيء جميع الأرض، لذلك على الدعاة أن يستشعروا مسؤوليتهم في تبليغ الدعوة إلى كل الآفاق.
ثالثا: شمولية المنهاج
فهو يستوعب كل شرائح المجتمع: العالمين والجاهلين، والأغنياء والفقراء، والمؤمنين والكافرين... وهذا المنهاج يخاطب كل شريحة مع مراعاة خصوصياتها حتى تكون الدعوة على بصيرة وفهم وعلم ودراية وبالتالي تكون ناجحة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية 108].
رابعا: مراعاة واقع المدعوين
الدعوة واقعية تأخذ بعين الاعتبار ظروف المدعوين الاجتماعية والثقافية وطبيعة مشاكلهم...، لذا على الداعي أن يكون واقعيا في تعامله معهم.
خامسا: ايجابية النظرة
أ- الكون: وهي نظرة إعمار واكتشاف، فهذا الكون- الذي خُلِقنا فيه - يسير وفق نواميس أودعها الله فيه لابد من اكتشافها، ومن ثم العمل بمقتضاها للإعمار، فهذه النظرة تخلق في الإنسان حب التأمل وتوحيد الله المبدع في صنيعه فيزداد إيمانا على إيمانه، وعلما بحقيقة خالقه، أليس الله هو القائل: ﴿...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [سورة فاطر، الآية 28].
ب- الحياة: وهي فترة للعمل فيما ينفع الناس، ولا تقاس بحياة الأفراد، وهذا ما أراد الرسول أن يرسخه في نفوس المؤمنين: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) [رواه أحمد]، وجسده ذلك الفلاح المسن الذي غرس أشجارا - تثمر بعد سنوات - لما استفسر عن سبب غرسه إياها فقال: [غرسوا فأكلنا، ونحن الآن نغرس ليأكل من يأتي بعدنا].
ج- الإنسان: هو المخلوق الذي كرمه الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...﴾ [سورة الإسراء، الآية 70].
وهو الأساس في قيام الحضارة كما يقول مالك بن نبي لذلك لابد من المحافظة عليه جسدا وروحا كما أمرنا تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [سورة القصص، الآية 77].
سادسا: أخلاقية الوسائل والأهداف
الأخلاق في الإسلام عامة لا تخص المسلمين فقط، لقوله : (اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) [رواه الترمذي وقال حديث حسن]، ليس كالدعوة اليهودية التي تستند إلى التوراة المحرفة والتلمود والبروتوكولات الداعية إلى التحلي بالأخلاق فيما بينهم والتملص منها مع غيرهم.
إن الدعوة إلى الله أهدافها أخلاقية ووسائلها كذلك ومنه صيغت القواعد التالية: [نبل الوسائل من نبل الأهداف] و[طهر الأدوات من طهر الغايات]، و[سلامة المنطلقات من سلامة المآلات]، ففي ظل الدعوة إلى الله تنتفي القاعدة الميكيافلية [الغاية تبرر الوسيلة]، فغاية الدعوة هي التمكين لدين الله وهي غاية نبيلة ووسائلها كذلك نبيلة.
الفرق بين أساليب الدعوة ووسائلها
إن من أهم ما ينبغي على الدعاة إلى الله أن يفرقوا بين وسائل الدعوة إلى الله وأساليب الدعوة، وأن يفهموا معنا كل منهما، حتى يكونوا على قدر من الكفاءة والعلم لتبليغ دعوة الله تعالى.
المصطلح الأول: وسائل الدعوة.
تعريفها لغة: هي ما يتقرَّب به إلى الغير، والجمع وَسيلٌ ووَسائِلُ، يقال: وَسَّلَ فلانٌ إلى ربّه وسِيلةً إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) ] المائدة: 35[.
قال الإمام ابن جرير الطبري (( "الوسيلة": هي"الفعيلة" من قول القائل:"توسلت إلى فلان بكذا"، بمعنى: تقرَّبت إليه، ومنه قول عنترة: إنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ... إِنْ يَأْخُذُوكِ، تكَحَّلِي وتَخَضَّبي )).
تعريفها اصطلاحًا: هي ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية الحسية، أو المعنوية ينقل بها دعوته إلى المدعوين.
وينبغي للداعية معرفة الضوابط الشرعية للوسائل، ومراعاة أحوال من تستخدم معهم، حتى لا يقع في الخلل والاضطراب، فهاهنا ضابطان لا بد من مراعاتهما وهما:
أولا: الإذن بمعنى أن تكون مأذونا بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصا عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح.
ثانيا: المصلحة ويشمل ذلك مناسبة المقام، واختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة
أمثلة على وسائل الدعوة إلى الله تعالى:
1) إرسال الرسل والدعاة.
2) تسلية المدعوين وتنشيطهم.
3) الجهاد في سبيل الله عز وجل.
4) الخطابة على المنبر أو مكان مرتفع.
5) الزيارة والعيادة
6) الكتب والرسائل.
وهذه الأمثلة على سبل المثال لا الحصر وإلا وسائل الدعوة إلى الله كثيرة جدا، فمتى كانت هذه الوسيلة مباحة شرعًا، لا محذور فيها، ولا مخالفة شرعية، فعلى الداعية استخدامها في تبليغ دعوة الله تعالى.
المصطلح الثاني: أساليب الدعوة.
تعريفها لغة: الأسلوب هو: الطريق والفن، يقال أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه.
تعريفها اصطلاحًا: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه.
والمصادر الأساسية التي يستمد الداعية أساليب دعوته الحكيمة منها: هي كتاب اللّه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح.
أمثلة على أساليب الدعوة إلى الله تعالى:
تقوم جميع أساليب الدعوة إلى الله على أسلوب الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ))]النحل:125[. وأساليب الدعوة لها مكانة بالغة في الدعوة إلى الله عز وجل، ومنها:
1) التدرج في الدعوة.
2) السؤال والجواب.
3) الاستفهام الاستنكاري.
4) التشبيه وضرب الأمثال.
5) الترغيب.
6) الترهيب.
ولعل هذه من أهم الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وهي على سبيل المثال لا الحصر.
ومما سبق يتبين لنا أن الوسائل تختلف عن الأساليب بأمور منها:
1) غالبا الوسائل تكون حسية والأساليب معنوية.
2) الوسائل تنقل الأساليب.
أهمية معرفة الداعية لأساليب الدعوة وكيفية تطبيقه لها
عندما بعث الرسول صلى الله عله وسلم معاذ - رضي الله عنه- إلى اليمن أخبره عن حال المدعوين الذين سيوجه لهم الدعوة , وأنهم أهل كتاب فيقول الحافظ ابن حجر رحمه الله مبيناً حكمة ذلك ( هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة , فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان ) .
وأمره أن يعرض الدعوة عليهم بالتدرج ؛لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مره لم يؤمن النفرة (8)، ولما لهم من مكانة بين سائر المدعوين فقد أمر الله بدعوتهم بالرفق واللين والمجادلة بالتي هي أحسن كما قال تعالى : {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ] سورة النحل : 125[.
فالداعي قبل أن يبدأ بدعوته عليه أن يسأل عن حال المدعو هل هو من الحيارى الذين يحترمون الدين ويقدسون الرب , ولكن لا تزال لديهم شبهات وشهوات , أو هل هذا المدعو قسيس يتطلب له طالب علم له دراية بالكتاب والسنة وبدين النصارى وجوانب الانحراف والاختلاف والاتفاق وكيف يناقش هذا المدعو ويقيم عليه الحجة (9) وإن معرفة الداعي لأحوال المدعوين يقتضي منه أن ينزلهم منازلهم فإن ذلك من الأمور الهامة التي يجب على الداعي أن يراعيها ويتنبه إليها ويحرص على تطبيقها وتنفيذها مع المدعوين , ويعاملهم بناء على أقدارهم ويخاطبهم على قدر عقولهم وأفهامهم لتأليف قلوبهم وجذب نفوسهم إلى الإسلام (10) .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراعي أحوال المدعوين وينزلهم منازلهم ويتمثل ذلك في إرساله للرسل والكتب إلى كسرى (11) وقيصر (12) والنجاشي (13) يدعوهم إلى الإسلام كما ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه إلى قيصر: ( من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ) ، كذلك جاء في كتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس : (من محمد بن عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط) (14). فهذا مما يدل على حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إنزال الناس منازلهم مراعاة لأقدارهم لتأليفهم إلى الدين الإسلامي(15).
فهذه من أساليب الحكمة في الدعوة التي ينبغي للداعي أن يراعيها .
الموعظة الحسنة : للموعظة الحسنة أهمية بالغة في الدعوة إلى الله تعالى , فقد أمر الله تعالى بها في كتابه الكريم , وحث عليها , فقال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } ]سورة النحل: 125[. وذلك لما للموعظة من تأثير بالغ في النفوس (16) .
والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة تكون بأسلوبي الترغيب والترهيب .
والترغيب : هو كل ما يرغب المدعو للإذعان , وقبول الدعوة , والثبات مع الحق , وهو الحث على فعل الطاعات وتأدية الواجبات.
والأصل في الترغيب: أن يكون في طلب مرضاة الله ومغفرته, وجزيل أجره في الدارين .
والترهيب : هو كل ما يخيف المدعو من عدم الثبات على الحق والإذعان له , وعدم اتباع أوامر الله .
والأصل في الترهيب : يكون بالتخويف من عاقبة السيئات لأنها مجلبة لغضب الله .
ويكون الترغيب بعدة أساليب منها :
الوعد بالثواب العاجل في الدنيا , والمؤجل في الآخرة كما قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ] سورة المائدة: 65[ . , وقال تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }] سورة المائدة: 66[ .
وهذا الأسلوب تمثل في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - للنصارى وغيرهم , وذلك حينما كتب كتاباً للمقوقس ملك مصر قال فيه عليه الصلاة والسلام : (أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين)(19) .
ومن الأساليب - أيضاً – التي ترغب في الدخول في الإسلام تذكيرهم بنعم الله عليهم , وقد خاطبهم الله تعالى بذلك فقال جل وعلا : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ..} وقوله تعالى : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ] سورة البقرة: 40, 47[.
وهكذا ينبغي للداعي أن يستفيد من منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة للترغيب النصارى في الإسلام لعلهم يفرحون ويستبشرون بهذا الأجر, فيكون ذلك حافزاً ودافعاً لدخولهم الإسلام وإن لم يثمر معهم هذا الأسلوب فعلى الداعي أن ينتقل بحكمته إلى أسلوب الترهيب والتخويف وهذا منهج القرآن الكريم مع النصارى وغيرهم .
فقد أنّبهم على عدم إسلامهم ووبخهم فقال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}] سورة آل عمران: 70[ , ثم هددهم وحذرهم من شدة عذابه فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} ] سورة النساء: 47[ .
وقد خاطب الله سبحانه النصارى مهدداً لهم على لسان عيسى – عليه السلام - فقال :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} ] سورة المائدة: 72[ .
وقال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} ] سورة النساء: 171[ .
وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلوب الترهيب معهم فقال - صلى الله عليه وسلم - : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني , ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (سبق تخريجه صفحة :1).
إذاً فالموعظة الحسنة من الأساليب الجيدة في التأثير على النصارى العرب وغيرهم , فلابد للداعي أن يستفيد منها في تبليغ دعوته .
ومن وسائل الترغيب والترهيب -أيضاً- ما يعرض لهم من الأمثلة والشواهد التاريخية التي جرت فيها سنة الله في الثواب والعقاب , ويذكر لهم قصص الأمم السابقة , وما جرى لهم أو عليهم , كقصص بني إسرائيل مع رسلهم , وما جرى للذين آمنوا بهم من نصرة الله لهم وما جرى على الذين كفروا وكذبوا رسلهم , وأجرموا , وأفسدوا في الأرض من عذاب مهلك لهم , ومن تدمير لمساكنهم وبلدانهم وممتلكاتهم (20).
ويرغبهم بما يعرض عليهم من مشاهد يوم القيامة بما فيها من جنات ونعيم لمن أسلم وحسن إسلامه , ويرهبهم بذكر ما فيها من عذاب شديد للذين أنكروا وكفروا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فعلى الداعي أن يستفيد من هذا الأسلوب لاسيما وأن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تخاطب النصارى في هذا الشأن .
وعلى الداعي أن يراعي الحكمة في استخدام أسلوب الموعظة , بأن تكون هذه الموعظة موافقة لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - , فتكون موعظة حسنة في موضوعها وأسلوبها وطريقة عرضها , وتكون موعظة بليغة مؤثرة كما روى العرباض بن سارية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة , وجلت منها القلوب , وذرفت منها الدموع ....) "المستدرك على الصحيحين ,كتاب العلم , رقم 392(1174)' فالموعظة البليغة هي التي تؤثر في القلوب .
و على الداعي أن يتحين الوقت المناسب , ويقتصد في الموعظة ويجتنب الإطالة كي لا ينفروا , وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة(21), فكثرة المواعظ مملة تضعف تأثيرها في القلوب .
المجادلة بالتي هي أحسن:
إن لم تنفع الموعظة الحسنة , ولم تؤثر في المدعو وترده إلى الحق , قد يكون لديه شبهة وشك يحتاج إلى تجلية وإيضاح وتفنيد بالجدال والنقاش والحوار , قال تعالى { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {.]سورة النحل: [125
والجدال هو أحد الطرق المستخدمة في الدعوة إلى الله لإقناع المدعو, وإزالة الشبهة , وإقامة الحجج والبراهين على صحة الدعوة , وبطلان ماسواها وهو لا يكون إلا عند الحاجة , كوجود المعارض بالشبهة والصاد بالباطل عن سبيل الله , أما الحكمة والموعظة الحسنة فمشروعيتها قائمة دائمة (22) .
والجدل في اللغة : هي مقابلة الحجة بالحجة , والمجادلة : المخاصمة والمناظرة (23) .
والمجادلة بالتي هي أحسن هي المناظرة التي يبتغى فيها الوصول إلى الحق بطريق صحيح (24) .
والمناظرة مشروعة بالكتاب والسنة, ففي القرآن الكريم ذكر لبعض مناظرات الأنبياء مع أقوامهم , كنوح وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام , وكذلك الثناء من الله على من أوتي الحجة واستطاع افحام قومه كما قال الله عز وجل عن إبراهيم – عليه السلام - {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ... } ] سورة الأنعام: 83].
وفي السنة النبوية ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه ناظر وفد من نصارى نجران بالقرآن الكريم , فأفحمهم ثم عرض عليهم من الآيات التي تتضمن ردود مقنعة عن هذه التساؤلات حول عيسى – عليه السلام -, وتفنيد لشبههم عن الإسلام , ودفع لحججهم الباطلة , مما جعل أبا حارثة وهو أغزر نصارى نجران علماً يسّر إلى أحد رفاقه بقناعته بالذي دعاهم إليه محمد عليه السلام (25) .
قال ابن القيم - رحمه الله- في فقه قصة وفد نجران: (وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم بل استحباب ذلك بل وجوبه إذا اضطرت مصلحة من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجج عليهم )(26).
وللمناظرة والمجادلة ضوابط وآداب لابد أن يراعيها الداعي منها :
1/ أن يكون الموضوع مما يجوز أن تجري المناظرة فيه شرعاً وعقلاً, فلا تجوز المجادلة في ذات الله تعالى , وأسمائه وصفاته ولا يجوز الجدال في آيات الله وضرب بعضها ببعض , ولا فيما غيّبت عنا وليس لنا سبيل إلى معرفته والعلم به .
2/ تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه .
3/ أن يكون الموضوع المتجادل فيه معلوماً ومحدداً لدى المتجادلين فلا ينبغي الجدال فيما يُجهل أو ما كان متشعباً غير محدداً .
4/ أن يكون الهدف من المناظرة إظهار الحق ودفع الباطل .
ولابد أن يكون لدى الداعي إطلاع على كتب النصارى ومعرفة أفكارهم ومعتقداتهم , ليقف على ما عندهم من شبه وأفكار ومعتقدات , فيفندها ويبطلها بما لديه من حجج وبراهين ثابتة بأسلوب المجادلة بالحسنى .
وعليه أن يتحلى بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال من القول المهذب واحترام الآخرين , وعدم الطعن في الأشخاص أو لمزهم والاستهزاء بهم , ولا يبادر إلى مهاجمة أتباع الديانات والعقائد في بداية الأمر , ويتجنب تخطئة المناقش وتسفيه آرائه لأول وهلة , وليكن متلطفاً ليناً رقيقاً في الخطاب , فالجدال مشروط بأن يكون بالتي هي أحسن(27) .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ( أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ) (28) .
وعلى الداعي أن يركز على القضايا التي اهتم بها القرآن الكريم في دعوة النصارى فمنها على سبيل المثال :
إقامة الأدلة لأهل الكتاب على صدق النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وتشتمل على مايلي :
1/ تنبيههم إلى ما يجدونه في كتبهم من صفة النبي – صلى الله عليه وسلم - وأن علمائهم يعرفون أمره معرفة تامة . كما يعرف أحدهم ولده قال تعالى : {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ } ] سورة الأعراف: [157 , وقوله تعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ } ] سورة البقرة: [146, وقال تعالى : {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} ]سورة الشعراء: [197 .
2/ تنبيههم إلى أن محمد – صلى الله عليه وسلم - الذي يدعوهم إلى الإسلام إنما هو الذي بشر به عيسى ابن مريم – عليه السلام - جاء ذلك واضحاً في قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } ] سورة الصف:6 [ .
3/ إخبارهم بان القرآن الكريم وهو المعجزة العظمى لمحمد – صلى الله عليه وسلم - مصدق لما سبقه من الكتب السماوية , ومهيمن عليها قال تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ } ] سورة المائدة: [48.
4/ إقامة الحجة عليهم من طرق الاستشهاد بمؤمني أهل الكتاب , وتصديقهم ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -, وشهادتهم أن ما أنزل عليه هو الحق كما جاء ذلك في قوله تعالى : {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} ] سورة آل عمران: [199.
دعوتهم وإرشادهم إلى أن دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم - موافقة في الأصول إلى ما دعا إليه الأنبياء السابقين كما قال تعالى :{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } ]سورة الشورى: [13 .
5/ قطع الحجة عليهم بإرسال خاتم الرسل إليهم بشيراً ولا نذيراً قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ] سورة المائدة: [19
وبهذه المواجهة الحاسمة لا تعود لهم حجة من الحجج في أن محمداً – صلى الله عليه وسلم - لم يرسل إليهم(29) .
فالمناظرة مع النصارى كانت ولا تزال من أبرز المناظرات التي تحدث في مجال الدعوة , إما دفعاً لشبهة يثيرونها على الإسلام ونبيه – عليه السلام - أو إظهاراً لفساد قول عندهم مما حرفوه , وأدخلوه على دين المسيح كالقول بألوهيته وصلبه وغير ذلك وهي أفضل أشكال الحوار المطلوب في هذا العصر(30) .
إذا فالدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن , من أفضل الأساليب في الدعوة إلى الله لاسيما مع النصارى العرب لكونهم من أهل الكتاب , ولديهم علم وخبر لكنه محرف , خلافاً لأهل الديانات الأخرى من الجهال وعبدة الأوثان .
ثم إن لغتهم العربية تسهل الطرق لدعوتهم وجدالهم ؛ لأن القرآن نزل باللسان العربي وفيه جميع الحجج والبراهين التي تصحح أفكارهم ومعتقداتهم وتزيل شبههم , وشكوكهم , وتجيب على تساؤلاتهم .
وهذه الأساليب تفتقر إلى وسائل ملائمة لإيصالها للمدعو لينتفع بها.
(1) وسائل الدعوة , ص (59 ) .
(2) لسان العرب ,ابن منظور , ط1 (دار صادر:بيروت , بدون تاريخ ) (1473).
(3) ركائز الإعلام في دعوة ابراهيم - عليه السلام -, د.سيد سادتي , ط1 (عالم الكتب :الرياض 1415هـ)هامش ص (48).
(4) أسس الدعوة ووسائل نشرها , د.محمد ابو فارس , ط1 (دار الفرقان : عمان , 1412هـ) ص (80).
(5) التعريفات , علي الجرجاني , تحقيق : ابراهيم الأبياري , ط1 (دار الكتاب العربي :بيروت , 1405هـ) ص (124).
(6) وسائل الدعوة , ص (31).
(7) انظر : الأسلوب التربوي للدعوة في العصر الحاضر , خالد الخياط ط1 (دار المجتمع: جده , 1412هـ) ص (163).
(8) فتح الباري , (3358-359) .
(9) كيف تدعو نصرانيا , ص (149) .
(10) انظر كيف يدعو الداعية , عبدالله علوان , ط2 (دار السلام : القاهرة , 1406هـ) ص (154) .
(11) كسرى , لقب كل ملك من ملوك الفرس.
(12) قيصر , لقب من ملك الروم .
(13) النجاشي , لقب لكل من ملك الحبشه انظر :مسلم شرح النووي (12330) .
(14) انظر : زاد المعاد ,(3691) .
(15) انظر : مراعاة أحوال المخاطبين , ص (115116) .
(16) انظر :وسائل الدعوة , (65,63) .
(17) لسان العرب (764).
(18) انظر:وسائل الدعوة , ص (65).
(19) انظر: هداية الحيارى , ص (63).
(20) انظر : منهج الداعية في دعوته لغير المسلمين , ص (71-72) .
(21) البخاري , باب جعل لأهل العلم أياماً معلومة , رقم 70(129).
(22) انظر: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام , ص (237) .
(23) لسان العرب (11105).
(24) أسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام , د. ابراهيم اللحيدان رسالة علمية غير مطبوعة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة , (114) .
(25) انظر : كيف انتشر الإسلم , مؤيد الكيلاني , بدون طبعة (دار الكتاب العربي :بيروت , بدون تاريخ ص (118) .
(26) زاد المعاد , ابن القيم الجوزية , تحقيق :شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط , ط15 (مؤسسة الرسالة :بيروت , 1407هـ) ص(639).
(27) انظر : وسائل الدعوة , ص (99,91) والموجز , (28) .
(28) تفسير القرآن العظيم , ابن كثير , ط2 (دار القلم : بيروت , بدون تاريخ) ,(2511).
(29) انظر: أصناف المدعوين وكيفية دعوتهم , د.حمود الرحيلي , ط1 (دار العاصمة : الرياض ,1414هـ) ص (38-50) .
(30) انظر:أسلوب المناظرة في دعوة النصارى العرب ,(73)
أبو أنــس
12/01/2013, 05:26 PM
علمتني نملة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها، والحق يلتمس في أي موضع ومن أي مخلوق مهما كان ضعيفًا، ولا عجب إذن أن نتعلم الحق على الذي أجراه الله على لسان أو أفعال أي مخلوق، ولقد ذخر القرآن بالحديث عن الحيوانات والحشرات، ونجد في تلك الآيات عبرة وعظة نلتمسها لدى تلك المخلوقات الضعيفة، ويكفي أن الله تعالى قد أنزل ذكرها في كتابه المحكم الخالي من الحشو والكلام غير المفيد.
وإن من تلك الآيات التي تتحدث عن الحشرات ولنا فيها عبرة وعظة، قصة النملة مع سيدنا سليمان عليه السلام، وحري بنا أن نقف عند تلك القصة، ولا يستنكف أحدنا أن يقول بعدها: علمتني نملة.
بين يدي القصة:
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون)، فقد جمع الله لنبيه سليمان جيشًا عظيمًا يتألف من الجن والإنس والطير، فلا ريب أنه جيش كبير، فتخيل جيشًا بهذا العظم يمشي يطوي الأرض، لا ريب أنه سوف يحدث صوتًا يحول بين سليمان وبين الاستماع إلى الأصوات الدقيقة.
ولكن سليمان قد التقطت أذناه صوتًا، ليس بصوت إنس أو جن، وإنما صوت نملة، نملة؟ نعم نملة ألم يعلمه الله تعالى لغة الحيوانات؟ قال الله تعالى على لسان سليمان: (وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير).
فماذا قالت النملة إذ سمعها سليمان: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون).
كلمات معدودة نطقت بها النملة، لكنها تحمل لنا دروسًا عظيمة، تستحق أن يقول المرء بعد استخراج الدرر الكامنة في حديثها: علمتني نملة، فماذا علمتني النملة؟
الدرس الأول: فرد قد يحيي أمة
لقد علمتني النملة أن على المرء ألا يستقل جهده الفردي، فتلك النملة المعلمة واجهت أزمة عظيمة تجتاح أمتها بأسرها، خطر يحيق بأمتها قد يستأصلها، فلم تبال النملة بأنها فرد واحد،ولم تسوغ لنفسها القعود بدعوى أنها فرد لن تغني شيئًا، فنادت قومها: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون).
وكم نحتاج إلى تعميق ذلك المنطق فينا، إن مشكلة كبيرة تستولي على شبابنا، مشكلة التهوين من الجهود الفردية، مع أن المستقرئ لآيات القرآن والسنة والسيرة والتراجم، يخلص بحقيقة أن الفرد الواحد قد يفعل الكثير والكثير، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فردًا حين بدأ دعوته المباركة التي سرت في العالمين؟
ألم يكن من قبله إبراهيم أبو الأنبياء فردًا حين دعا قومه إلى عبادة الله وحده؟
ألم يكن مصعب بن عمير فردًا حين وطد وحده دولة الإسلام في المدينة، فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتشرت في ربوعها دعوة الحق؟
ألم يكن أصحاب الاختراعات أفرادًا، ألم يكن ابن النفيس فردًا حين اكتشف الدورة الدموية؟ ألم يكن توماس ايدسون فردًا حين اخترع للعالم بأسره اختراعات عظيمة منها المصباح الكهربائي؟
ألم يكن "هيوستن" المحامي الأمريكي فردًا حين ذهب وحده إلى الولاية المكسيكية التي أرادت أمريكا ضمها، فجاءهم بعد سنوات بمفتاح المدينة؟
فالجهد الفردي لا غنى عنه للأمة، ونحتاج أكثر ما نحتاج إليه في المرحلة الراهنة بعد الثورة المباركة، حيث إعادة بناء الأمة من جديد، تحتاج فيها الأمة إلى جهد كل فرد فينا، فلا يستقل المرء جهده الفردي، وهكذا علمتني النملة.
الدرس الثاني: تقديم المصلحة العامة على الشخصية
إن هذه النملة قد عرضت نفسها للخطر، حيث أن أقدام البشر وخطواتها تمثل بالنسبة للنمل عشرات الأمتار، وهذا يعرضها حتمًا للخطر، خطر أن تسحقها أقدام الإنس أو الوحوش، لقد كان من المفترض في هذا الموقف أن تلوذ النملة بالفرار لا تلوي على شيء، ولكنها قد وقفت تنادي على أمة النمل تحاول إنقاذها، مقدمة في ذلك مصلحة أمتها على مصلحتها الشخصية.
إن الأمة الإسلامية متعطشة لهذه الروح، روح التضحية من أجل المصلحة الأمة ولو كان على حساب المصلحة الشخصية، فلقد رفع الكثيرون شعار: أنا ومن بعدي الطوفان، واستشرت الأنانية وعشق الذات على حساب مصلحة الأمة ومصلحة المجموع، تلك الروح التي كانت بين جنبات الإمام أحمد بن حنبل الذي حفظ الله به الإسلام أيام المحنة.
فلقد كان حول الخليفة سياج من المعتزلة الذين ينفون صفة الكلام عن الله، وقالوا أن القرآن مخلوق، والقرآن كما عليه أهل السنة والجماعة هو كلام الله غير مخلوق، فتأثر بهم الخليفة وامتحن الناس على خلق القرآن، فمن قال أنه مخلوق خلى سبيله، ومن قال بأنه كلام الله ليس بمخلوق عذبه وسجنه حتى يقر بما يريد.
فقبل العلماء الرخصة وقالوا تقية: أن القرآن مخلوق، إلا الإمام أحمد، والذي رفض أن ينجو بنفسه ثم يترك الاعتقاد الفاسد ينتشر بين الناس، ولما نصحه بعض العلماء بالتقية، أمرهم أن ينظروا خارج الدار، فإذا بالألوف من الناس يمسكون بالأقلام والمحابر لكي يدونوا ما يقول الإمام أحمد في القرآن، فقال: (إذا تكلم العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يعرف الحق؟).
وثبت الإمام ثبات الجبال، حتى قال أحد جلاديه: لقد ضربت الإمام مائة سوط لو كانت على فيل لبرك)، فثبت وأثر مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية حتى أتاه الفرج من ربه، ورفع الله في العالمين ذكره.
فما أحوجنا لتلك الروح، إننا بحاجة إلى اقتلاع جذور الفساد، وغرس بذور الصلاح في تربتنا الحبيبة، نريد قلوبًا تنبض بحب الوطن، تحافظ عليه، تنظر إلى مصلحة الأمة وتوطن النفس على السعي الحثيث في تلك المصالح العامة، وهكذا علمتني النملة.
الدرس الثالث: الانشغال بالجهد لا بتوقع النتائج
لقد ضربت لنا النملة مثالًا فريدًا في الاهتمام والانشغال بالجهد دون التركيز على النتائج المحتملة، وهذا لعمري سمت الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، فهم يوظفون طاقاتهم في بذل الجهد، فعليه مدار الثواب والعقاب، وليس النتيجة، والتقصير إنما يأتي من ناحية الجهد وليس النتائج، وإلا اتهمنا أنبياء الله بالتقصير، فإن منهم من لم يؤمن به سوى بضع من البشر، ومنهم من لم يؤمن له أي من البشر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد).،وحاشا لله أن يقصر أنبياء الله في الدعوة إليه.
وهذه النملة لم تسأل نفسها مثلًا: وهل يغني صوتي الضعيف أو ينفع بشيء؟ هل عساه يصل إلى جموع النمل الغزيرة فيحذرها؟ هل سأتمكن من تحذيرهم قبل فوات الأوان؟
لم يكن همها لينصرف إلى احتمال النتائج وإن كانت تفرض نفسها لا محالة، ولكن الانشغال ببذل الجهد واستفراغ الوسع في طلب المصلحة أولى وأعظم من تضييع الوقت في توقع النتائج، وفي ذلك يطل علينا حديث عظيم لرسول الأنام صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها فله بذلك أجر).
فالحديث يفيض علينا بغيث الفوائد والتي من جملتها أهمية النظر إلى الجهد دون انتظار النتائج والركون إلى توقع النتائج بصورة مبالغ فيها على حساب الجهد والعمل، وهكذا علمتني النملة.
الدرس الرابع: تقديم الحلول العملية
إن الملاحظ على مسلك النملة أنها لم تحذر فقط، ولكنها قدمت الحل العملي الذي يريح الأمة من عناء التفكير في المخرج من المآزق: (ادخلوا مساكنكم)، فإنها لم تطلق صيحات التحذير وتكتف بهذا الإنجاز، بل قدمت لهم حلًا عمليًا وهو الدخول إلى المساكن، وهذا كما رأت النملة الحل الأمثل نظرًا لأن الفرار إلى أي جهة على سطح الأرض يفوت على النمل الفرصة في النجاة أمام هذه الجحافل العسكرية القادمة،فقدمت حلًا سريعًا سهلًا يتلاءم وطبيعة النمل وإمكاناتها.
إن تقديم الحلول العملية للأمة هو الأمر العظيم الذي يفتقر إليه كثير من الدعاة، فمن اليسير أن تعظ الناس وتحثهم على الإيمان والطاعة والالتزام بشرع الله، لكن ذلك وحده لا يكفي، لابد من تقديم حلول عملية مع الحلول الإيمانية.
ولقد كان للإعلام المغرض دوره في الترويج لفكرة أن الدعاة من أهل السنة لا يملكون تقديم حلول عملية للأمة بينما يجدونها بحوزة العلمانيين، وفي أحد الأفلام القديمة الشهيرة، لجأ اللص الذي يفر من الظروف الصعبة التي مر بها وجعلت منه مجرمًا، لجأ إلى شيخ يتعبد في زاويته، وطلب منه تقديم حل للخروج مما هو فيه، فإذا بالشيخ لا يزيد على أن يقول له توضأ وصل، أراد الإعلام بذلك أن يبث اليأس في نفوس الناس من أن أهل الصلاح لا يملكون لحل الأزمات سوى الأمر بالصلاة وتلاوة القرآن.
ولم يكن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، فعن عمر رضي الله عنه أنه رأى إبلاً جرباء فسألهم : ماذا تصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو لها ! فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران).
فعلى الدعاة إلى الله الانصهار مع مجتمعاتهم وعدم الاقتصار على الكلام النظري، وإنما يشفع بتقديم حلول عملية، فإذا ما تكلم الداعية عن العمل وقيمته في الإسلام، ونبذ البطالة، فعليه أن يقترح على العاطلين حلولًا عملية تتجلى مثلًا في اقتراح مشروعات يسيرة صغيرة في متناول الناس، فهذا هو منهج الإسلام الصحيح في التعامل مع مشاكل الناس في المجتمع الإسلامي، وهكذا علمتني النملة.
الدرس الخامس: حسن الظن
دقق النظر في كلمات النملة: (لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)،لقد قدمت حسن الظن بسليمان وجيشه، لأن النمل صغير جدًا لا يكاد أحد يمشي على الأرض يلتفت إليه أو يجذب النمل انتباهه، فكونها في ذلك الموقف العظيم الخطر تحسن الظن وتزيد على كلمات التحذير تلك الجملة، فلا ريب أن هذا منطق بالغ الأهمية أراد القرآن بيانه للناس.
