والملاحظ أن بعض شراح القانون يفسرون المادة (95) المصرية تفسيراً مطابقاً للنص اللبناني مع العلم أن مفهوم النصين يختلف اختلافاً جذرياً فالنص الأول يفهم منه أن التهمة المنسوبة إلى المحامي بالقذف والقدح صحيحة أما النص المصري فيقرر أن التهمة منسوبة نسبة إلى المحامي .
إن القانون المصري نص على عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة من دون أن يذكر نقابة المحامين أو أحد أعضائها بأي شئ .
وكان الأجدر أن يقترن أعضاء النيابة العامة بنقيب المحامين أو أحد أعضائه أو نوابه والجدير بالذكر أن القانون لا يحرم تفتيش شخص المحامي أو مسكنه بواسطة أحد رجال الضبط ولو أن ذلك يعد من أعمال التحقيق ، ويوجب قانون المحاماة أن يفتش مكتب المحامي بواسطة عضو النيابة ، ويعتبر تفتيش مكتب المحامي باطلاً إذا لم يقم بإجرائه أحد أعضاء النيابة العامة .
• موقف القانون اللبناني :
• أقر قانون تنظيم المحاماة اللبناني عدداً من الحصانات والضمانات نوردها في ما يلي :
• 1 – اعتبر القانون اللبناني في مادته ( 74 ) حق الدفاع حقاً مقدساً لذلك لا يسأل المحامي ولا يترتب عليه أية دعوى بالذم أو القدح أو التحقير من خلال مرافعاته الخطية أو الشفهية ما لم يتجاوز حدود الدفاع . أما إذا خرجت عن حدود الدفاع فيصبح مسؤولاً عنها مسؤولية مدنية وجزائية . وعليه إذا كان المحامي يتمتع بحصانة موكله في الخصومة إلا أن هذه الحصانة لا تتجاوز نطاقها فلا تنسحب على المحامي إذا شتم محامي خصمه . ولا حصانة إذا اقترف الخصم والمحامي جرائم بحق المحكمة أو على عضو النيابة العامة أو أمناء السر وكتبة الجلسات والمحضرين .
• 2 – و نصت المادة 75 من قانون تنظيم مهنة المحاماة اللبناني على الآتي : (لا يجوز التوقيف الاحتياطي في دعوى الذم أو القدح أو التحقير التي تقام على محامٍ بسبب أقوال وكتابات صدرت عنه أثناء ممارسته مهنته ولا يجوز أن يشترك برؤية الدعوى أحد قضاة المحكمة التي وقع فيها الحادث ) .
• 3 – معاقبة كل شخص يقترف جرماً بحق محامٍ أثناء ممارسته المهنة أو بسببها :
إذ تنص المادة 76 من قانون تنظيم مهنة المحاماة اللبنانية على أنه : (كل جرم يقع على محام أثناء ممارسته المهنة أو بسبب هذه الممارسة يعرّض الفاعل والمشترك والمتدخل والمحرّض للعقوبة نفسها التي يعاقب بها عند وقوع ذلك الجرم على قاض على أن يخضع لطرق المراجعة العادية .
• 4 – عدم جواز تنفيذ أي قرار قضائي يقضي بتفتيش مكتب محام أو حجز أموال موجودة فيه إلا بعد انقضاء 24 ساعة على إيداع صورة عن القرار في مركز النقابة :
• إذ تنص المادة 77 من قانون تنظيم مهنة المحاماة اللبناني على أنه : (كل قرار قضائي يقضي بتفتيش مكتب محام أو بحجز أموال موجودة فيه أو بجرد موجوداته لا ينفذ إلا بعد انقضاء 24 ساعة على الأقل على إيداع صورة عنه مركز النقابة التي ينتمي إليها مع دعوة موجهة للنقيب لحضور الإجراءات بنفسه أو بواسطة عضو ينتدبه لهذه الغاية من أعضاء مجلس النقابة) .
