عرض مشاركة واحدة
قديم 12/01/2010, 08:30 PM   #2


سطور السنين âيه ôîًَىà

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 155
 تاريخ التسجيل :  Jan 2005
 أخر زيارة : 27/12/2017 (01:31 PM)
 المشاركات : 4,360 [ + ]
 التقييم :  427
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشْكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم المحشر، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، ولقد سمعتم في الخطبة الأولى أنه لم يحصل الكسوف في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدِم المدينة وأقام فيها ثلاث عشرة سنة إلا مرَّة واحدة، أما في عهدنا الحاضر فإنه كما تشاهدون يحصل الكسوف في السنة مرّة أو مرّتين أو ثلاثًا، وكُنَّا قبل هذا العهد القريب لا نرى الكسوف إلا قليلاً، فما هو السبب في ذلك ؟
السببُ في ذلك كثرةُ المعاصي والتولي عن طاعة الله؛ إن كثيرًا من الناس لا يُقيمون وزنًا لعبادة الله عزَّ وجل، لا يُقيمون وزنًا لتوحيد الله عزَّ وجل، قد جعلوا في قلوبهم مُشارِكًا لله تعالى في المحبة؛ حتى إنك لو فتَّشت عن قلوبهم لوجدت محبّتهم للدنيا أكثر من محبتهم لله عزَّ وجل، وعلامة ذلك: أن ذِكر الدنيا في قلوبهم أكثر من ذكر الله عزَّ وجل، بل إنهم إذا جاؤوا لذكر الله تعالى في المساجد والصلاة فإنهم يأتون وقلوبهم مشغولة في الدنيا حتى في أوقات الفراغ لعبادة الله يتعبّدون لله بأبدانهم دون قلوبهم، وإذا نظرنا إلى المعاملات بين الناس وجدنا معاملات لا تليق بالمسلمين: وجدنا الغش، والخيانة، والكذب، والخديعة، لا للأفراد بعضهم مع بعض ولكن للأفراد بعضهم مع بعض وللحكومة أيضًا، وهذا واللهِ يُنذر بخطر عظيم، مَنْ مِنَ الناس الكفلاء الذين لم يظلموا مكفوليهم ؟ إما بالمماطلة في الأجور، وإما بتكليفهم ما لا يجب عليهم، وإما بالتعامل معهم على وجه يخالف نظام الحكومة الذي أدخلوهم مُشترطين على أنفسهم أن يتمشّوا على ذلك النظام ثم هم يخالفون ذلك ولا يبالون بما اكتسبوا من ورائه .
وأقبح من ذلك وأشد: أن بعض الكفلاء يُلزم المكفولين بدراهم معيَّنة في كل شهر ثم يدعه يتسكَّع في الأسواق إن وجد عملاً أو لم يجد عملاً، فيصبح هذا الفقير الذي جاء لطلب المعشية إلى هذه البلاد، يصبح فريسة لشُحِّ هذا الكفيل، فيأخذ منه دراهم معلومة معيَّنة مع أنه قد لا يشتغل في هذا الشهر، وهذا ظلمٌ وعدوان ومخالفة للشرط الذي اشترطه على نفسه أمام الدولة .
واعلموا أيها الإخوة، أقول لكم بصراحة وصدق وفيما نعتقدُه واجبًا عليكم: أنّ كل شرط اشترطتموه على أنفسكم مقابل الدولة فإنه يجب عليكم أن توفوا به؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما يُذكر عنه: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أَحَلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً»(16)، فمَن خالف شرطًا التزم به أمامَ الدولة فإنه مُخالفٌ للشرع في مخالفته هذه، ولا يظن الإنسان أنَّ غفلة الدولة عنه وعدم اطِّلاعها به تنجيه من الإثم؛ فإنها وإنْ غفلت أو تغافلت أو لم تطّلع عليه فإن مَن يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور مُطَّلع عليه وهو الله سبحانه .
فيا عباد الله، لا يهلككم الشحُّ والطمع، لا يهلككم حتى تقعوا في معصية الله، وإذا رأيت المعاملات في البيع والشراء وجدت أمورًا كثيرةً تخالف الشرع، فمن ذلك: ما أشرنا إليه في الخطبة الماضية من الوقوع في الربا في بيع الذهب بالدراهم، وأنه لا بدّ أن تكون يدًا بيد، ولا يجوز التفرّق قبل استلام الثمن، فإذا باع صاحب الدكان أو الصائغ مثلاً على أحدٍ حُلِيًّا فإنه يجب أن يستلم الثمن نقدًا ولا يجوز التعقيب، وهذه من العجب العجاب أنها من مصلحة البائع دينًا ودُنيًا، أما كونها من مصلحته دينًا؛ فلأنها موافقة لأمر الله ورسوله، وأما كونها من مصلحته دُنيًا؛ فإنه يحصل على ثمن سلعته بدون مماطلة أو تعطيل .
إن بعض الناس يقول: إن هذا لا يمكن، قد يكون شاقًّا على المشتري، فنقول: إن ذلك ممكن، وانظروا إلى السلع الأخرى التي لا تباع إلا نقدًا كيف أنها ماشِيَةً على ما ينبغي، ومَن أراد أن يشتري جاء بالثمن معه في جيبه قبل أن يكلّم البائع، فهكذا لو أن الله هدى أولئك المتّجرين بالذهب واتّفقوا على ألا يبيعوا إلا نقدًا كما هو الواجب عليهم لحصَلَ لهم بذلك خير كثير وسلِموا من الإثم .
وإذا نظرت إلى المعاملات الأخرى وما يقع فيها من غشٍّ وكذب لرأيت أمرًا عظيمًا لا يليق بمسلم، والمعاصي كثيرة ولكننا نرجو الله تعالى أن يعفوَ عنَّا جميعًا، والعاقل يعرف ما هذه الآيات التي تتكرَّر في تخويف الله لنا؛ حتى يتعظ وحتى ينتفع بها، فأولئك هم المؤمنون الذين إذا رأوا الآيات آمنوا وأَيْقنوا وحاسبوا أنفسهم .
أيها المؤمنون، اعلموا «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»(17)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56]، سمعًا لك اللهم وطاعةً .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبَّته واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا مع زمرته، اللهم أسقنا من حوضه، اللهم أَدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين، والصدّيقين، والشهداء والصالحين .
اللهم أَصْلِح ولاة أمور المسلمين صغيرهم وكبيرهم، اللهم أَصْلِح لهم البطانة، وأَعِنْهم على أداء الأمانة، ووفِّقهم بما فيه صلاحهم وصلاح رعيتهم يا رب العالمين، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10] .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المصدر : موقع الشيخ بن عثيمين رحمه الله
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_45.shtml


 

رد مع اقتباس