وحري بنا نحن المكلفون أن نمتثل لأمر الله: (يا أيها الذين اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم)، إننا بحاجة إلى التخلص من أسر الحكم على النوايا واتهامها، بحاجة إلى إجراء الأحكام على الظاهر كما أجمع على ذلك أهل العلم، بحاجة إلى مدافعة الخواطر الرديئة في النفس والتي تزيد من اشتعالها تجاه المسلمين، بحاجة إلى التماس الأعذار وتأويل السيئات على الوجه الحسن إن كانت تحتمل، بحاجة إلى الكف عن التفتيش في قلوب الناس والبوح عن سرائرهم بالظن والتخرص.
وكثيرًا ما حذر الإسلام من سوء الظن، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
ويقول ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه".
وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير".
فهذه الروح لا بد وأن تسود بيننا حتى نكون على قلب رجل واحد، فحسن الظن بالآخرين خطوة عظيمة سديدة على طريق حل الخلافات بين المسلمين، وهكذا علمتني النملة.
أبو أنــس
12/01/2013, 10:42 PM
نجاحاتي مصدر قوتي
إن الإنسان في هذه الحياة يحتاج الإرادة للعيش كما يحتاج الماء و الطعام؛ فإرادة الحياة وتحقيق النجاح هو ما يدفعنا للاستمرار و الصبر و المثابرة، ثم تجاوز المصاعب و المكايد التي تحاك في ضوء النهار و على ضوء القمر و النجوم.
إن الإرادة تبدأ بفعل أريد يتبعه هدف أو حلم، يصبح حقيقة واقعية بمجرد كتابته حيث نستدعي قوتين قوة فكرية وقوة حركية، ثم علينا تنوير هذه الإرادة بالأفكار الإيجابية و التفكير خارج الصندوق و خارج الإمكانيات الحالية لأننا في كتابة الأحلام و الأهداف لا ننطلق من الواقع لأنه في كثير من الأحيان يكون مأزوما به من أسباب الفشل أكثر مما فيه من أسباب النجاح؛ لذلك نكتب الأهداف انطلاقا من الأحلام لأنها غير مقيدة بالواقع مع علمنا أن الأهداف يجب أن تكون صعبة و كذلك يمكن تحقيقها.
لكننا يا صديقي نحتاج طاقة دافعة لتحقيق هذه الأهداف،طاقة نابعة أولا من قوة الإرادة ، ونابعة ثانيا من قوة الأهداف المُحققة حيث أني أعتبر الإنجازات السابقة أكبر دافع لتحقيق نجاحات جديدة لأن تحقيق الأهداف يعطينا شعورا إيجابيا مليئا بالقوة و السعادة، تُحبه النفس و تسعى لتحقيقه و بذلك يصبح النجاح دافعا ذاتيا لمزيد من العطاء و العمل، و من الأشياء الجميلة التي استفدتها من دورة التخطيط الشخصي الإستراتيجي مع د. محمد مايمون، إنشاء المتحف الشخصي حيث أن النجاحات في الحقيقة أشياء من الماضي لا تأثير مباشر لها في الحاضر ؛لكن معظم النجاحات يمكننا أن نجعلها تستمر معنا بالحفاظ على أثر يذكرنا بها و بذلك يمكننا صنع المتحف الشخصي الخاص بنا من الشهادات و الصور المؤثرة المرتبط بشخص أو حدث إيجابي وكذلك بالدروع و الهدايا القيمة ، ليصبح هذا المُتحف مصدرا للسعادة و الثقة بالنفس و دافعا لمزيد من النجاح و العطاء.
إن المتحف الشخصي فكرة من بين أفكار يمكننا أن نجعل منها دافعا قويا و مصدر قوة وطاقة متجددة تكون لنا دخلا و مددا عند الشدائد ووقت الجد والحزم.
أبو أنــس
12/01/2013, 10:44 PM
مِنْ فقه الأولويات
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من الأهمية البالغة لكل مسلم أن ينضبط عنده ميزان الأولويات بشكل منطقي وصحيح حتى لا يقدِّم المهم على الأهم، أو يحرص على المفضول ويترك الفاضل، كمن يحرص على أداء بعض النوافل والمستحبات ويفرط في أداء الفرائض والواجبات أو يتساهل في فعل المحرمات، وكان ابن عمر يقول لأهل العراق: ما أسْأًلَكم عن الصغيرة وأجرأكم على الكبيرة، تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البعوضة.
والذين يجلدون الإمام أحمد بن حنبل كانوا يسألونه عن الدم الذي ينضح على ثيابهم، وكانوا ينتقدونه على أن يصلي وهو جالس والقيد في يديه وفي رجليه.
وكالذي سأل شيخاً وقال: إني زنيت وصارت المرأة حاملاً من الزنا فماذا أصنع؟ فقال له الشيخ: ولماذا جعلت المصيبة مصيبتين، لماذا لم تعزل؟ فقال: بلغني أن العزل مكروه، فقال له الشيخ: بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغك أن الزنا حرام؟
والفهم الصحيح للدين يستلزم معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت فكما يقال: (ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين).
وهذه بعض الأمور التي يجدر التنبيه إليها:
1ـ على من يقوم بالإصلاح أن يصلح نفسه أولاً ثم من يعوله، والبدء بالإصلاح الداخلي للمجتمع المسلم وتقويته قبل الاهتمام بفضح مخططات الأعداء ومؤامراتهم، فما كان للأعداء أن يتسلطوا لولا الفساد والضعف الداخلي من الابتعاد عن دين الله تعالى، والظلم بشتى صوره وأشكاله، وعدم تعيين الأكفاء في المناصب، والفساد الإداري والمالي، والتقصير في محاربة الفقر، والتفرقات العنصرية سواء بين المناطق والقبائل أو بين الجنسيات، ـ والأصل في ذلك أن لا يفرق بين أحد وغيره إلا على أساس الكفاءة والقدرة ـ ، وعدم الاهتمام بالعلم والتعليم بالشكل المطلوب، والتقصير في تقدير العلماء والمبدعين بل وقد يصل الأمر إلى محاربتهم والتضييق عليهم.
ومن الضعف الداخلي: التفرُّق والاختلاف بسبب مسائل اجتهادية من فروع الدين لا ينبغي المعاداة والتفرُّق من أجلها، فليس من مصلحة الإسلام أن يحارِب أحدٌ مَنْ يخالفه في فروع الدِّين ويترك اليهود والمشركين، فيَسْلَم أعداؤه منه ولا يسلم منه أخوه المسلم، مع أنَّ الحقَّ قد يكون مع أخيه وليس معه كما يحسب، فليس من العقل والحكمة في شيء إذا دخل عدوٌّ على بيت أحد، أن يختلف أهل البيت فيما بينهم في أمور ثانوية ويتركوا عدوهم يفعل ما يشاء! لكن المصيبة أن هناك من يفعل هذا فيضخم الخلافات الفرعية ويغفل عن نقاط الاتفاق والكليات المشتركة وهو يحسب أنه يدافع عن الإسلام.
وقد أمر الله نبيَّه عليه الصلاة والسلام أن يقول للمشركين: {وَإِنَّا أوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم مؤيَّدٌ بالوحي ولا يمكن أن يكون الحق إلا معه، وذلك تعليماً للناس بأن يكونوا منصفين في حوارهم مع من يختلفون.
2ـ تقديم الاهتمام بأعمال القلوب على أعمال الجوارح، لأنه إذا صلح القلب صلح سائر العمل وإذا فسد القلب فلا عبرة بصلاح الظاهر عند فساد السرائر، فالإكثار من العبادات الظاهرة والاجتهاد فيها من غير إصلاح للباطن قد يقترن بما يحبط العمل ويفسده، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن قوم (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) متفق عليه، وفي رواية في البخاري: (يَقْتُلُونَ أهْلَ الإسلامِ وَيَدَعُونَ أهْلَ الأَوثَانِ)، فهؤلاء مع كثرة عبادتهم يمرقون من الدين ويخرجون منه، وقد علَّل كثير من العلماء ذلك بأنَّ في باطنهم من الكبر الخفي الذي يقودهم إلى تضليل المسلمين أو تكفيرهم ويجعلهم يعتقدون أنهم وحدهم على الحق المبين ومن سواهم على الضلال، وهذا الحديث وإن كان في الخوارج إلا أنَّ فِكْرَهم ما زال موجوداً، فالحذرَ الحذرَ من فكر الخوارج وتطرفهم ومغالاتهم.
3ـ ومن الأولويات: البدء بصغار العلم قبل كباره، وتقديم التربية بالقدوة الحسنة والأفعال الصالحة على مجرد الكلام الخالي من التطبيق، فلما جيء إلى عمر رضي الله عنه بسيف كسرى ومنطقته وزبرجده قال: إن أقواماً أدوا هذا لذو أمانة، فقال علي رضي الله عنه: «إنك عففت فعفت الرعية» ([1]).
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: «أما بعد، إن أسعد الرُّعاة من سَعِدت به رعيَّتُه، وإن أشقى الرعاةِ عند الله من شقيت به رعيَّتُه، وإياك أن ترتعَ فيرتعَ عُمَّالُك» ([2]).
وكان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهل بيته فقال: «إني نهيت الناس كذا وكذا، وإن الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأيم الله ! لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين» ([3]).
وفي رواية أخرى: «والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر» ([4]).
وفي عهد السلف كان الكثير من الناس يصحبون أهل العلم للاستفادة من سمتهم وأخلاقهم قبل أن يستفيدوا من كلامهم.
4ـ تقديم الفرض والواجب على السنة والنفل، فلا يقوم أحد مثلاً بأداء بعض النوافل إذا كان في أدائها إخلال بالواجب، كمن يشق عليه صيام النفل بحيث لا يستطيع أداء واجباته على الوجه المطلوب.
ومن ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم للزوجة أن تصوم تطوعاً، وزوجها حاضر إلا بإذنه، لأن حق الزوج واجب عليها، والصوم نافلة.
قال بعض العلماء: (من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور).
وقال أبو سليمان الداراني: كلُّ مَنْ كان في شيء من التطوُّع يلذ به، فجاء وقت فريضة، فلم يقطع وقتها لذة التطوع، فهو في تطوُّعه مخدوع ([5]).
وكان بعض المتقدمين يحج ماشياً على قدميه كل عام فكان ليلة نائماً على فراشه، فطلبت منه أمه شربة ماء، فصعب على نفسه القيام من فراشه لسقي أمه الماء، فتذكر حجه ماشياً كل عام و أنه لا يشق عليه، فحاسب نفسه فرأى أنه لا يهونه عليه إلا رؤية الناس له و مدحهم إياه، فعلم أنه كان مدخولاً ([6]).
وتقديم فرض العين على فرض الكفاية ومن ذلك أن رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. متفق عليه.
5ـ تقديم الاهتمام بترك المنهيات على الاهتمام بفعل المأمورات، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فَإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه، فهذا يؤخذ منه أنَّ النَّهيَّ أشدُّ من الأمر؛ لأنَّ النَّهيَّ لم يُرَخَّصْ في ارتكاب شيء منه، والأمر قُيِّدَ بحسب الاستطاعة، ورُوي هذا عن الإمام أحمد.
وعن أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له : (اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعبدَ النَّاسِ) رواه الترمذي. وقالت عائشة رضي الله عنها: من سرَّه أنْ يسبق الدائبَ المجتهدَ فليكفَّ عن الذنوب. وقال الحسن: ما عبد العابدون بشيءٍ أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه. وقال ميمون بن مِهران : ذكرُ اللهِ باللسان حسن، وأفضلُ منه أنْ يذكر اللهَ العبدُ عندَ المعصية فيمسك عنها.
ويشبه هذا قول بعضهم: أعمال البِرِّ يعملُها البرُّ والفاجرُ، وأمَّا المعاصي فلا يتركها إلا صِدِّيق. وقال بعض السَّلفِ: تركُ دانق مما يكره الله أحبُّ إليَّ من خمس مئة حجة.
وقال ابنُ المبارك: لأنْ أردَّ درهماً من شبهة أحبُّ إليَّ من أنْ أتصدَّقَ بمئة ألفٍ ومئة ألف ، حتّى بلغ ست مئة ألف ([7]).
وقال مَالِكُ بنُ دِينَارٍ: لَأنْ يَترُكَ الرَّجُلُ دِرْهَماً حَرَاماً خَيرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَتَصَدَّقَ بمئة أَلْفِ دِرْهَمٍ ([8]).
وقال سفيان الثَّورِي: كُلِ الحَلالَ وَصَلِّ آخِرَ الصُّفُوفِ تُقْبَلُ مِنْكَ، وَلَا تَأكُل حَرَاماً وَتُصَلِّي أَوَّلَ الصُّفُوفِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْكَ ([9]).
6ـ تقديم العمل المتعدي نفعه إلى الغير على العمل القاصر نفعه على صاحبه، كمن حج حجة الفريضة، ويريد أن يحج حجة نافلة وكان الحج سيكلفه الكثير من المال، فإن الأَوْلى أن ينفق هذا المال على مَنْ يحتاج إليه كمساعدة من يريد الزواج أو كفالة يتيم أو فقير، أو أن يسدد دين عن أحد معسر ونحوه.
وكمن يستطيع أن يعلم الناس علماً نافعاً في وقت من الأوقات أو يذكر الله وحده منفرداً، فقيامه بتعليم الناس أولى، وذلك لتعدي نفعه وشمول خيره.
7ـ تقديم العلم الذي يترتب عليه ثمرة وعمل على العلم النظري الذي لا يترتب عليه شيء، فهناك من يشغل نفسه بقضايا لا تقدِّم ولا توخِّر، ويضيع وقته وأوقات الآخرين فيما لا ينفع، أو فيما ضرره أكبر من نفعه، كمن يبحث هل والدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أم في النار، وقد يستغرق أحدهم سنة كاملة في البحث ويخرج للناس بمجلد ضخم يؤيد فيه أحد الأقوال، وهناك الكثير من المسائل المستجدة التي تحتاج إلى بحث ودراسة هي أولى بالعناية من هذه المباحث.
وكمن يبحث في الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهم، ومن الذي كان الحق معه، وكأن أحداً قد نصَّبه قاضياً عليهم، أو محامياً عن أحدهم، وخير ما يقال لمن يفعل هذا هو ما قاله أبو زُرْعة الرَّازي رحمه الله: (ربُّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصمُ معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك بينهما؟!) ثم ماذا يترتب على هذا من عمل، وهل هو الذي سيعطيهم الأجر والثواب أو سيصيبهم بالإثم والعقاب، وقد قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ، وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعنِيه) رواه الترمذي، والاشتغال فيما لا يعني وإعطاؤه أهمية أكبر من حجمه سيؤدي إلى التفريط فيما يهمنا ويعنينا.
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً، والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
أبو أنــس
13/01/2013, 06:35 PM
حاجتنا الى الأمل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد
لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة علي مر الدهور والأزمان حتى إلي يومنا هذا ... وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلي بها أمة أن يتسرب اليأس إلي القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل , عباد الله، ما أحوجَنا ونحن في هذا الزمن، زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل. فمن يدري؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس قد قال الله: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة:216)؟! {.... فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء :19)
الأمل : هو توقع حدوث شيء طيب في المستقبل مستبعد حصوله , وانشراح النفس في وقت الضيق والأزمات . وهو عبادة الوقت .
الأمل للأمة كالروح للجسد:
فلولا الأمل ما بني بان , ولا غرس غارس , ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية . وذلك لأن المخترع لم يتمكن غالبا من تحقيق انجازه من أول مرة . أديسون بعدما أخطأ 999 مرة نجح في صنع أول مصباح كهربائي .
وإلا فما يدفع الزارع لي الكد والعرق ويرمي بحبات البذور في الطين ؟ إنه أمله في الحصاد وجني الثمار .
وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان ؟ إنه الأمل في الربح .
وما الذي يدفع الطالب إلي الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة ؟ إنه أمله في النجاح.
وما لذي يحفز الجندي إلي الاستبسال في القتال والصبر علي قسوة الحرب ؟ إنه أمله في إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة .
وما الذي يجعل المريض يتجرع الدواء المرير وربما في ببعض الأحيان أن يقطع من جسده في عملية جراحية ؟إنه أمله في العافية .
وما الدافع الذي يجعل المؤمن يسلك سلوكا تكرهه نفسه وبه يخالف هواه ويطيع ربه ؟ إنه أمله في مرضاة خالقه والجنة .
فالأمل قوة دافعة تشرح الصدر وتبعث النشاط في الروح والبدن , واليأس يولد الإحباط فيؤدي إلي الفشل .
اليأس توأم الكفر:
لأنه سوء ظن بالله قال الله تعالى : {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف:87)
وفي معركة أحد يقول ربنا عن طائفة اليائسين {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران :154) فالذين تهمهم أنفسهم فهم في قلق وفي أرجحة يحسون أنهم مضيعون ولم تطمئن قلوبهم إلى أن ما أصابهم إنما هو ابتلاء للتمحيص وليس تخلياً من الله عن أوليائه لأعدائه ولا غلبة للكفر والشر والباطل فهم الطائفة ذوو الإيمان المزعزع ولم تكتمل في قلوبهم حقيقة الإيمان , وهم لا يعرفون الله على حقيقته فهم يظنون بالله غير الحق كما تظن الجاهلية . ومن الظن غير الحق بالله أن يتصوروا أنه سبحانه مضيع جنده ودينه .
وحكم علي اليائسين بالبوار فقال تعالي :{بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} (الفتح :12) يقول الشهيد سيد قطب: وهكذا يوقفهم عرايا مكشوفين ، وجهاً لوجه أمام ما أضمروا من نية ، وما ستروا من تقدير ، وما ظنوا بالله من السوء . وقد ظنوا أن الرسول ومن معه من المؤمنين ذاهبون إلى حتفهم ، فلا يرجعون إلى أهليهم بالمدينة؛ وقالوا : يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة ، وقتلوا أصحابه فيقاتلهم! يشيرون إلى أحد والأحزاب ولم يحسبوا حساباً لرعاية الله وحمايته للصادقين المتجردين من عباده .
لقد ظنوا ظنهم ، وزين هذا الظن في قلوبهم ، حتى لم يروا غيره ، ولم يفكروا في سواه . وكان هذا هو ظن السوء بالله ، الناشئ من أن قلوبهم بور . وهو تعبير عجيب موح . فالأرض البور ميتة جرداء . وكذلك قلوبهم . وكذلك هم بكل كيانهم . بور . لا حياة ولا خصب ولا إثمار . وما يكون القلب إذ يخلو من حسن الظن بالله؟ لأنه انقطع عن الاتصال بروح الله؟ يكون بوراً . ميتاً أجرد نهايته إلى البوار والدمار .( في ظلال القرآن)
والقنوط صفة أهل الضلال قال رب العزة سبحانه : {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} (الحجر :56)
فالتشاؤم والطيرة شرك بالله تعالى ، فالمؤمن يثق بموعود الله تعالى فلا يحزن ولا يضيق صدره بل يعلم أنَّ الغلبة لابد لأهل الإيمان .
روى البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا . (فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ -زيادة عند أبي داود وأحمد) فَقَالَ « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » .
فالصحابة رضوان الله ضٌربوا وعُذِّبوا وأُوذوا وضُيِّق عليهم في أرزاقهم وحُوصروا في شعب أبي طالب حتى أكلوا أوارق الأشجار وتقيّحت شفاههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت , وكانوا قبل البعثة أو إن شئت فقل قبل حدوث ثورة الإسلام علي الكفر والطغيان كانوا يعيشون ويأكلون ويشربون ولم تمر بهم هذه الأزمات ولم يمروا بهذه القلاقل وأياًّ كانت العيشة فالمهم أنهم كانوا يعيشون , وليست المدة هينة لقد صبروا ثلاث عشرة سنة في العهد المكي , فالنفوس قد ملت وسئمت الاضطرابات والتضييق , فمن يوم أن قامت ثورتك يا رسول الله لم نر يوم راحة فلتطلب من السماء التدخل الفوري لحل الأزمة هكذا لسان حالهم ينطق .
(فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ) غضب صلي الله عليه وسلم لتسرب اليأس إلي قلوبهم , وحتى لو طالت المدة وانعدمت الأسباب وانقطع شعاع النور وبدت الدنيا ظلاما , ولذلك قال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ . فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ » . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ . وقَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّناً لِمَا يَرَى فِى النَّاسِ - يَعْنِى فِى أَمْرِ دِينِهِمْ - فَلاَ أَرَى بِهِ بَأْساً وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ عُجْباً بِنَفْسِهِ وَتَصَاغُراً لِلنَّاسِ فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِى نُهِىَ عَنْهُ .
إن اليأس داء خطير , العاجزون عن الإصلاح والمأجورون وأصحاب المصالح والمُعَوِّقون يزرعونه بين أفراد الأمة خدمة مجانية لأعدائها .
وإن أعداء الإصلاح والمرعوبين من تطبيق شرع الله لأن أيديهم أول أيد بطشت وأول أيد سرقت فيخشون أن تكون أول أيد تقطع فيحاولون زراعة اليأس في قلوبنا حتى نيأس ونقنط من رحمة الله في تغيير أحوالنا وحتى يقول الناس (ولا يوم من أيام المخلوع)
(قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ) لقد كان للحكام والرؤساء والزعماء جنود البطش والطغيان وزبانية السجون فلقد حصنوا أنفسهم بأجهزة لأمن دولتهم عفوا لأمن سلطانهم . ومع أجهزة أمنهم أجهزة لتسويق جرمهم وتزيين أباطيلهم أجهزة إعلامية مأجورة .
والخطير أن هناك بعض الناس يذعن للدين ما دام فيه خير له ومنفعة وإلا انقلب عليه وانسل من تحت عباءته {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحـج :11)
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (النور:46-52)
فآيات الله بينة واضحة هادية لكل خير وشريعته نفع كلها خير كلها مصلحة كلها عدل كلها ولكن المنافقين يُظْهرون الإيمان ويتشدقون بالوطنية وحب الوطن وهم لا يحبون إلا ذواتهم ومصالحهم ولا يدينون بدين الحق إلا إذا كانت فيه لهم مصلحة دنيوية خاصة وما هذا إلا مرض القلوب وعدم الثقة في الله وفي دينه .
ولكن في المقابل دائما من يضحون بدمائهم وأجساده وأرواحهم وأولادهم استبقاء للحق ونصرة للدين . فيوضع المنشار علي رؤوسهم ليشقهم نصفين وتقطِّع أمشاط الحديد من لحومهم وأجسادهم ولا يبالون , والأشد من ذلك : القتل المعنوي أن يشيع الباطل والنفاق علي الحق والمصلحين أكاذيب ليظهرهم في صورة العملاء والخونة والأنانيين ومن يعقدون الصفقات , ويروِّجُون ذلك ويسوِّقونه بإعلامهم المضلِّل الذي يؤثر في العامة البسطاء الطيبين تأثير السحر .
وما دفعهم لذلك إلا حبهم لله ولدينه ولأوطانهم ونصرة للحق وثقة في وعده وأملا في أن تحيى من بعدهم الأجيال حياة طيبة بثمرة تضحياتهم .
ولو لم يضحِّ هؤلاء ما وصل الخير والحق والدين لكم يا أصحاب رسول الله ولو لم يضحِّ الصحابة ومن تبعهم علي طريق الجهاد ما وصل إلينا خير ولا حق ولا دين فلنصبر ولنضحِّ ولنأمل في غد مشرق بنور الحق معطَّر بعبير الإسلام .
داء الاستعجال: ( وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ،وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) فالنصر قادم لا محالة ودين الله غالب لا ريب في ذلك ولقد تحقق وعد الله لرسوله صلي الله عليه وسلم ولكنكم تستعجلون , تستعجلون النصر تستعجلون الخير وكأنكم تريدون ثمرة بدون زرع شجرة ورعايتها , أو عسلا بدون وخذ أو لسع من نحلة , إن الاستعجال داء خطير , وهو موصل جيد لليأس والقنوط .
قال أبو القاسم الشابي:
إذا الشــعب يوما أراد الحياة *** فلابــد أن يــستجيب القدر
ولابــد لـلــيـل أن يـنـجلــي *** ولابــــد للــقـيـد أن ينكسر
ومن يـتـهـيب صعود الجبال *** يعش أبــد الدهر بين الحفر
وإذا كانـت الـنـفـوس كبــارا *** تعبت في مرادها الأجســـام
الأمل توأم الإيمان
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر :53)
هذا خطاب الله لعباده فإذا كنت عبدا من عباد الله فهذا النداء يخصك فلا يتسرب اليأس إلي قلبك فيدخل معه الكفر والعياذ بالله .
الأمل صفة الأنبياء:
إبراهيم عليه السلام:
{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ*قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ*قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ *قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(الحجر :51-56)إنه الخطاب لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه المضطهدين والملاحقين أن ينبئهم عن خبر إبراهيم يوم أن جاءته الملائكة مبشرين بغلام عليم فتعجب إبراهيم من قدرة الله أبعد الكبر والزوجة العاقر يكون الولد ؟ كيف ذلك ؟إن قلبه مملوء بالأمل وهذا ما دفعه للدعاء ,حتى بعد ما بلغ الثمانين من العمر يطلب الولد {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } (الصافات :100) ولكنه يسأل عن السبب والكيفية فكان الرد ( قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ ) فوعد الله حق وقدرة الله حق وإرادة الله حق واعلم أن هذا الكون يسير بقدرة مقتدر لا يحتاج إلي سبب ليُوجد المسَبَّب , والكون يسير بتدبير الله , بعلم الله , بحكمة الله , بلطف الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) فلم يتسرب اليأس يوما إلي قلبه لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله ، الذين لا يستروحون روحه ، ولا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته . فأما القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، ومهما ادْلَهَمَّت حوله الخطوب ، ومهما غام الجو وتلبَّد ، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر . . فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين .
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ*قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ*قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }(هود :71-73)
يقول سيد قطب : وكانت عقيماً لم تلد وقد أصبحت عجوزاً . ففاجأتها البشرى بإسحاق . وهي بشرى مضاعفة بأن سيكون لإسحاق عقبٌ من بعده هو يعقوب . والمرأة وبخاصة العقيم يهتز كيانها كله لمثل هذه البشرى ، والمفاجأة بها تهزها وتربكها وهو عجيب حقاً . فالمرأة ينقطع طمثها عادة في سن معينة فلا تحمل . ولكن لا شيء بالقياس إلى قدرة الله عجيب : ولا عجب من أمر الله . فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل . ( في ظلال القرآن )
يعقوب عليه السلام:
يفقد ابنه بنيامين متَّهَما بالسرقة فيكون رد فعله {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا } كلمته ذاتها يوم فقد يوسف . ولكنه في هذه المرة يضيف إليها هذا الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعلم حاله ، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات ، ويأتي بكل أمر في وقته المناسب ، عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج .
هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ ؟ إنه الرجاء في الله ، والاتصال الوثيق به ، والشعور بوجوده ورحمته . ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة ، فيصبح عندها أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار .
{ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع . يحس أنه منفرد بهمه ، وحيد بمصابه،لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه ، فينفرد في معزل ،يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف الذي لم ينسه ، ولم تهوّن من مصيبته السنون ، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ويكظم الرجل حزنه ويتجلد فيؤثِّر هذا الكظم في أعصابه حتى تبيض عيناه حزناً وكمداً :{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} ويبلغ الحقد بقلوب بنيه ألا يرحموا ما به ، وأن يلسع قلوبهم حنينه ليوسف وحزنه عليه ذلك الحزن الكامد الكظيم ، فلا يسرون عنه ، ولا يعزونه ، ولا يعللونه بالرجاء ، بل يريدون ليطمسوا في قلبه الشعاع الأخير: { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . .وهي كلمة حانقة مستنكرة . تالله تظل تذكر يوسف ، ويهدك الحزن عليه ، حتى تذوب حزناً أو تهلك أسى بلا جدوى . فيوسف ميئوس منه قد ذهب ولن يعود!ويرد عليهم الرجل بأن يتركوه لربه ، فهو لا يشكو لأحد من خلقه وهو على صلة بربه غير صلتهم ، ويعلم من حقيقته ما لا يعلمون :{ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فإذا أصابك مكروه فقل يا الله وإذا وقعت بك واقعة فقل يا الله وإذا مرضت فقل يا الله يا الله يا الله ...
وفي هذه الكلمات يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول؛ كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر ، ولَأْلائِها الباهر .إن هذا الواقع الظاهر الميئِّس من يوسف ، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً على عودته إلى أبيه ، واستنكار بنيه لهذا التطلع بعد هذا الأمد الطويل في وجه هذا الواقع الثقيل . . إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور الرجل الصالح بربه . فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلم هؤلاء المحجوبون عن تلك الحقيقة بذلك الواقع الصغير المنظور!وهذه قيمة الإيمان بالله ، ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة . معرفة التجلي والشهود وملابسة قدرته وقدره ، وملامسة رحمته ورعايته ، وإدراك شأن الألوهية مع العبيد الصالحين .
إن هذه الكلمات : {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها وتعرض مذاقاً يعرفه من ذاق مثله ، فيدرك ماذا تعني هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب . . . والقلب الذي ذاق هذا المذاق لا تبلغ الشدائد منه مهما بلغت إلا أن يتعمق اللمس والمشاهدة والمذاق!
زهراني زهران
13/01/2013, 09:45 PM
هديــــة
الله يعطيك العافية
باقة ورد
أبو أنــس
14/01/2013, 06:56 PM
الله يبارك فيك أخي زهراني زهران على متابعتك لمواضيع القسم الأسلامي
وهذه مفكرة لكل طالب علم نسأل الله أن ينفع بها الجميع
أبو أنــس
15/01/2013, 11:34 PM
تابع "حاجتنا الى الأمل"
ثم يوجههم يعقوب إلى تلمس يوسف وأخيه ، وألا ييأسوا من رحمة الله ، في العثور عليهما ، فإن رحمة الله واسعة وفرجه دائماً منظور {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } فيا للقلب الموصول !!! تحسسوا بحواسكم ، في لطف وبصر وصبر على البحث . ودون يأس من الله وفرجه ورحمته . وكلمة {رَوْحِ} أدق دلالة وأكثر شفافية ففيها ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما ينسم على الأرواح من روْح الله الندي .
{ إنه لا ييأس من روْح الله إلا القوم الكافرون } فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله ، الندية أرواحهم بروْحه ، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية ، فإنهم لا ييأسون من روْح الله ولو أحاط بهم الكرب ، واشتد بهم الضيق . وإن المؤمن لفي روح من ظلال إيمانه ، وفي أنس من صلته بربه ، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه ، وهو في مضايق ومخانق الكروب . . ( في ظلال القرآن بتصرف) (يوسف:83-87)
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } ريح يوسف! كل شيء إلا هذا . فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل . وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل! إني لأجد ريح يوسف . لولا أن تقولوا شيخ خرف { لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد .
كيف وجد يعقوب ريح يوسف منذ أن فصلت العير ؟ ومن أين فصلت ؟ يقول بعض المفسرين : إنها منذ فصلت من مصر ، وأنه شم رائحة القميص من هذا المدى البعيد . ولكن هذا لا دلالة عليه . فربما كان المقصود لما فصلت العير عند مفارق الطرق في أرض كنعان ، واتجهت إلى محلِّة يعقوب على مدى محدود . ونحن بهذا لا ننكر أن خارقة من الخوارق يمكن أن تقع لنبي كيعقوب من ناحية نبي كيوسف .
كل ما هنالك أننا نحب أن نقف عند حدود مدلول النص القرآني أو رواية ذات سند صحيح . وفي هذا لم ترد رواية ذات سند صحيح . ودلالة النص لا تعطي هذا المدى الذي يريده المفسرون!
ولكن المحيطين بيعقوب لم يكن لهم ما له عند ربه ، فلم يجدوا ما وجد من رائحة يوسف :{ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } في ضلالك بيوسف ، وضلالك بانتظاره وقد ذهب مذهب الذي لا يعود . ويسمون الثقة في القادر المقتدر الذي علي كل شيء قدير والذي إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون يسمون الأمل ضلال ومن يثق في الله وفي شرعة ودينه ويدعو الناس إلي ذلك أنه يدغدغ مشاعر الناس ويخدرهم بالأوهام فالأمل والثقة في الله عند من لا يعرفون الله ضلال , ولكن المفاجأة البعيدة تقع ، وتتبعها مفاجأة أخرى :{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } مفاجأة القميص . وهو دليل على يوسف وقرب لقياه . ومفاجأة ارتداد البصر بعد ما ابيضت عيناه , وهنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه . تلك التي حدثهم بها من قبل فلم يفهموه :{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } . (في ظلال القرآن بتصرف) (يوسف : 94-98)
ووقت أن يقع وعد الله , ويصدّق أولياءَه , ويتحقق موعود الله علي لسان أوليائه , ما أجمله من شعور ,! إنه أعظم انتصار وأبلغ فرح وأروع سعادة , وكأني أري بعيني رأسي دين الله يقام وشريعته تحكم , ويعم الرخاء وتنتشر الأمانة ويفيض الخير وتأتي الدول الغير إسلامية تتعلم منا ومن قرآننا سبل العيش السعيد وإعجاز قرآننا إنه إعجاز جديد إعجاز تشريعاته , ولقد لاح هذا من قريب فها هي دول الغرب لندن وفرنسا ... تطبق الاقتصاد الإسلامي ويقول خبراؤها أن حل مشكلاتهم الاقتصادية في الفائدة الصفرية أي في تطبيق شرع الله في تحريم وتجريم الربا , فالله أكبر انتصر دين الله .