• 5 – عدم جواز وضع الأختام على مكتب محام بداعي تحصيل ضريبته إلا بعد مضي عشرة أيام على إنذار المحامي مع إشعار النقابة بذلك :
نصت المادة 78 من قانون تنظيم مهنة المحاماة اللبناني على أنه : ( لا يجوز وضع الأختام على مكتب محام بداعي تحصيل ضريبة أو رسم إلا بعد مضي عشرة أيام على الأقل على إنذار صاحب العلاقة خطياً وإشعار مركز النقابة التي ينتمي إليها بالأمر ... ) .
6 – عدم جواز استجواب محامٍ عن جريمة منسوبة إليه باستثناء حالة الجرم المشهود قبل إبلاغ نقيب المحامين :
إذ تنص المادة 79 من قانون مهنة المحاماة اللبناني على أنه : ( باستثناء حالة الجرم المشهود لا يستجوب محام عن جريمة منسوبة إليه قبل إبلاغ الأمر لنقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه من أعضاء مجلس النقابة .
-لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار النقابة بقدر ما إذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة أو بمعرضها … ) .
• موقف القانون العراقي :
1- نص قانون تنظيم مهنة المحاماة العراقي في المادة 28 منه على أنه : (لا يجوز توقيف المحامي عما ينسب إليه من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه أثناء ممارسته المحاماة ) .
2- هذا وقد أعتبر قانون تنظيم مهنة المحاماة العراقي : الاعتداء على محام كاعتداء على موظف عام .
• موقف القانون السوري :
1- أما قانون تنظيم مهنة المحاماة السوري فقد جاء نص المادة 69 / 12 منه على : (في غير حالة الجرم المشهود لا يجوز توقيف المحامي أو تحريك الدعوى العامة بحقه قبل إبلاغ مجلس الفرع التابع له ليكون على علم واطلاع على كافة الإجراءات المتخذة ضده ) .
2- كما نصت المادة 79/ 1 من قانون تنظيم مهنة المحاماة السوري على أنه : " لا يجوز تفتيش المحامي أثناء مزاولة عمله ، ولا تفتيش مكتبه أو حجزه ولا استجوابه إلا بعد إبلاغ رئس مكتب الفرع ليحضر أو يفد من ينتدبه من أعضاء المجلس ولا يعتد بإسقاط المحامي حقه بذلك تحت طائلة بطلان الإجراءات ".
3- كما تنص المادة 69/ 6 من قانون تنظيم مهنة المحاماة السوري على أنه : (وكل ا عتداء يقع على محام خلال ممارسته ومهنته وبسبب ممارسته لها يجعل المعتدي معاقباً بالعقوبة التي يعاقب بها فيما لو كان الاعتداء واقعاً على قاض ) .
4- كما لم يجز القانون السوري : تحريك الدعوى ضد المحامي قبل إبلاغ مجلس فرع نقابة المحامين ليكون على علم واطلاع على كافة الإجراءات المتخذة ضده .
كما جعل القانون السوري : إجراء الحجز أو التفتيش أو الاستجواب الذي لم يحضره أو يعلم به مجلس الفرع النقابي مهدد بالبطلان .
• موقف النظام القانونى الليبي :
تنص المادة 28 من قانون تنظيم مهنة المحاماة الليبي على أنه : ( لا يجوز القبض على محامٍ أو حبسه احتياطياً لما ينسب إليه من جرائم القذف و السب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته المهنة أو بسببها …) .
• موقف النظام القانونى العماني :
ولا يختلف الحال في النظام القانوني العماني ؛ باعتبار أن هذا النظام حرص على أن يصل في منظومته القانونية والقضائية إلى أعلى فكر قانوني وصلت إليه البشرية ؛ فمنذ عصر النهضة المباركة تم تكريس سيادة القانون والشرعية . وقبيل نهاية القرن الماضي أرادت السلطنة أن تدخل القرن الحادي والعشرين بمنظومة متكاملة قانونية وقضائية ؛ فتم صدور النظام الأساسي للدولة عام 1996 ؛ وتوالت بعد ذلك جملة من القوانين تكرس لسيادة القانون والشرعية بصورة تنافس فيها أرقي الدول في هذا المضمار .
