عرض مشاركة واحدة
قديم 09/06/2008, 12:39 PM   #3
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي




كما ذكرت سابقاً فسيتم اعتباراً من هذه الحلقة - إن شاء الله - استحضار الشاعر عبد الواحد شاهد على العصر عبر بعض قصائده المختارة ، والمشهورة والتي عبر بها عن حالة من حالات العصر وقدمها شهادة في رحاب الزمن ومسرح الحياة، ومن غير المعقول أن نبدأ في ذلك دون أن تسبقنا قصيدته (( خط الجنوب )) وتقفز إلى المقدمة لتفرض نفسها شهادةٍ أولى لتسجل أهم أمر استحوذ بدمائه وحوادثه اليومية على أفكار الناس صباحا ومساءً بما تتناقله الركبان ووسائل الإعلام وما تمتلئ به الذاكرة من أحداث جسام سفكت فيها دماء وتحولت الأجسام إلى أشلاء وتطايرت الأحلام فأصبحت هبــاء .
هذه القصيدة الشهادة التي اقتحمت مواقع الوجع فينا ، واستوطنت مع الدمع مآقينا ، ونبتت كالصبار على مساكن أحزاننا ، واقتحمت منازلنا من نوافذها وأبوابها ، ووقفت تنوح كالثكلى عند كل منعطف وجوار كل جسر وفوق كل صخرة على هذا الطريق .

القصيدة الصرخة

والقصيدة الدمعة

والقصيدة الجرح والأنين والدماء والألم .

وقد استدعى صوت الشاعر الواقع المعاش في هذه القصيدة الفاجعة " خط الجنوب " بكل شفافية وأمانه، في تداع نفسي وفني مترابط، يلون الصور بالنقد الجارح والسخرية المرة التي تلائم الندب من جهة، والشكوى من الأحداث والمصائب التي سببت كثير من الأحزان و الهدر والخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى .

وتعتبر هذه القصيدة النقطة الهامة التي صاغت بدايات الشخصية الشعرية المتفردة لعبد الواحد تدلنا عليه وتدله علينا وجعلتنا نظل دوما في حالة انتظار وترقب لقصيدة جديدة منه تؤرخ وتشهد على واقعة أخرى من وقائع عصرنا .

يقول صاحب العبقريات [ عباس محمود العقاد ] في كتابه [ إبن الرومي حياته من شعره ] إن "الشاعر الذي لا نعرفه من شعره لا يستحقّ أن يُعرف
ويقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين: [ الكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية ]
ولابد أن يكون لكل عنوان دلالة ، فهو البوابة التي منها نطل وندلف إلى العمق ، إلى الجوهر ، فلا بد أن يرمز إلى شيء ، وأن يكون قاسما مشتركا بين الكل
ولأن الانصهار ذوبان ، والامتزاج اختلاط ، ،فإن الشعر حين ينصهر في ذات صاحبه فلا نستطيع أن نخلعه عنه ، يبقى سمة وميزة شخصية تؤكد وتبرهن أن هذا الشعر هو شعر فلان ، لما له من سمات ذاتية تميزه عن شعر الآخرين ، وهكذا يمتزج الشعر بصاحبه ، هذا الامتزاج الذي يفجر كوامن القصيدة ويعطيها حرارة الصدق ، وجوهر الحقيقة ، وهل هناك تمازج وتداخل بين الشاعر وقصيدته وبين الشاعر وما يحيط به أكثر من التمازج الشامل في قصيدة[ خط الجنوب ]








أي انصهار هذا ..؟؟ وأي مشــاعر تذوب في هذه القصيدة ..؟؟
إن القارئ المتأمل جيداً لهذه القصيدة لايملك إلا أن يضع يده على قلبه خوفاً وإشفاقاً على صاحبها من جور ما حمله في قلبه من ألام وأحزان انتقلت وانتشرت في قصيدته انتشار النار في الهشيم ويكفي للدلالة على ذلك بيت واحد أستهل به عبد الواحد قصيدته ومنه انطلقت كل شلالات الأحزان والآلام