موسى عليه السلام:
ولد بالأمل ويعيش بالأمل منذ كان رضيعا في اليم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص :7)
ويخرج مطاردا إلي مدين{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ}(القصص :22) {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (القصص :24)
حتى يخرج من مصر بأمر الله وفي كنفه وتحت رعايته , ويتبعهم فرعون وجنوده , إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلَّحين . وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون! وقالت دلائل الحال كلها:أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم فظن أتباع موسي الغرق وأصابهم اليأس والشؤم{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وبلغ الكرب مداه ، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين !
ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه ، لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه ، واليقين بعونه ، والتأكد من النجاة ، وإن كان لا يدري كيف تكون ,ولكن حاشا لنبي من أولي العزم أي يقربه اليأس والقنوط , فما كان يمتلك خطة نجاة وما كان يعرف طريقا للهرب من بطش فرعون ولكن إن كان قد فقد الأسباب فمعه رب الأسباب , وإن كان بلا حول ولا قوه فحول الله وقوته تحيطانه من كل جانب فهو إذا بأمله وبثقته في ربه يملك النجاة والفوز المبين علي فرعون وجنوده {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} كيف يا موسي لا أدري ولكن ما دام ربي معي فثم الهداية والنجاة {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } (الشعراء:61-63) ولولا انتفاضة موسي وقلبه الذي ينبض بالأمل والثقة لأدركهم فرعون بسبب شؤمهم , فكن أيها الداعية المؤمن موسي قومك تحيطهم بثقتك وتبشرهم بالأمل وتزرع في قلوبهم الإيمان بربهم .
محمد صلي الله عليه وسلم: روى البخاري ومسلم أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً » وقد تحق ما أراد صلي الله عليه وسلم فكان سيف الله المسلول وجند الله الذي ملأ الدنيا عدلا وعمَّ الأرض حرية وإسلاما وعبَّد الأرض لله من أصلاب هؤلاء , فكان خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وغيرهم .
في طريق الهجرة:
روى البخاري ومسلم عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - إِلَى أَبِى فِى مَنْزِلِهِ ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِعَازِبٍ ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِى . قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ ، وَخَرَجَ أَبِى يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبِى يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِى كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا ، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ ، لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَكَاناً بِيَدِى يَنَامُ عَلَيْهِ ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً ، وَقُلْتُ نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ . فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِى أَرَدْنَا فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ . قُلْتُ أَفِى غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ نَعَمُ . قُلْتُ أَفَتَحْلُبُ قَالَ نَعَمْ . فَأَخَذَ شَاةً . فَقُلْتُ انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى . قَالَ فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ ، فَحَلَبَ فِى قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، وَمَعِى إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَرْتَوِى مِنْهَا ، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ، فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ - فَشَرِبَ ، حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قَالَ « أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ » . قُلْتُ بَلَى - قَالَ - فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقُلْتُ أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ « لاَ تَحْزَنْ ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا » . فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا - أُرَى فِى جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ ، شَكَّ زُهَيْرٌ - فَقَالَ إِنِّى أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَىَّ فَادْعُوَا لِى ، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ . فَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَنَجَا فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَداً إِلاَّ قَالَ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا . فَلاَ يَلْقَى أَحَداً إِلاَّ رَدَّهُ . قَالَ وَوَفَى لَنَا .
إن الله عز وجل قص علي نبيه قصصا من السابقين قصة فرعون وقارون وكيف نجي الله نبيه موسى عليه السلام هذا في مكة فسورة القصص مكية وبعد هذا وقد انتهى القصص وانتهت التعقيبات المباشرة على ذلك القصص . الآن يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلفه القلة المسلمة وهو مخرج من بلده ، مطارد من قومه ، وهو في طريقه إلى المدينة لم يبلغها بعد ، فقد كان بالجحفة قريباً من مكة ، قريبا من الخطر ، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه ، والذي يعز عليه فراقه ، لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه ، ومهد ذكرياته ، ومقر أهله . يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في موقفه ذاك :{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (القصص:85)
فما هو بتاركك للمشركين ، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة . ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك ، ويستبدون بك وبدعوتك ، ويفتنون المؤمنين من حولك . إنما فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره ، وفي الوقت الذي فرضه؛ وإنك اليوم لمخرج منه مطارد ، ولكنك غداً منصور إليه عائد .
وهكذا شاءت حكمة الله أن ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب ، ليمضي صلى الله عليه وسلم في طريقه آمناً واثقاً ، مطمئناً إلى وعد الله الذي يعلم صدقه ، ولا يستريب لحظة فيه .
وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق؛ وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله ، فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية ، وتولى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه ، ويخلي عاتقه ، ويؤدي واجبه .{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } ولقد رد موسى من قبل إلى الأرض التي خرج منها هارباً مطارداً . رده فأنقذ به المستضعفين من قومه ، ودمر به فرعون وملأه ، وكانت العاقبة للمهتدين . . فامض إذن في طريقك ، ودع أمر الحكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن .
وكان النبي صلي الله عليه وسلم في أحلك الظروف يبث الأمل في نفوس أصحابه ففيما روى البخاري عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ « يَا عَدِىُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ » . قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ « فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ » - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِى فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ « وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى » . قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ « كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ . فَيَقُولَنَّ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى . فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى . فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ » . قَالَ عَدِىٌّ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » . قَالَ عَدِىٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِىُّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم « يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ » .
وفي رواية الإمام أحمد « أَمَا إِنِّى أَعْلَمُ مَا الَّذِى يَمْنَعُكَ مِنَ الإِسْلاَمِ تَقُولُ إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ وَمَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ » . قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِى غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ » . قَالَ قُلْتُ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ . قَالَ « نَعَمْ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ » . قَالَ عَدِىُّ بْنُ حَاتِمٍ فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِى غَيْرِ جِوَارٍ وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَهَا .
المبشرات من القرآن:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب :22)
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر :51)
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة :21)
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النــور :55)
الأمل والواقع المعاصر: في القرن العشرين وقعت حربان عالميتان وكانت الثانية منهما أشد من الأولي ودفع ثمن الثانية اليابان وألمانيا فضربت اليابان بالقنابل النووية وألمانيا تم شطرها إلي غربية وشرقية ودمرت البنية التحتية نهائيا ولكن بالأمل أصبحت اليابان في خاتمة القرن العشرين من أقوى الدول اقتصاديا علي مستوى العالم وتوحدت ألمانيا وأصبحت من أولي الدول صناعيا واقتصاديا .
روى البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى فَلْيَظُنَّ بِى مَا شَاءَ » . فلنظن بالله خيرا ونصرا وتمكين ورفعة .
وأختم بقول الإمام حسن البنا رضي الله عنه : لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين ، وحقائق اليوم أحلام الأمس ، وأحلام الأمس ، وأحلام اليوم حقائق الغد . ولا زال في الوقت متسع ، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد . والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته ، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) .
والله أسأل أن يحيى موات هذه الأمة ، وأسأله سبحانه أن من أراد بهذه الأمة خيرا أن يوفقه إلي كل خير ، وأن يسدد خطاه ، وأن يهديه طريق الرشاد وأن يحقق للثورة أهدافها ويرزقنا خيرها ويكفينا شرها ونعوذ به سبحانه وتعالي من شرور أعداء الحق والخير وندرأ بك في نحورهم إنك علي ما تشاء قدير وبالإجابة جدير وأنت نعم المولي ونعم النصير {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (17)
والصلاة والسلام علي
من بلغ العلى بكـمـالـه *** كشف الدجى بجماله
عظمت جميع خصالـه *** صلوا عليه وآلــه
أبو أنــس
15/01/2013, 11:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، وترادفت الضوائق وطال ليلها، فالصبر وحده هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط.
والصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه، ولابد أن يبني عليها أعماله وآماله وإلا كان هازلاً .. يجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة، وعقل لا تطيش به كُربة، يجب أن يكون موفور الثقة بادي الثبات، لا يرتاع لغَيْمة تظهر في الأفق ولو تبعتها أخرى وأخرى، بل يبقى موقناً بأن بوادر الصفو لابد آتية، وأن من الحكمة ارتقابها في سكون ويقين.
وقد أكد الله أن ابتلاء الناس لا محيص عنه، حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل المتوقعة، فلا تذهلهم المفاجآت ويضرعوا لها. (1)
" ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم " [محمد : 31] .
وذلك على حد قول الشاعر :
عَرَفْنا اللَّيالي قَبلَ مَا نَزَلَت بِنَا --- فلمَّا دَهَتْنَا لَمْ تَزِدْنَا بِهَا عِلْما !
ولا شك أن لقاء الأحداث ببصيرة مستنيرة واستعداد كامل أجدى على الإنسان، وأدنى إلى إحكام شئونه.
قال تعالى : " وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " [آل عمران :186] . (2)
والتريث والمصابرة والانتظار تتَّسق مع سُنَن الكون القائمة ونُظُمه الدائمة، فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت؛ بل لابد من المكث شهوراً حتى يجتني الحصاد المنشود. والجنين يظل في بطن الحامل شهوراً حتى يستوي خلقه، وقد أعلمنا الله عزوجل أنه خلق العالم في ستة أيام، وما كان ليعجز أن تقيم دعائمه في طرفة عين أو أقل. وتراخى الأيام والليالي على الناس هو المدى الذي تقتطع منه أعمارهم؛ وتستبين فيه أحوالهم، وتنضج على لهبه الهادىء طباعهم، ثم ينقلبون بعد إلى بارئهم.
" كما بدأكم تعودون، فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة " [الأعراف : 29،30].
فالزمن ملابس لكل حركة وسكون في الوجود، فإذا لم نصابره اكتوينا بنار الجزع، ثم لم نغير شيئاً من طبيعة الأشياء التي تسير حتماً على قَدَر.(3)
من نوح إلى محمد عليهما السلام صبر متواصل على الإصلاح
يضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة في الصبر على الإصلاح، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام:
"ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" [العنكبوت:14].
هكذا ذكر الله عزوجل المدة التي قضاها نوح مع قومه، فما هي الوسائل التي استخدمها مع قومه ؟
قال تعالى :" قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً (5) فلم يزدهم دعائي إلا فراراً (6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً (7) ثم إني دعوتهم جهاراً (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً (10) يرسل السماء عليكم مدراراً (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً (12) ما لكم لا ترجون لله وقاراً (13) وقد خلقكم أطواراً (14) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً (15) وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (16) والله أنبتكم من الأرض نباتاً (17) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً (18) والله جعل لكم الأرض بساطاً (19) لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً (20) قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً (21) " [نوح]
بعد هذا الجهد الكبير، وبعد هذا العمل المتواصل، ترى كم آمن مع نوح عليه السلام ؟
يقول الحق تبارك وتعالى :"حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل" [هود:40]
فرغم هذه المدة التي قضاها بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً لم يؤمن معه إلا القليل.
فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم، وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً، وقيل كانوا عشرة، والله أعلم. (4)
النبي صلى الله عليه وسلم بذل الجهد الكبير في إصلاح الأمة، وفي نشر هذه الدعوة المباركة
فعلى امتداد المرحلة المكية – ثلاثة عشر عاماً – أى أكثر من نصف عمر الرسالة – كانت الصناعة الثقيلة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي إعادة صياغة الإنسان، بإقامة الأصول، وتجيسدها في القلة المؤمنة. وفي دار الأرقم بن أبى الأرقم – مدرسة النبوة والمؤسسة التربوية الأولى في تاريخ الإسلام- كانت صياغة القلوب والعقول بخلق القرآن وقيم الإسلام، فلما تكون الجيل الفريد، وتبلورت الجماعة والأمة التي صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم على عينه، جاءت – بعد الهجرة – مرحلة النشر والانتشار للإصلاح في ميادين الفروع، جاءت: الدولة، والسياسة، والجيوش، والفتوحات، والنظم والمؤسسات، والقوانين، والعلاقات الدولية إلى آخر ميادين فروع الإصلاح. لقد تقدمت "الدعوة" على "الدولة"، وتقدم تغيير "النفس"على تغيير"الواقع"، ولذلك كان التغيير منطقياً، وحقيقياً، وراسخاً كل الرسوخ.
وبلغ هذا الجهد من النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت"الأمة العامة" – التي اعتنقت الإسلام، عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- قد بلغ تعدادها ...,124فإن "الأمة الخاصة" – التي مثلت الأعلام والقيادات والريادات والصفوة التي تخرجت من مدرسة النبوة – قد أحصى العلماء عددهم في نحو ثمانية آلاف – منهم أكثر من ألف امرأة – جاءت تراجمهم في الأسفار التي رصدت أعلام الصحابة، الذين صنعوا وقادوا – من حول الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم نماذج الصلاح والإصلاح في تاريخ النبوات والرسالات. (5)
لم يصبر النبي صلى الله عليه وسلم على صناعة النفوس فقط بل كان هناك صبر آخر على صناعة البيئة المهيئة للدعوة.
فقد أجمع المشركون من أهل مكة على محاربة الدعوة التى عرّت واقعهم الجاهلى، وعابت آلهتهم وسفهت أحلامهم – آراءهم وأفكارهم – وتصوراتهم عن الله والحياة والإنسان والكون، فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولات لإيقاف الدعوة وإسكات صوتها، أو تحجيمها وتحديد مجال انتشارها. فكانت هذه المحاولات الكثيرة لإيقاف هذه الدعوة من حروب مختلفة وأهمها ثلاثة أنواع من الحروب:
النوع الأول: حرب الإضطهاد
وقد وجهت للضعفاء الذين لا عزوة لهم ولا عصبية. والرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئا، وليس لديه ما يقدمه من حماية إذ رأى أسرة كأسرة عمار بن ياسر هو ووالده وأمه – رضى الله عنهم – إذ رأى الأسرة تعذب ماذا يقول لها ؟ لا يستطيع أن يقول إلا "اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة "، وعن جابر – رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: " أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة ".
النوع الثاني: حرب السخرية
وحرب السخرية كانت حربا فيها نوع من الإيذاء النفسي ومن الإحراج البالغ، كانت حربا موجعة " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"[الحجر:6] "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون (29) وإذا مروا بهم يتغامزون (30) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين (31) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون (32)"[المطففين] إنهم يضحكون ويسخرون وينكتون غمز ولمز وتنكيت، لكن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ثبتوا وصبروا على هذا كله.
النوع الثالث: حرب المقاطعة والحصار
وهى حرب مؤذية عندما يكون الإنسان تاجرا ثم تتقرر مقاطعته، أو عندما يكون له بنات وبنون فيتقرر ألا يتزوج أحد من بناته، هكذا صنع المشركون بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم تحملوا هذا كله وكان هذا الحصار الاقتصادى والاجتماعى فى آخر العام السابع من البعثة فازداد إيذاء المشركين من قريش، أمام صبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون على الأذى وإصرارهم على الدعوة إلى الله، وإزاء انتشار الإسلام فى القبائل، وبلغ هذا الأذى قمته فى الحصار المادي والمعنوي والذي ضربته قريش ظلما وعدوانا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن عطف عليهم من قرابتهم . (6)
هذه هي بعض الصور في الصبر على الإصلاح، والتي تدعوا المسلم أن يتحلى بهذا الخلق، فلا يعجل، ولا يقنط، ولا ييأس من رحمة الله.
وسائل عمليه للصبر على الإصلاح
هناك وسائل عمليه تعين المسلم على التحلي بهذا الخلق ومنها:
1- أن يعرف المسلم الغاية التي من أجلها خلقه الله في هذه الحياة
إذا نظر المسلم إلى غايته هان عليه كل شىء في سبيلها، يقول الحق تبارك وتعالى:" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " [التوبة:111].
والغاية التي من أجلها يعيش الإنسان أن يعبّد هذا الكون لخالقه، وأن تنتشر تعاليم الإسلام بما تحمله من قيم الحق والخير والسعادة والعدل والمساواه بين الناس.
وهذا ما أجاب عنه"ربعي بن عامر" حين سأله "رستم" لماذا خرجتم من دياركم وطمعتم في غزو ديارنا ؟ أجاب: " لقد ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ". (7)
هذه الغاية أيضاً تمثلت في إجابة "حاطب بن أبي بلتعة" في حواره مع "المقوقس" – عظيم القبط بمصر- سنة 7هجرية، 628م والوارث لمواريث أقدم حضارات الدنيا وأعرقها.
لقد بدأ المقوقس حواره مع حاطب بالتحدي والتساؤل الاستنكاري، المتسائل عن صدق نبوة محمد وسلطان نبوته صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب:
" ما منعه (أي الرسول) – إن كان نبياً- أن يدعو عليّ فَيُسَلَّط علىّ ؟!
فكان جواب حاطب:
منعه ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفْعَلَ به ويُفْعَل!
(فوجم المقوقس ساعة – أي فترة- ثم استعاد إجابة حاطب، فأعادها عليه حاطب، فسكت المقوقس).
وهنا استأنف حاطب محاورة المقوقس، فقال:
إنه كان قبلك رجل – يشير إلى فرعون موسى- زعم أنه الرب الأعلى، فانتقم الله به – أي من الذين استخفهم فأطاعوه- ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يُعْتَبَر بك !وإن لك ديناً – أي النصرانية – لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام، الكافي به الله فقد ما سواه. وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤك إياك إلى القرآن كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به" !
فمن جعل حاطب يتكلم بهذه الفلسفات في الدين، والدنيا، وفي الحرية، والتاريخ؟ ومن الذي جعله يكثفها في كلمات، هي عصارة للحكمة العالية ؟؟
إنها الغاية التي إذا عاش بها الإنسان أسفرت عن جميل الطبع وبديع الفطرة. (8)
2-أن يعرف المسلم طبيعة الحياة
فإن الحياة الدنيا لم يجعلها الله دار جزاء وقرار بل جعلها دار تمحيص وامتحان، والفترة التي يقضيها المرء بها فترة تجارب متصلة الحلقات يخرج من امتحان ليدخل في امتحان آخر، قد يغاير الأول مغايرة تامة، أي أن الإنسان قد يمتحن بالشيء وضده، مثلما يصهر الحديد في النار ثم يرمى في الماء. وهكذا.
وكان سليمان عالماً بطبيعة الدنيا عندما رزق التمكين الهائل فيها فقال:
" هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " [النمل:40].
والابتلاء بالأحزان مبهم الأسباب! ويحسن أن نفهم أن أوضاع الناس في الحياة كجيش عبىء للقتال، وقد تكلفُ بعض فرقه بالقتال حتى الموت، لإنقاذ فرقة أخرى، وإنقاذ الفرق الباقية يكون للقذف بها في معارك أخرى، ترسمها القيادة حسبما توحي به المصلحة الكبرى، فتقدير فرد ما في هذه الغمار المائجة لا ينظر إليه، لأن الأمر أوسع مدى من أن يرتبط بكيان فرد معين.
كذلك قد يكتب القدر على البعض صنوفاً من الابتلاء ربما انتهت بمصارعهم، وليس أمام الفرد إلا أن يستقبل البلاء الوافد بالصبر والتسليم، وما دامت الحياة امتحاناً فلنكرس جهودنا للنجاح فيه.
وامتحان الحياة ليس كلاماً يكتب أو أقوالاً توجه، إنها الآلام التي تقتحم النفس وتفتح إليها طريقاً من الرعب والحرج، إنها النقائص التي تجعل الدنيا تتخم بطون الكلاب، وتنيم صديقين على الطوى، إنها المظالم التي تجعل قوماً يدعون الألوهية، وآخرين يستشهدون وهم يدافعون عن حقوقهم المنهوبة.
إن تاريخ الحياة من بدء الخلق إلى اليوم مؤسف ! ومن الحق أن يشق المرء طريقه في الحياة وهو موقن بأنه غاص بالأشواك والأقذاء. (9)
3- أن ينظر المسلم إلى الأسباب لا إلى النتائج
من أهم الوسائل للصبر على الإصلاح أن ينظر المسلم إلى الأسباب، فيبذل قصار جهده في تحصيلها، ولا ينظر إلى النتائج، فالنتائج بيد الله، والمسلم محاسب على العمل لا على النتيجة.
وأروع الأمثلة على ذلك:
ما قدمه المسلمون الأوائل من تضحيات جسام، ومع ذلك فإنهم قابلوا الحق تبارك وتعالى ولم يروا نصر الإسلام.
فهاهو ياسر وسمية رضي الله عنهما والدا عمار بن ياسر يموتون في سبيل الله، ويتحملون الأذى على تبليغ الدعوة، ويصبرون على الإصلاح، ومع ذلك ماتوا ولم يروا للإسلام راية ترفع، ولا دولة تقام، قاموا بما عليهم وكانت النتيجة على الله.
وهاهو سفير الإسلام مصعب بن عمير يقول عنه عبد الرحمن بن عوف:
قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه وقال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. (10)
وعن خباب، قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله عزوجل. فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أحد، فلم نجد له شيئاً نكفنه به إلا نَمِره (11)كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه. فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رأسه إذخِراً (12). ومنا من أينعت ثمرته فهو يَهْدِبُها (13)[أخرجاه في الصحيحين]. (14)
4-أن يتعرف المسلم على المنهاج الإسلامي في الإصلاح
للإصلاح – في الرؤية الإسلامية – منهاج متميز عن نظائره في كثير من الأنساق الفكرية والفلسفات والحضارات التي انتشرت وسادت خارج إطار الإسلام.
فالإصلاح الإسلامي ليس تغييراً جزئياً ولا سطحياً، وإنما هو تغيير شامل وعميق، يبدأ من الجذور، ويمتد إلى سائر مناحي الحياة، بل إنه لايقف عند ميادين الحياة الدنيا، وإنما يجعل من صلاح الدنيا السبيل إلى الصلاح والسعادة فيما وراء هذه الحياة الدنيا.
وهو لا يقف عند "الفرد" – كما هو الحال في المذاهب" الفردانية" – كما أنه لا يهمل الفرد، مركزاً على "الطبقة" – كما هو الحال في كثير من المذاهب والفلسفات الاجتماعية اليسارية- الوضعية والمادية – وإنما يبدأ الإصلاح الإسلامي بالفرد، ليكون منه الأمة والجماعة. فالإسلام هو دين الجماعة – والجماعة أشمل وأوسع من الطبقة- وبدون صلاح الأفراد لن يكون هناك صلاح حقيقي للأمم والمجتمعات.(15)
والإصلاح الإسلامي يقوم على التدرج – سنة الله في الأرض- فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت؛ بل لابد من المكث شهوراً حتى يجتني الحصاد المنشود. والجنين يظل في بطن الحامل شهوراً حتى يستوي خلقه، وقد أعلمنا الله عزوجل أنه خلق العالم في ستة أيام، وما كان ليعجز أن تقيم دعائمه في طرفة عين أو أقل.
هذه هي بعض الوسائل التي تعين على الصبر على الإصلاح، ندعوا الحق تبارك وتعالى أن يجعلنا من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب.
الهوامش
1- أي : يذلوا .
2- خلق المسلم ش/محمد الغزالي .
3- المرجع السابق .
4- مختصر ابن كثير للصابوني .
5- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .
6- خطب الشيخ الغزالي دار الاعتصام .
7- دور الشباب في حمل رسالة الإسلام عبدالله ناصح علوان .
8- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .
9- خلق المسلم ش/ محمد الغزالي .
10- موقع قصة الإسلام ( مصعب بن عمير ) .
11- النمرة : ثوب مخطط .
12- الإذخر : نبات ينبت في صحراء الجزيرة له رائحة زكية .
13- أي : يجنيها .
14- صفة الصفوة لإبن الجوزي .
15- المنهاج الإسلامي في الإصلاح د/ محمد عمارة .
أبو أنــس
15/01/2013, 11:37 PM
ثانية من الشجاعة تُغير حياتك
http://img.qwled.com/i/5626bdab42f27218a2390a3e72f80373.png
الجزء الأول ؛
أعني بالشجاعة القدرة على تحمل المسؤولية و المبادرة و مواجهة في حدود الإمكانيات الحقيقية للشخص، و من الممكن تقسيم الشجاعة إلى شجاعة فكرية و شجاعة حركية.
- تتجلى الشجاعة الفكرية في القدرة على التفكير خارج الصندوق ( تفكير إبداعي أو تفكير نقدي ) و القدرة على اتخاذ القرار بالوقوف مع الحق لا مع الذات السفلى ( الأنانية و الشهوات ) ؛ فكثير من الناجحين و المؤثرين غيروا مواقفهم و آراءهم بعد أن تبين لهم الحق مثل السحرة مع سيدنا موسى عليه السلام و كذلك الإمام الشافعي رحمه الله عند تغييره لفقهه مع سفره من العراق لمصر، و كثير من الناجحين الذين نعايش هم قادرين على اتخاذ القرار و التقدم بمسؤولية و مبادرة قل نظيرها ، يدخل ضمن الشجاعة الفكرية القدرة على المبادرة و خلق أفكار جديدة ؛ ولعل ما نشهده اليوم من تهاوي للشركات الضخمة و ظهور قوي لشركات بدأت بشباب فكر خارج الصندوق مثل مؤسس الفيس بوك أ مؤسسي يوتوب و الكثير من المشاريع التي بدأت بحلم و فكرة إبداعية ، و العكس بالنسبة لشركة مثل IBM التي كانت مسيطرة على سوق الإلكترونيات و البرامج إلى أن تراجعت قدرتها على الإبداع ؛ فظهرت شركة صغير اسمها ماكنتوش لم تبدي لها IBM أي اهتمام لكن هذه الشركة أبدعت لتصبح الشبح الذي يطارد IBM إلى اليوم ليس هذا فقط بل ظهرت شركة أخر ى للبرمجيات اسمها مايكروسوفت استطاعة السيطرة على أكثر من 90% من سوق البرمجيات ، وهكذا أصبحت رائدة الإلكترونيات محصورة في الزاوية بسبب ضعف قدرتها على الإبداع – شجاعة فكرية - .
من الشجاعة الفكرية اتخاذ المواقف انطلاقا من المبادئ و الأخلاق و بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة في المدى العدد ، وهذه قصة حقيقية لأحد المديرين للفنادق الدولية حيث انه كان يعمل بأحد الفنادق العالمية و التي من ضمن خدماتها توفير المشروبات الكحولية للزبائن ، عان صديقنا كثيرا من تأنيب الضمير و القلب معا ، ضميره يكلمه فيقول : الرزق على الله ؛ فالله الرازق و الإنسان إما يحلله أو يحرمه و يجيب قلبه فيقول: إنك تقتلني بكثرة الذنوب ،أخد صديقنا أخيرا القرار بترك العمل و بينما هو منكب على كتابة الاستقالة إذا بالهاتف يرن أجاب صديقنا على الهاتف فإذا بالمدير العام لمجموعة الفنادق يكلم صديقنا و يطلب منه أن يدير فرع المجموعة بالسعودية ، وطبعا هذا الفرع لا يقدم المشروبات الكحولية ، و للعلم فصديقنا مازال يدير الفندق إلى غاية سماعي لهذه القصة.
- أما الشجاعة الحركية فهي القدرة على المبادرة بتحمل مسؤولية الأعمال رغم صعوبتها و معرفة أن الدين هو العمل الجاد المتقن و أن كل درهم نتقاضاه سنسأل عنه ، هل استحققناه أم لا ؟ ، إن السفر لطلب الرزق أو العلم شجاعة حركية إن العمل الخيري و الاغاثي شجاعة حركية .
إن ما قام به رائد التنمية البشرية الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله و أدخله فسيح جناته بعد نجاحه في الغرب و بروزه من أهم و أكثر الشخصيات تأثيرا بأمريكا الشمالية بالعودة لأرض الوطن و بدأ رحلة جديدة مليئة بالصعوبات و الحواجز في بلدان لا و لم تعرف عن التنمية البشرية إلا القليل ، شجاعة فكرية و عمله على أرض الوطن و جولاته العالمية شجاعة حركية قل نظيرها في العالم العربي .
ليتسم الشخص بالشجاعة لا بد أن يتصف بالشجاعة الفكرية و الحركية فالشجاعة الفكرية تكون في غالب الحالات دافعا للشجاعة الحركية لتضع هذه الأفكار أو المواقف في واقع الناس و داخل حياتهم.
الجزء الثاني ؛
تتمة لما سبق سأحاول بعون الله إلقاء الضوء عن مجموعة من النقاط المهمة في موضوع الشجاعة ، و أبدا أولا بمعيقات الشجاعة و أذكر هنا سببين اعتبرهما الأهم في التأثير علينا إما سلبا أو إيجابا :
- التجارب السابقة : يعد الماضي كنزا مهما لمن استطاع الاستفادة من مكنوناته النفيسة وتجاربه المليئة بالحكمة و الخبرة ، بشرط أن تستطيع الاستفادة من الخبرات و التجارب وأن تنسى الألم و الشقاء وهذا بكل تأكيد صعب و لكنه ممكن ببعض الممارسة و استعمال بعض التقنيات مثل التخيل، من الطرق التي أعجبتني تصحيح و إعادة المشهد بعد التعلم من التجربة و ذلك بإعادة تخيل المشهد و لكن هذه المرة و أنت متمكن من المعلومة و ممارس للمهارة فتعيد نفس المشهد و أنت البطل القادر على الاستفادة من الموقف لأقصى درجة ، ربما يبدو لك أن هذا الكلام غير عملي لكن لو أعدت التجربة بثقة و لعدة مرات أعدك أنك لن تستطيع التفرقة بين التجربة الأولى " الحقيقية " و التجربة الثانية " التخيل " ، وذلك لأنه تبث علميا أن العقل لا يفرق بين الحقيقة و الخيال عند التذكر.
لما كل هذا الحديث عن التجارب السابقة لأنها مربط الفرس فأنت لن تقدم بشجاعة على موقف أو مشكلة معينة إذا كانت تجاربك السابقة سيئة و سلبية، لذلك أنصحك يا صديقي بأن تحتفظ بالخبرة و تنسى التجربة السلبية.
- السبب الثاني هو عدم الثقة بالذات و قدرتها على النجاح ، و هذا السبب مرتبط إلى حد ما بالسبب الأول ، لكنه ليس المؤثر الوحيد فبالإضافة للتجارب السلبية التي تضعف ثقتنا بأنفسنا هناك كذلك ضعف تقننا بالله لأن الذي يثق بالله يعلم يقينا و باعتقاد راسخ – وليس معلومة محفوظة فقط – أن الله لا يضيع من عمل عملا صالحا بل يعينه و يقويه ، ومن كان الله معه فلم الخوف و الجزع من المبادرة و المشاركة في كل ما أحس في نفسي القدرة على تحقيقه أو المساهمة في إنجاحه، ثم المؤثر الثالث بهذا السبب هو المحيط حيث أن المحيط اليائس يزرع الإحباط في النفس ، وكما تنتقل الأمراض الوبائية تنتقل الأمراض النفسية بل ربما هي أكثر عدوى من أمراض الجسد ، فأنصحك صديقي بالهروب و النجاة من كل محيط موبوء بأمراض اليأس و الإحباط – سأل الممكن المستحيل : أين تعيش ، فقال : في عقول اليائسين - .
كل إنسان يمتلك قدرا من الشجاعة يرتفع و ينخفض حسب أحوال الشخص و نفسيته ، وحسب قدرته على المبادرة و خَلق الدوافع الذاتية ، و حسب إيمانه برسالته و عمله الذي يؤديه، لذلك على الإنسان أن يقوي عزيمته بشيئين أولا بقربه من الله ومعرفته بأسمائه و صفاته فذلك يزيد من قدرته على المبادرة لإحساسه بأنه ليس وحيدا في الساحة ولكن من وراءه رب قوي قادر فعال لما يريد، ثم برسم أهداف قادرة على تحريك رغبته و إرادته لتكون الشعلة التي لا تنطفئ للعمل والجد و المبادرة ثم يتخذ من نفسه دوافع تعينه على صعوبات الحياة و نكساتها .
و أخيرا اختم بقصة قرأتها و أعجبتني فأردته أن تشاركوني بها و هي لطبيب كان قادرا على أخد القرار و الانتصار لمبادئه رغم ما كان يعانيه من مشاكل و أحزان ؛
دخل جراح إلى المستشفى بعد أن تم استدعاؤه على عجل لإجراء عملية فورية لأحد المرضى.
وحضر إلى المستشفى وبدل ثيابه واغتسل استعدادا لإجراء العملية .
قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يزرع الممر جيئة وذهابا ، وعلامات الغضب بادية على وجهه وما أن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلا :
علام كل التأخير يا دكتور ؟
ألا تدرك أن حياة ابني في خطر ؟
أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية ؟
ابتسم الطبيب برفق وقال :
أنا أسف يا أخي فلم أكن في المستشفى وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكنني ، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي وكن على ثقة أن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة .
لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب : أهدأ ؟ !!!!!!
ما أبردك يا أخي لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ ؟
ماذا لو مات ولدك ما ستفعل ؟
ابتسم الطبيب وقال : أقول كما قال الله عز وجل : { الذِين إذا أصابتهم مصيبَة قالوا إِنا لِلّهِ وإِنَـا إِليهِ راجعون }
يا أخي الطبيب لا يطيل عمرا ولا يقصره والأعمار بيد الله ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذه
ولكن الوضع خطير جدا وإن حصل شيء فيجب أن تقول : إنا لله وإنا أليه راجعون, اتق الله وأذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك .
هز الأب كتفه ساخرا وقال : ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصا آخر لا يمت لك بصلة .
دخل الطبيب إلى غرفة العمليات ، واستغرقت العملية عدة ساعات ،وخرج الطبيب على عجل وقال لوالد المريض : ابشر يا أخي فقد نجحت العملية تماما والحمد لله ،وسيكون أبنك بخير ،والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فورا ، وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل
حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل .
انتظر الأب دقائق حتى خرج أبنه من غرفة العمليات ،ومعه الممرضة فقال لها الأب :
ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟
فجأة أجهشت الممرضة بالبكاء وقالت له : لقد توفي ابن الدكتور يوم أمس على اثر حادثة ،
وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فورا ، لأن ليس لدينا جراح غيره وهاهو قد ذهب مسرعا لمراسم الدفن وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك !!!!!
و أختم بقولة العرب قديما " إنما الشجاعة صبر ساعة "
أبو أنــس
15/01/2013, 11:40 PM
التغيير حسب الحروف الأبجدية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أ
1- كيف نبدأ التغيير؟
1- \" قهر الخوف هو مفتاح التغيير:
كن حرا.
قاوم القهر.
لاخير في الانسان ان لم يكن حرا.
ادحر القهرفقد خلقت حرا.
يتحول الانسان الى عامل سلبي بفقدان حريته.
الحرية هي الطريق الممهد للتغيير.\"
ب
2- ماعلاقة التغيير بالحياة؟
2- \"الحياة هي التغيير,
و التغيير حياة,
فالحياة نمو,
والنمو تغيير,
و التغييراختياري,
فاختر بحكمة,
اختر أفكارك,
اختر أفعالك,
اختر عاداتك,
اختر طباعك
اختر بحكمة.\"
ت
3- ماقيمة التغيير؟
3- \"التغيير ثابت من الثوابت الأصيلة في الانسان,
التغيير نمو,
التغيير قوة,
التغيير حياة,
التغيير تجديد,
التغيير إصلاح,
التغيير نهضة,
التغيير إحياء,
التغيير صحوة,
التغيير استعلاء,
التغيير بناء,
التغيير إعادة البناء,
التغيير قيادة,
التغيير آلة اعمار لأرض \"
ث
4- ماعلاقة التغيير بالنجاح والفشل والشجاعة؟
4- \"النجاح ليس نهائيا،
والفشل ليس قاتلا,
والتغيير هوالشجاعة في مواصلة هذا النزاع,
التغيير هو الشجاعة في مواصلة النزاع بين النجاح والفشل .
فالشجاعة هي:
هي المحرك الفعلي للعزيمة,
هي شعار الأصالة,
هي الملعب الممهد للعبة الفتح,
هي علامة الرجولة,
هي طريق السيادة,
هي مفتاح الحرية,
هي آلة إعادة البناء,
هي وقود الإصلاح,
هي الوقود الفعال لصناعة الحضارة.\"
ج
5- هل التغيير هو القرارات الكبيرة في الحياة فقط؟
5- \"قرارات التغييرالصغيرة قد تغير حياتك الى الأبد.
ومجموع القرارات الصغيرة الفعالة هو قرار عظيم حكيم.
فالبناء العظيم يتكون من لبنات صغيرة.
وكمال جسمك من خلايا دقيقة.
ومجموع أخلاقك وشخصيتك تأتي من جمع طباعك.
ومصيرك يأتي من حصاد شخصيتك. \"
ح
6- هل التغيير صعب؟
6- \"اذا كان التغيير مكلف فقد يكون رفض التغيير مدمر:
فالتغيير انتقال,
والانتقال مشقة,
والمشقة وتحملها اصرار على الحياة.
ورفض التغيير ركون,
والركون تآكل,
والتآكل تحول سلبي,
والتحول السلبي طريق الفناء.
والتحول السلبي و تكاثر الخلايا السرطانية.
ورفض التغيير تحول سلبي.
خ
7- مامدى شمولية التغيير؟
7- \"كل شيء يتغير – لاشيء يبقى بدون تغيير.
الأمم تتغير.
وطبيعة الحياة تتغير.
واكتمال خلق الانسان يأتي نتيجة تغيير,
وانتقال من طور الى طور تغيير.
واكتمال حياة الانسان تغيير.
واكتمال طبيعة الانسان تأتي نتيجة تغيير.
د
8- لماذا تبدو الصعوبة في التغيير؟
8- \"التغيير ينطوي على مخاطر,
لأن التغيير نمو,
والنمو استبدال وانتقال زماني ومكاني,
وانتقال من حال الى حال,
فالتغيير يعني الانتقال من المعلوم الى المجهول.
وكل مرحلة من مراحل النمو لها مخاطر,
مخاطر التغيير,
والتوازن والجهد والتخطيط والصبر والطموح والمرونة هي
الزيت السداسي الحافظ للتغيير الايجابي.\"
ذ
9- متى تنتهي فاعلية الانسان؟
9- \"عند التوقف عن التغيير،
نتصلب,
وتجف مياه الحياة,
فننتهي.\"
ر
10- هل الاقلاع عن التغيير صعب؟
10- \"نولد جميعا لانعلم شيئا،
وشيئا فشيئا يمتليء كتاب حلمنا,
ويحتاج مقاوم التغيير أن يبذل جهدا عاليا,
حتى لاتعمل آلة التغيير في أحلامه,
فعجلات آلة التغيير تستمد قوتها من الفعل الزمني,
والفعل الزمني شديد المراس,
والفعل الزمني جيش لايقهر,
ويحتاج الانسان أن يبذل جهدا عاليا ليبقى كما ولدته أمه,
كما يحتاج جهدا مضاعفا ليقلع عن التغيير,
ان رفضت التغيير سقطت تحت عجلاته,
ان رفضت التغيير سقطت تحت عجلات الزمن,
ان قاومت التغيير قاومت نموك,
ان حصنت نفسك ضد التغيير اصابتك عدوى التحلل,
كتحلل الاجساد بعد جفاف ماء الحياة. \"
ز
11- ماهي عناصر الحلم العظيم؟
11- كل حلم عظيم يبدأ بحالم,
تذكر دائما,
أنك تمتلك القوة,
وتمتلك الصبر,
وتمتلك أدوات التوازن,
وتمتلك الطموح العالي,
وتمتلك الهمة,
لتغيير العالم. \"
س
12- هل أثق في الحلم؟
12- ثق في نفسك تتحقق أحلامك,
فتحقيق الحلم هو التغيير,
افرز أحلامك وانتقي,
اقرأ كتاب روحك حلما حلما,
واستفت قلبك. \"
ش
13- مشاكلي عثرات أمام أحلامي !!!
3- لاتدع مشاكلك تدفعك,
واتبع أحلامك,
فالأحلام هي الطريق الممهد لقطار التغيير,
والمشاكل هي حائط الصد ضد التغيير,
ولكن
للمشاكل وجها آخر فلاتنسى قراءته,
قد يدفعك الى ادراك النقائص,
فادراك النقائص من أبجديات العباقرة. \"
ص
14- الذين يحلمون, هل يعانون؟
14- الحياة ليست سهلة لأولئك الذين يحلمون.
فالحلم هو الشروع في التغيير,
والتغيير يحتاج جهد,
والجهد معاناة,
لكنها معاناة الاختيار,
ومعاناة الاختيار صحية,
فيها المتعة ,
وفيها الحياة,
لأن الحياة كلها كدح,
والكدح حركة,
ولاحركة بدون جهد.\"
ض
15- من أين يأتينا الحلم؟
15- الأحلام هي خرائط طريق
وصور ومشاهد
تأتيك من كتاب تكتبه روحك عنك.
فالحلم منك واليك.
الحلم استعداد شخصي للتغيير,
الحلم استعداد شخصي لاستقبال رسائل الروح,
الحلم قراءة فاعلة لكتاب الروح,
كتاب الأحلام,
الحلم يأتي من ذاتك.
ط
16- ماهي العوائق التي تمنع تحقيق الحلم؟
16- \"الشيء الوحيد الذي يمنعك من تحقيق أحلامك هو أنت.
تعلم قراءة الحلم,
تعلم كتابة الحلم,
تعلم تدوين أفكارك,
وكن صديقا لروحك فهي التي تكتب أحلامك,
وكتاب الروح - كتاب أحلامك - هو ماكيت التغيير.\"
ظ
17- كيف نحقق أحلامنا؟
17- احلم!
\"لا تستسلم!
اجعل أفكارك وعقلك دائما على الهدف,
فالنظر الى الهدف متعة,
فالنظر الى الهدف تحريك للفطرة النقية,
فالنظر الى الهدف رواء للنفس في فيافي الحياة,
فالنظر الى الهدف يقوي دعائم الأمان,
فالنظر الى الهدف استدعاء للاصرار,
فالنظر الى الهدف يحرك الدوافع,
فالنظر الى الهدف يدعم الصبر,
والصبر ماكينة النجاح,
فالنظر الى الهدف حلم بالحصاد.
واحلم,
فالحلم تدريب على التغيير. \"
ع
18- ماعلاقة التغيير بذاتي؟
18- \"التغيير تجديد،
تنشيط،
متعة...
وضروري.
التغيير تحقيق الحلم,
التغيير انجاز,
والانجاز
تحقيق الذات,
بناء الثقة بالنفس. \"
غ
19- ماهي الخطوات الأولى في آفاق التغيير؟
19- \"إن الخطوة الأولى نحو التغيير هي الوعي.
الوعي أولا،
سبر واكتناه التراث
واستشراف المستقبل,
و رؤى جديدة للمستقبل,
وادراك الواقع,
والخطوة الثانية هي القبول.
والتخطيط عماد التغيير,
وقهرالخوف في المقدمة \".
ف
20- كيف ابني ثقتي بنفسي وأحقق ذاتي؟
20- \"لا شيء يحقق الذات و يبني الثقة بالنفس مثل الإنجاز,
والانجاز وليد التغيير\".
ق
21- الثقة بالنفس هبة توهب لنا؟
21- \"الثقة بالنفس هي سمة نكتسبها بأنفسنا\".
نكتسب الثقة بالنفس كلما تغيرنا,
ونتغير كلما أنجزنا.
ك
22- هل التغيير فطري؟
22- لقد خلقنا الله من ماء وطين,
والخلايا التي تكون أجسادنا ان لم تتغير نهلك,
وهذا دليل قاطع على أننا جبلنا على فطرة التغيير.
ل
23- هل التغيير فن؟
23- الحياة فن,
فاختر,
أن تكون فنانا هاويا,
أو
أن تكون فنانا محترفا,
والتغيير فنون.
والتغيير يحتاج صبر
والتغيير هوتحويل الأهداف لمشاريع
وتحويل الأهداف لشاريع يبدأ بالتخطيط.
فالتغيير هو فعل حضاري مخطط.
والتوازن هو الزيت الحافظ لآلة التغيير.
م
24- هل هناك علاقة بين طباع الانسان والتغيير؟
24- كن نفسك قبل كل شيء,
كن أنت,
كن معتقدك,
اشرق في كل عبارة تقولها,
كن أنت في كل عمل تنجزه,
فأنت أفكارك وعاداتك وطباعك,
ومصيرك رهن طباعك,
وطباعك هي آلة التغيير,
طباعك التي نمت على
الجهد والصبر والتخطيط والمرونة والتوازن,
وعشق الطموح,
فالتغيير ينبع من داخل الانسان.
ن
25- ما أعظم عوائق التغيير؟
25- \"إن أكبر عائق لتحقيق التغيير هو الخوف من الفشل,
والجهل,
وموت الطموح,
وتوقف الاجتهاد.\"
هـ
26- متى تتوحش العوائق أمام التغيير؟
26- \"العقبات هي الأشياء التي يراها الانسان عندما يحول عينيه عن هدفه.
اجعل أفكارك وعقلك وقلبك دائما على الهدف,
اجعل نظرك دائما على الهدف,
فالنظر الى الهدف يقاوم العوائق,
فالنظر الى الهدف يحرك الدوافع,
فالنظر الى الهدف يحمي النفس من الضعف,
فالنظر الى الهدف يقوي دعائم التقدم,
فالنظر الى الهدف اصرار,
فالنظر الى الهدف عماد الصبر,
والصبر ذروة سنام لتغيير\".
و
27- هل سبق الآخرين تغيير؟
27- \"لاتجعل همك في الحياة سبق الآخرين،
اجعل همك سبق الأحداث,
اجعل همك عبور الحواجزوعينك على الهدف,
اجعل همك تحقيق الارقام القياسية\"
لا
28- هل ترتبط قيمة الانسان بقيمة مايعطيه للانسانية؟
28- يأثم الانسان على الخير الذي لم يقدمه للانسانية ,
وهو يستطع.
وعطاء الانسان للانسانية مشاركة في التغيير.
واعتقد أنك لبنة هامة في آلة التغيير,
ي
29- ما آخر أبجدية في أبجديات التغيير؟
29- - \" التغيير يفتح الآفاق.\"
التغيير يرتقي بالأمم من منصة الأقوال إلى حقل الأفعال ,
التغيير يحول الأحلام المدونة في كتاب الروح الى مشاريع في أرض الواقع.
التغيير هو الوقود الناجع والفعال والحافظ لتوازن البناء الحضاري على الفطرة النقية.
أبو أنــس
18/01/2013, 03:01 AM
أَمَـلُ الأُمَّــةِ ... أَصْحَابُ الهِمَّةِ
قال أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - و
تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم والطموح، فهم صناع الحياة وقيادات المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم والحديث .. وحتى في موازين الله تعالى في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب الهمم العالية والطموح والمثابرة على غيرهم .. وإن كانوا مسلمين من أصحاب الحسنى ... قال تعالى: لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء – 59).
من أهل الصفة –: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فآتيه بوضوئه وحاجته ... فقال لي صلى الله عليه وسلم : (سلني) .. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة .... فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أو غير ذلك)؟ ... قلت: هو ذاك ... فقال صلى الله عليه وسلم : (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ... همة عالية وطموح كبير .. تطير بصاحبها إلى الجنة.
قال المتني: إذا غامرت في شرف مروم --- فلا تـقـنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير --- كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز أمن --- وتلك خـديعة الطـبع اللئيم
يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ( إن لي نفساً تواقة ... وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ... فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا – يعني الخلافة - تاقت نفسي إلى ما هو أفضل من الدنيا كلها ... الجنة).
قال شوقي: وما نـيـل المطالب بالتمني --- ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً
وما استعصى على قوم منالٌ --- إذ الإقدام كان لهم ركاباً
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقف أمام العرب كلهم، وأصر على قتال المرتدين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه تعجب من موقـف أبي بكر، وطلب منه أن يتريث، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة" ... فقالوا له: ومع من تقاتلهم؟ .. فقال: " وحدي حتى تنفرد سالفتي".
ولما فرّ عبد الرحمن الداخل – صقر قريش – من العباسيين ... عرض عليه أهل المغرب أن يقيم عندهم ويحمونه ... فقال: "إن لي همة هي أعلى من ذلك" ... وتوجه تلقاء الأندلس ... ثم أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: " إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن" ... وردها على صاحبها.
وهذا نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله صنع منبر المسجد الأقصى، وذلك قبل تحرير القدس بعشرين عاماً، حيث كان له مطلب سام، وهمة عالية تمثلت في تحرير المسجد الأقصى من قبضة النصارى، برغم أن الأمة الإسلامية كانت مفككة آنذاك والخلافات شديدة بين قيادات المسلمين .. هيأ القوة اللازمة للتحرير.. وبنى مصانع للسلاح .. ووحد أقطار المسلمين من شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وبلاد الشام وشمال العراق .. وجعل الناس يعيشون مرحلة التحرير وكأنها أمامهم .. وما بناء المنبر إلا نوعاً من هذه التهيئة .... وعندما توفي نور الدين جاء تلميذه من بعده صلاح الدين الأيوبي فأتم التحرير.. ووضع منبر نور الدين في مكانه في المسجد الأقصى.
وأحمد ياسين الشيخ المقعد، استطاع أن يوقظ الأمة، وان يحيي فيها معان كثيرة وعظيمة .. بدأ حياته معلماً يركز على تربية الطفل المسلم كنموذج رائع ومدرسة عظيمة تتعلم فيها الأجيال ... لم تمنعه الإعاقة من أن يكون متفوقاً متميزاً وقائداً فذاً .. أمله في الحياة أن يرضى الله عنه.. كان يقول: "يخوفوننا الموت .. نحن طلاب شهادة .. ونحن ننتظرها".
أقول ... وحين تريد هدم أمة من الأمم، فإن الأمر يبدو سهلاً ميسراً ... ضع في مواقع التأثير فيها، ومواطن القوة ومكامن المنعة، كل ذي همة متدنية، وطموح هزيل، من تمتلئ نفوسهم باليأس والقنوط، ويسهل استسلامهم لعوامل الهزيمة النفسية .. إنك إن فعلت .. أصبت أمتهم في مقتل .. وقل أن تنجو أمة يفعل بها أعدؤها مثل ذلك ...
عندما استلم شارل ديغول رئاسة الجمهورية الخامسة في فرنسا كانت الشبهات تحوم حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى معادية ... وقد عجزت كل الأجهزة المختصة عن الوصول إلى دليل مادي واحد يدينه.
وفى النهاية رفع الأمر إلى الرئيس ديغول ... فقام باستدعاء الموظف المشتبه به إلى مكتبه ... واستثمر ديغول عنصر المفاجأة وهيبة الرئاسة .. ففاجأه بسؤاله: منذ متى وأنت تعمل لصالح الدولة كذا؟ .. فأجابه الموظف لفوره: منذ سنوات يا سيدي الرئيس ... ثم دار بينهما حوار سريع:
- الرئيس: كيف تتلقى التعليمات؟
- الجاسوس: لا أتلقى أي تعليمات.
- الرئيس: كيف ترسل تقاريرك؟
- الجاسوس: لا أرسل أية تقارير.
- الرئيس (مندهشاً): كيف يتصلون بك إذن؟!!
- الجاسوس: لا يوجد أي اتصال.
- الرئيس (مندهشاً): كيف تعمل إذن لصالح الدولة المعادية؟
- الجاسوس: إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي بأن أختار دائما أقل الموجودين طموحاً، وأدناهم همَّةً، وأسوأهم من حيث الكفاءة والاختصاص لعضوية اللجان الحساسة والمهمة .. لتصبح توصيات هذه اللجان تفتقد الطموح والهمَّة العالية.
من أجل هذا كله ... لابد أن نبحث في أبنائنا والشباب من حولنا عن أصحاب الطموح الكبير، والهمم العالية، ونعتني بهم أيما عناية .. ففي مثل هؤلاء يكمن الأمل في مستقبل الأمة، ويسطع اليقين في عزتها وكرامتها ... وبغيرهم .. لا أمل .. ولا عزة .. ولا كرامة.
ويمكننا التعرف في أبنائنا ومن حولنا من الشباب على أصناف ثلاثة من حيث الطموح .. والأهداف .. والهمة للعمل:
1. شباب بائس يائس: طموحه متواضع ، وأهدافه هابطة ... سواء كانت له همة تحمله لتحقيق أهدافه الدنيئة التي هي صوت شهواته أم لم تكن له همة.
2. شباب حالم : يحلم بأهداف كبيرة ، وطموحات عظيمة ... ولا يعمل لأحلامه ... فلا همة له تحمله على العمل ... بل يكتفي بالأحلام ويعيش فيها.
3. شباب طموح: يحلم بأهداف كبيرة ، ويخطط لأحلامه وأهدافه ... وينفذ وينتج .. ويعمل بجهد ومثابرة ... إنه يتمتع بهمة عالية تحمله إلى المعالي.
والآن يأتي السؤال: كيف نرتفع بهمة الشباب والأبناء وننمي طموحهم؟ ... ولا يمكنني أن أدعي أنها مهمة سهلة .. أبداً .. على العكس .. هي واحدة من أكثر المهام التربوية صعوبة وتعقيداً ... غير أني أبشرك رغم ذلك أنها ليست مستحيلة .. فقط .. اتبع هذه الخطوات لتصل لما تريد بإذن الله ...
1. الاستعانة بالله .. ودوام الدعاء: فعلى الرغم من أهمية الوسائل التربوية وفاعليتها، إلا أن الأمر كله موكول لله تعالى، بيده القلوب يقلبها كيف شاء ... فلا تنس – في زحمة التربية – الاستعانة بالله دائماً ... والتوجه إليه بالدعاء ليعينك ويسددك.
2. الـصــــحـــبة الـصـــالــحــــة: فلا يمكن تنمية أي من الجوانب الإيجابية دون أن تهيئ صحبة صالحة، تذكره إذا نسي، وتشجعه إذا أقدم، وتعينه إذا همَّ ... والصحبة ليست ضرباً من ضروب الحظ، تأتي كيفما اتفق ... بل لابد للمربي أن يعمل على ذلك ... من خلال الوسائل التالية:
* اغرسه منذ الصغر في مجتمع نافع صالح .. استغل مجتمع شباب المسجد.
* شجعه على مصادقة الصالحين منذ نعومة أظفاره.
* انتبه لأصدقائه ... راقب الأمر دائماً .. وتدخل عند الحاجة.
* انصحه بشكل دوري ... علمه فن اختيار الأصدقاء.
* تعرف على أصحابه عن قرب .. اسأل عنهم .. ولا تغفل.
* شاركهم بعض أنشطتهم .. دون فضولية أو تطفل.
* شجعهم على التخطيط المشترك ... خاصة في الدراسة وأيام الأجازات.
3. علمه مجاهدة النفس .. ومحاسبتها: لا تكتسب الهمة العالية إلا بمجاهدة النفس ومخالفتها ... علمه أهمية استشعار الأجر والثواب في كل عمل ... وجهه إلى محادثة النفس دائما بأهمية الطموح وعلو الهمة ... دربه على مراجعة برامجه اليومية ومحاسبة نفسه عليها ... بث في نفسه روح الطموح وتحدي المهام الصعبة وإنجازها ... اجعل محاسبته لنفسه ايجابية تدفعه لتطويرها.
4. عَـوِّده الابتعاد عن سفاسف الأمور: أصحاب الطموحات الراقية والهمم العالية لا ينغمسون في الأمور التافهة فتشغلهم عن معاليها .. عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها .. ويكره سفسافها" (صحيح الجامع الصغير).
علمه الجدية وعدم الانشغال بتوافه الأمور ... دربه على الاستغناء عن الكماليات في حياته ... علمه أن يشغل نفسه بمعالي الأمور لتلهيه عن السفاسف ... فالحق إذا استنفد ما لدى الإنسان من طاقة مختزنة لم يجد الباطل بقية يستمد منها ... يقول الإمام الشافعي في بعض حكمه: " إذا لم تشغل نفسك بالحق ... شغلتك بالباطل ".
5. شــــــاركـــه خـــطــــطـــه: لا شيء أكثر فاعلية في رفع الهمم من التخطيط الجيد الذي يدفع إلى التنفيذ الدقيق ... فإن كنت مربي حاذق اهتم بهذا الجانب من خلال:
* اسأله دائما عن خططه المستقبلية.
* حثه على وضع خطط لكل مرحلة من حياته.
* لا تترك الأجازات الطويلة تمر دون أن يكون لديه خطة لها.
* تشارك معه في وضع خططه .. اصنع معه أهدافاً مشتركة تنفذونها سوياً.
* علمه فنون التخطيط ورسم الأهداف و فن ترتيب الأولويات والعمل بناء عليها.
* تأكد أن أهدافه طموحة ... يحقق من خلالها إنجازاً.
6. أشركه في مشكلات الأسرة .. وخططها: لابد أن يشعر الابن أنه جزء من كيان الأسرة .. ولابد للابن الطموح أن يشعر بأهمية رأيه وقيمته ... ولابد للابن صاحب الهمة العالية أن يكون فرداً في فريق مواجهة المشكلات التي تعترض الأسرة ... لذا ... يعمل المربي الحاذق على ذلك كله من خلال:
* الحرص على "لقاء البيت" بشكل دوري .. لتدارس أحوال الأسرة ومشكلاتها.
* طرح المشكلات التي تعترض الأسرة وخطط الأسرة المستقبلية على الأبناء – لاسيما الكبار منهم – وطلب المشورة.
* أخصص ابنك الطموح ذو الهمة العالية بجلسات مشورة خاصة.
* ادفعهم إلى تبني دور ما في مواجهة مشكلات الأسرة.
* ادمج بين خطط الأسرة وبعض أهداف الأبناء.
7. تدارس معه سير أصحاب الهمم: يتقمص الأبناء والشباب عادة شخصية محببة إليهم ... يقلدونها ويتخيلون أنفسهم مثلها ... فالمربي الناجح إذاً يستغل هذه الحقيقة ليدفعهم إلى تقمص شخصية طموحة، ذات همة عالية ... وذلك من خلال:
* تشجيعه على القراءة ... أو نقرأ سوياً في كتب العظماء من التاريخ.
* استغلال أوقات الطعام والنوم وغيرها للحكاية في قصص عظماء الأمة.
* دراسة السيرة وقصص الأنبياء وقصص الصحابة والتابعين.
* استغلال وتوفير الوسائل الفنية والإعلامية (أفلام – مسلسلات – مسرحيات ... الخ) التي تتحدث عن عظماء الأمة.
* شجعه على اختيار واحد من العظماء ليتقمص شخصيته.
8. عزز لديه روح المنافسة: أصحاب الطموح والهمم العالية ... يتمتعون بروح عالية من المنافسة .... احرص على تعزيز هذه الروح في نفوس أبنائك ومن حولك .. من خلال:
* تشجيعه على منافسة القمم ... في كل مجال يتقنه.
* إشراكه في المسابقات .. الصغرى ثم الكبرى.
* حثه على قبول التحديات .. مهما بدت صعبة.
* تقديم المحفزات له عند المنافسة .. والجوائز بعدها.
* تعويده على منافسة نفسه ... لتطويرها .. بأهداف طموحة.
9. علمه كيف يكتشف إمكانياته ... ويستغلها: إذا كنا طموحين أصحاب همم عالية فلابد لنا من استثمار أفضل ما لدينا من إمكانيات ... فلدي الإنسان طاقات هائلة لم يكتشفها بعد ولم يستغلها ... إن المبدعين على مر التاريخ لم يستخدموا سوى 10% من قدراتهم الذهنية!! ... علمه أن يقوم بالخطوات التالية ليكتشف إمكانياته ويحسن استغلالها:
* وضع خطة لتحقيق الأحلام الشخصية (التخطيط السليم قبل التنفيذ).
* قبول التحديات .. رغم ما بها من مخاطر .. فهي خطوة نحو النجاح.
* الاستفادة من آراء وتجارب الآخرين.
* تحديد الأهداف بدقة .. في ضوء الإمكانيات والقدرات ... فذلك يساعدك على تنظيم وهندسة عقلك بفاعلية.
* كن رفيقا بنفسك .. لا تحط من قدرك ولا تغرق في تأنيب نفسك .
* أنت كما تظن بنفسك ... لذا حدث نفسك حديثا تنشيطيا عدة مرات في اليوم ... وكن على يقين أن الإنسان عادة يستطيع أن يفعل أكثر مما يقوم به فعلا ، لأنه يميل دائما أن يبذل مجهود أقل مما يتوفر لديه لذا عليك بتحفيز وتشجيع وتنشيط نفسك يوميا.
10. ساعده ليتغلب على التسويف والتأجيل: فالتسويف هو العدو الأول للطموح ... والقاتل الكبير للهمم العالية ... خذ بيد ابنك خطوات كثيرة بعيداً عن التأجيل ... وذلك من خلال النصائح والخطوات التالية:
* علمه أن يضع وقتاً للانتهاء من كل مهمة.
* دربه أن يأخذ على نفسك عهداً أن لا يسوف أبداً.
* علمه كيف يشجع نفسه وأن يجعل لها حافزاً.
* دربه أن يتعرف جيداً على مهامه جيداً ليتشجع على إنجازها.
* علمه أن يبدأ في العمل الآن .. وبالمهام التي يؤجلها دائماً.
* دربه أن لا ينتظر الإيحاء أو المزاج المتلائم .. فهو لا يأتي إلا بالعمل.
* علمه عدم التردد .. فيتعرف على وقت اتخاذ القرار ولا ينتظر نتائج مثالية.
سأل العالم ابنه النجيب: يا بني .. أي غاية تطلب في حياتك؟ وأي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون؟ ... فأجابه: أحب أن أكون مثلك يا أبت.
فقال العالم: ويحك يا بنيّ! ... لقد صغرت نفسك، وسقطت همتك ... فلتبك على عقلك البواكي ... لقد قدرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... فما زلت أجد وأكد حتى بلغت المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي رضي الله عنه ما تعلم من الشأو البعيد والمدى المستطيل ... فهل يسرك وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين على رضي الله عنه.
أبو أنــس
18/01/2013, 03:04 AM
كيف تطلب العلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فسلام على كم يا طالب العلم ورحمة الله وبركاته وبلا مقدمات فالوقت أقصر من ذلك ، أقطف لك فوائد وأجلسك على موائد وبعض الفصول التي يحتاجها طالب العلم يجدها في مثل كتاب( صيد الخاطر) لابن الجوزي و( جامع بيان العلم وفضله) لبن عبد البر، و( الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي، و(نبل الإرب) للشوكاني ، ونحوها، غنما المقصود هنا كيف تطلب العلم.
كتب مرشحة للحفظ بعد حفظ كتاب الله عز وجل
1ـ بلوغ المرام في متون أحاديث الأحكام ونحوه عمدة الأحكام.
2ـ رياض الصالحين أو ما تيسر منه للخطيب والواعظ والداعية.
3ـ العمدة في الفقه أو زاد المستقنع.
4ـ نخبة الفكر والبيونية في المصطلح.
5ـ ملحة الإعراب أو ألفية ابن مالك ، أو قطر الندي في النحو.
6ـ اللمع أو الورقات في أصول الفقه.
مكتبة طالب العلم
1ـ كتاب الله عز وجل.
2ـ الكتب الستة ويجمعها وغيرها جامع الأصول ومجمع الزوائد.
3ـ فتاوى ابن تيمية.
4ـ فتح الباري.
5ـ تفسير ابن كثير.
6ـ المغني.
7ـ سبل السلام.
8- نيل الأوطار
9- البداية والنهاية
10- زاد المعاد
11- فتح المجيد، بلوغ المرام، رياض الصالحين، جامع العلوم والحكم، الآداب الشرعية، والعبرة بالجودة والمطالعة والعمل، وليس بالكثرة.
برنامج عملي لطالب العلم المبتدئ
بعد صلاة إلى طلوع الشمس وقت الحفظ، ( حفظ خمسة آيات يومياً من القرآن وحديث نبوي واحد وقطعة صغيرة من أحد المتون) .
من طلوع الشمس إلى الظهر الدراسة المنهجية أو الوظيفة أو الكسب والتجارة.
بعد الظهر مطالعة في التاريخ والأدب والغداء والقيلولة.
بعد العصر المطالعة في الأمهات في الكتب التي ذكرت آنفاً.
بعد المغرب إلى العشاء مراجعة المحفوظات من قرآن وحديث ومتون.
بعد العشاء مطالعة النشرات الإسلامية والمجلات المفيدة والكتب الثقافية فالعشاء فالنوم.
يوم الخميس للزيارات والاستجمام.
يوم الجمعة لتدبر القرآن والذكر والدعاء والتنفل وكثرة الصلاة على الرسول على ه الصلاة والسلام ومحاسبة النفس والتأمل.
كتب العقيدة
اعلم أن كتب العقيدة ثلاثة مستويات:
الأول: كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
الثاني: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى .
الثالث: الطحاوية.
الرابع : كتاب ( ثلاثة الأصول).
الخامس : كتاب ( القواعد الأربعة).
السادس :كتاب ( كشفالشبهات).
السابع :كتاب ( الحموية(.
وعلى ك يا طال العلم بكتب ابن تيمية شيخ الإسلام وابن القيم خاصة الأول فإنه والله إمام قل أن تقرأ لمثله.
الحديث :
1- كتاب ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) لابن حجرالعسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ .
2- كتاب ( سبل السلام شرح بلوغ المرام ) للصنعاني , وكتابه جامع بين الحديث والفقه .
3- كتاب ( نيل الأوطار شرح منتقىالأخبار ) للشوكاني .
4- كتاب ( عمدة الأحكام ) للمقدسي , وهو كتاب مختصر , وأحاديثه كلها في الصحيحين أو في أحدهما فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها .
5- ( كتاب الأربعين النووية ) لأبي زكريا النووي - رحمه الله تعالى - وهذا كتاب طيب ؛لأن فيه آداباً , ومنهجاً جيداً , وقواعد مفيدة جداً مثل حديث ( من حسن إسلام المرءتركه ما لا يعنيه ) أخرجه الإمام أحمد ( 1 - 201 ) , والترمذي ( 2318 ) , وحسنهالنووي في ( رياض الصالحين ) صلى الله عليه وسلم 73 , وصححه أحمد شاكر ( المسند ) ( 1737 ) . فهذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه لكانت كافية , وكذلك قاعدةفي النطق حديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) أخرجهالبخاري , كتاب الأدب , ومسلم , كتاب اللقطة , باب الضيافة .
6- كتاب ( بلوغالمرام ) للحافظ ابن حجر العسقلاني وهو كتاب نافع ومفيد , لا سيما وأنه يذكر الرواة , ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه , ويعلق على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً .
7- كتاب ( نخبة الفكر ) للحافظ ابن حجر العسقلاني , وتعتبر جامعة , وطالب العلم إذافهمها تماماً وأتقنها فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح , ولابن حجر ـ رحمه اللهتعالى ـ طريقة مفيدة في تأليفها وهي السبر والتقسيم , فطالب العلم إذا قرأها يجدنشاطاً لأنها مبنية على إثارة العقل وأقول : يَحْسُن على طالب العلم أن يحفظهالأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح .
8- الكتب الستة ( صحيح البخاري , ومسلم , والنسائي , وأبو داود , وابن ماجه , والترمذي ) وأنصح طالب العم أن يكثر من القراءةفيها ؛ لأن في ذلك فائدتين :
الأولى : الرجوع إلى الأصول .
الثانية : تكرارأسماء الرجال على ذهنه , فإذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل مثلاً من رجالالبخاري في أي سند كان إلا عرف أنه من رجال البخاري فيستفيد هذه الفائدة الحديثية .
المكتبة الصوتية والتسجيلات السمعية
لابد من سماع الشريط الإسلامي والاهتمام به فهو من أعظم الطرق الموصلة إلى العلم وليكن لك مكتبة صوتية ودرج عامر بسيارتك تسمع ما لذ وطاب.
الكتب السمعية
بعض الحواشي في فرعيات الفقه وأصول الفقه التي غصت بالمنطق والتشقيقات والتكلف نفعها قليل وتورث الدوخة وضياع الوقت وضعف البصر وإن أردت معرفة مقدار هذه الحواشي فقارن بينها وبين كتب ابن تيمية رحمه الله تعالى .
طريق الحفظ
قلل الحفوظ وكرر ما تريد أن تحفظه كثيراً خمسين مرة أو أكثر وليكن لك زميل تحفظ على ه إن تيسر لك، وأشرف أوقات الحفظ بعد الفجر وبعد المغرب ولا تحفظ عند الكسل وغاية الهم والنوم وأكثر من الاستغفار.
الصلوات ترتب الأوقات
بعض طلبة العلم يرتب برنامجه وتحصيله بعد الصلوات فمثلاً: الحفظ بعد الفجر، ومطالعة التاريخ والأدبيات بعد الظهر وتحقيق المسائل بعد العصر والمراجعة للمحفوظ بعد المغرب ومطالعة الأخبار والمجلات الإسلامية بعد العشاء، وبعض طلبة العلم يجعل الفنون على الأيام، فمثلاً الفقه يوم السبت والتفسير يوم الأحد والحديث يوم الاثنين وهكذا.
كيف تفهم كتاباً مطولاً
بعض كتب العلم طويلة مسهبة كتفسير ابن كثير وفتح الباري والمغني وغيرها، وطالب العلم إذا أراد فهم هذه المطولات فأمامه طرق:
منها : أن يكرر الكتب كل كتاب ثلاث أو أربع مرات.
ومنها: أن يقرأها واحدة متأنية معه مذكرات أو دفتر يسجل الشوارد والفوائد والنكات العلمية وما يصعب على ه ليراجع أهل العلم.
ومنها : أن يقرأ مع زميل على فترة طويلة مع المناقشة والمساءلة.
أبو أنــس
18/01/2013, 03:05 AM
اختيار الوقت في الموعظة
بسم الله الرحمن الرحيم
يُشكِّل اختيارُ الوقت ومناسبته للحال عاملاً مهمًّا في نجاح الواعِظ في دروسه مِن نواحٍ عدَّة، منها:
1- اختيار الوقت المناسِب للوعْظ والإرشاد، فليس كلُّ وقت يصلح لوعْظ الناس وإرشادهم.
2- ومِن ناحية الموضوع ومناسبته للحال، فليس كلُّ ما يُعلم يُقال، ولا كلُّ ما يُقال يناسِب الحال.
3- ومِن ناحية استعداد المدعُوِّين نفسيًّا لسماع ما يُلقَى عليهم مِن دروسٍ ومواعظَ، لا بدَّ مِن مراعاة ذلك، مِن خلال التفرُّس في وجوه مَن يَحضُرون الدرس.
ولهذا سنبيِّن - أولاً - منهجَ الرسول الداعي الأوَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - في استغلاله لعامِل الوقْت في الدعْوة إلى الله في مناسبات عِدَّة، تتعلَّق بمعاش العِباد، وأمور حياتهم ومعادهم، وما كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتَّبعه مِن أساليبَ في إيصال الحقِّ إلى الناس، ثم نبيِّن ما على الداعي إلى الحقِّ من أساليبَ ناجحة، تُمكِّنه من أن يؤثِّر فيمن يدعوهم ويعلِّمهم، ومِن الله التوفيق والسداد.
منهج الرسول في اختياره للوقت في الدعوة:
ويكمن ذلك المنهج السديد في نِقاط عدَّة، منها:
1- عدم إطالة الموعِظة؛ خشيةَ الملل والسآمة:
وهو ممَّا كان يحرِص عليه الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانَ يَتخَوَّلُنا بالموْعِظَةِ في الأيَّامِ؛ كراهِيَةَ السَّآمةِ عليْنا"[1]، ولم يكن مِن هديه إعطاءُ دروسٍ في جميع الأيام؛ ذلك لأنَّ دعوته تأخذ أشكالاً مختلفة، تارةً بالقول، وأخْرى بالسلوك والقُدوة الحسنة.
2- استغلال الحَدَث والموقِف في التعليم والتربية:
فقد جاء في الحديثِ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: "خرجْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر، فجلَس رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجلسْنا حوله، كأنَّ على رؤوسنا الطيرَ، وفي يدِه عُودٌ ينكت به في الأرض، فرفَع رأسه فقال: ((استعيذوا بالله مِن عذاب القبر..))[2]، والموعظة عندَ القبر كان يفعلُها - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحيانًا.
وجاء في حديث قدوم تجَّار البحرين، حيث رأى مِن حرْصهم، فاستغلَّ الموقف في توجيه نصيحةٍ تربوية انطوتْ على تحذيرٍ من فِتنة الدنيا، وتبشير للأمَّة بالرخاء المادي، فقال: ((فأبشِروا وأمِّلوا ما يَسرُّكم، فواللهِ لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسطِت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أَهْلكتهم))[3].
3- إطالة الموعظة أحيانًا لطارئٍ أو حادثٍ مهم:
وممَّا يدلُّ على ذلك موعظتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أمور جِسام ستَقع في الأمَّة، حتى طالتْ موعظتُه فوقَ العادة، ففي صحيح مسلم عن عمرِو بن أخطبَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "صلَّى بنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفجرَ، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاة الظهر، ثم نزَل فصلَّى بنا الظهر، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاةِ العصر، ثم نزَل فصلَّى العصر، ثم صعِد المنبر فخطبَنا حتى المغرب، فما ترَك شيئًا مما يكون إلاَّ أخْبر به أصحابَه، حفِظَه مَن حفِظه، ونسِيَه مَن نسيه، يقول: فأعْلَمُنا أحفَظُنا"[4].
4- تحيُّن الموعظة عندَ إقبال السامِع وفراغِه ونشاطه، وتَرْكها عند انشغالهم، فهو أدْعَى إلى القَبول:
ومِن ذلك: أمرُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدعوين بالانصراف إلى أهلِهم؛ لما رأى من تشوُّقهم إليهم؛ فعن أبي سليمان مالكِ بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: "أتَيْنا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمْنا عندَه عشرين ليلة، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحيمًا رفيقًا، فظنَّ أنَّا قد اشتقْنا أهلنا؛ فسَألْنا عمَّن تركْنا من أهلنا، فأخبرْناه، فقال: ((ارْجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم وبرُّوهم، وَصَلُّوا كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرتِ الصلاة فليؤذِّن فيكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"[5]
5- مناسبة المقال لمقتضَى الحال:
فقد كانت مواعِظُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - واختياره الأمثل لمقتضَى الحال، مما له أبلغُ الأثر في المدعوِّين في حالة الفَرَح أو الحزن وغيرها مِن الأحوال في عامَّة مواعظِه وإرْشاده - صلَّى الله عليه وسلَّم.
6- توجيه الأنظار للتدبُّر والتفكُّر:
كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغلُّ عامِل الوقت والزمن؛ لأجْل صرْف العقول للتدبُّر في خلْق الله، وعجائب قدرته، مثْل وقت كسوف الشمس، وخسوف القمر وهبوب الرِّياح، فقد قال عندما وقَع الكسوف: ((إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بها عباده))[6].
7- أوقات إقبال القلْب على ربِّه أدْعى لقَبول النُّصح والإرشاد، خاصَّة بعد صلاة الفجْر، وفي الحديث عن أبي نَجيح العِرْباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - موعظةً بليغة، وجلتْ منها القلوب، وذرفَتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله، كأنَّها موعظة مودِّع، فأوصِنا، قال: ((أُوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور، فإنَّ كل بدعة ضلالة))[7]،وكان ذلك بعدَ صلاة الفجْر، وهو وقتٌ تكون فيه النفوس بعيدةً عن الشواغِل والملهيات.
8- الترغيب في العمل الصالِح في أوقات ومناسَبات معروفة؛ مثل: صيام يوم عاشوراء ورمضان، وشوَّال وذي الحجَّة، وصلاة الاستسقاء، وما يناسِب تلك الحال مِن موعظة وإرشاد.
9- الحثّ على التوبة في وقْت الاحتضار:
وهي لحظةُ انتقال الإنسان إلى عالَم جديد، يتقرَّر فيه مصيرُه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمَرِض، فأتاه يعوده، فقعَد عند رأسه، فقال له: ((أسْلِم))، فنَظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنْقذَه مِن النار))[8].
لقد حقَّقت دعوة الرسول الكريم انقلابًا عجيبًا في كيان الإنسان، بفضْل ما كان يمتلكه من وسائلَ فعَّالة ناجحة في الدعْوة إلى الله، فقد تحوَّل ذلك الإنسانُ مِن محبٍّ عاشِق للدنيا يموت ويحَيا مِن أجلها، لا يُفكِّر أبعد مِن شهوته وبطنه، إلى إنسانٍ يفكِّر ويجول نظره في الكون الفسيح، إلى ما وراء ذلك مِن الشوق إلى نعيمِ الآخِرة ولذَّتها، يحمل هَمَّ الدعوة والجهاد في سبيل الله، وإخراج مَن حوْله مِن البشر مِن ظُلم العباد إلى عدْل الإسلام ومساواته، ومِن عبادة الحجَرِ والبشر إلى عبادة الديَّان الذي لا يموت.
وما في قصص الصحابة الأوائل مما عجَز التاريخُ عن تفسيره، إلا بفِعْل الإيمان والتربية الحقَّة التي تلقَّوْها من المربِّي الأول، والمعلِّم الكريم محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ما ينبغي على الداعي مراعاته:
ينبغي على الداعي أن يُراعيَ عامِلَ الوقت؛ حتى يكونَ ناجحًا في مواعظه، وإلا ملَّتْه النفوسُ، وسَئِمت مِن سماعه، ومن ذلك:
أولاً: ليس كلُّ وقت يصلُح لوعْظ الناس وإرشادهم، فليس مِن الحِكمة - مثلاً - موعظةُ الناس بعْد صلاة الظهر، وهو وقتُ انشغال الناس بأعمالهم وأمور معاشِهم، أو وقت انصرافِ الناس إلى نومِهم وراحتهم في اللَّيْل، وهو مِن أخطاء بعض الوعَّاظ، يُريد أن يُلْقي مواعظَه دون إعطاء أهميَّة لحالِ مَن يدعوهم، وكأنَّه لا يخاطِب بشَرًا، لهم مشاعِرُ وأحاسيس.
ثانيًا: مناسبة الموعظة للحال، والبعض منهم يُلقي دروسًا في الصبر على البلاء، والفِتن الواقعة في الأمَّة، وتحمُّل المصائب والنكبات في يومِ فرَح الناس وأعراسهم، حتى يُحوِّل الفرح إلى عزاء ومصيبة، ومِن الحكمة استغلالُ تلك المناسبة في موعِظة عن الشُّكر، وبيان هَدْي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأعراس والمناسبات.
ثالثًا:على الداعي أن يتفرَّسَ في وجوه الحاضرين، ومدَى استعدادهم لتلقِّي ما يُقال لهم، فالموعظةُ الغرضُ منها هو أن يستفيدَ الحاضرون، والبعضُ من الوعَّاظ يرى تملْمُلَ الناس من درْسه وترْكهم لمجلسه، ومع ذلك تراه يستمرُّ في درسه ووعْظه، ويطيل الكلام ويُكرِّر الموعظة، وكأنه يطلب إعادةَ الثقة به، وهذا له نتائجُ عكسية تمامًا، وقد كان مِن هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه يُحدِّث بالحديث لو عدَّه العادُّ لأحصاه؛ لذا فمِن الحكمة قطعُ الموعظة إن لم يكن فيها مرغِّب أو مشوق آخر.
رابعًا:عدم توفُّر الوقت الملائم لإلْقاء الموعظة، وليس مِن الضروري إلْقاء الموعظة وكأنَّها حِمْل على كاهله يريد التخلُّص منه، بل الموعظة دُررٌ وفوائدُ أثمنُ مِن المال، لا بدَّ من تحيُّنِ فرصة مناسبة؛ ليُنتفعَ منها، وتقعَ موقعها في النفوس، فتدعوهم للعمل الصالح، وترْك ما أَلِفوه من المنكرات، ويحصُل ذلك عندما يتهيَّأ الداعي إلى إلْقاء موعظته، فيحدُث أمرٌ مفاجئ؛ لذا عليه أن يدَّخِر الموعظة لوقتٍ مناسب آخر.
خامسًا:خيرُ الكلام ما قلَّ ودلَّ: إنَّ إطالة المواعِظ لتتعدَّى أحيانًا ساعة وأكثر، هي مشكلةُ بعض الوعَّاظ، وليعلمْ هؤلاء أنَّ طاقة ذهْن الإنسان محدودةٌ لا يمكن في العادة أن تتابعَ الكلام بتركيز وانتباه لأكثرَ مِن رُبع ساعة، وبعدَها يُصاب الذِّهن بالشرود والتعب؛ ولهذا مِن الأفْضل على الواعظ أن يتَّخذ بعضَ التدابير، مثل: تدوين رؤوس الدرس والخطوط العامَّة منه في ورقة صغيرة؛ لئلاَّ يتحرَّج فيخلط في الكلام، أو يستطرد في أمْر لا علاقة له بصُلب الموضوع، كما يُشاهَد على بعض القنوات الفضائية مِن مواعظَ تتجاوز مدتها الزمنية السَّاعة والساعتين.
ومِن الأخطاء أيضًا في هذا الجانب أنَّ بعض الوعَّاظ يضع له مواعظَ مُقسَّمة على الأيام والشهور، وكأنَّها قوالِب لوضع المستمعين والمدعوين فيها، وهو خطأٌ منهجي في الدعوة، والمنهجُ السليم أن تكون الموعظةُ مما يتلاءَم مع حال المدعوين، فينظر الداعي أيَّ مرَض أو آفة اجتماعية تغلُب على قومِه أو مجتمعه، فيتحدَّث فيها، ويُحذِّر منها، وقد قيل في تعريف الحِكمة هي: فِعْل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.[9]
إلقاء الدرس قبْلَ وبعْد صلاة الجمعة:
سُئِل عن ذلك فضيلةُ العلاَّمة الألْباني، فأجاب - رحمه الله تعالى -: "الذي نعتقِده ونَدين الله به أنَّ هذه العادة التي سَرَت في بعض البلاد العربية، وهي: أن ينتصبَ أحدُ المدرِّسين أو الخُطباء ليلقيَ درسًا، أو كلمةً، أو موعظةً، قبل أذان الجمعة بنِصْف ساعة أو ساعة من الزَّمان، هذا لم يكن مِن عمل السلف الصالح - رضي الله عنهم - هذا مِن جهة.
ومِن جهة أخرى، فمن المعلوم لدَى علماء المسلمين قاطبةً أنَّ هناك أحاديثَ صحيحةً تأمُر المسلمين بالتبكير للحضور إلى المسْجد الجامع يومَ الجمعة، كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قَرَّب بقَرةً...، وهكذا حتى ذكَر الكبش والدجاجة والبيضة))، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ حَضَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسلمين على التبكير في الرواح يومَ الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماعِ الدَّرْس وإلْقائه، وإنَّما هو للتفرُّغِ في هذا اليوم لعبادة الله - عزَّ وجلَّ - ولذِكْـره، وتلاوة كتابه، وبخاصَّة منه سورة الكـهف، والجلوس للصـلاة على النبـيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحقيقًا لقوله في الحديث الصحيح، والمروي في السُّنن وغيرها ألاَ وهو قوله - عليه السلام -: ((أكْثِروا عليَّ مِن الصلاة يومَ الجمعة؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغني))، قالوا: كيف ذلك وقد أَرِمْت؟! قال: ((إنَّ الله حَرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء.....)).
أما بعْدَ الصلاة، فقد قال - رحمه الله تعالى -: "إنْ كان أحدٌ يريد أن يُدرِّس فبعْدَ الصلاة؛ حيث يتفرَّغ الناس لسماع مَن شاء منهم، ومَن شاء القضاء، أمَّا أن ينتصبَ المدرس قبلَ صلاة الجمعة فيَفْرِض نفسه على الناس فرضًا، وفيهم المصلِّي والتالي والذاكر، فهذا هو الإيذاءُ للمؤمنين، فلا يجوز"[10].
أمثلة على ما مَرَّ:
الأمثلة في هذا الباب كثيرة، وعلى الداعي أنْ يتعود تدبر سيرة المصطفى والأحوال والظروف التي مر بها[11]، وهديه في موعظة الناس وإرشادهم؛ ليكون على بصيرة من دعوته.
ثم الاستفادة من تجارب الآخرين؛ ليضيف إلى رصيده في الدعوة إلى الله، وهذه أمثلة عامة تناسب أحوال عامة:
1- في بداية شهر رمضان يناسب إلقاء موعظة عن أحكام الشهر الفضيل، وما يَجوز وما ينبغي تجنبه، وفي شهر ذي الحجة ما يتعلق بأحكام الحج وأركانه، والترغيب فيه، وفي ليلة العيد - الأضحى والفطر - ما ينبغي فعله للمسلم من سنن وأعمال صالحة من صِلَةِ رحم وغير ذلك، مع تقديم الدروس مقرونة بالترغيب والترهيب، وفي ليلة الجمعة ما ينبغي على المسلم عمله للحصول على أجر وثواب الجمعة.
2- يناسب في أيام الأفراح والأعراس التحدُّث عن الترغيب في الزواج، وبيان فضائله، وشكر نعمة الله على نعمة العِفَّة والإحصان، وفضل إدخال السُّرور على قلب المسلم، والصلح بين الإخوان.
3- في يوم العزاء وفَقْد الأحبة الحث على الصبر، وتحمُّل المصائب، وثواب الصابرين، وما يترتب عليه من أجر وأهمية الإيمان بالقدر والقضاء، وأن الموت يَجري على كل نفس، وبيان عظم الجزاء للصابرين، والحذر من الجزع والتسخط، وأنَّه لا يأتي بنتيجة، بل يستوجب غضب الله ومقته، وبيان أهمية مواساة المسلم في المصيبة.
4- في وقت حدوث نزاع أو قتال أهمية الصلح بين المسلمين، وأنَّه أفضل درجة من الصيام والقيام، وأن الساعي إليه من أفضل عباد الله، وأن المسلمين إخوة متحابون، وأن الساعي للفتنة من شر عباد الله، وخاصَّة الفتنة بين الزوجين والأحبة، والتفريق بينهما، وأنه من أقرب الناس للشيطان.
5- في وقت احتلال بلاد الإسلام، وانتهاك دياره وحرماته، وسلب خيراته - الحث على الجهاد - النفس والعدو - وأنَّه عز المسلمين وسبب لنصرهم، وأنَّ التخاذُل يوجب تسلط الأعداء، والواجب على كل مسلم إعانة المجاهدين، ولو بالكلمة، وأن من لم يحدث بالغزو مات ميتة جاهلية، ويتم ذلك وَفْقَ مشورة أهل العلم والرأي الصائب؛ كي تؤتي ثمارها.
6- في وقت انشغال الناس بالدنيا وملذاتها، وغفلتهم عن معاني الآخرة وأهوالها، والاستعداد لها - التذكير بأحوال الموتى، وما يلاقيه كل من المؤمن والكافر من نعيم أو عذاب في القبر، وربطه بمعاني التوحيد والعقيدة الإسلامية، وما بعد الموت من نعيم مقيم أو عذاب أليم، والحساب على الصغيرة والكبيرة وَفْقَ ميزانٍ دقيق لا يظلم فيه أحد من عباد الله، والاستشهاد الجيد بالآيات، والأحاديث، والتنوع ما بين حديث وآية وشعر، وقول مأثور، وحكمة جليلة.
7- في وقت وقوع الزلازل والكوارث، ووقوع القتل والفتن، وتكالب الأعداء - الحث على الاعتصام بحبل الله والتوبة، والخروج من المظالم، والتضرع إلى الله، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ما يقع هو بسبب ذنوب بني آدم وفسادهم، والواجب على كل مسلم التوبة والرُّجوع وعدم التسويف، بل المبادرة والإقلاع عن المعاصي.
8- في وقت الحاجة والفقر، وانتشار العوز في بلاد الإسلام - الحث على الإنفاق في سبيل الله، وأنَّ المال هو وديعة بيد المسلم، وأنَّ الواجب تقديمُ الدعم المادي لإخوة الإسلام في أيِّ مكان مهما اختلفت أشكالُهم وألوانهم، وكذا في وقت نشر الأفكار الهدَّامة ودعمها من قبل المؤسسات الغربية، وغيرها، الواجب تذكير الأمة بأهمية التصدي للباطل، إما بالكلمة أو بالمال؛ لئلا يستشري الباطل، وتضل الأمة عن الطريق القويم، وأنَّ من لم يقم بواجبه فلا يَلومَنَّ إلا نفسه.
9- في وقت خروج الفئات الباغية على شرع الله، ومنازعة أولي الأمر، وقيامهم بأعمال تضر بالمجتمع المسلم من قتل للأبرياء، وسَفْكٍ للدماء - الواجب التحذير منهم ومن أفعالهم، وبيان ما يعتقدونه من أفكار باطلة، وأنه الواجب طاعة أولي الأمر؛ لئلا ينفلت وتكون فوضى في بلاد الإسلام؛ مما يوجب العبث، وتسلُّط الكفرة على ديار المسلمين، ومثله التصدي لأفكار من ينتسب إلى الإسلام في الظاهر وهو يُخالفه في الاعتقاد كالرافضة، فالواجب بيان عقائدهم وضلالهم، وأنَّهم يستعملون التقيَّة في نشر الباطل، فالواجب الاعتصام بين المسلمين، والتصدي لترويج باطلهم وإفكهم.
10- في وقت يرى فيه الداعية أنَّ المسلمين قد هجروا كتاب ربهم، وتدبر آياته، والعمل به - لا بُدَّ من بيان فضل تلاوته، وأنَّه حبل الله المتين، ونجاة المسلم في الدنيا والآخرة، وأنَّه يشفع لقارئه، وأنَّ هجرانه يعني ظلام القلوب والبيوت، والبُعد عن رحمة الله، وبيان فضائله من الآيات والأحاديث، وهذا مِمَّا ينبغي التذكير به في كل مناسبة.
جامع ينبغي التذكير به دومًا:
ينبغي ربط كل موعظة وإرشاد بالأصل العظيم، وهو طاعة الله وطاعة رسوله، وأن نجاة المسلمين وسعادتهم في كل زمان ومكان تكمُن في تحقيق هذين الأمرين، وأي موعظة تخلو من التذكير بهذا الأصل القويم سيكون تأثيرها مؤقتًا، وتصل الموعظة إلى القلوب هامدة ميتة؛ ولهذا ينبغي التذكير بالهدف والغاية التي خلق من أجلها الخلق، ألاَ وهي عبادة الله وحدَه لا شريك له والعمل على مرضاته، وطاعة رسوله الكريم، والتطلع إلى ما عند الملك الكريم من الجزاء العاجل في الدنيا من الاطمئنان، والسعادة الحَقَّة وفي الأجل من الفوز بنعيم الجنة، وما أعَدَّ الله لأهلها من الكرامة والنعيم المقيم، وقد أخبر الله أنَّ أهلَ طاعة الله وطاعة الرسول هُم من أهل الرحمة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]، وفي الدار الآخرة أخبر بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات، والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، فقال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة: 72].
وصَلَّى الله على محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو أنــس
25/01/2013, 11:10 PM
http://img.qwled.com/i/5626bdab42f27218a2390a3e72f80373.png
الجزء الأول ؛
أعني بالشجاعة القدرة على تحمل المسؤولية و المبادرة و مواجهة في حدود الإمكانيات الحقيقية للشخص، و من الممكن تقسيم الشجاعة إلى شجاعة فكرية و شجاعة حركية.
- تتجلى الشجاعة الفكرية في القدرة على التفكير خارج الصندوق ( تفكير إبداعي أو تفكير نقدي ) و القدرة على اتخاذ القرار بالوقوف مع الحق لا مع الذات السفلى ( الأنانية و الشهوات ) ؛ فكثير من الناجحين و المؤثرين غيروا مواقفهم و آراءهم بعد أن تبين لهم الحق مثل السحرة مع سيدنا موسى عليه السلام و كذلك الإمام الشافعي رحمه الله عند تغييره لفقهه مع سفره من العراق لمصر، و كثير من الناجحين الذين نعايش هم قادرين على اتخاذ القرار و التقدم بمسؤولية و مبادرة قل نظيرها ، يدخل ضمن الشجاعة الفكرية القدرة على المبادرة و خلق أفكار جديدة ؛ ولعل ما نشهده اليوم من تهاوي للشركات الضخمة و ظهور قوي لشركات بدأت بشباب فكر خارج الصندوق مثل مؤسس الفيس بوك أ مؤسسي يوتوب و الكثير من المشاريع التي بدأت بحلم و فكرة إبداعية ، و العكس بالنسبة لشركة مثل IBM التي كانت مسيطرة على سوق الإلكترونيات و البرامج إلى أن تراجعت قدرتها على الإبداع ؛ فظهرت شركة صغير اسمها ماكنتوش لم تبدي لها IBM أي اهتمام لكن هذه الشركة أبدعت لتصبح الشبح الذي يطارد IBM إلى اليوم ليس هذا فقط بل ظهرت شركة أخر ى للبرمجيات اسمها مايكروسوفت استطاعة السيطرة على أكثر من 90% من سوق البرمجيات ، وهكذا أصبحت رائدة الإلكترونيات محصورة في الزاوية بسبب ضعف قدرتها على الإبداع – شجاعة فكرية - .
من الشجاعة الفكرية اتخاذ المواقف انطلاقا من المبادئ و الأخلاق و بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة في المدى العدد ، وهذه قصة حقيقية لأحد المديرين للفنادق الدولية حيث انه كان يعمل بأحد الفنادق العالمية و التي من ضمن خدماتها توفير المشروبات الكحولية للزبائن ، عان صديقنا كثيرا من تأنيب الضمير و القلب معا ، ضميره يكلمه فيقول : الرزق على الله ؛ فالله الرازق و الإنسان إما يحلله أو يحرمه و يجيب قلبه فيقول: إنك تقتلني بكثرة الذنوب ،أخد صديقنا أخيرا القرار بترك العمل و بينما هو منكب على كتابة الاستقالة إذا بالهاتف يرن أجاب صديقنا على الهاتف فإذا بالمدير العام لمجموعة الفنادق يكلم صديقنا و يطلب منه أن يدير فرع المجموعة بالسعودية ، وطبعا هذا الفرع لا يقدم المشروبات الكحولية ، و للعلم فصديقنا مازال يدير الفندق إلى غاية سماعي لهذه القصة.
- أما الشجاعة الحركية فهي القدرة على المبادرة بتحمل مسؤولية الأعمال رغم صعوبتها و معرفة أن الدين هو العمل الجاد المتقن و أن كل درهم نتقاضاه سنسأل عنه ، هل استحققناه أم لا ؟ ، إن السفر لطلب الرزق أو العلم شجاعة حركية إن العمل الخيري و الاغاثي شجاعة حركية .
إن ما قام به رائد التنمية البشرية الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله و أدخله فسيح جناته بعد نجاحه في الغرب و بروزه من أهم و أكثر الشخصيات تأثيرا بأمريكا الشمالية بالعودة لأرض الوطن و بدأ رحلة جديدة مليئة بالصعوبات و الحواجز في بلدان لا و لم تعرف عن التنمية البشرية إلا القليل ، شجاعة فكرية و عمله على أرض الوطن و جولاته العالمية شجاعة حركية قل نظيرها في العالم العربي .
ليتسم الشخص بالشجاعة لا بد أن يتصف بالشجاعة الفكرية و الحركية فالشجاعة الفكرية تكون في غالب الحالات دافعا للشجاعة الحركية لتضع هذه الأفكار أو المواقف في واقع الناس و داخل حياتهم.
الجزء الثاني ؛
http://img.qwled.com/i/6cff82cdc8323dc3a96456ffa7e1cc9a.png
تتمة لما سبق سأحاول بعون الله إلقاء الضوء عن مجموعة من النقاط المهمة في موضوع الشجاعة ، و أبدا أولا بمعيقات الشجاعة و أذكر هنا سببين اعتبرهما الأهم في التأثير علينا إما سلبا أو إيجابا :
- التجارب السابقة : يعد الماضي كنزا مهما لمن استطاع الاستفادة من مكنوناته النفيسة وتجاربه المليئة بالحكمة و الخبرة ، بشرط أن تستطيع الاستفادة من الخبرات و التجارب وأن تنسى الألم و الشقاء وهذا بكل تأكيد صعب و لكنه ممكن ببعض الممارسة و استعمال بعض التقنيات مثل التخيل، من الطرق التي أعجبتني تصحيح و إعادة المشهد بعد التعلم من التجربة و ذلك بإعادة تخيل المشهد و لكن هذه المرة و أنت متمكن من المعلومة و ممارس للمهارة فتعيد نفس المشهد و أنت البطل القادر على الاستفادة من الموقف لأقصى درجة ، ربما يبدو لك أن هذا الكلام غير عملي لكن لو أعدت التجربة بثقة و لعدة مرات أعدك أنك لن تستطيع التفرقة بين التجربة الأولى " الحقيقية " و التجربة الثانية " التخيل " ، وذلك لأنه تبث علميا أن العقل لا يفرق بين الحقيقة و الخيال عند التذكر.
لما كل هذا الحديث عن التجارب السابقة لأنها مربط الفرس فأنت لن تقدم بشجاعة على موقف أو مشكلة معينة إذا كانت تجاربك السابقة سيئة و سلبية، لذلك أنصحك يا صديقي بأن تحتفظ بالخبرة و تنسى التجربة السلبية.
- السبب الثاني هو عدم الثقة بالذات و قدرتها على النجاح ، و هذا السبب مرتبط إلى حد ما بالسبب الأول ، لكنه ليس المؤثر الوحيد فبالإضافة للتجارب السلبية التي تضعف ثقتنا بأنفسنا هناك كذلك ضعف تقننا بالله لأن الذي يثق بالله يعلم يقينا و باعتقاد راسخ – وليس معلومة محفوظة فقط – أن الله لا يضيع من عمل عملا صالحا بل يعينه و يقويه ، ومن كان الله معه فلم الخوف و الجزع من المبادرة و المشاركة في كل ما أحس في نفسي القدرة على تحقيقه أو المساهمة في إنجاحه، ثم المؤثر الثالث بهذا السبب هو المحيط حيث أن المحيط اليائس يزرع الإحباط في النفس ، وكما تنتقل الأمراض الوبائية تنتقل الأمراض النفسية بل ربما هي أكثر عدوى من أمراض الجسد ، فأنصحك صديقي بالهروب و النجاة من كل محيط موبوء بأمراض اليأس و الإحباط – سأل الممكن المستحيل : أين تعيش ، فقال : في عقول اليائسين - .
كل إنسان يمتلك قدرا من الشجاعة يرتفع و ينخفض حسب أحوال الشخص و نفسيته ، وحسب قدرته على المبادرة و خَلق الدوافع الذاتية ، و حسب إيمانه برسالته و عمله الذي يؤديه، لذلك على الإنسان أن يقوي عزيمته بشيئين أولا بقربه من الله ومعرفته بأسمائه و صفاته فذلك يزيد من قدرته على المبادرة لإحساسه بأنه ليس وحيدا في الساحة ولكن من وراءه رب قوي قادر فعال لما يريد، ثم برسم أهداف قادرة على تحريك رغبته و إرادته لتكون الشعلة التي لا تنطفئ للعمل والجد و المبادرة ثم يتخذ من نفسه دوافع تعينه على صعوبات الحياة و نكساتها .
و أخيرا اختم بقصة قرأتها و أعجبتني فأردته أن تشاركوني بها و هي لطبيب كان قادرا على أخد القرار و الانتصار لمبادئه رغم ما كان يعانيه من مشاكل و أحزان ؛
دخل جراح إلى المستشفى بعد أن تم استدعاؤه على عجل لإجراء عملية فورية لأحد المرضى.
وحضر إلى المستشفى وبدل ثيابه واغتسل استعدادا لإجراء العملية .
قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يزرع الممر جيئة وذهابا ، وعلامات الغضب بادية على وجهه وما أن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلا :
علام كل التأخير يا دكتور ؟
ألا تدرك أن حياة ابني في خطر ؟
أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية ؟
ابتسم الطبيب برفق وقال :
أنا أسف يا أخي فلم أكن في المستشفى وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكنني ، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي وكن على ثقة أن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة .
لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب : أهدأ ؟ !!!!!!