وإذا تخصص الحديث في حق الدفاع أمام القضاء بوجه عام ؛ يمكننا أن نرصد هذه النصوص :
- المادة 28 من قانون المحاماة ؛ التي تنص على أنه : " للمحامي حرية قبول التوكيل في دعوى معينة أو عدم قبوله حسب اقتناعه وله أن يسلك الطرق التي يراها ناجحة طبقاً لأصول المهنة في الدفاع عن حقوق موكله ولا يكون مسؤولا عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكرته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع في حدود القانون وأداب المهنة ".
- وعليه يمكن القول بأن حدود الحصانة تشمل كافة أنواع المسئوليات على النحو الذي أنتهينا إليه بالنسبة للقانون المصري.
- وجدير بالذكر أن حصانة المحامي في النظام القانوني العماني تمتد لتشمل :
- 1- عدم جوزا الحجز على مكتبه أو موجوداته الضرورية للممارسة المهنة . ( م32 من قانون المحاماة ) .
-
- 2- ومعاقبة كل من اعتدى على محام بالضرب أو التهديد أو الأهانة أثناء قيامه بأعمال مهنته بذات العقوبات المقررة لتلك الجرائم إذا وقعت على موظف عام . ( م33 من قانون المحاماة ) .
• تطبيقات قضائية :
هذا ومن المفيد أن نشير لبعض النماذج من القضاء المصري بشأن الحصانة المقررة للدفاع ؛ ومن هذه النماذج كايلي : -
- جرى تواتر قضاء النقض باطراد، على أن حكم المادة 309 ع ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه وأنه يستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أي في محاضر البوليس، ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه . (59)
- قضى بدخول إنكار بنوة الطفل واتهام أمه بأنها حملته سفاحًا في دائرة أفعال القذف المباحة لأنها من مستلزمات الدفاع، وكذلك نسبة الاختلاس والارتشاء إلى الموظف لإثبات مبررات فصله، أو نسبة اختلاس ريع الوقف إلى نظار الوقف في دعوى عزله من النظارة . (60)
- كما قضى بأن نسبة الإقراض بالربا الفاحش إلى الخصم في معرض بيان مقدرته المالية تعتبر متعلقة بدعوى النفقة المرفوعة عليه . (61)
- كما قضى أيضًا بأنه من المباح لأنه من مستلزمات الدفاع إسناد المتهم شهادة الزور والرشوة إلى رجل البوليس الذي حرر ضده محضر جمع الاستدلالات . (62)
- وقضت محكمة النقض بأن:
(الإدانة) بالسب تستلزم من الحكم بيان العبارات محل الاتهام بالسب أو القذف، - حتى يتضح وجه استخلاص الحكم أن عبارات السب ليست مما يستلزمه حق الدفاع في النزاع). (63)
- قضت محكمة النقض بأنه:
(يدخل في معنى الخصم الذي يعفى من عقاب القذف الذي يصدر منه أمام المحكمة طبقًا لنص المادة / 309 ع المحامون عن المتقاضين ما دامت عبارات القذف الموجهة إليهم تتصل بموضوع الخصومة وتقتضيها ضرورات الدفاع). (64)
- وقضت محكمة النقض بأن: (حكم المادة / 309 عقوبات ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه، فيستوي أن تصدر العبارات أمام محاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محضر الشرطة، - ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه، وما فاه به الطاعن من طلب السكوت من جانب الطعون ضده (بقوله (اخرس)) أدنى وسائل الدفاع عن نفسه في مقام اتهامه أمام الشرطة باغتصاب أثاث زوجته ورميه بأنه يعيش من مالها - ويكون الحكم إذ اعتبر ما تلفظ به الطاعن/ سبًا يكون قد أخطأ في التكييف القانوني). (65)
