ليلةُ قمراء ، بعيداً عن الضجيج وأنوار المدينة . ليلة ساكنةُ سكن معها الفؤاد ، أخَذت بي الذاكرة قليلاً
إلى الوراء ، نجوم السماء تُداعبني ، يتوسطُها قمرُ زادني حنينٌ وشوقٍ إلى ماضٍ تجلّى
لي في ساعةٍ ، تناسيتُ كلّ همومي الحاضرة ، لتعود بي الذاكرة إلى أحلامٍ
كنتُ أحلمُها ، وضعتُ وقتها لنفسي مكانةً ، طربتُ وتخيلتُ العيشَ
بها ، والناس من حولي لا أسمعُ لهم إلا ّهمسا ، طاربي
الخيالُ بعيداً ، أشفقتُ على نفسي الغرور
هكذا قال لي البعض في حُلمي
عُدتُ إلى ذاكرتي ونفسي
خاصمتُها خصاماً
على غير
عادتي.
قلتُ لها يانفس أنتِ مُتهمة بهذا وذاك ، فلما الغرور ، وغداً ستكونين تحت الثرى ،ومن اتهمك يزيد
الكيل حتى يشفي غليله بعد أن أطمئن لضيق اللحود ، يانفس كفاك غطرسةً ، كل
الناس لهم أنفسُ وعقول . تلك النجوم وكأنها تتابع ترانيم ليلي لتزيد من
حٌلمي وتدون خيالي ، زادت عبراتي أحسستُ بغصة كادتْ تقضي
على .صبية كنتُ برفقتهم ، تفرقنا ، افتقدتُ الكثير منهم .
جمعتنا حياةٌ لازلت أتذوق مرارتها في زمنٍ كان الناس
يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، بدأت
النجوم والقمر في الزحف إلى
مواقع أخرى لتودع ليلٍ
عشتُ معه وعاد
بي إلى وقت
أفلَ وأندثر.
قبل الوداع بكيتُ على الأطلال ، البساطة الحياة النقية والصافية ، ذهب خيالي إلى مساكنُنا التي لي
بها ذكريات وشوق ، حجارةُ هي لكنها تعيش أبد الدهر إن صنتها وحافظت على أركانها
لتعيش ذكرياتها ،.كُنت طفلاُ اسمع صوت المطر على سطح ذلك المسكن
المتواضع ، ما أن تغفو إلاّ وقطرات الماء تنساب من ذلك السقف ،
يُعدُ لها كل ما بالبيت من أوعية لتجمع تلك القطرات ، قطرةً
قطرة , صوتُها كعازف الحان جمع كل صوت يطرب به
الآخرين ، كل أناء يتميز بنغمة غير الإناء
الآخر ،لكن الماء واحد جميلة تلك
الأيام وخيرها أجمل . إن قلت
ليت التاريخ يُعيد نفسه
أخشى الرفاهية تذوب
على من اعتادها
وإن قلت نبقى
فالحال يزداد
سوء .
إنها ذاكرتي عادت بي إلى الوراء .