ما أبردك يا أخي لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ ؟
ماذا لو مات ولدك ما ستفعل ؟
ابتسم الطبيب وقال : أقول كما قال الله عز وجل : { الذِين إذا أصابتهم مصيبَة قالوا إِنا لِلّهِ وإِنَـا إِليهِ راجعون }
يا أخي الطبيب لا يطيل عمرا ولا يقصره والأعمار بيد الله ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذه
ولكن الوضع خطير جدا وإن حصل شيء فيجب أن تقول : إنا لله وإنا أليه راجعون, اتق الله وأذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك .
هز الأب كتفه ساخرا وقال : ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصا آخر لا يمت لك بصلة .
دخل الطبيب إلى غرفة العمليات ، واستغرقت العملية عدة ساعات ،وخرج الطبيب على عجل وقال لوالد المريض : ابشر يا أخي فقد نجحت العملية تماما والحمد لله ،وسيكون أبنك بخير ،والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فورا ، وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل
حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل .
انتظر الأب دقائق حتى خرج أبنه من غرفة العمليات ،ومعه الممرضة فقال لها الأب :
ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟
فجأة أجهشت الممرضة بالبكاء وقالت له : لقد توفي ابن الدكتور يوم أمس على اثر حادثة ،
وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فورا ، لأن ليس لدينا جراح غيره وهاهو قد ذهب مسرعا لمراسم الدفن وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك !!!!!
و أختم بقولة العرب قديما " إنما الشجاعة صبر ساعة "
أبو أنــس
25/01/2013, 11:11 PM
التغيير حسب الحروف الأبجدية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أ
1- كيف نبدأ التغيير؟
1- \" قهر الخوف هو مفتاح التغيير:
كن حرا.
قاوم القهر.
لاخير في الانسان ان لم يكن حرا.
ادحر القهرفقد خلقت حرا.
يتحول الانسان الى عامل سلبي بفقدان حريته.
الحرية هي الطريق الممهد للتغيير.\"
ب
2- ماعلاقة التغيير بالحياة؟
2- \"الحياة هي التغيير,
و التغيير حياة,
فالحياة نمو,
والنمو تغيير,
و التغييراختياري,
فاختر بحكمة,
اختر أفكارك,
اختر أفعالك,
اختر عاداتك,
اختر طباعك
اختر بحكمة.\"
ت
3- ماقيمة التغيير؟
3- \"التغيير ثابت من الثوابت الأصيلة في الانسان,
التغيير نمو,
التغيير قوة,
التغيير حياة,
التغيير تجديد,
التغيير إصلاح,
التغيير نهضة,
التغيير إحياء,
التغيير صحوة,
التغيير استعلاء,
التغيير بناء,
التغيير إعادة البناء,
التغيير قيادة,
التغيير آلة اعمار لأرض \"
ث
4- ماعلاقة التغيير بالنجاح والفشل والشجاعة؟
4- \"النجاح ليس نهائيا،
والفشل ليس قاتلا,
والتغيير هوالشجاعة في مواصلة هذا النزاع,
التغيير هو الشجاعة في مواصلة النزاع بين النجاح والفشل .
فالشجاعة هي:
هي المحرك الفعلي للعزيمة,
هي شعار الأصالة,
هي الملعب الممهد للعبة الفتح,
هي علامة الرجولة,
هي طريق السيادة,
هي مفتاح الحرية,
هي آلة إعادة البناء,
هي وقود الإصلاح,
هي الوقود الفعال لصناعة الحضارة.\"
ج
5- هل التغيير هو القرارات الكبيرة في الحياة فقط؟
5- \"قرارات التغييرالصغيرة قد تغير حياتك الى الأبد.
ومجموع القرارات الصغيرة الفعالة هو قرار عظيم حكيم.
فالبناء العظيم يتكون من لبنات صغيرة.
وكمال جسمك من خلايا دقيقة.
ومجموع أخلاقك وشخصيتك تأتي من جمع طباعك.
ومصيرك يأتي من حصاد شخصيتك. \"
ح
6- هل التغيير صعب؟
6- \"اذا كان التغيير مكلف فقد يكون رفض التغيير مدمر:
فالتغيير انتقال,
والانتقال مشقة,
والمشقة وتحملها اصرار على الحياة.
ورفض التغيير ركون,
والركون تآكل,
والتآكل تحول سلبي,
والتحول السلبي طريق الفناء.
والتحول السلبي و تكاثر الخلايا السرطانية.
ورفض التغيير تحول سلبي.
خ
7- مامدى شمولية التغيير؟
7- \"كل شيء يتغير – لاشيء يبقى بدون تغيير.
الأمم تتغير.
وطبيعة الحياة تتغير.
واكتمال خلق الانسان يأتي نتيجة تغيير,
وانتقال من طور الى طور تغيير.
واكتمال حياة الانسان تغيير.
واكتمال طبيعة الانسان تأتي نتيجة تغيير.
د
8- لماذا تبدو الصعوبة في التغيير؟
8- \"التغيير ينطوي على مخاطر,
لأن التغيير نمو,
والنمو استبدال وانتقال زماني ومكاني,
وانتقال من حال الى حال,
فالتغيير يعني الانتقال من المعلوم الى المجهول.
وكل مرحلة من مراحل النمو لها مخاطر,
مخاطر التغيير,
والتوازن والجهد والتخطيط والصبر والطموح والمرونة هي
الزيت السداسي الحافظ للتغيير الايجابي.\"
ذ
9- متى تنتهي فاعلية الانسان؟
9- \"عند التوقف عن التغيير،
نتصلب,
وتجف مياه الحياة,
فننتهي.\"
ر
10- هل الاقلاع عن التغيير صعب؟
10- \"نولد جميعا لانعلم شيئا،
وشيئا فشيئا يمتليء كتاب حلمنا,
ويحتاج مقاوم التغيير أن يبذل جهدا عاليا,
حتى لاتعمل آلة التغيير في أحلامه,
فعجلات آلة التغيير تستمد قوتها من الفعل الزمني,
والفعل الزمني شديد المراس,
والفعل الزمني جيش لايقهر,
ويحتاج الانسان أن يبذل جهدا عاليا ليبقى كما ولدته أمه,
كما يحتاج جهدا مضاعفا ليقلع عن التغيير,
ان رفضت التغيير سقطت تحت عجلاته,
ان رفضت التغيير سقطت تحت عجلات الزمن,
ان قاومت التغيير قاومت نموك,
ان حصنت نفسك ضد التغيير اصابتك عدوى التحلل,
كتحلل الاجساد بعد جفاف ماء الحياة. \"
ز
11- ماهي عناصر الحلم العظيم؟
11- كل حلم عظيم يبدأ بحالم,
تذكر دائما,
أنك تمتلك القوة,
وتمتلك الصبر,
وتمتلك أدوات التوازن,
وتمتلك الطموح العالي,
وتمتلك الهمة,
لتغيير العالم. \"
س
12- هل أثق في الحلم؟
12- ثق في نفسك تتحقق أحلامك,
فتحقيق الحلم هو التغيير,
افرز أحلامك وانتقي,
اقرأ كتاب روحك حلما حلما,
واستفت قلبك. \"
ش
13- مشاكلي عثرات أمام أحلامي !!!
3- لاتدع مشاكلك تدفعك,
واتبع أحلامك,
فالأحلام هي الطريق الممهد لقطار التغيير,
والمشاكل هي حائط الصد ضد التغيير,
ولكن
للمشاكل وجها آخر فلاتنسى قراءته,
قد يدفعك الى ادراك النقائص,
فادراك النقائص من أبجديات العباقرة. \"
ص
14- الذين يحلمون, هل يعانون؟
14- الحياة ليست سهلة لأولئك الذين يحلمون.
فالحلم هو الشروع في التغيير,
والتغيير يحتاج جهد,
والجهد معاناة,
لكنها معاناة الاختيار,
ومعاناة الاختيار صحية,
فيها المتعة ,
وفيها الحياة,
لأن الحياة كلها كدح,
والكدح حركة,
ولاحركة بدون جهد.\"
ض
15- من أين يأتينا الحلم؟
15- الأحلام هي خرائط طريق
وصور ومشاهد
تأتيك من كتاب تكتبه روحك عنك.
فالحلم منك واليك.
الحلم استعداد شخصي للتغيير,
الحلم استعداد شخصي لاستقبال رسائل الروح,
الحلم قراءة فاعلة لكتاب الروح,
كتاب الأحلام,
الحلم يأتي من ذاتك.
ط
16- ماهي العوائق التي تمنع تحقيق الحلم؟
16- \"الشيء الوحيد الذي يمنعك من تحقيق أحلامك هو أنت.
تعلم قراءة الحلم,
تعلم كتابة الحلم,
تعلم تدوين أفكارك,
وكن صديقا لروحك فهي التي تكتب أحلامك,
وكتاب الروح - كتاب أحلامك - هو ماكيت التغيير.\"
ظ
17- كيف نحقق أحلامنا؟
17- احلم!
\"لا تستسلم!
اجعل أفكارك وعقلك دائما على الهدف,
فالنظر الى الهدف متعة,
فالنظر الى الهدف تحريك للفطرة النقية,
فالنظر الى الهدف رواء للنفس في فيافي الحياة,
فالنظر الى الهدف يقوي دعائم الأمان,
فالنظر الى الهدف استدعاء للاصرار,
فالنظر الى الهدف يحرك الدوافع,
فالنظر الى الهدف يدعم الصبر,
والصبر ماكينة النجاح,
فالنظر الى الهدف حلم بالحصاد.
واحلم,
فالحلم تدريب على التغيير. \"
ع
18- ماعلاقة التغيير بذاتي؟
18- \"التغيير تجديد،
تنشيط،
متعة...
وضروري.
التغيير تحقيق الحلم,
التغيير انجاز,
والانجاز
تحقيق الذات,
بناء الثقة بالنفس. \"
غ
19- ماهي الخطوات الأولى في آفاق التغيير؟
19- \"إن الخطوة الأولى نحو التغيير هي الوعي.
الوعي أولا،
سبر واكتناه التراث
واستشراف المستقبل,
و رؤى جديدة للمستقبل,
وادراك الواقع,
والخطوة الثانية هي القبول.
والتخطيط عماد التغيير,
وقهرالخوف في المقدمة \".
ف
20- كيف ابني ثقتي بنفسي وأحقق ذاتي؟
20- \"لا شيء يحقق الذات و يبني الثقة بالنفس مثل الإنجاز,
والانجاز وليد التغيير\".
ق
21- الثقة بالنفس هبة توهب لنا؟
21- \"الثقة بالنفس هي سمة نكتسبها بأنفسنا\".
نكتسب الثقة بالنفس كلما تغيرنا,
ونتغير كلما أنجزنا.
ك
22- هل التغيير فطري؟
22- لقد خلقنا الله من ماء وطين,
والخلايا التي تكون أجسادنا ان لم تتغير نهلك,
وهذا دليل قاطع على أننا جبلنا على فطرة التغيير.
ل
23- هل التغيير فن؟
23- الحياة فن,
فاختر,
أن تكون فنانا هاويا,
أو
أن تكون فنانا محترفا,
والتغيير فنون.
والتغيير يحتاج صبر
والتغيير هوتحويل الأهداف لمشاريع
وتحويل الأهداف لشاريع يبدأ بالتخطيط.
فالتغيير هو فعل حضاري مخطط.
والتوازن هو الزيت الحافظ لآلة التغيير.
م
24- هل هناك علاقة بين طباع الانسان والتغيير؟
24- كن نفسك قبل كل شيء,
كن أنت,
كن معتقدك,
اشرق في كل عبارة تقولها,
كن أنت في كل عمل تنجزه,
فأنت أفكارك وعاداتك وطباعك,
ومصيرك رهن طباعك,
وطباعك هي آلة التغيير,
طباعك التي نمت على
الجهد والصبر والتخطيط والمرونة والتوازن,
وعشق الطموح,
فالتغيير ينبع من داخل الانسان.
ن
25- ما أعظم عوائق التغيير؟
25- \"إن أكبر عائق لتحقيق التغيير هو الخوف من الفشل,
والجهل,
وموت الطموح,
وتوقف الاجتهاد.\"
هـ
26- متى تتوحش العوائق أمام التغيير؟
26- \"العقبات هي الأشياء التي يراها الانسان عندما يحول عينيه عن هدفه.
اجعل أفكارك وعقلك وقلبك دائما على الهدف,
اجعل نظرك دائما على الهدف,
فالنظر الى الهدف يقاوم العوائق,
فالنظر الى الهدف يحرك الدوافع,
فالنظر الى الهدف يحمي النفس من الضعف,
فالنظر الى الهدف يقوي دعائم التقدم,
فالنظر الى الهدف اصرار,
فالنظر الى الهدف عماد الصبر,
والصبر ذروة سنام لتغيير\".
و
27- هل سبق الآخرين تغيير؟
27- \"لاتجعل همك في الحياة سبق الآخرين،
اجعل همك سبق الأحداث,
اجعل همك عبور الحواجزوعينك على الهدف,
اجعل همك تحقيق الارقام القياسية\"
لا
28- هل ترتبط قيمة الانسان بقيمة مايعطيه للانسانية؟
28- يأثم الانسان على الخير الذي لم يقدمه للانسانية ,
وهو يستطع.
وعطاء الانسان للانسانية مشاركة في التغيير.
واعتقد أنك لبنة هامة في آلة التغيير,
ي
29- ما آخر أبجدية في أبجديات التغيير؟
29- - \" التغيير يفتح الآفاق.\"
التغيير يرتقي بالأمم من منصة الأقوال إلى حقل الأفعال ,
التغيير يحول الأحلام المدونة في كتاب الروح الى مشاريع في أرض الواقع.
التغيير هو الوقود الناجع والفعال والحافظ لتوازن البناء الحضاري على الفطرة النقية.
أبو أنــس
25/01/2013, 11:13 PM
الدعوة إلى الله .. مهمة تحتاج إلى صبر
إن بناء وتشيد القصور ، وإقامة المشاريع العملاقة ، واستخراج الكنوز وتنقيتها من شوائب الأرض ، بل إن هدم الجبال ، وردم المحيطات ، وحفر الأنهار ، كل ذلك هين يسير بجانب تغيير سلوك إنسان ، إن تغيير السلوك يحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الجهد المبذول في القيام بهذه المهمات الصعبة التي ذكرناها ؛ وذلك نظراً لما أودعه الله في هذا الإنسان من قوة عظيمة تفوق الجبال والبحار وكل الكائنات وذلك رغم صغر حجمه .
والدعوة إلى الله هي في جملتها حزمة من قوانين ومعارف وأخلاق وسلوكيات يحملها الداعية ليغير بها المدعو ؛ فهي ليست كلمات تقال ولكنها كالبذرة توضع في الأرض ، لو تركها الزارع وشأنها لضاعت وتغلبت عليها حشرات الأرض ؛ لكنه إذا تناولها بالعناية والرعاية والتعهد أثمرت ونفع الله بها الزارع وغيره من الناس .
قد يصيب اليأس بعض الدعاة إلى الله ، فهو يلقي بالموعظة تلو الموعظة ، وهو يفكر ويبتكر ، ثم يطبق على أرض الواقع ؛ ولكن بعد هذا المجهود قد لا يجد الثمرة المرجوة ، فيصاب الداعية باليأس من المدعوين .
وذلك يحدث لعدم رعاية المدعو وتعهده بالتربية ، أو لأن الداعية لا يبذل جهداً مع مدعويه ، أو لأن الداعية يستعجل قطف الثمرة قبل نضوجها واستوائها .
ومن خلال قرائتنا لآيات القرآن الكريم يتبين لنا تاريخاً كبيراً للدعاة والمصلحين من الأنبياء والمرسلين والصالحين ممن اختارهم الله لتبليغ دعوته ونشر رسالته ،صبروا على قومهم فلم ييأسوا حتى كتب لهم الفوز بالقلوب وإقبالها على الله عزوجل " حتى إذا استيئس الرسل وظنو أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " [جزء من الآية 110:يوسف] ، فها هو أبو الأنبياء نوح عليه السلام يستفرغ قصارى جهده لتبليغ دعوته لقومه " قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً " [نوح :5] " ثم إني دعوتهم جهاراً (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً (9) " [نوح] ومكث عليه السلام على هذه الحالة تسعمائة وخمسين عاماً " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً " [ العنكبوت :14] وها هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ينتقل من موقف إلى موقف ومن حالة إلى أخرى في الدعوة إلى الله " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين " [ الأنعام :74] " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان " [جزء من الآية 80: الأنعام] " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " [جزء من الآية 258 : البقرة] " إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً " [42 : مريم] ، وها هو خاتم الأنبياء والمرسلين لا يكل ولا يمل في دعوته لقومه " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً " [الكهف : 6] " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " [3: الشعراء ] ، وهكذا كان حال الأنبياء والمرسلين والصالحين على مر العصور كانوا يتحلون بالصبر في دعوتهم لأقوامهم ، لم تكن كلمة اليأس موجودة في قواميسهم.
وعن عائشة – رضي الله عنها- أنها قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم – هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيتُ من قومك ، وكان أشدُّ ما لقيتُه منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل – عليه السلام – فناداني فقال : إن الله - تعالى – قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت : إن شئت أن أطبقت عليهم الأخشبين . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً " [متفق عليه] .
وعلى هذا النهج من الصبر على المدعوين سار الصحابة – رضوان الله عليهم- فها هو مصعب بن عمير – رضي الله عنه - عاد إلى نبيه فاتحاً للقلوب ، فاستحق بحق أن يلقبه النبي – صلى الله عليه وسلم – بمصعب الخير ، فذات يوم كان مصعب جالسًا ومعه سعد بن زرارة وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذي جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم، فوقف مصعب أمام أسيد وقد كان ثائرًا، ولكن مصعب انفجرت أساريره عن ابتسامة وضاءة وخاطب أسيد قائلاً: أو لا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. قال أسيد: أنصفت. وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب في تلاوة القرآن وفي شرح الدعوة للإسلام, ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين. سرى النبأ في المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ وتلاه سعد بن عبادة وتلاهم عدد من أشراف الأوس والخزرج. وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير. وفى موسم الحج التالي لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلمًا من بينهم امرأتان، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول إلى المدينة.
وهاهم الدعاة والمصلحون في كل عصر يسيرون على نهجه – صلى الله عليه وسلم – وصحابته – الكرام – فها هو البنا – رحمه الله !
يزور ثلاثة آلاف قرية في مصر من جملة الأربعة آلاف قرية ، كان ينتقل من محافظة إلى أخرى في يوم واحد ، بل إنه كان يصلي الظهر في مركز كذا بمحافظة كذا ويصلي العصر في مركز آخر بمحافظة أخرى ، لم يكن البنا تذوق عيناه طعم النوم إلا ساعات معدودة ، بل دقائق معدودة ينامها في وسائل المواصلات ، ومع ذلك كان البنا _رحمه الله ! يعرف حق ربه ، كان يقف بين يديه بالليل بعد انقضاء النهار بتعبه ومشقته ، وكأن هذا الإتصال بينه وبين ربه هو شحنته التي كان يتزود بها لتكملة المسير .
ذات يوم كان أحد قيادات الإخوان يتنقل في إحدى محافظات الصعيد ، ووجد جبلاً شاهقاً يرى الناس من فوقه كحجم النمل الصغير ، فحدثه مرافقه : ياأستاذ ، أتعرف هذا الجبل ، ذات يوم صعدته مع الإمام البنا لدعوة الناس عليه ، ووجد البنا أناساً منعزلين عن الحياة ، فأخذ يحدثهم عن دعوة الإسلام بأسلوب يحمل الحب والشفقة عليهم .
هكذا أخي الداعية ، لا يستطيع أحدنا أن يحمل دعوة الخير إلا إذا حمل مؤهلاتها ، وعرفنا أن أهم مؤهلات الداعية هي الصبر على المدعو والإشفاق عليه ، وتحمل المشاق في سبيل هدايته ودعوته ، وتعريفه بربه – عزوجل .
إن خلق اليأس ليس في قواميس الدعاة إلى الله ، فهم يبذلون ويجتهدون ويتيقنون أن الله معهم ولن يترهم أعمالهم ، فهم لذلك لا يألون جهداً في دعوة غيرهم ، ولا يعدمون وسيلة في الوصول إلى قلوب المدعوين ، فهم يعلمون أن هداية فرد خير من الدنيا وما فيها ، وخير مما طلعت عليه الشمس ، بل خير من حمر النعم .
جعلنا الله وإياكم من الداعين إليه ، الدالين خلقه إلى دينه ودعوته ، وأن يفتح الله لنا وبنا وعلينا .
أبو أنــس
28/01/2013, 10:14 PM
طالب العلم المتأنق
الإسلام لا يعترف بالدروشة فهو دين روعة وجمال. ولماذا يتدروش بعض الناس في لباسهم يقبلون الغتر ويرتدون الثياب المتسخة ويهملون النظافة والأناقة وحسن الهندام.
علبة الصابون بريال واحد، وكي الثوب بريالين والسواك بريال فلماذا نذهب إلى سيرة بعض الزهاد ونترك سيرة محمد عليه الصلاة والسلام.
بشاشة طالب العلم
طالب العلم بشوش طلق المحيا، بادي الثنايا، يكاد يذوب رقة وخلقاً أما الفضاضة والغلظة فمن أخلاق جفاة الأعراب وجنود البرير : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ).
خطأ يرتكبه بعض الطلاب
بعض طلبة العلم يتشاغل بحفظ المتون والمنظومات وينسي حفظ كتاب الله تعالى وماذا تنفعه هذه المتون والمنظومات وقد نسي القرآن، إنما من يحفظ القرآن كفاه وشفاه ومن يحفظ غير القرآن مهما كان لا يكفيه عن القرآن.
لا عبرة بكثرة الكتب
تجد عالماً من أكبر العلماء ليس في بيته سوي عشرة كتب هضمها وفهمها ، وتجد طالباً عارياً من العلم في بيته مكتبة هائلة لا يعرف منها إلا عناوين الكتب فالعبرة بالمضمون لا المظاهر.
مراحل طلب الحديث
لطالب الحديث ثلاث مراحل:
المرحلة الأولي: قراءة المختصرات كمختصر البخاري للزبيدي ومختصر مسلم للمنذري وأمثالها ليشع طالب العلم من المتون.
المرحلة الثانية : قراءة الأحاديث في أصولها كصحيح البخاري ومسلم والسنن والمسند.
المرحلة الثالثة: قراءة الشروح كفتح الباري وشرح النووي وتحفة الأخوذي وغيرها.
الكنز الثمين
إذا حضرت موضوعاً أو بحثت بحثاً فاحتفظ بأوراقه فإنك تعود إليه أحوج ما تكون وحبذا أن يكون لك أدراج للبحث وللفوائد والفهارس.
عزلة وقتية
طالب العلم له عزلة وقتية يرتاح فيها جسمه وقلبه وفكره يخلو فيها بربه ويطالع فيها مكتبته لينشط على مخالطة الناس.
لباس طالب العلم
الأبيض النظيف أجمل لباس وإياك ولباس الميوعة والأنوثة أووخصال الفطرة كإعفاء اللحية وقص الشارب وغيرها. لباس الشحاذين والسوقة وليكن لباسط وسطاً معتدلاً متأنقاً وعلى ك بالطيب والسواك
لا تكن منبتا
يروى عنه صلي الله عليه وسلم في الحديث : (( أن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقي)).
فلا تكن يا طالب العلم منبتاً أي لا تجهد نفسك وتتعبها حتى تكل وتمل والإتعاب يكون بكثرة الحفظ وبكثرة المطالعة ولكن بقصد القصد تبلغ.
دواء يعين على الحفظ
قالوا مما يعين على الحفظ: أكل الزبيب ، وقالوا مما يضعف الحفظ: أكل الباذنجان ، قلنا : دعونا من الزبيب والباذنجان أعظم ما يعين على الحفظ تقوى الرحمن، واتقوا الله ويعلمكم الله.
قال الشافعي :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلــم بأن العلـم نور
ونور الله لا يؤتى لعــاصي
ليس كل قارىء مستفيد
قد يوجد من يقرأ بفهم لكن في علوم لا تنفع أو في مواد غيرها أنفع، منها: كالذي يقرأ ليله ونهاره في المجلات والصحف فحسب ، أو في كتب فكرية ويجعلها عمدته ومصره، وسيعلم هاذ أنه ليس بيده شيء ؛ فالعلم شيء والكلام شيء آخر.
طالب العلم يتخول الناس بالموعظة
إملال الناس والإطالة على هم في الكلام وتكثير الوعظ والدروس على هم منفر، فيا طالب العلم ليكن لك درس أو درسين كل أسبوع فحسب واحرص على التحضير وحسن الإلقاء والعرض.
أحذر ذكر أسماء الناس في معرض الكلام والنقد
من الحكمة إبهام أسماء العلماء في معرض الرد أو الانتقاد إطفاء للفتنة، وإنهاء للتشويش وسداً لباب التطفل على جلالة العلماء.
لا تفضح عصاة المسلمين بذكر أسمائهم
كان الرسول صلي الله عليه وسلم إذا أراد أن ينبه على خطأ قال : (( ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا)).
فعلى الداعية وطالب العلم ألا يذكر أسماء عصاة المسلمين أمام الناس كأسماء المغنين والممثلين والرياضيين ، فلعل الله أن يتوب على هم والستر الستر بلا توبيخ.
إلى الذين ينتقضون الدراسة المنهجية
سمعت شباباً لا يرضون بالدراسة المنهجية بحجة أنها قليلة البركة ضحلة العطاء مضيعة للوقت فطالعنا الواقع فوجدنا أذكياء الطلاب وأبطال الساحة وفرسان الميدان جلهم أو كلهم من أبناء الدراسة المنهجية وأهل الاطلاع. إذن بين الدراسة والتحصيل الشخصي من أحسن ما يكون.
لا تسمع كلام من يهون من شأن العلم
قد تسمع من يسليك عن طلب العلم بحجة الدعوة ويقول لك: نحن بحاجة إلى دعاة لا إلى علماء، فإن سمعت هذا فابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي فإن معه القرين.
أغتنم أنفاس عمرك
الوقت هو الحياة وطالب العلم أحرص الناس على الوقت ومضيع الوقت في القيل والقال واللغو وأخبار الناس لا يكون عالماً ومن أنذر أعذر.
صبر ومثابرة
يقول أحدهم وقد احسن:
اصبر ولا تضجر من مطلب
فآفة الطالب أن يضــجرا
أما تري الحبل بطول المدى
على صليب الصخر قد أثرا
عند المفاجأة
إذا طلب من طالب العلم مفأجاة أن يتكلم في مجلس أو مجتمع أو منتدى ولم يكن أعد للموقف عدته فعليه بعد طلب العون من الله تعالى أمرين:
الأول: مراعاة موقف الحديث وملابسات المقام وما يناسب الحال والمكان والزمان.
الثاني : أن يتحدث عن موضوع سبق له أن قد تحدث فيه وهضمه وفهمه ولو كرره.
لا تستأثر بالمجلس
من قلة العلم وضحالة الفهم أن يستأثر طالب العلم بالحديث في المجلس مع زملائه وأقرانه ويمنعهم من الكلام إلا إذا سئل أو طلب منه أن يتحدث أما إذا تبرع هو بالثرثرة فهذه رعونة.
أبو أنــس
01/02/2013, 09:40 PM
طالب العلم إمام في الخير
قال تعالى : ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) قيل في معناها: نأتم بغير ويأتم بنا غيرنا من الصالحين. ومن إمامة طالب العلم أن يكون مسارعاً إلى الصف الأول في الصلاة محافظاً على السنن والنوافل سباقاً غلي الخيرات مسارعاً إلى الصالحات.
كيف تكون مصيبة الناس بطالب العلم إذا صلي الفجر في بيته أو نام عن صلاة الفجر؟ وقس على ذلك.
انظر بعينين
يقولون : من اكتفي بالحديث عن الفقه أو بالفقه عن الحديث كان كصاحب العين الواحدة لا يري بالأخرى ، ومن جمع بينهما كان كصاحب العينين، ومن فقدهما فهو أعمي.
أمن يجيب المضطر إذا دعاه
إذا صعبت عليك مسألة واستشكلت قضية فعليك بكثرة الدعاء والتضرع إلى الحي القيوم، فلا يكشف الضر إلا هو ولا يحل العقد غيره: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِف).
ولرب نازلة يضيق بها الفتي
ضرعاً وعند الله منها المخرج
دفتر الجيب لجمع الفوائد
من طلبة العلم من يحمل بجيبه دفتراً للفوائد كلما سمع فائدة أو حكمة أو حديثاً أو بيتاً أو لطيفة سجلها واحتفظ بها وهذا سوف يكون ثري المعلومات واسع الاطلاع.
لا تحجم عن الإمامة والخطابة
قد يحجم البعض عن الإمامة بالناس وعن خطبة الجمعة بحجة الخوف من الشهرة والظهور وهذه وسوسة، وهل يستفيد طالب العلم ويحفظ وينتبه إلا إذا تصدر بالإخلاص ، إن الإمامة والخطابة تعين بعد الله تعالى على الحفظ والفهم وسعة الاطلاع والجرأة ثم هي من اشرف العبادات وهل كان محمد صلي الله على ه وسلم إلا إماماً خطيباً.
تقدم فيهم شهماً إمامـــاً
ولولاه لما ركبوا وراءه
أدب التصرف
طالب العلم حكيم في تصرفاته أدبياً في إجراءته فإذا زار إخوانه زارهم في وقت مناسب للزيارة، وإذا اتصل بالهاتف اتصل في وقت مناسب للاتصال، ما رأيك في طالب يتصل في ساعة متأخرة من الليل أو بعد الفجر أو عند القيلولة أهذا وقت كلام واتصال؟!.
الكامل من العلماء
من فهم نصوص الشريعة كتاباً وسنة وأقوال السلف وعرف مع ذلك الواقع الذي يعيش فيه فأنزل النصوص منازلهم من الواقع فهو الكامل ، ومن عرف المرض ولا علاج لديه، ومن فهم النصوص ولم يعلم الواقع كان كمن عنده علاج وهو لا يعرف المرض.
فكن رجلاً رجله في الثري
وهامة همته في الثريا
لا تتقمص شخصية غيرك
بعض الناس سريع الذوبان في غيره مغرم بالتقليد ينصهر بالحرارة وينكمش بالبرودة إذا أعجبه شخص قلده في كل شيء حتى في سعاله وعطاسه وتثاؤبه وضحكة وبكائه وهذا يدل على انهزام الإرادة وهزال الشخصية، والرجل كل الرجل هو العصامي في شخصية يأخذ من الصالحين معاني الفضل التي فيهم كالكرم والصبر والحلم والشجاعة ويدع هذه الأمور الجبلية التي لا طائل لمحاكاتهم فيها.
نظرة في كتاب المحلي لابن حزم
سمعت من يحذر طلبة العلم من القراءة في المحلي لابن حزم فحملت هذا التحذير على أحد سببين:
الأول: أن هذا المحذر مقلد تشبع بالتقليد لا يري الخروج على المذهب طرفة عين وابن حزم في نظره عدو لهذا النهج أو لأن هذا المحذر ما قرأ المحلي وما مر عليه.
صحيح أن المحلي فيه أمور لا يوافق على ها القياس والتأويل في الصفات والنقد المرير للعلماء وبعض المسائل . لكن أين الكنوز التي فيه من علم أصيل وتأصيل ودليل ونقل عجيب؟! فاستفد يا طالب العلم منه ولا تسمع للمثبط.
في ظلال القرآن لسيد قطب
فيه مواضع كتأويل في بعض آيات الصفات وبعض الملاحظات ولكنه من أجمل ما كتب في موضوعه، وهو يدل على صدق صاحبه وإخلاصه فطالعه يا طالب العلم وما أروع عباراته خاصة للخطيب والداعية.
وسط بين طرفين
لا أريدك أن تكون يا طالب العلم مقلداً جامداً فالمقلد أعمي ولا أريدك أن تهاجم العلماء وتستقل برأيك ، لا هذا ولا هذا والوسط الاعتصام بالدليل والاستفادة من كلام العلماء.
فيد لا بد منه
دعوى التمسك بالكتاب والسنة تدعيها كل طائفة حتى المبتدعة ولكن الفارق بينهم وبين أهل السنة في هذه الدعوى أن أهل السنة يدعون للتمسك بالكتاب والسنة على نهج الكتاب والسنة كما فهمها أولئك تماماً وهذا قيد لا بد منه.
رأي طريف
اشتغال طلبة العلم بكثرة التأليف تحصيل حاصل وتكثير للمكتبة الإسلامية ولو تفرغ طلبة العلم لتعلى م الناس وتفهيم كتب السلف كان أجدي وأنفع ومن جرب عرف.
من أحسن كتب التفسير
طفت في كثير من كتب التفسير فما رأيت مثل تفسيرين: تفسير ابن كثير وتفسير القرطبى وثالثها تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، أما تفسير ابن جرير الطبرى فطويل ولبه عند ابن كثير، وأما فتح القدير فغالبه نحو وصرف وفيه فوائد، وأما الخازن ففيه بدع ومخالفات. وأما الرازي فطويل يسرح في أودية ويأتي بأوابد وزاد المسير من أجمع الكتب لأقوال المفسرين ولكن أين الأحاديث النبوية في التفسير.
التصحيح والتضعيف أمر اجتهادي
لا يلزم قول أحد في تصحيح حديث أو تضعيفه إذا خالفه إمام مثله إلا بمرجحات، وبعض الطلبة يلزمون بعضهم بتصحيح أو تضعيف لأحد العلماء قد خالفهم قوم فلماذا يؤخذ بقول هذا ويطرح قول ذلك؟!
إذا سألك عامي
إن سألك عامي عن مسألة فاذكر الجواب الراجح الذي تطمئن إليه النفس ولا يلزمك أن تذكر له أقوال العلماء في المسألة فيقع في حيص بيص.