قــال أبو متعب الله لا يسامحـك يـا خـط الجنــوب

نعم ( الله لايسامحك )
فقد ظللت سنوات وأعوام وأنت تشرب دماء أحباءنا وأطفالنا وشبابنا وشيوخنا في غير هوادة ولا رحمه ، كنت ومازلت تبث فينا الرعب وتملأ جوانحنا بالأحزان.
وقد صاغ عبدالواحد الأحزان التي بثها عبر القصيدة كلها في قالب فني صادق وأخاذ ومعبر عن الحدث انتزعه من تراكم الليالي وأحداثها وما طبعته في نفسه وما تركته من صور برزت في كل حرف من أحرف القصيدة، ولا نستطيع أن نقول أن العمل الفني ليس فيه من صاحبه الكثير ،إذ لابد أن يعبر العمل الفني عن شيء ما بداخلنا سواء كان شعورياً أو لا شعوري
أنه شعر الجنوب الدافئ ، المنصهر مع الذات ، والممتزج بالقصيدة ، الشعر المشاعر ، الشعر المتوهج بحرارة قلوب أهل الجنوب ، الذي يمتزج بكل أنهار التجديد ، ينهل بوعي ليبقى بسماته وصفاته هو الغالب المسيطر ، يدخل مناطق التجديد بحرفية ، قد ينصهر مع الغير ، لكن قوته تظهره ، كما نصهر النحاس مع الذهب ، فيبقى الذهب ذهبا ، ولا وجود للنحاس المنصهر معه

ويتيــم يقــل لك يـا طـريـق الجنـوب أيتمتني

، وميزة عبد الواحد أنه لا يقبل أن يتدنى بمستوى القصيدة من أجل النجاح السريع ، ومع تمسكه الشديد بذلك تراه قريب من الجماهير، يعيش بينهم ، يتعاطف معهم، يحس بدفئهم وآلامهم وأفراحهم ،فالقصيدة الحقيقية عنده هي التي تمس شغاف قلوب الغالبية من أقصر الطرق، تتفاعل معهم ،و تعبر عن أحلامهم وطموحاتهم ، تمتزج بهم ، تنصهر في ذواتهم وتتفاعل مع قضاياهم ، هكذا الشعر يكون، الشعر المشاعر ، الذي يلامس شغاف القلوب ويعزف على أوتارها ألحان الحزن والفرح حتى تسفح الدموع وتنهل العبرات

الدمـوع التـي فـي العيـن فجـرت منهـا مـا تحجــر
واسفكـت الـدمـا واحـرمـت الاكبــاد فـي لذاتـــها



يمتاز أسلوب عبد الواحد بالتركيز وبإبداع عفوي يفوق حدود المألوف، ويعتمد لغة الصورة،الممزوجة بعاطفة جياشة محلقة في سماء الوله ( الأبوي ) الذي نراه قد ظهر جليا واضحا في قصيدته متعب ذلك الطفل المدهش القابع في أعماقه والذي غناه لحنا شجياً ناجى به ذلك الطفل القابع في أعماق كل إنسان وعن هذا اللون العاطفي الشعري تقول وسيلة محمود الحلبي [ نعم.. قد يكون الشعر بوحاً ذاتياً، تثقله المعاناة ويؤطره الأسى، ولا سيما إذا أصبح الوجود يتمثل في مرآة الذات الجريحة والمفعمة بالألم.. فيأتي الشعر حينها مرتبطاً بالحزن ارتباطاً وثيقاً..]
وتقول بنت الشاطئ في كتابها (الشاعرة العربية المعاصرة):

(الوجدانية هي العنصر الجوهري المشترك بين الفنون جميعاً ودونها لا يكون الأدب فناً . )

وكما الناي الجبلي الحزين نرى في شعر ه الحزن الذي يعبر عن حاله وحالنا بطريقته الخاصة . وهو ذات الحال الذي وصفه بول فاليري مرة : بأنه ترياق التخلص من ألم الفجيعة .

في هذه القصيدة الوجدانية نعثر في عبد الواحد على شخصية أب حنون يبث أشواقه الأبوية لمتعبٍ مازال في غامض علم الغيب عنده وعند كثيرين أمثاله وقد وقعوا في ما يشبه ( الشيزوفرينيا ) وهو داء التناقض والصراع بين رغبة الانتظار في مجئ الطفل والخوف عليه إن جاء من المستقبل المجهول المثير للفزع والرعب ومن الأخطار الحقيقية التي تنتظر ذلك الطفل في كل زاوية ومنحنى من مناحي الحياة التي نعيشها والمليئة بكافة أنواع المخاطر والتي ترد علينا عبر كل وسائل الاتصال والإعلام والمستوردات الخلقية والمادية المليئة بألوان وألوان من المفاسد ووسائل الهدم


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس