{أفمن هـذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا} الخطاب هنا للمكذبين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والاستفهام في قوله: {أفمن هـذا الحديث} للإنكار والتعجب من هؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالآيات البينات، وأخبر عن الأمم السابقة، وبيَّن أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نذير من النذر الأولى، ويخشى على من كذبه أن يناله من العذاب ما نال المكذبين للنذر الأولى، يقول الله - عز وجل -: {أفمن هـذا الحديث تعجبون } أيها المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى {تعجبون } أي: ترونه عجباً منكراً، ولهذا قالوا: {أجعل الآلهة إلـهاً وحداً إن هـذا لشيء عجاب } وقال الله تعالى: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هـذا شيء عجيب } فهم يتخذون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عجباً، والمراد عجب الإنكار والاستبعاد، {وتضحكون}: يعني استهزاء بهذا الحديث الذي هو القرآن، وكذلك يضحكون بشرائع هذا الحديث، حيث كانوا يضحكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباداته ويسخرون به، إذاً {تعجبون } إنكاراً {وتضحكون} استهزاء {ولا تبكون }، أي: لا تبكون من هذا الحديث خشية وخوفاً وإنابة إلى الله - عز وجل - بل هم أقسى الناس قلوباً ، - والعياذ بالله - أو من أقسى الناس قلوباً لا تلين قلوبهم ولا يبكون من خشية الله {وأنتم سامدون } أي: غافلون بما تمارسونه من اللغو والغناء وغير ذلك، لأن منهم من إذا سمعوا كلام الله - عز وجل - جعلوا يغنون، كما قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون } فسامدون قيل: المعنى مغنون، وقيل: المعنى غافلون، والصواب أن المراد غافلون عنه بالغناء وغيره مما تتلهون به، حتى لا تسمعوا كلام الله - عز وجل -، وهذا نظير ما قاله المكذبون لأول رسول أرسل إلى بني آدم، حيث قال الله تبارك وتعالى عن قوم نوح: {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذنهم} حتى لا يسمعوا {واستغشوا ثيابهم} أي: تغطوا بها حتى لا يروا ولا يبصروا {وأصروا واستكبروا استكباراً } فما كان في أول أمة كان في آخر أمة، {فاسجدوا لله واعبدوا } اسجدوا لله خضوعاً وذلاًّ، والمراد بالسجود هنا الصلوات كلها، وليس الركن الخاص الذي هو السجود، وليس أيضاً سجود التلاوة بل هو عام في كل الصلوات، {واعبدوا }، هذا عام لكل العبادات، وخص الصلاة بالذكر وقدَّمها؛ لأنها أهم العبادات البدنية الظاهرة بعد الشهادتين، وعلى هذا فيكون العطف في قوله: {واعبدوا } على قوله {فاسجدوا} من باب عطف العام على الخاص كما أن قوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} من باب عطف الخاص على العام، وبهذا انتهى الكلام الذي منَّ الله به في تفسير هذه السورة، سورة النجم، أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.
--------------------------
|