الردود قسمان
رد على كافر فهاذ واجب ومن أحسن ما يكون : (َ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ). ورد على مخالف في مسألة سبق فيها الخلاف عند السلف ولم يجمع على ها فلا تشغل نفسك بهذا الرد، والله الموفق.
إعارة الكتب
لا تمنع مسلماً من كتاب يريد الاستفادة منه ولكن سجل اسم المستعير والكتاب ومدة الإعارة لتكون لك بينة فالبينة على المدعي وإلى مين على من أنكر .
ترتيب المكتبة
إما على الفنون أو على حروف المعجم أو على المؤلفين وليكن لك فهرس إذا كثرت الكتب ودرج للمجلات الإسلامية والنشرات ليسهل مراجعتها عند الحاجة.
حبذا
حبذا المغني ولو خرجت أحاديثه، وحبذا المجموع لو ترك وجوه الأصحاب من خراسانيين وعراقيين، وحبذا المحلي لو أثبت القياس وترك تجريح الناس، وحبذا ابن كثير في التفسير لو أعرض عن بعض الإسرائيليات ، وحبذا التمهيد لو كان مرتباً، وحبذا زاد المعاد لو ترك الاستطراد ، وما سلم من النقص إلا كتاب الله عز وجل : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
مع علماء الجرح والتعديل
أبو حاتم والأزدي والجوزجاني متشددون، والبخاري والنسائي والذهبي معتدلون، وابن حبان والحاكم والترمذي متساهلون.
علمان وإمامان
إذا رأيت الرجل يضع من شأن أحمد بن حنبل فهو عدو للسنة وإذا رأيت الرجل يحط من قدر ابن تيمية فهو مخالف لمتعقد السلف الصالح في الغالب.
دعوة موفقة
إنما نجحت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بعد توفيق الله لثلاثة أسباب:
إخلاص صاحبها.
لاعتصامه بالكتاب والسنة.
لمعرفته لواقعة ولانضمام من نصره بالسيف.
أعوذ بالله من تغلظ المشايخ
بعض الفضوليين همهم تغليظ العلماء وتعجيزهم بالأسئلة وليس المقصود الاستفادة وهؤلاء يظهر الله للناس عوارهم وعثراتهم، وعلمهم قليل البركة ضحل المنفعة نسأل الله التوفيق.
الدعوة عند أهل السنة
الدعوة عند أهل السنة على قسمين:
دعوة العامة: وهؤلاء يعلمون ما ينفعهم ولا يشوش أذهانهم.
دعوة الخاصة: وهؤلاء يناصحون سراً كولاة الأمر ولا تذكر نصيحتهم على رؤوس العامة إذ لا مصلحة في ذلك.
خير الخيرين وشر الشرين
الفطن اللبق من يعرف خير الخيرين وشر الشرين، أما معرفة الخير من الشر فكل الناس يعرفه ، وعلى طالب العلم عند دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أن ينظر في المصلحة وتحقيقها ويبدأ بالكبار قبل الصغار من الأمور أي الأولويات . هل يصح أن تنكر تعلى ق صورة في مكان لا يصلي أصحابه؟ أو تطالب قوماً يشربون الخمر بترك الإسبال؟
ووضع الندي في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندي
ختاماً
في الختام أزجي لك تحياتي يا طالب العلم ودعائي لك بالتوفيق ولعلك تدعو لي معك بالهداية والثبات، أسال الله تعالى أن يغفر لي ولك وأن يشرح صدري وصدرك للإسلام ، وسلام على ك ورحمة الله وبركاته وصلي الله على محمد وآله وصحبه ، وإلى لقاء
أبو أنــس
02/02/2013, 09:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الترغيب في طلب العلم وبيان فضله:
أيها الأخوة الكرام، في كتاب العلم، وفي الترغيب في طلب العلم وبيان فضله من كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري، عن معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
(( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين ))
[ متفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان]
فقِه، بالكسر، بمعنى فهم، وفقُه أي صار عالماً فقيهاً .
ورد في الحديث الشريف أن أعرابياً جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل ؟ فتلا عليه النبي الكريم قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
( سورة الزلزلة )
فقال هذا الأعرابي: كُفيت، اكتفى بهذه الآية، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: فقُه الرجل، أي صار فقيهاً، آية واحدة اكتفى بها، ورآها منهجاً في حياته.
فقِه بمعنى علم، أو فهم، وفقُه بمعنى صار فقيهاً عالماً، فالإنسان كل آية من آيات الله عز وجل تكفيه منهجاً كاملاً طوال حياته، فكيف بكتاب كريم فيه منهج تفصيلي ؟.
قيمة الإنسان في علمه و عمله:
أيها الأخوة، الجماد شيء يشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، لكن النبات شيء يشغل حيزاً وله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وينمو، والحيوان شيء يشغل حيزاً وله أبعاد ثلاثة، وينمو، ويتحرك، أما الإنسان شيء يشغل حيزاً وله أبعاد ثلاثة، وينمو، ويتحرك، ويفكر، فإذا ألغينا فكر الإنسان وعقله، ألغينا وجوده الإنساني .
لذلك رتبة العلم أعلى الرتب، هناك قيم تواضع على أنها قيم مرجحة بين بني البشر القرآن الكريم أغفلها كلها إلا قيمة العمل وقيمة العمل، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
( سورة الأنعام الآية: 132 )
هذه قيمة العمل .
وقال:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية: 9 )
هذه قيمة العلم، ما سوى ذلك قيم تواضع الناس على أنها قيم مرجحة لكن القرآن الكريم ما أغفلها، فالإنسان قيمته فيما يعمل، وفيما يعلم، علمه وعمله .
ورد أن رجلاً من التابعين كان قصير القامة، أحنف الرجل، مائل الذقن، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، كان إذا غضب غضبَ لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيمَ غضب ؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه، هذا الرجل هو الأحنف بن قيس، إذا غضب غضبَ لغضبته مئة ألف سيف لا يسألونه فيم غضب ؟
من عظّم أرباب الأموال و الأقوياء فقد ضاع و ضلّ سواء السبيل:
معنى ذلك أن الإنسان في التقييم الصحيح يُقيّم من خلال علمه، ومن خلال عمله، وأية أمة تحل قيماً أخرى، وموازين أخرى غير هذا الميزان ضلت سواء السبيل .
(( من تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه ))
[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود] .
إذا عظّم الناس أرباب الأموال، وعظّم الناس الأقوياء، ولم يوقروا أهل العلم هؤلاء قد ضاعوا وضلوا سواء السبيل .
(( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ))
[أحمد والطبراني والحاكم عبادة بن الصامت]
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين ))
[ متفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان]
أي الإنسان حينما يتعلم يؤكد إنسانيته، يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك، طالب العلم آثر الآخرة على الدنيا فربحهما معاً، والجاهل آثر الدنيا على الآخرة فخسرهما معاً، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
التعرف إلى الله عز وجل علم من أرقى العلوم:
الحقيقة كل علم ممتع، هناك علوم بفروع دقيقة جداً، لكن هناك علماً ممتعاً نافعاً، لو إنسان اختص اختصاصاً نادراً لجاءه دخل كبير جداً، لأنه متعلم إلا أن علمه نادر، ينفع الأمة فانتفع هو بهذا العلم، فكل علم ممتع، لكن هناك علماً ممتعاً نافعاً، أما هناك علم ممتع نافع مسعد، العلم بالله هو العلم، الممتع، النافع، المسعد في الدنيا والآخرة، لو إنسان معه اختصاص نادر جداً، وجاءه ملك الموت انتهى اختصاصه، وانتهى دخله، أما إذا تعرف إلى الله عز وجل هذا علم من أرقى العلوم، وفضل الذي يعرف الله عز وجل عمن يعرف خلقه كلكم يعلم أن هناك علماً بالله، وأن هناك علماً بخلق الله، وأن هناك علماً بأمر الله، العلم بخلق الله هذه العلوم الكونية، الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الذرة، وعلم الفلك، هذا علم بخلق الله، وأن تعرف الحلال، والحرام، والخير، والشر، وأحكام الطلاق، وأحكام البيوع، وأحكام التجويد، ...إلخ هذا علم بأمر الله، العلم بخلق الله وأمر الله يقتضي المدارسة، ما لم تجلس على ركبتيك، وتقرأ الكتاب، تمحص، تراجع، تسأل، تذاكر، تكتب، تلخص، تقرأ ملياً، لن تتعلم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقال:
(( إنما العلم بالتعلم ))
[أخرجه الطبراني عن معاوية ]
العلم بالله يقتضي المجاهدة والعلم بخلقه وبأمره يقتضي المدارسة:
إلا أن العلم بالله شيء آخر، يقول بعض العلماء: جاهد تشاهد، العلم بالله يقتضي المجاهدة، أما العلم بخلقه وبأمره يقتضي المدارسة، بخلقه وبأمره يجب أن تقرأ، يجب أن تذاكر، أن تراجع، أن تلخص، أن تؤدي امتحاناً، هذا علم بخلق الله وبأمر الله، إلا أن العلم بالله يقتضي أن تجاهد نفسك وهواك، العلم بخلق الله وأمر الله يحتاج كما قلت إلى مدارسة، ولكن هذه المعلومات تبقى بالدماغ، ولا علاقة لها بالنفس، قد تجد إنساناً متخصصاً بأعلى اختصاص ولا يصلي، أو يرتكب بعض الفواحش، أو يشرب الخمر، وأنت إذا أتيت طبيباً رفيع المستوى في اختصاصه، لا تطالبه أن يكون مستقيماً، لك منه علمه، أما إذا أردت أن تصل إلى الله مع عالم لا تقبل منه إلا أن يكون مطبقاً لعلمه، فقط عالم الدين لا تقبله أنت إلا إذا كان مطبقاً لما يقول:
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
***
أما العالم بالله هذا العلم لا يبقى في ذهنه يسري إلى نفسه، فلابدّ من أن ينعكس على نفسه تواضعاً، وأدباً، ورحمة، العلم بالله يسمو بالإنسان، وثمنه باهظ إلا أن نتائجه باهرة .
العلم والحكمة يعطيهما الله عز وجل لمن يحب فقط:
كلكم يعلم أن الله أعطى المال لمن لا يحب، وأعطاه لمن يحب، أعطاه لقارون وهو لا يحبه، أعطاه لبعض الصحابة الكرام وهو يحبهم، سيدنا ابن عوف، وسيدنا عثمان، وابن عوف كما تعلمون سمع السيدة عائشة تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً، فقال رضي الله عنه: والله لأدخلنها خبباً، وما عليّ إذا كنت أُنفق مئة في الصباح فيؤتيه الله ألفاً في المساء .
فلذلك أعطى المال لمن يحب، وأعطاه لمن لا يحب، أعطى القوة والسلطان لمن يحب ولمن لا يحب، أعطاها لسيدنا سليمان وهو نبي كريم .
﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾
( سورة ص الآية: 35 ) .
وأعطى الملك لمن يحب، إلا أن العلم والحكمة يعطيهما لمن يحب فقط .
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
`( سورة القصص )
الإنسان لينظر هل حظوظه في الدنيا من جنس حظوظ الذين لا يحبهم الله عز وجل أم من جنس الذين يحبهم ؟ فإذا سمح الله لك أن تعرفه، وسمح الله لك أن تدعو إليه، فهذا شرف عظيم، ورتبة العلم أعلى الرتب .
طلب العلم فريضة على كل مسلم:
والحقيقة أن الأقوياء في العالم كيف يحكمون ؟ يحكمون برأي العلماء والخبراء، وفي النهاية تبقى مرتبة العلم أعلى مرتبة في الأرض .
لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم، أي على كل شخص مسلم .
(( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين ))
[ متفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان]
كلمة يفقهه في الدين في الأصل لها معنى عميق جداً، ثم اصطلح على أن هذه الكلمة تعني معرفة أحكام الدين الفرعية، هناك للدين أصول وله فروعه، نحن الآن نتفق أو نحن الآن نفهم أن فلاناً فقيه، أي يعرف تفاصيل الأحكام المستنبطة من كليات الدين، إلا أن كلمة فقُه الرجل، وفلان فقيه، ويفقه في الدين، تعني عند رسول الله المعنى اللغوي الأصلي هو الفهم، أو التعمق في الفهم، فالإنسان إذا فهم حقيقة الدين سعد في الدنيا والآخرة، والشيء الثابت أن هناك عابد، وهنالك عالم .
(( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد ))
[أخرجه أحمد عن أبي هريرة ]
والنبي عليه الصلاة والسلام ـ وفيما تعرفون ـ عندما رأى رجلاً يصلي في المسجد في غير أوقات الصلاة سأله من يطعمك ؟ قال: أخي، فقال: أخوك أعبد منك، وحينما أمسك يد صاحبي جليل وقد كانت خشنة رفعها وقال: هذه اليد يحبها الله ورسوله، فالنبي الكريم يؤكد قيم العمل .
لكن حينما شكا رجل شريكه الذي لا يعمل كثيراً معه، وكان طالب علم قال عليه الصلاة والسلام: "لعلك ترزق به"، اختلف الوضع، لأن العابد لنفسه لكن طالب العلم لغيره، فالذي يتعلم ليعلم و لينقذ الناس .
الدعوة إلى الله فرض عين ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف:
الحقيقة الدقيقة: أن الإنسان حينما تستقر حقيقة الإيمان في قلبه لا يمكن إلا أن تعبر عن ذاتها بحركة نحو خدمة الخلق، وتعريفهم بالله، لا يوجد إنسان يستقر في قلبه الإيمان ويبقى ساكتاً، بل إن الناس يغفلون عن أن الدعوة إلى الله فرض عين، ولكن في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، هناك دعوة إلى الله فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، مأخوذ هذا من قوله تعالى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 104 )
وهناك دعوة إلى الله دعوة عين:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا ﴾
( سورة العصر )
التواصي بالحق أحد أركان النجاة، بل إن إتباعك للنبي يعني أن تدعو إلى الله والدليل:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
( سورة يوسف )
﴿ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
لابد من أن تدعو إلى الله ولكن دعوة بشكل مبسط .
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
في حدود ما تعلم، حضرت خطبة جمعة سمعت تفسير آية، أعجبك هذا التفسير نقلت هذا للناس، سمعت تفسير حديث نقلته للناس، سمعت حكماً فقهياً نقلته للناس، سمعت موقفاً لصحابي جليل نقلته للناس، هذه الدعوة التي هي فرض عين، في حدود ما تعلم وفي حدود من تعلم، تعلم حقيقة، وحولك أناس يلوذون بك هم كما وصفهم النبي خاصة نفسك .
وهذا الحديث متفق عليه، وكما تعلمون أن الحديث المتفق عليه هو أعلى أنواع الأحاديث على الإطلاق، لأن كتاب البخاري ومسلم هما أصح كتابين بعد كتاب الله، فإذا اجتمعا على حديث واحد فهذا من أرقى الأحاديث .
السلامة والسعادة مطلبان أساسيان لكل إنسان:
لذلك أنتم حينما تطلبون العلم، وتفهمون حقيقة الدين، هذا خير كبير، بل إن الإنسان يتحرك وفق تصور، الذي يقدم على سرقة لماذا سرق ؟ لأنه رأى رؤيا شيطانية أن السرقة فيها دخل كبير وجهد كبير، فإذ وقع في العدالة وسيق إلى السجن يدرك خطأه الكبير، لكن العلم حارس لك .
سيدنا علي يقول: "العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال " الإنسان إذا كان طلب العلم أي يطبق تعليمات الصانع، و يعيش حياة هادئة وادعة سليمة، يهديهم:
﴿ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
( سورة المائدة الآية: 16 )
الإنسان إذا طلب العلم، وطبقه، اهتدى إلى طريق سلامته في الدنيا والآخرة، وإلى طريق سعادته، وكلكم يعلم أن السلامة والسعادة مطلبان أساسيان لكل إنسان، السلامة في تطبيق منهج الله، والسعادة في القرب من الله، وليس هناك طريق آخر، لا تسلم إلا إذا طبقت أحكام الشريعة، ولا تسعد إلا إذا اقتربت من الله عز وجل بشكل أو بآخر .
طلب العلم أحد أسرع الطرق إلى الله عز وجل:
الله عز وجل أرادنا أن نقبل عليه، لذلك جعل لنا طرقاً إليه، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، أي العمل الصالح طريق، وتلاوة القرآن طريق، وإنفاق المال طريق، وطلب العلم طريق، فكل شيء يقربك من الله عز وجل مغطى بكلمة الوسيلة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
( سورة المائدة الآية: 35 )
وطلب العلم أحد أسرع الطرق إلى الله .
(( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم كفضلة القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ))
[ أخرجه الدرامي عن الحسن البصري ]
لابد من أن تكون على صلة بشكل أو بآخر بالعلم، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، وهذا الذي يأتي إلى بيت من بيوت الله ليطلب العلم .
(( وَإِنَّ الملائكةَ لَتَضع أجنحَتَها لطالبِ العلم رضا بما يصنع ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ]
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي بِهِ الْعِلْمَ ))
[أخرجه الدرامي عن عبد الله بن عباس ]
أحياناً الإنسان يرتدي ثيابه ويخرج من بيته ليتاجر، ليعقد صفقه، ليحضر حفلة، ليلبي دعوة، أما حينما ترتدي ثيابك وتخرج من بيتك لتعرف الله، لتعرف كتابه، لتعرف سنة نبيه، لتعرف أحكام دينه، أنت بهذا الخروج من البيت تسلك طريقاً ينتهي بك إلى الجنة، فهذا الحديث من أمهات الأحاديث:
(( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين ))
[ متفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان]
من طلب العلم كي يتفقه في الدين فقد حقق وجوده الإنساني:
أنت حينما تطلب العلم كي تتفقه في الدين تحقق وجودك الإنساني، هناك وجود حيواني، الإنسان يأكل ويشرب، هذا وجود حيواني، ينام وجود حيواني، يعمل وجود حيواني، يستريح حيواني، أما حينما يطلب العلم حقق وجوده الإنساني، ورتبة العلم أعلى الرتب، وما من شيء تسمو إليه كأن تطلب العلم الصحيح، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع ))
[أخرجه ابن ماجه وابن حبان عن أنس بن مالك ]
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مرة إلى مسجد فرأى أناساً تحلقوا حول رجل، قال: من هذا ؟ قالوا: نسابة، والنبي عليه الصلاة والسلام حكيم في تصرفاته، قال: وما نسابة ؟ هو يعرف من هو، ولكن هذا السؤال كما يقول بعض العلماء: سؤال العارف، قالوا: هو رجل يعرف أنساب العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: "ذلك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به ".
وما أكثر العلوم التي نتعلمها ولا تنفعنا، فالنبي استعاذ من علم لا ينفع، أنت لك عمر محدود، والآخرة مديدة، يجب أن تقرأ الكتاب الذي ينفعك في آخرتك، تصور إنساناً عنده مكتبة أربعة جدران، من الأرض إلى السقف كلها كتب، وعنده بعد يومين امتحان أي كتاب ينبغي أن يقرأه ؟ الكتاب المقرر، الذي سيؤدي به الامتحان، والذي سيكون مصير نجاحه في هذا الامتحان، يجب أن تعلم أنت أي كتاب ينبغي أن تقرأه في الدنيا، إنه كلام الله وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه .
من طلب العلم و عمل به نفعه هذا في قبره:
لذلك طلب العلم شيء أساسي جداً، وأنا أتألم أشد الألم حينما يقول أحدهم: والله لا يوجد عندي وقت، نقول لك: لماذا لا يوجد عندك وقت ؟ أي شيء أعظم في الحياة الدنيا من أن تعرف الله، لا يوجد عندي وقت، عندك وقت كي تخوض مع الخائضين ؟ عندك وقت تبدده في توافه الأعمال ؟ عندك وقت تبدده بشيء ينقضي عند الموت ؟ .
كنت أقول لكم: الموت ينهي كل شيء، ينهي غنى الغني، وفقر الفقير، وقوة القوي، وضعف الضعيف، وصحة الصحيح، ومرض المريض، ينهي كل شيء، إلا أنك إذا طلبت العلم وعملت به نفعك هذا في قبرك، فالقبر صندوق العمل .
(( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيراً يُفَقِّههُ في الدِّين ))
[ متفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان]
إذا إنسان طلب العلم، وتفقه في الدين، معنى ذلك عرض نفسه للخير، كأنه قال: يا رب أنا أريد الخير منك، أنا أريد فضلك، والعلم ثمين جداً، وأثمن منه أن تطبقه .
(( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمُوا فَلَنْ يَأْجُرَكُمْ اللَّهُ بِالْعِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا ))
[أخرجه الدرامي عن معاذ بن جبل ]
وكل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به .
والحمد لله رب العالمين
أبو أنــس
04/02/2013, 09:34 PM
اختيار الوقت في الموعظة
بسم الله الرحمن الرحيم
يُشكِّل اختيارُ الوقت ومناسبته للحال عاملاً مهمًّا في نجاح الواعِظ في دروسه مِن نواحٍ عدَّة، منها:
1- اختيار الوقت المناسِب للوعْظ والإرشاد، فليس كلُّ وقت يصلح لوعْظ الناس وإرشادهم.
2- ومِن ناحية الموضوع ومناسبته للحال، فليس كلُّ ما يُعلم يُقال، ولا كلُّ ما يُقال يناسِب الحال.
3- ومِن ناحية استعداد المدعُوِّين نفسيًّا لسماع ما يُلقَى عليهم مِن دروسٍ ومواعظَ، لا بدَّ مِن مراعاة ذلك، مِن خلال التفرُّس في وجوه مَن يَحضُرون الدرس.
ولهذا سنبيِّن - أولاً - منهجَ الرسول الداعي الأوَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - في استغلاله لعامِل الوقْت في الدعْوة إلى الله في مناسبات عِدَّة، تتعلَّق بمعاش العِباد، وأمور حياتهم ومعادهم، وما كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتَّبعه مِن أساليبَ في إيصال الحقِّ إلى الناس، ثم نبيِّن ما على الداعي إلى الحقِّ من أساليبَ ناجحة، تُمكِّنه من أن يؤثِّر فيمن يدعوهم ويعلِّمهم، ومِن الله التوفيق والسداد.
منهج الرسول في اختياره للوقت في الدعوة:
ويكمن ذلك المنهج السديد في نِقاط عدَّة، منها:
1- عدم إطالة الموعِظة؛ خشيةَ الملل والسآمة:
وهو ممَّا كان يحرِص عليه الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانَ يَتخَوَّلُنا بالموْعِظَةِ في الأيَّامِ؛ كراهِيَةَ السَّآمةِ عليْنا"[1]، ولم يكن مِن هديه إعطاءُ دروسٍ في جميع الأيام؛ ذلك لأنَّ دعوته تأخذ أشكالاً مختلفة، تارةً بالقول، وأخْرى بالسلوك والقُدوة الحسنة.
2- استغلال الحَدَث والموقِف في التعليم والتربية:
فقد جاء في الحديثِ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: "خرجْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر، فجلَس رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجلسْنا حوله، كأنَّ على رؤوسنا الطيرَ، وفي يدِه عُودٌ ينكت به في الأرض، فرفَع رأسه فقال: ((استعيذوا بالله مِن عذاب القبر..))[2]، والموعظة عندَ القبر كان يفعلُها - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحيانًا.
وجاء في حديث قدوم تجَّار البحرين، حيث رأى مِن حرْصهم، فاستغلَّ الموقف في توجيه نصيحةٍ تربوية انطوتْ على تحذيرٍ من فِتنة الدنيا، وتبشير للأمَّة بالرخاء المادي، فقال: ((فأبشِروا وأمِّلوا ما يَسرُّكم، فواللهِ لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسطِت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أَهْلكتهم))[3].
3- إطالة الموعظة أحيانًا لطارئٍ أو حادثٍ مهم:
وممَّا يدلُّ على ذلك موعظتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أمور جِسام ستَقع في الأمَّة، حتى طالتْ موعظتُه فوقَ العادة، ففي صحيح مسلم عن عمرِو بن أخطبَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "صلَّى بنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفجرَ، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاة الظهر، ثم نزَل فصلَّى بنا الظهر، ثم صعِد المنبر فخطَبَنا حتى صلاةِ العصر، ثم نزَل فصلَّى العصر، ثم صعِد المنبر فخطبَنا حتى المغرب، فما ترَك شيئًا مما يكون إلاَّ أخْبر به أصحابَه، حفِظَه مَن حفِظه، ونسِيَه مَن نسيه، يقول: فأعْلَمُنا أحفَظُنا"[4].
4- تحيُّن الموعظة عندَ إقبال السامِع وفراغِه ونشاطه، وتَرْكها عند انشغالهم، فهو أدْعَى إلى القَبول:
ومِن ذلك: أمرُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدعوين بالانصراف إلى أهلِهم؛ لما رأى من تشوُّقهم إليهم؛ فعن أبي سليمان مالكِ بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: "أتَيْنا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمْنا عندَه عشرين ليلة، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحيمًا رفيقًا، فظنَّ أنَّا قد اشتقْنا أهلنا؛ فسَألْنا عمَّن تركْنا من أهلنا، فأخبرْناه، فقال: ((ارْجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم وبرُّوهم، وَصَلُّوا كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرتِ الصلاة فليؤذِّن فيكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"[5]
5- مناسبة المقال لمقتضَى الحال:
فقد كانت مواعِظُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - واختياره الأمثل لمقتضَى الحال، مما له أبلغُ الأثر في المدعوِّين في حالة الفَرَح أو الحزن وغيرها مِن الأحوال في عامَّة مواعظِه وإرْشاده - صلَّى الله عليه وسلَّم.
6- توجيه الأنظار للتدبُّر والتفكُّر:
كان الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغلُّ عامِل الوقت والزمن؛ لأجْل صرْف العقول للتدبُّر في خلْق الله، وعجائب قدرته، مثْل وقت كسوف الشمس، وخسوف القمر وهبوب الرِّياح، فقد قال عندما وقَع الكسوف: ((إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بها عباده))[6].
7- أوقات إقبال القلْب على ربِّه أدْعى لقَبول النُّصح والإرشاد، خاصَّة بعد صلاة الفجْر، وفي الحديث عن أبي نَجيح العِرْباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - موعظةً بليغة، وجلتْ منها القلوب، وذرفَتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله، كأنَّها موعظة مودِّع، فأوصِنا، قال: ((أُوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور، فإنَّ كل بدعة ضلالة))[7]،وكان ذلك بعدَ صلاة الفجْر، وهو وقتٌ تكون فيه النفوس بعيدةً عن الشواغِل والملهيات.
8- الترغيب في العمل الصالِح في أوقات ومناسَبات معروفة؛ مثل: صيام يوم عاشوراء ورمضان، وشوَّال وذي الحجَّة، وصلاة الاستسقاء، وما يناسِب تلك الحال مِن موعظة وإرشاد.
9- الحثّ على التوبة في وقْت الاحتضار:
وهي لحظةُ انتقال الإنسان إلى عالَم جديد، يتقرَّر فيه مصيرُه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمَرِض، فأتاه يعوده، فقعَد عند رأسه، فقال له: ((أسْلِم))، فنَظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنْقذَه مِن النار))[8].
لقد حقَّقت دعوة الرسول الكريم انقلابًا عجيبًا في كيان الإنسان، بفضْل ما كان يمتلكه من وسائلَ فعَّالة ناجحة في الدعْوة إلى الله، فقد تحوَّل ذلك الإنسانُ مِن محبٍّ عاشِق للدنيا يموت ويحَيا مِن أجلها، لا يُفكِّر أبعد مِن شهوته وبطنه، إلى إنسانٍ يفكِّر ويجول نظره في الكون الفسيح، إلى ما وراء ذلك مِن الشوق إلى نعيمِ الآخِرة ولذَّتها، يحمل هَمَّ الدعوة والجهاد في سبيل الله، وإخراج مَن حوْله مِن البشر مِن ظُلم العباد إلى عدْل الإسلام ومساواته، ومِن عبادة الحجَرِ والبشر إلى عبادة الديَّان الذي لا يموت.
وما في قصص الصحابة الأوائل مما عجَز التاريخُ عن تفسيره، إلا بفِعْل الإيمان والتربية الحقَّة التي تلقَّوْها من المربِّي الأول، والمعلِّم الكريم محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ما ينبغي على الداعي مراعاته:
ينبغي على الداعي أن يُراعيَ عامِلَ الوقت؛ حتى يكونَ ناجحًا في مواعظه، وإلا ملَّتْه النفوسُ، وسَئِمت مِن سماعه، ومن ذلك:
أولاً: ليس كلُّ وقت يصلُح لوعْظ الناس وإرشادهم، فليس مِن الحِكمة - مثلاً - موعظةُ الناس بعْد صلاة الظهر، وهو وقتُ انشغال الناس بأعمالهم وأمور معاشِهم، أو وقت انصرافِ الناس إلى نومِهم وراحتهم في اللَّيْل، وهو مِن أخطاء بعض الوعَّاظ، يُريد أن يُلْقي مواعظَه دون إعطاء أهميَّة لحالِ مَن يدعوهم، وكأنَّه لا يخاطِب بشَرًا، لهم مشاعِرُ وأحاسيس.
ثانيًا: مناسبة الموعظة للحال، والبعض منهم يُلقي دروسًا في الصبر على البلاء، والفِتن الواقعة في الأمَّة، وتحمُّل المصائب والنكبات في يومِ فرَح الناس وأعراسهم، حتى يُحوِّل الفرح إلى عزاء ومصيبة، ومِن الحكمة استغلالُ تلك المناسبة في موعِظة عن الشُّكر، وبيان هَدْي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأعراس والمناسبات.
ثالثًا:على الداعي أن يتفرَّسَ في وجوه الحاضرين، ومدَى استعدادهم لتلقِّي ما يُقال لهم، فالموعظةُ الغرضُ منها هو أن يستفيدَ الحاضرون، والبعضُ من الوعَّاظ يرى تملْمُلَ الناس من درْسه وترْكهم لمجلسه، ومع ذلك تراه يستمرُّ في درسه ووعْظه، ويطيل الكلام ويُكرِّر الموعظة، وكأنه يطلب إعادةَ الثقة به، وهذا له نتائجُ عكسية تمامًا، وقد كان مِن هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه يُحدِّث بالحديث لو عدَّه العادُّ لأحصاه؛ لذا فمِن الحكمة قطعُ الموعظة إن لم يكن فيها مرغِّب أو مشوق آخر.
رابعًا:عدم توفُّر الوقت الملائم لإلْقاء الموعظة، وليس مِن الضروري إلْقاء الموعظة وكأنَّها حِمْل على كاهله يريد التخلُّص منه، بل الموعظة دُررٌ وفوائدُ أثمنُ مِن المال، لا بدَّ من تحيُّنِ فرصة مناسبة؛ ليُنتفعَ منها، وتقعَ موقعها في النفوس، فتدعوهم للعمل الصالح، وترْك ما أَلِفوه من المنكرات، ويحصُل ذلك عندما يتهيَّأ الداعي إلى إلْقاء موعظته، فيحدُث أمرٌ مفاجئ؛ لذا عليه أن يدَّخِر الموعظة لوقتٍ مناسب آخر.
خامسًا:خيرُ الكلام ما قلَّ ودلَّ: إنَّ إطالة المواعِظ لتتعدَّى أحيانًا ساعة وأكثر، هي مشكلةُ بعض الوعَّاظ، وليعلمْ هؤلاء أنَّ طاقة ذهْن الإنسان محدودةٌ لا يمكن في العادة أن تتابعَ الكلام بتركيز وانتباه لأكثرَ مِن رُبع ساعة، وبعدَها يُصاب الذِّهن بالشرود والتعب؛ ولهذا مِن الأفْضل على الواعظ أن يتَّخذ بعضَ التدابير، مثل: تدوين رؤوس الدرس والخطوط العامَّة منه في ورقة صغيرة؛ لئلاَّ يتحرَّج فيخلط في الكلام، أو يستطرد في أمْر لا علاقة له بصُلب الموضوع، كما يُشاهَد على بعض القنوات الفضائية مِن مواعظَ تتجاوز مدتها الزمنية السَّاعة والساعتين.
ومِن الأخطاء أيضًا في هذا الجانب أنَّ بعض الوعَّاظ يضع له مواعظَ مُقسَّمة على الأيام والشهور، وكأنَّها قوالِب لوضع المستمعين والمدعوين فيها، وهو خطأٌ منهجي في الدعوة، والمنهجُ السليم أن تكون الموعظةُ مما يتلاءَم مع حال المدعوين، فينظر الداعي أيَّ مرَض أو آفة اجتماعية تغلُب على قومِه أو مجتمعه، فيتحدَّث فيها، ويُحذِّر منها، وقد قيل في تعريف الحِكمة هي: فِعْل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.[9]
إلقاء الدرس قبْلَ وبعْد صلاة الجمعة:
سُئِل عن ذلك فضيلةُ العلاَّمة الألْباني، فأجاب - رحمه الله تعالى -: "الذي نعتقِده ونَدين الله به أنَّ هذه العادة التي سَرَت في بعض البلاد العربية، وهي: أن ينتصبَ أحدُ المدرِّسين أو الخُطباء ليلقيَ درسًا، أو كلمةً، أو موعظةً، قبل أذان الجمعة بنِصْف ساعة أو ساعة من الزَّمان، هذا لم يكن مِن عمل السلف الصالح - رضي الله عنهم - هذا مِن جهة.
