نبع الحنين
28/08/2005, 03:37 PM
لحمة النسب وصلة الأرحام
دعت آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم ، ورغبت فيها أعظم الترغيب ، وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ، ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً ، وقلعـة صامدة ، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة ، وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم ، وإلى الناس أجمعين .
معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .
فضل صلة الأرحام :
1- صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .
2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ] . رواه البخاري.
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ] . رواه البزار والحاكم.
3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :[ الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .
4- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :
المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ، لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها ، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك يمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ]. رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .
قطع الأرحام
إن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة أن نسمع أن أحد الوالدين أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .
ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية .
قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد:32-33 .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن :
قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :
قال الله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة:26-27.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا :
ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
عن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
وما أسوأ حال من يقطع الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟
@@@@@@@
هجر الأقارب
لا يشعر الإنسان بالطمأنينة والأمان إلاّ ضمن جماعة من الجماعات، له حقوق فيها، وعليه واجبات نحوها، ودون أن يعيش الإنسان في جماعة لن يكون إلاّ كشاة ضائعة تهيم على وجهها بائسة شقية .
والجماعة التي ينطبق عليها هذا الوصف في أشمل معانيه هي ( العائلة )
التي هي نواة التجمع ، ومصدر الخير في أي مجتمع، فعن طريق العائلة يستطيع الإنسان أن يطالب بحقوقه ، وأن تُقضى حاجاته ، وأن يشعر بالدفء والاستقرار .
من هنا شدّد الإسلام على متبعيه بإعطاء العائلة حظها من العناية، وتقديم الإحسان والخدمات لها قبل أي مواطن آخر ، كما جعل قطيعتها من كبائر الإثم .
ولقد أسبغ الإسلام على العائلة تسميتين : فتارة يدعوهـا بالأرحام ، وتارة بذوي القربى . فمما جاء في القرآن في نعت العائلة بذوي القربى قوله تعـالى: ( وآتِ ذا القُربى حقّهُ والمسكين وابن السبيل ) ا لإسراء: 26. ، وقوله سبحانه : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين ) البقرة:215
فالقرآن خصَّ الأقارب بأولوية الإحسان، وتقديمهم على غيرهم ممن يستحق المعونة.
وجاء في القرآن في نعت العائلة بالأرحام قوله تعالى : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) النساء:1
والمعنى : اتقوا الله في أمره ونهيه ، واحفظوا الأرحام وأدوا حقهـا ، ويحذّر القرآن أشد التحذير من قطع الرحم فيقول: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ) محمد:22،23
والمعنى: فهل يتوقع منكم أنكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم أفسدتم وقطعتم الأرحام ، أولئك الذين أبعدهم الله عن رحمته فأصمهم عن استمـاع الحق، وأعمى أبصارهم عن طريق الهدى لأنهم اختاروا ذلك .
والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر أشد التحذير من قطـع الرحم لمـا فيه من الإثم الكبير فيقول :[ الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه البخاري ومسلم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً : [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من : البغي وقطيعة الرحم ] . رواه البخاري
ومن أقواله أيضاً صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة قاطع الرحم ] .
ويحث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم مرغباً في ذلك فيقول: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] . رواه البخاري ومسلم .
كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ما لصلة الرحم من آثار حسنة على صاحبـها حين قال :[ من أحبّ أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه ] .
والحكمة في اهتمام الإسـلام بصلة الرحم تقوم على داعٍ نفساني ، وهو أن رحم الإنسان دائم التطلع إلى خير قريبه فإن حُرِمَ منه عُدّ عمله جرماً . فالغني إن حـَرَمَ الفقير الأجنبي من إحسانه فإن غضبه لن يبلغ معشـار ما يثور في صدر قريبه من غضب ولوم إذا حرمه من إحسانه ، وقديماً قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد
فظلم القريب يؤدي إلى التحاسد والتباغض، لأن القريب عادة أكثر من غيره تقصياً لدخائل قريبه ، فإذا أراد أن ينتقم مثلاً كان أعرف الناس بما يؤذي قريبه وينغِّـص عليه حياته لما تتيحه تلك الصلة من الفرص في معرفة أمور لا يعرفها إلاّ ذوو القرابة
ولما كان الإسـلام يرمي إلى قيام مجتمعات سليمة تسودهـا الألفة فقد جعل أحق الناس بمال الإنسان ذوي قرباه ، ومن ثم جعل الله تركة المتوفى شركة بين أقربائه ، يأخذ كل واحد منها مقدار ما فرضه الله حسب درجـة القرابة ووفق ما يقضي به العدل كما قال تعالى : (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً ) النساء:7 .
وتأكيداً لحرص الإسلام على الاهتمام بالعائلة فقد أوجب على القادرين والموسرين نفقة المحتاجين من أصولهم وفروعهم كالأب والجد والابن وابن الابن ، وجعل نفقة الزوجة والأولاد حقاً على الزوج والأب .
ويرى الإمام أحمد: أن النفقة على كل وارث، فمن يرث الفقير العاجز إذا مات عن مال تجب عليه نفقته إذا عجز، وقد ثبت ذلك عنده بالآية الكريمة التي تشتمل على نفقة الولد على أبيه وأجرة الرضاعة والحضانة ، وفي آخـر هذه الآية إشارة إلى أن النفقة على الوارث قال تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، لا تُكلَّف نفس إلاّ وسعها ، لا تُضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك) البقرة:233
من كتابه " الخطايا في نظر الاسلام "
دعت آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم ، ورغبت فيها أعظم الترغيب ، وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ، ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً ، وقلعـة صامدة ، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة ، وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم ، وإلى الناس أجمعين .
معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .
فضل صلة الأرحام :
1- صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .
2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ] . رواه البخاري.
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ] . رواه البزار والحاكم.
3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :[ الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .
4- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :
المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ، لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها ، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك يمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ]. رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .
قطع الأرحام
إن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة أن نسمع أن أحد الوالدين أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .
ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية .
قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد:32-33 .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن :
قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :
قال الله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة:26-27.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا :
ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
عن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
وما أسوأ حال من يقطع الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟
@@@@@@@
هجر الأقارب
لا يشعر الإنسان بالطمأنينة والأمان إلاّ ضمن جماعة من الجماعات، له حقوق فيها، وعليه واجبات نحوها، ودون أن يعيش الإنسان في جماعة لن يكون إلاّ كشاة ضائعة تهيم على وجهها بائسة شقية .
والجماعة التي ينطبق عليها هذا الوصف في أشمل معانيه هي ( العائلة )
التي هي نواة التجمع ، ومصدر الخير في أي مجتمع، فعن طريق العائلة يستطيع الإنسان أن يطالب بحقوقه ، وأن تُقضى حاجاته ، وأن يشعر بالدفء والاستقرار .
من هنا شدّد الإسلام على متبعيه بإعطاء العائلة حظها من العناية، وتقديم الإحسان والخدمات لها قبل أي مواطن آخر ، كما جعل قطيعتها من كبائر الإثم .
ولقد أسبغ الإسلام على العائلة تسميتين : فتارة يدعوهـا بالأرحام ، وتارة بذوي القربى . فمما جاء في القرآن في نعت العائلة بذوي القربى قوله تعـالى: ( وآتِ ذا القُربى حقّهُ والمسكين وابن السبيل ) ا لإسراء: 26. ، وقوله سبحانه : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين ) البقرة:215
فالقرآن خصَّ الأقارب بأولوية الإحسان، وتقديمهم على غيرهم ممن يستحق المعونة.
وجاء في القرآن في نعت العائلة بالأرحام قوله تعالى : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) النساء:1
والمعنى : اتقوا الله في أمره ونهيه ، واحفظوا الأرحام وأدوا حقهـا ، ويحذّر القرآن أشد التحذير من قطع الرحم فيقول: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ) محمد:22،23
والمعنى: فهل يتوقع منكم أنكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم أفسدتم وقطعتم الأرحام ، أولئك الذين أبعدهم الله عن رحمته فأصمهم عن استمـاع الحق، وأعمى أبصارهم عن طريق الهدى لأنهم اختاروا ذلك .
والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر أشد التحذير من قطـع الرحم لمـا فيه من الإثم الكبير فيقول :[ الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ] . رواه البخاري ومسلم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً : [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من : البغي وقطيعة الرحم ] . رواه البخاري
ومن أقواله أيضاً صلى الله عليه وسلم : [ لا يدخل الجنة قاطع الرحم ] .
ويحث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم مرغباً في ذلك فيقول: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ] . رواه البخاري ومسلم .
كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ما لصلة الرحم من آثار حسنة على صاحبـها حين قال :[ من أحبّ أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه ] .
والحكمة في اهتمام الإسـلام بصلة الرحم تقوم على داعٍ نفساني ، وهو أن رحم الإنسان دائم التطلع إلى خير قريبه فإن حُرِمَ منه عُدّ عمله جرماً . فالغني إن حـَرَمَ الفقير الأجنبي من إحسانه فإن غضبه لن يبلغ معشـار ما يثور في صدر قريبه من غضب ولوم إذا حرمه من إحسانه ، وقديماً قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد
فظلم القريب يؤدي إلى التحاسد والتباغض، لأن القريب عادة أكثر من غيره تقصياً لدخائل قريبه ، فإذا أراد أن ينتقم مثلاً كان أعرف الناس بما يؤذي قريبه وينغِّـص عليه حياته لما تتيحه تلك الصلة من الفرص في معرفة أمور لا يعرفها إلاّ ذوو القرابة
ولما كان الإسـلام يرمي إلى قيام مجتمعات سليمة تسودهـا الألفة فقد جعل أحق الناس بمال الإنسان ذوي قرباه ، ومن ثم جعل الله تركة المتوفى شركة بين أقربائه ، يأخذ كل واحد منها مقدار ما فرضه الله حسب درجـة القرابة ووفق ما يقضي به العدل كما قال تعالى : (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً ) النساء:7 .
وتأكيداً لحرص الإسلام على الاهتمام بالعائلة فقد أوجب على القادرين والموسرين نفقة المحتاجين من أصولهم وفروعهم كالأب والجد والابن وابن الابن ، وجعل نفقة الزوجة والأولاد حقاً على الزوج والأب .
ويرى الإمام أحمد: أن النفقة على كل وارث، فمن يرث الفقير العاجز إذا مات عن مال تجب عليه نفقته إذا عجز، وقد ثبت ذلك عنده بالآية الكريمة التي تشتمل على نفقة الولد على أبيه وأجرة الرضاعة والحضانة ، وفي آخـر هذه الآية إشارة إلى أن النفقة على الوارث قال تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، لا تُكلَّف نفس إلاّ وسعها ، لا تُضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك) البقرة:233
من كتابه " الخطايا في نظر الاسلام "