الوظيفة الأولى لكل رسول هي تبليغ رسالة الله إلى أمته،ولم يكن التبليغ محصورًا في مجرد سرد الأفكار والمبادئ التي تدعو إلى التوحيد،بل كان كل رسول يقوم عن قصد تطبيق رسالته على نفسه في أتم وجه ثم يدعو من حوله من الناس إلى تطبيقها والإيمان بها لذا كان الرسل في شخصيتهم يقدمون المثل الأعلى والشخصية المتكاملة لقومهم ولمن بعدهم.وهذا ما توضحه الآيات القرآنية التي تتضمن إرشاد الرسول r،ومن اتبعه من المؤمنين إلى الاقتداء بالأنبياء السابقين ومن أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان الذين هداهم الله.قال الله تعالى:{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ[1]}.قال الله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَ سْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[2]}.وقال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[3]}.فبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى عددًا من الأنبياء وقص قصصهم قال لنبيه محمد r،:فبهداهم افتداه".
والمعنى هو:" فبالعمل الذي عملوا والمنهاج الذي سلكوا وبالهدى الذي هديناهم والتوفيق الذي وفقناهم "اقتده"يا محمد فعمل وخذ به واسلكه فإنه عمل لله فيه رضا ومنهاج من سلكه اهتدى[4]).
قال القرطبي(الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله)والمعنى من قوله "فبهداهم اقتده" أي فأصبر كما صبروا وقيل المعنى الاقتداء بهم في التوحيد[5]).والاقتداء بالأنبياء والرسل السابقين لم يكن مقصورا على الرسول r فقد أمر الله المؤمنين بالاقتداء بخليله إبراهيم عليه السلام،فهو مثل أعلى يقتدى به في الدعوة إلى الله،والصبر على الأذى ومعاداة الكافرين ولتبرى منهم،إلا أنه سبحانه وتعالى نهى عن الاقتداء بإبراهيم عليه السلام في الاستغفار لأبيه حيث قال الله تعالى:{لقَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَ سْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[6]}،أي فإنه لا أسوة لكم فيه أيها المؤمنون في ذلك،لأن ذلك كان من إبراهيم عن موعده وعدها إياه قبل أن يتبين له أنه عدوا لله ,فلم تبين له ذلك تبرأ منه فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنه في خليل الله تقتدون به في مباينة الكفار ومعاداتهم وترك موالاتهم[7]).فأنزل الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ[8]}.فبين الله سبحانه وتعالى أن حق الناس بإتباع إبراهيم على ملته وسنته والاقتداء به في سيرته,هو النبي محمد r ومن آمن به.وهكذا فقد كان الأنبياء والرسل السابقون نماذج عليا يقتدى بها,لشدة ما كابدوه من المتاعب في سبيل الدعوة وما تعرضوا له من أنواع الأذى,فصبروا على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة واحتسبوا الأجر عند الله فكان النصر حليفهم,والعافية لهم ,فلنا فيهم الأسوة الحسنة في توحيد الله والصبر على الأذى وتحمل المسؤولية.



[1]( سورة الأنعام: 90)

[2](سورة الممتحنة: 5)

[3](سورة الممتحنة: 6)

[4](الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن ج6،ص519)

[5](الجامع لأحكام القرآن- الجزء 7 ،ص 35)

[6](سورة الممتحنة:أية 4)

[7](الطبري:جامع البيان في تفسير القران.ج28 ص409)

[8](سوره آل عمران: أيه 68)