هو.. سلطان
تركي بن عبد الله السديري
لا تقرأ المبلغ.. العشرة ملايين.. نفسياً واجتماعياً وهو معزول عن الحالة التي عالجها..
إن كثيرين سوف يتوقفون عند المبلغ متأملين «حجم الكرم الإنساني» الذي تمت به معالجة من يخصه.. من هو مستفيد منه..
هو مبلغ كبير للغاية دون شك.. لكن حين يأتي من سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز.. يقال إنه مبلغ معقول.. بل ومتوقع..
قراءة ما بعد المبلغ تخص المستفيدين منه.. أسرة يذهلك وأنت تتوقع أنه لم يعد هناك شيء في الصحراء يصح أن يوصف بأنه فطري بري.. وأن الوسائط الحضارية قد شذبت البداوة وروضت عزلتها بانتشار وسائلها بين الصخور وبين ثنايا الرمال.. يذهلك أن يوجد أشخاص مفقودو الصلة تماماً ليس بالترف الحضاري ولكن بالضرورات المعيشية، أناس ما زالوا يحتفظون بذلك الفاصل الدقيق بين الإنسان البري التكوين والمعيشة، وبين كائنات الصحراء البدائية..
أضف إلى ذلك ترادفات الإعاقة المخيفة التي شكلت مع عزلة المكان.. عزلة التجاذب الإيجابي مع الحياة.. بل الصحيح أن هذا النوع من العزلة الضاربة قسوته بين مجموع أسري شكل منها وجوداً إنسانياً غريباً، بل موغل في العزلة والإقصاء.. هذه الحالة.. هذه الغربة لبشر تبدو مقومات حياتهم وقدراتهم كما لو كانت قد أسقطتهم في موقع عزلتهم مركبة فضائية أتت بهم من عالم مختلف تماماً.. عالم لا ضرورة فيه للسمع ولا للبصر والإنسان فيه مثل ماشيته يأكل ما يستسيغه فطرياً على الأرض..
تصور هذا الوضع.. الذي حرك الإنسان الكبير في عواطفه ومشاعره وإنسانيته ليكون قريباً من الصورة الجغرافية والإنسانية لهؤلاء.. قريب باتصال شخصي منه وبإلحاح أن تبادر العشرة الملايين أداء دورها في تغيير حياة ذلك المجموع البائس، ليس هذا فقط ولكن هناك التزام برعاية صحية واجتماعية ونقل فوري إلى حياة المدينة..
الرجل.. سلطان.. في كرمه معروف ومتداول القيمة الإنسانية الهائلة الحجم والفاعلية، بين الناس، ولا أتصور في مزاياه الإنسانية ما يغيب عن معلومات المواطن عبر مؤسساته الإنسانية المتعددة الأهداف، لكنني أضيف موقفاً بسيطاً للغاية.. لكنه أيضاً عميق الدلالة للغاية..
في حائل منذ سنوات قريبة.. ربما ثلاث أو أربع.. كان يرعى سموه حفلاً خيرياً يسلم فيه وثائق تمليك لمشروعه الإسكاني للمستحقين هناك، وكان يوجد في طرف دائرة حضور الناس شخص يبدو أن لديه مشكلة خاصة حاول أن يقترب منه، ولكنه لم يفلح بحكم تدافع الناس ممن هم حوله.. ثم فوجئ الرجل بنهاية الحفل، وأن الأمير وقف مستعداً للانصراف.. ذهل.. وأحس أنه يجب أن يتصرف وبسرعة.. فما كان منه إلا أن فتل الخطاب بشكل سريع صغير حتى يتمكن من قذفه إلى حيث مكان الأمير، لكنه عندما فعل ذلك تفاجأ بالخطاب يصطدم بجانب من وجه الأمير..
كان خجل الرجل.. أكثر من خوفه.. وكاد يضيع بين الناس.. غضب كثيرون لتصرفه الطائش.. أما هو الأمير سلطان، فاستدار مبتسماً وطلب أن يحضر إليه في موقفه نفسه مهدئاً من اضطرابه بعد أن وصل إليه.. هو سلطان، إنسان بحق إنسان..