اول الغيث قطرة وفى هذه عبره
سئل بشر بن الحارث :ما كان بدء امرك لان اسمك بين الناس كأنه اسم ولى؟قال:هذا من فضل الله ,وما اقول لكم ؟ كنت رجلا غيارا صاحب عصبيه,فجزت يوما , فاذا انا بقرطاس فى الطريق فرفعته,فاذا فيه{بسم الله الرحمن الرحيم} فمسحته وجعلته فى جيبى , وكان عندى درهمان ماكنت املك غيرهما . فذهبت الى العطارين فاشتريت بهما غاليه <نوع من الطيب> ومسحته فى القرطاس . فنمت تلك الليله , فرأيت فى المنام كأن قائلا يقول : يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته , لاطيبن اسمك فى الدنيا والآخرة.ثم كان ما كان . وحكى ان بشرا كان زمن لهوه فى داره وعنده رفقاؤه يشربون ويطيبون فاجتاز بهم رجل من الصالحين .فدق الباب :فخرجت اليه جاريه فقال لها : صاحب هذا الدار حر ام عبد ؟ قالت حر فقال صدقتى , ولو كان عبدا لاستعمل ادب العبوديه و ترك اللهو والطرب . فسمع بشر محاورتهما فسارع الى الباب حافيا حاسرا , وقد ولى الرجل فقال: للجاريه ويحك من كلمكى على الباب ؟فأخبرته بما جرى فقال اي ناحيه اخذ الرجل ؟ فقالت كذا فتبعه بشر حتى لحقه فقال له : ياسيدى انت الذى وقفت بالباب وخاطبت الجاريه ؟ فقال له نعم قال له: اعد على الكلام فأعادة عليه فمرغ بشر خديه على الارض وقال بل عبد .عبد ثم هام على وجهه حافيا حاسرا حتى عرف بالحفاه فقيل له لم لم تلبس نعلا؟ فقال لانى ما صالحنى مولاى الا وانا حاف . فلا ازول على هذة الحاله حتى الممات وكان بشرا كثير البكاء لاتفتر عيناه عن البكاء وكان يقول :والله لوددت ان ابكى حتى تنقطع دموعى ..؟.ثم ابكى دما حتى لا تبقى جارحه فى جسدى خوفا وطمعا ..وكان يقول من لم يستطع البكاء فليرحم الباكين .. فان الباكى انما يبكى لمعرفته بنفسه , وما جنى عليها . وجاء عظيم يقول : يا بشر انا اشتاق اليك وكنت اشتهى رؤيتك , فقال له:لكنى انا لا اشتاق لرؤيتك . وقال له عظنى فقال بشر:ابك فبما اعظك وامامك قبور وقصور ..يا هذا كيف بك اذا افاقك الحق بين يديه وسألك عن النقير <نقره صغيره فى ظهر النواة> والقطمير<القشه الرقيقه على النواه> والفتيل <الخيط الذى فى شق النواه> وانت عريان امام اهل الموقف ينظرون , فخفقت الرجل العبرة وامر لبشر بعطيه فردها عليه وقال: ردها الى من اخذتها منه قبل ان يطالبك بها اصحابها فى الآخرة فبكى الرجل وهو يسمع: دع الحرص على الدنيا ..وفى العيش لا تطمع ولا تجمع من المال ..فلا تدرى لمن تجمع
فان الرزق مقسوم ..وسوء الظن لا ينفع
فقير كل ذى حرص..غنى كل من يقنع
ياالله ...ياالله اين نحن من هذه الدموع الدموع التى تطفئ بحونا من النيران.. اللهم ارزقنا دمعتا من خشيتك