ومِن جهة أخرى، فمن المعلوم لدَى علماء المسلمين قاطبةً أنَّ هناك أحاديثَ صحيحةً تأمُر المسلمين بالتبكير للحضور إلى المسْجد الجامع يومَ الجمعة، كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن راح في الساعة الأولى فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قَرَّب بقَرةً...، وهكذا حتى ذكَر الكبش والدجاجة والبيضة))، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ حَضَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسلمين على التبكير في الرواح يومَ الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماعِ الدَّرْس وإلْقائه، وإنَّما هو للتفرُّغِ في هذا اليوم لعبادة الله - عزَّ وجلَّ - ولذِكْـره، وتلاوة كتابه، وبخاصَّة منه سورة الكـهف، والجلوس للصـلاة على النبـيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحقيقًا لقوله في الحديث الصحيح، والمروي في السُّنن وغيرها ألاَ وهو قوله - عليه السلام -: ((أكْثِروا عليَّ مِن الصلاة يومَ الجمعة؛ فإنَّ صلاتَكم تبلُغني))، قالوا: كيف ذلك وقد أَرِمْت؟! قال: ((إنَّ الله حَرَّم على الأرض أن تأكلَ أجساد الأنبياء.....)).
أما بعْدَ الصلاة، فقد قال - رحمه الله تعالى -: "إنْ كان أحدٌ يريد أن يُدرِّس فبعْدَ الصلاة؛ حيث يتفرَّغ الناس لسماع مَن شاء منهم، ومَن شاء القضاء، أمَّا أن ينتصبَ المدرس قبلَ صلاة الجمعة فيَفْرِض نفسه على الناس فرضًا، وفيهم المصلِّي والتالي والذاكر، فهذا هو الإيذاءُ للمؤمنين، فلا يجوز"[10].
أمثلة على ما مَرَّ:
الأمثلة في هذا الباب كثيرة، وعلى الداعي أنْ يتعود تدبر سيرة المصطفى والأحوال والظروف التي مر بها[11]، وهديه في موعظة الناس وإرشادهم؛ ليكون على بصيرة من دعوته.
ثم الاستفادة من تجارب الآخرين؛ ليضيف إلى رصيده في الدعوة إلى الله، وهذه أمثلة عامة تناسب أحوال عامة:
1- في بداية شهر رمضان يناسب إلقاء موعظة عن أحكام الشهر الفضيل، وما يَجوز وما ينبغي تجنبه، وفي شهر ذي الحجة ما يتعلق بأحكام الحج وأركانه، والترغيب فيه، وفي ليلة العيد - الأضحى والفطر - ما ينبغي فعله للمسلم من سنن وأعمال صالحة من صِلَةِ رحم وغير ذلك، مع تقديم الدروس مقرونة بالترغيب والترهيب، وفي ليلة الجمعة ما ينبغي على المسلم عمله للحصول على أجر وثواب الجمعة.
2- يناسب في أيام الأفراح والأعراس التحدُّث عن الترغيب في الزواج، وبيان فضائله، وشكر نعمة الله على نعمة العِفَّة والإحصان، وفضل إدخال السُّرور على قلب المسلم، والصلح بين الإخوان.
3- في يوم العزاء وفَقْد الأحبة الحث على الصبر، وتحمُّل المصائب، وثواب الصابرين، وما يترتب عليه من أجر وأهمية الإيمان بالقدر والقضاء، وأن الموت يَجري على كل نفس، وبيان عظم الجزاء للصابرين، والحذر من الجزع والتسخط، وأنَّه لا يأتي بنتيجة، بل يستوجب غضب الله ومقته، وبيان أهمية مواساة المسلم في المصيبة.
4- في وقت حدوث نزاع أو قتال أهمية الصلح بين المسلمين، وأنَّه أفضل درجة من الصيام والقيام، وأن الساعي إليه من أفضل عباد الله، وأن المسلمين إخوة متحابون، وأن الساعي للفتنة من شر عباد الله، وخاصَّة الفتنة بين الزوجين والأحبة، والتفريق بينهما، وأنه من أقرب الناس للشيطان.
5- في وقت احتلال بلاد الإسلام، وانتهاك دياره وحرماته، وسلب خيراته - الحث على الجهاد - النفس والعدو - وأنَّه عز المسلمين وسبب لنصرهم، وأنَّ التخاذُل يوجب تسلط الأعداء، والواجب على كل مسلم إعانة المجاهدين، ولو بالكلمة، وأن من لم يحدث بالغزو مات ميتة جاهلية، ويتم ذلك وَفْقَ مشورة أهل العلم والرأي الصائب؛ كي تؤتي ثمارها.
6- في وقت انشغال الناس بالدنيا وملذاتها، وغفلتهم عن معاني الآخرة وأهوالها، والاستعداد لها - التذكير بأحوال الموتى، وما يلاقيه كل من المؤمن والكافر من نعيم أو عذاب في القبر، وربطه بمعاني التوحيد والعقيدة الإسلامية، وما بعد الموت من نعيم مقيم أو عذاب أليم، والحساب على الصغيرة والكبيرة وَفْقَ ميزانٍ دقيق لا يظلم فيه أحد من عباد الله، والاستشهاد الجيد بالآيات، والأحاديث، والتنوع ما بين حديث وآية وشعر، وقول مأثور، وحكمة جليلة.
7- في وقت وقوع الزلازل والكوارث، ووقوع القتل والفتن، وتكالب الأعداء - الحث على الاعتصام بحبل الله والتوبة، والخروج من المظالم، والتضرع إلى الله، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ما يقع هو بسبب ذنوب بني آدم وفسادهم، والواجب على كل مسلم التوبة والرُّجوع وعدم التسويف، بل المبادرة والإقلاع عن المعاصي.
8- في وقت الحاجة والفقر، وانتشار العوز في بلاد الإسلام - الحث على الإنفاق في سبيل الله، وأنَّ المال هو وديعة بيد المسلم، وأنَّ الواجب تقديمُ الدعم المادي لإخوة الإسلام في أيِّ مكان مهما اختلفت أشكالُهم وألوانهم، وكذا في وقت نشر الأفكار الهدَّامة ودعمها من قبل المؤسسات الغربية، وغيرها، الواجب تذكير الأمة بأهمية التصدي للباطل، إما بالكلمة أو بالمال؛ لئلا يستشري الباطل، وتضل الأمة عن الطريق القويم، وأنَّ من لم يقم بواجبه فلا يَلومَنَّ إلا نفسه.
9- في وقت خروج الفئات الباغية على شرع الله، ومنازعة أولي الأمر، وقيامهم بأعمال تضر بالمجتمع المسلم من قتل للأبرياء، وسَفْكٍ للدماء - الواجب التحذير منهم ومن أفعالهم، وبيان ما يعتقدونه من أفكار باطلة، وأنه الواجب طاعة أولي الأمر؛ لئلا ينفلت وتكون فوضى في بلاد الإسلام؛ مما يوجب العبث، وتسلُّط الكفرة على ديار المسلمين، ومثله التصدي لأفكار من ينتسب إلى الإسلام في الظاهر وهو يُخالفه في الاعتقاد كالرافضة، فالواجب بيان عقائدهم وضلالهم، وأنَّهم يستعملون التقيَّة في نشر الباطل، فالواجب الاعتصام بين المسلمين، والتصدي لترويج باطلهم وإفكهم.
10- في وقت يرى فيه الداعية أنَّ المسلمين قد هجروا كتاب ربهم، وتدبر آياته، والعمل به - لا بُدَّ من بيان فضل تلاوته، وأنَّه حبل الله المتين، ونجاة المسلم في الدنيا والآخرة، وأنَّه يشفع لقارئه، وأنَّ هجرانه يعني ظلام القلوب والبيوت، والبُعد عن رحمة الله، وبيان فضائله من الآيات والأحاديث، وهذا مِمَّا ينبغي التذكير به في كل مناسبة.
جامع ينبغي التذكير به دومًا:
ينبغي ربط كل موعظة وإرشاد بالأصل العظيم، وهو طاعة الله وطاعة رسوله، وأن نجاة المسلمين وسعادتهم في كل زمان ومكان تكمُن في تحقيق هذين الأمرين، وأي موعظة تخلو من التذكير بهذا الأصل القويم سيكون تأثيرها مؤقتًا، وتصل الموعظة إلى القلوب هامدة ميتة؛ ولهذا ينبغي التذكير بالهدف والغاية التي خلق من أجلها الخلق، ألاَ وهي عبادة الله وحدَه لا شريك له والعمل على مرضاته، وطاعة رسوله الكريم، والتطلع إلى ما عند الملك الكريم من الجزاء العاجل في الدنيا من الاطمئنان، والسعادة الحَقَّة وفي الأجل من الفوز بنعيم الجنة، وما أعَدَّ الله لأهلها من الكرامة والنعيم المقيم، وقد أخبر الله أنَّ أهلَ طاعة الله وطاعة الرسول هُم من أهل الرحمة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]، وفي الدار الآخرة أخبر بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات، والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، فقال - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة: 72].
وصَلَّى الله على محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو أنــس
04/02/2013, 09:35 PM
بطاقات إلى الدعاة
بسم الله الرحمن الرحيم
http://img.qwled.com/i/cc27fb6d43d5c952fb79b3a9ff08e560.jpg
http://img.qwled.com/i/7b5ca6a25d0c5ed423361484f23510d4.jpg
http://img.qwled.com/i/676f57501a6bc3ba106576b131b7d51b.jpg
http://img.qwled.com/i/f7dc33ccc2aef4b388115b5352249da0.jpg
http://img.qwled.com/i/fbc680b5099ae8faebf23eac29096e29.jpg
http://img.qwled.com/i/2e9152fc628cdabe4900309ff81c2731.jpg
http://img.qwled.com/i/f8eb1f4edff7a6546f7931b82b87cae9.jpg
http://img.qwled.com/i/0bc042099763996a23161993bd5debc9.jpg
http://img.qwled.com/i/78ad66230f7bca5662c57df409862004.jpg
http://img.qwled.com/i/32009b58d19be1a304dcbd3bcd7f6163.jpg
http://img.qwled.com/i/7a91ec4d233feed95db6541ffbd645cf.jpg
http://img.qwled.com/i/900ebc71d1f6d19cca0154f4f4146274.jpg
http://img.qwled.com/i/b1258642a4799c933bfa9acf505fdd1e.jpg
http://img.qwled.com/i/1648539f56dffe83de24ce1794aa1eb7.jpg
http://img.qwled.com/i/5a7498026b67d0319fde807f04dd89d8.jpg
أبو أنــس
14/02/2013, 02:15 PM
كيف تطلب العلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فسلام على كم يا طالب العلم ورحمة الله وبركاته وبلا مقدمات فالوقت أقصر من ذلك ، أقطف لك فوائد وأجلسك على موائد وبعض الفصول التي يحتاجها طالب العلم يجدها في مثل كتاب( صيد الخاطر) لابن الجوزي و( جامع بيان العلم وفضله) لبن عبد البر، و( الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي، و(نبل الإرب) للشوكاني ، ونحوها، غنما المقصود هنا كيف تطلب العلم.
كتب مرشحة للحفظ بعد حفظ كتاب الله عز وجل
1ـ بلوغ المرام في متون أحاديث الأحكام ونحوه عمدة الأحكام.
2ـ رياض الصالحين أو ما تيسر منه للخطيب والواعظ والداعية.
3ـ العمدة في الفقه أو زاد المستقنع.
4ـ نخبة الفكر والبيونية في المصطلح.
5ـ ملحة الإعراب أو ألفية ابن مالك ، أو قطر الندي في النحو.
6ـ اللمع أو الورقات في أصول الفقه.
مكتبة طالب العلم
1ـ كتاب الله عز وجل.
2ـ الكتب الستة ويجمعها وغيرها جامع الأصول ومجمع الزوائد.
3ـ فتاوى ابن تيمية.
4ـ فتح الباري.
5ـ تفسير ابن كثير.
6ـ المغني.
7ـ سبل السلام.
8- نيل الأوطار
9- البداية والنهاية
10- زاد المعاد
11- فتح المجيد، بلوغ المرام، رياض الصالحين، جامع العلوم والحكم، الآداب الشرعية، والعبرة بالجودة والمطالعة والعمل، وليس بالكثرة.
برنامج عملي لطالب العلم المبتدئ
بعد صلاة إلى طلوع الشمس وقت الحفظ، ( حفظ خمسة آيات يومياً من القرآن وحديث نبوي واحد وقطعة صغيرة من أحد المتون) .
من طلوع الشمس إلى الظهر الدراسة المنهجية أو الوظيفة أو الكسب والتجارة.
بعد الظهر مطالعة في التاريخ والأدب والغداء والقيلولة.
بعد العصر المطالعة في الأمهات في الكتب التي ذكرت آنفاً.
بعد المغرب إلى العشاء مراجعة المحفوظات من قرآن وحديث ومتون.
بعد العشاء مطالعة النشرات الإسلامية والمجلات المفيدة والكتب الثقافية فالعشاء فالنوم.
يوم الخميس للزيارات والاستجمام.
يوم الجمعة لتدبر القرآن والذكر والدعاء والتنفل وكثرة الصلاة على الرسول على ه الصلاة والسلام ومحاسبة النفس والتأمل.
كتب العقيدة
اعلم أن كتب العقيدة ثلاثة مستويات:
الأول: كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
الثاني: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى .
الثالث: الطحاوية.
الرابع : كتاب ( ثلاثة الأصول).
الخامس : كتاب ( القواعد الأربعة).
السادس :كتاب ( كشفالشبهات).
السابع :كتاب ( الحموية(.
وعلى ك يا طال العلم بكتب ابن تيمية شيخ الإسلام وابن القيم خاصة الأول فإنه والله إمام قل أن تقرأ لمثله.
الحديث :
1- كتاب ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) لابن حجرالعسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ .
2- كتاب ( سبل السلام شرح بلوغ المرام ) للصنعاني , وكتابه جامع بين الحديث والفقه .
3- كتاب ( نيل الأوطار شرح منتقىالأخبار ) للشوكاني .
4- كتاب ( عمدة الأحكام ) للمقدسي , وهو كتاب مختصر , وأحاديثه كلها في الصحيحين أو في أحدهما فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها .
5- ( كتاب الأربعين النووية ) لأبي زكريا النووي - رحمه الله تعالى - وهذا كتاب طيب ؛لأن فيه آداباً , ومنهجاً جيداً , وقواعد مفيدة جداً مثل حديث ( من حسن إسلام المرءتركه ما لا يعنيه ) أخرجه الإمام أحمد ( 1 - 201 ) , والترمذي ( 2318 ) , وحسنهالنووي في ( رياض الصالحين ) صلى الله عليه وسلم 73 , وصححه أحمد شاكر ( المسند ) ( 1737 ) . فهذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه لكانت كافية , وكذلك قاعدةفي النطق حديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) أخرجهالبخاري , كتاب الأدب , ومسلم , كتاب اللقطة , باب الضيافة .
6- كتاب ( بلوغالمرام ) للحافظ ابن حجر العسقلاني وهو كتاب نافع ومفيد , لا سيما وأنه يذكر الرواة , ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه , ويعلق على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً .
7- كتاب ( نخبة الفكر ) للحافظ ابن حجر العسقلاني , وتعتبر جامعة , وطالب العلم إذافهمها تماماً وأتقنها فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح , ولابن حجر ـ رحمه اللهتعالى ـ طريقة مفيدة في تأليفها وهي السبر والتقسيم , فطالب العلم إذا قرأها يجدنشاطاً لأنها مبنية على إثارة العقل وأقول : يَحْسُن على طالب العلم أن يحفظهالأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح .
8- الكتب الستة ( صحيح البخاري , ومسلم , والنسائي , وأبو داود , وابن ماجه , والترمذي ) وأنصح طالب العم أن يكثر من القراءةفيها ؛ لأن في ذلك فائدتين :
الأولى : الرجوع إلى الأصول .
الثانية : تكرارأسماء الرجال على ذهنه , فإذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل مثلاً من رجالالبخاري في أي سند كان إلا عرف أنه من رجال البخاري فيستفيد هذه الفائدة الحديثية .
المكتبة الصوتية والتسجيلات السمعية
لابد من سماع الشريط الإسلامي والاهتمام به فهو من أعظم الطرق الموصلة إلى العلم وليكن لك مكتبة صوتية ودرج عامر بسيارتك تسمع ما لذ وطاب.
الكتب السمعية
بعض الحواشي في فرعيات الفقه وأصول الفقه التي غصت بالمنطق والتشقيقات والتكلف نفعها قليل وتورث الدوخة وضياع الوقت وضعف البصر وإن أردت معرفة مقدار هذه الحواشي فقارن بينها وبين كتب ابن تيمية رحمه الله تعالى .
طريق الحفظ
قلل الحفوظ وكرر ما تريد أن تحفظه كثيراً خمسين مرة أو أكثر وليكن لك زميل تحفظ على ه إن تيسر لك، وأشرف أوقات الحفظ بعد الفجر وبعد المغرب ولا تحفظ عند الكسل وغاية الهم والنوم وأكثر من الاستغفار.
الصلوات ترتب الأوقات
بعض طلبة العلم يرتب برنامجه وتحصيله بعد الصلوات فمثلاً: الحفظ بعد الفجر، ومطالعة التاريخ والأدبيات بعد الظهر وتحقيق المسائل بعد العصر والمراجعة للمحفوظ بعد المغرب ومطالعة الأخبار والمجلات الإسلامية بعد العشاء، وبعض طلبة العلم يجعل الفنون على الأيام، فمثلاً الفقه يوم السبت والتفسير يوم الأحد والحديث يوم الاثنين وهكذا.
كيف تفهم كتاباً مطولاً
بعض كتب العلم طويلة مسهبة كتفسير ابن كثير وفتح الباري والمغني وغيرها، وطالب العلم إذا أراد فهم هذه المطولات فأمامه طرق:
منها : أن يكرر الكتب كل كتاب ثلاث أو أربع مرات.
ومنها: أن يقرأها واحدة متأنية معه مذكرات أو دفتر يسجل الشوارد والفوائد والنكات العلمية وما يصعب على ه ليراجع أهل العلم.
ومنها : أن يقرأ مع زميل على فترة طويلة مع المناقشة والمساءلة.
أبو أنــس
01/05/2013, 05:09 PM
أَمَـلُ الأُمَّــةِ ... أَصْحَابُ الهِمَّةِ
تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم والطموح، فهم صناع الحياة وقيادات المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم والحديث .. وحتى في موازين الله تعالى في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب الهمم العالية والطموح والمثابرة على غيرهم .. وإن كانوا مسلمين من أصحاب الحسنى ... قال تعالى: لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء – 59).
قال أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن أهل الصفة –: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فآتيه بوضوئه وحاجته ... فقال لي صلى الله عليه وسلم : (سلني) .. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة .... فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أو غير ذلك)؟ ... قلت: هو ذاك ... فقال صلى الله عليه وسلم : (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ... همة عالية وطموح كبير .. تطير بصاحبها إلى الجنة.
قال المتني: إذا غامرت في شرف مروم --- فلا تـقـنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير --- كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز أمن --- وتلك خـديعة الطـبع اللئيم
يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ( إن لي نفساً تواقة ... وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ... فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا – يعني الخلافة - تاقت نفسي إلى ما هو أفضل من الدنيا كلها ... الجنة).
قال شوقي: وما نـيـل المطالب بالتمني --- ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً
وما استعصى على قوم منالٌ --- إذ الإقدام كان لهم ركاباً
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقف أمام العرب كلهم، وأصر على قتال المرتدين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه تعجب من موقـف أبي بكر، وطلب منه أن يتريث، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة" ... فقالوا له: ومع من تقاتلهم؟ .. فقال: " وحدي حتى تنفرد سالفتي".
ولما فرّ عبد الرحمن الداخل – صقر قريش – من العباسيين ... عرض عليه أهل المغرب أن يقيم عندهم ويحمونه ... فقال: "إن لي همة هي أعلى من ذلك" ... وتوجه تلقاء الأندلس ... ثم أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: " إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن" ... وردها على صاحبها.
وهذا نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله صنع منبر المسجد الأقصى، وذلك قبل تحرير القدس بعشرين عاماً، حيث كان له مطلب سام، وهمة عالية تمثلت في تحرير المسجد الأقصى من قبضة النصارى، برغم أن الأمة الإسلامية كانت مفككة آنذاك والخلافات شديدة بين قيادات المسلمين .. هيأ القوة اللازمة للتحرير.. وبنى مصانع للسلاح .. ووحد أقطار المسلمين من شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وبلاد الشام وشمال العراق .. وجعل الناس يعيشون مرحلة التحرير وكأنها أمامهم .. وما بناء المنبر إلا نوعاً من هذه التهيئة .... وعندما توفي نور الدين جاء تلميذه من بعده صلاح الدين الأيوبي فأتم التحرير.. ووضع منبر نور الدين في مكانه في المسجد الأقصى.
وأحمد ياسين الشيخ المقعد، استطاع أن يوقظ الأمة، وان يحيي فيها معان كثيرة وعظيمة .. بدأ حياته معلماً يركز على تربية الطفل المسلم كنموذج رائع ومدرسة عظيمة تتعلم فيها الأجيال ... لم تمنعه الإعاقة من أن يكون متفوقاً متميزاً وقائداً فذاً .. أمله في الحياة أن يرضى الله عنه.. كان يقول: "يخوفوننا الموت .. نحن طلاب شهادة .. ونحن ننتظرها".
أقول ... وحين تريد هدم أمة من الأمم، فإن الأمر يبدو سهلاً ميسراً ... ضع في مواقع التأثير فيها، ومواطن القوة ومكامن المنعة، كل ذي همة متدنية، وطموح هزيل، من تمتلئ نفوسهم باليأس والقنوط، ويسهل استسلامهم لعوامل الهزيمة النفسية .. إنك إن فعلت .. أصبت أمتهم في مقتل .. وقل أن تنجو أمة يفعل بها أعدؤها مثل ذلك ...
عندما استلم شارل ديغول رئاسة الجمهورية الخامسة في فرنسا كانت الشبهات تحوم حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى معادية ... وقد عجزت كل الأجهزة المختصة عن الوصول إلى دليل مادي واحد يدينه.
وفى النهاية رفع الأمر إلى الرئيس ديغول ... فقام باستدعاء الموظف المشتبه به إلى مكتبه ... واستثمر ديغول عنصر المفاجأة وهيبة الرئاسة .. ففاجأه بسؤاله: منذ متى وأنت تعمل لصالح الدولة كذا؟ .. فأجابه الموظف لفوره: منذ سنوات يا سيدي الرئيس ... ثم دار بينهما حوار سريع:
- الرئيس: كيف تتلقى التعليمات؟
- الجاسوس: لا أتلقى أي تعليمات.
- الرئيس: كيف ترسل تقاريرك؟
- الجاسوس: لا أرسل أية تقارير.
- الرئيس (مندهشاً): كيف يتصلون بك إذن؟!!
- الجاسوس: لا يوجد أي اتصال.
- الرئيس (مندهشاً): كيف تعمل إذن لصالح الدولة المعادية؟
- الجاسوس: إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي بأن أختار دائما أقل الموجودين طموحاً، وأدناهم همَّةً، وأسوأهم من حيث الكفاءة والاختصاص لعضوية اللجان الحساسة والمهمة .. لتصبح توصيات هذه اللجان تفتقد الطموح والهمَّة العالية.
من أجل هذا كله ... لابد أن نبحث في أبنائنا والشباب من حولنا عن أصحاب الطموح الكبير، والهمم العالية، ونعتني بهم أيما عناية .. ففي مثل هؤلاء يكمن الأمل في مستقبل الأمة، ويسطع اليقين في عزتها وكرامتها ... وبغيرهم .. لا أمل .. ولا عزة .. ولا كرامة.
ويمكننا التعرف في أبنائنا ومن حولنا من الشباب على أصناف ثلاثة من حيث الطموح .. والأهداف .. والهمة للعمل:
1. شباب بائس يائس: طموحه متواضع ، وأهدافه هابطة ... سواء كانت له همة تحمله لتحقيق أهدافه الدنيئة التي هي صوت شهواته أم لم تكن له همة.
2. شباب حالم : يحلم بأهداف كبيرة ، وطموحات عظيمة ... ولا يعمل لأحلامه ... فلا همة له تحمله على العمل ... بل يكتفي بالأحلام ويعيش فيها.
3. شباب طموح: يحلم بأهداف كبيرة ، ويخطط لأحلامه وأهدافه ... وينفذ وينتج .. ويعمل بجهد ومثابرة ... إنه يتمتع بهمة عالية تحمله إلى المعالي.
والآن يأتي السؤال: كيف نرتفع بهمة الشباب والأبناء وننمي طموحهم؟ ... ولا يمكنني أن أدعي أنها مهمة سهلة .. أبداً .. على العكس .. هي واحدة من أكثر المهام التربوية صعوبة وتعقيداً ... غير أني أبشرك رغم ذلك أنها ليست مستحيلة .. فقط .. اتبع هذه الخطوات لتصل لما تريد بإذن الله ...
1. الاستعانة بالله .. ودوام الدعاء: فعلى الرغم من أهمية الوسائل التربوية وفاعليتها، إلا أن الأمر كله موكول لله تعالى، بيده القلوب يقلبها كيف شاء ... فلا تنس – في زحمة التربية – الاستعانة بالله دائماً ... والتوجه إليه بالدعاء ليعينك ويسددك.
2. الـصــــحـــبة الـصـــالــحــــة: فلا يمكن تنمية أي من الجوانب الإيجابية دون أن تهيئ صحبة صالحة، تذكره إذا نسي، وتشجعه إذا أقدم، وتعينه إذا همَّ ... والصحبة ليست ضرباً من ضروب الحظ، تأتي كيفما اتفق ... بل لابد للمربي أن يعمل على ذلك ... من خلال الوسائل التالية:
* اغرسه منذ الصغر في مجتمع نافع صالح .. استغل مجتمع شباب المسجد.
* شجعه على مصادقة الصالحين منذ نعومة أظفاره.
* انتبه لأصدقائه ... راقب الأمر دائماً .. وتدخل عند الحاجة.
* انصحه بشكل دوري ... علمه فن اختيار الأصدقاء.
* تعرف على أصحابه عن قرب .. اسأل عنهم .. ولا تغفل.
* شاركهم بعض أنشطتهم .. دون فضولية أو تطفل.
* شجعهم على التخطيط المشترك ... خاصة في الدراسة وأيام الأجازات.
3. علمه مجاهدة النفس .. ومحاسبتها: لا تكتسب الهمة العالية إلا بمجاهدة النفس ومخالفتها ... علمه أهمية استشعار الأجر والثواب في كل عمل ... وجهه إلى محادثة النفس دائما بأهمية الطموح وعلو الهمة ... دربه على مراجعة برامجه اليومية ومحاسبة نفسه عليها ... بث في نفسه روح الطموح وتحدي المهام الصعبة وإنجازها ... اجعل محاسبته لنفسه ايجابية تدفعه لتطويرها.
4. عَـوِّده الابتعاد عن سفاسف الأمور: أصحاب الطموحات الراقية والهمم العالية لا ينغمسون في الأمور التافهة فتشغلهم عن معاليها .. عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها .. ويكره سفسافها" (صحيح الجامع الصغير).
علمه الجدية وعدم الانشغال بتوافه الأمور ... دربه على الاستغناء عن الكماليات في حياته ... علمه أن يشغل نفسه بمعالي الأمور لتلهيه عن السفاسف ... فالحق إذا استنفد ما لدى الإنسان من طاقة مختزنة لم يجد الباطل بقية يستمد منها ... يقول الإمام الشافعي في بعض حكمه: " إذا لم تشغل نفسك بالحق ... شغلتك بالباطل ".
5. شــــــاركـــه خـــطــــطـــه: لا شيء أكثر فاعلية في رفع الهمم من التخطيط الجيد الذي يدفع إلى التنفيذ الدقيق ... فإن كنت مربي حاذق اهتم بهذا الجانب من خلال:
* اسأله دائما عن خططه المستقبلية.
* حثه على وضع خطط لكل مرحلة من حياته.
* لا تترك الأجازات الطويلة تمر دون أن يكون لديه خطة لها.
* تشارك معه في وضع خططه .. اصنع معه أهدافاً مشتركة تنفذونها سوياً.
* علمه فنون التخطيط ورسم الأهداف و فن ترتيب الأولويات والعمل بناء عليها.
* تأكد أن أهدافه طموحة ... يحقق من خلالها إنجازاً.
6. أشركه في مشكلات الأسرة .. وخططها: لابد أن يشعر الابن أنه جزء من كيان الأسرة .. ولابد للابن الطموح أن يشعر بأهمية رأيه وقيمته ... ولابد للابن صاحب الهمة العالية أن يكون فرداً في فريق مواجهة المشكلات التي تعترض الأسرة ... لذا ... يعمل المربي الحاذق على ذلك كله من خلال:
* الحرص على "لقاء البيت" بشكل دوري .. لتدارس أحوال الأسرة ومشكلاتها.
* طرح المشكلات التي تعترض الأسرة وخطط الأسرة المستقبلية على الأبناء – لاسيما الكبار منهم – وطلب المشورة.
* أخصص ابنك الطموح ذو الهمة العالية بجلسات مشورة خاصة.
* ادفعهم إلى تبني دور ما في مواجهة مشكلات الأسرة.
* ادمج بين خطط الأسرة وبعض أهداف الأبناء.
7. تدارس معه سير أصحاب الهمم: يتقمص الأبناء والشباب عادة شخصية محببة إليهم ... يقلدونها ويتخيلون أنفسهم مثلها ... فالمربي الناجح إذاً يستغل هذه الحقيقة ليدفعهم إلى تقمص شخصية طموحة، ذات همة عالية ... وذلك من خلال:
* تشجيعه على القراءة ... أو نقرأ سوياً في كتب العظماء من التاريخ.
* استغلال أوقات الطعام والنوم وغيرها للحكاية في قصص عظماء الأمة.
* دراسة السيرة وقصص الأنبياء وقصص الصحابة والتابعين.
* استغلال وتوفير الوسائل الفنية والإعلامية (أفلام – مسلسلات – مسرحيات ... الخ) التي تتحدث عن عظماء الأمة.
* شجعه على اختيار واحد من العظماء ليتقمص شخصيته.
8. عزز لديه روح المنافسة: أصحاب الطموح والهمم العالية ... يتمتعون بروح عالية من المنافسة .... احرص على تعزيز هذه الروح في نفوس أبنائك ومن حولك .. من خلال:
* تشجيعه على منافسة القمم ... في كل مجال يتقنه.
* إشراكه في المسابقات .. الصغرى ثم الكبرى.
* حثه على قبول التحديات .. مهما بدت صعبة.
* تقديم المحفزات له عند المنافسة .. والجوائز بعدها.
* تعويده على منافسة نفسه ... لتطويرها .. بأهداف طموحة.
9. علمه كيف يكتشف إمكانياته ... ويستغلها: إذا كنا طموحين أصحاب همم عالية فلابد لنا من استثمار أفضل ما لدينا من إمكانيات ... فلدي الإنسان طاقات هائلة لم يكتشفها بعد ولم يستغلها ... إن المبدعين على مر التاريخ لم يستخدموا سوى 10% من قدراتهم الذهنية!! ... علمه أن يقوم بالخطوات التالية ليكتشف إمكانياته ويحسن استغلالها:
* وضع خطة لتحقيق الأحلام الشخصية (التخطيط السليم قبل التنفيذ).
* قبول التحديات .. رغم ما بها من مخاطر .. فهي خطوة نحو النجاح.
* الاستفادة من آراء وتجارب الآخرين.
* تحديد الأهداف بدقة .. في ضوء الإمكانيات والقدرات ... فذلك يساعدك على تنظيم وهندسة عقلك بفاعلية.
* كن رفيقا بنفسك .. لا تحط من قدرك ولا تغرق في تأنيب نفسك .
* أنت كما تظن بنفسك ... لذا حدث نفسك حديثا تنشيطيا عدة مرات في اليوم ... وكن على يقين أن الإنسان عادة يستطيع أن يفعل أكثر مما يقوم به فعلا ، لأنه يميل دائما أن يبذل مجهود أقل مما يتوفر لديه لذا عليك بتحفيز وتشجيع وتنشيط نفسك يوميا.
10. ساعده ليتغلب على التسويف والتأجيل: فالتسويف هو العدو الأول للطموح ... والقاتل الكبير للهمم العالية ... خذ بيد ابنك خطوات كثيرة بعيداً عن التأجيل ... وذلك من خلال النصائح والخطوات التالية:
* علمه أن يضع وقتاً للانتهاء من كل مهمة.
* دربه أن يأخذ على نفسك عهداً أن لا يسوف أبداً.
* علمه كيف يشجع نفسه وأن يجعل لها حافزاً.
* دربه أن يتعرف جيداً على مهامه جيداً ليتشجع على إنجازها.
* علمه أن يبدأ في العمل الآن .. وبالمهام التي يؤجلها دائماً.
* دربه أن لا ينتظر الإيحاء أو المزاج المتلائم .. فهو لا يأتي إلا بالعمل.
* علمه عدم التردد .. فيتعرف على وقت اتخاذ القرار ولا ينتظر نتائج مثالية.
سأل العالم ابنه النجيب: يا بني .. أي غاية تطلب في حياتك؟ وأي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون؟ ... فأجابه: أحب أن أكون مثلك يا أبت.
فقال العالم: ويحك يا بنيّ! ... لقد صغرت نفسك، وسقطت همتك ... فلتبك على عقلك البواكي ... لقد قدرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... فما زلت أجد وأكد حتى بلغت المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي رضي الله عنه ما تعلم من الشأو البعيد والمدى المستطيل ... فهل يسرك وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين على رضي الله عنه.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025