- وأيدت محكمة النقض الحكم القاضي ببراءة المطعون ضده - والذي وجه لخصمه في دعوى مدنية أمام محكمة الموسكي الجزئية - عبارة (أنت خايف ليكشف تزويرك) - وقالت المحكمة أن هذا الإسناد مما يستلزمه الدفاع، وأن الخصم إذ وصف اختلاف المستندات بأنه تزوير فإن ذلك يكون تضخيمًا لتهيئة ذهن المحكمة بما يستلزمه الدفاع، وقالت محكمة النقض أنه لما كان ذلك وكان الفصل فيما إذا كانت عبارات السب أو القذف مما يستلزمه الدفاع متروكًا لمحكمة الموضوع وكانت المحكمة قد رأت أن العبارات التي صدرت من المطعون ضده إنما تتصل بالنزاع القائم وبالقدر الذي تقتضيه مرافعة الخصم عن حقه، وانتهت في منطق سليم إلى أن تلك العبارات مما تمتد إليه حماية القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب التعويض تأسيسًا على تعلق (القذف) بالخصومة ومناسبته للمقام، لا يكون قد أخطأ في شيء ويكون الطعن على غير أساس متعينًا رفضه). (66)
- وقضت محكمة النقض بأنه:
• (متى كانت محكمة الموضوع قد قررت في حدود سلطتها التقديرية أن العبارات التي اعتبرها الطاعن قذفًا في حقه - إنما صدرت من المطعون ضده في مقام الدفاع في الدعوى المدنية التي رفعها الطاعن عليه ورأت أن المقام كان يقتضيها فلا يقبل الجدل في ذلك أمام محكمة النقض). (67)
•
* وقضت محكمة النقض بنقض وإلغاء الحكم المطعون فيه الذي كان قد قضى بالإدانة - وقضت مجددًا ببراءة الطاعن الذي كان قد رد على ادعاء المدعية بقيام الزوجية وأنها أثمرت طفلاً - بأن قال (إن هذا الولد نتيجة سفاح) - وأوردت محكمة النقض أن عبارات القذف إنما وقعت أثناء تحقيق النيابة وكانت في مقام الدفاع، فتكون الواقعة المسندة إليه لا عقاب عليها طبقًا للمادة 309 عقوبات، - ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه). (68)
•
* كما قضت في العديد من أحكامها، - بأن تجاوز حق الدفاع المقرر في المادة / 309 عقوبات لا يستوجب إلا المساءلة المدنية. (69)
• خــــــــاتمة :
• لا مراء في أن المحامي يقوم بدور جوهري في تحقيق العدالة ؛ لايقل شاناً عن دور غيره من رجال القضاء ؛ ولعل هذا هو الذى دفع بشيخ القضاة عبد العزيز فهمي عمر – رئيس محكمة النقض حينئذٍ – في أول جلساتها عام 1931 ؛ إلى أن يقول : " إذا وازنت بين عمل القاضي وعمل المحامي لوجدت أن عمل المحامي أدق وأخطر ؛ لأن مهمة القاضي هي الوزن والترجيح ، أما مهمة المحامي فهي الخلق والإبداع والتكوين " . (70)
• ولذا فإن توفير حصانة للمحامي أمر تقره كافة التشريعات المعاصرة ؛ ولذا نأمل أن تتاح الفرصة للمشرع العماني بأن يستكمل حلقات الحصانة التي يوفره للمحامي ليوفر المناخ الملائم لأدائه دوره في تحقيق العدالة . تلك العدالة التي تعتبر من أهم وظائف الدولة المعاصرة . ونخص بالذكر :
1- عدم جواز تفتيش مكتب المحامى إلا بضوابط معينة حفاظاً على أسرار موكليه .
2- عدم جواز إتخاذ أية أجراءات جزائية ضد المحامي في حالة اتهامه بارتكاب جريمة من جرائم الجلسات .
• والتي حرص النظام الأساسي للدولة على التأكيد عليها ؛ حينما أوضح أن الحكم في السلطنة يقوم : " على أساس العدل والشورى والمساواة " ( م 9) .
|