عرض مشاركة واحدة
قديم 19/03/2010, 04:21 PM   #4
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2004
 أخر زيارة : 30/07/2025 (06:02 AM)
 المشاركات : 64,173 [ + ]
 التقييم :  16605
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
لوني المفضل : Maroon
افتراضي






من الحياة
من وصايا لقمان
ميسرة طاهر


يحتاج العقل كما يحتاج الجسم إلى لحظات راحة وصفاء واستجمام، ولا يجد المرء واحة لتحقيق كل هذا أجمل وأروع من بيت الله الحرام، وما إن عرضت على بعض أهلي رغبتي في الذهاب إلى مكة حتى قفزوا لصحبتي، ولم تدم الأحاديث بيننا طويلا فقد كان يوما مرهقا لنا جميعا وسرعان ما صمت الجميع بخاصة أن ثلث الليل الأول قد انقضى، ومع الهزيع الثاني من الليل كان لصوت المقرئ المنبعث من مذياع السيارة دور كبير في رحلة للعقل تتنقل في ثنايا وصايا لقمان لابنه وهو يعظه، بدءا من نهيه له عن الشرك مرورا بحثه على ممارسة دوره الاجتماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تأكيده على أهمية الصبر على أذى الناس لكل من يعمل في مجال الحسبة، ثم انتقاله للتأكيد على أهمية سلوك الفرد أثناء تعامله مع الناس، وقد استوقفني حرصه على ثلاثة أمور: الأول يتعلق بدرجة ارتفاع الصوت، والثاني يتعلق بالمشية، والثالث بتصعير الخد للناس، وقد نهى ولده في الأولى عن رفع صوته حين قال له: «واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير» وتساءلت وأنا أعيش حالة من التأمل في كل كلمة من كلمات وصيته لولده عن دور الصوت في حياة الناس وتعاملاتهم، وعهدي بالصوت المرتفع قريب فقد لاحظت بكاء طفل صغير صبيحة ذلك اليوم حين تحدث إليه أخوه الأكبر بصوت مرتفع مع أن الكلام جميل، ويبدو أن فطرة الناس التي فطرهم الله عليها تأبى قبول الصوت المرتفع، بل وتستنكره، وتجعله غير مؤثر، والجميل في المسألة أن الدراسات العلمية جاءت لتؤكد أن ارتفاع الصوت أثناء الحوار دليل على عجز المتحدث، وكلما زاد عجزه عن إيصال ما يريد للآخرين ازداد صوته ارتفاعا، والمؤسف أن ارتفاع صوته يزيد من رفض الآخرين لما يقول، وإنكارهم لا للصوت فقط بل ولمحتواه، تماما كما يحدث حين ينهق الحمار فينجح في إيصال صوته لمسافات بعيدة ولكن الناس مع ذلك ينكرونه ويبغضونه، فهل أراد لقمان أن يقول لولده: اخفض صوتك وأنت تتحدث مع الناس، لأن ارتفاع الصوت دليل العجز؟ وهو عجز مرتبط بالاستنكار تماما كما يحدث مع من يسمع صوت الحمار فيستنكره؟ مع قوة الصوت وارتفاعه؟ إن ما يحدثه صوت الحمار لدى الناس لا يعدو أن يكون بمثابة قوله لهم: ها أنذا موجود هنا، ولسان حالهم يقول: نعم عرفنا مكانك وأين أنت ولكنك ومهما ارتفع صوتك ستبقى في نظرنا المخلوق الذي يضرب به المثل في قلة الفهم، ودورك لا يعدو أن يكون وسيلة لحمل الأثقال ليس إلا، ويبدو أن لقمان كان يريد من ولده وهو يعظه، أن يستدل من ارتفاع الصوت على عجز العقل، وعلى أن العنصر المهم في حوار البشر، هو أمر آخر يكمن في محتوى هذا الحوار، وليس في ارتفاع الصوت، ويتوجب على من يرتفع صوته أن يقف ليراجع حججه وأساليب إقناعه كي لا يقع في المحظور ويصبح صوته لدى سامعيه منكرا، لأن الأذن البشرية ـــ كما قلنا ـــ ترفض بفطرتها الصوت المرتفع، ولأن الصوت المرتفع يقلل من قيمة الحجة ويلونها بلون الرفض والإعراض، ويدفع المستمع لا للتفكير بما قاله المتحدث بل للوقوف عند استهجان ارتفاع الصوت فتذهب حجة صاحب الصوت المرتفع، ويفقد كلامه التأثير، فيبعد المستمع عن التفكير بما قاله، ويحول الانتباه عن الموضوع الرئيس إلى شكليات بغيضة، ناهيكم عن تقليل قيمة المتحدث في نظر المستمع.


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس