عرض مشاركة واحدة
قديم 06/01/2007, 02:23 AM   #3
رئيس مجلس الإدارة والمدير العام وداعم مادي لمسابقات رمضان


الصورة الرمزية مشهور
مشهور âيه ôîًَىà

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 245
 تاريخ التسجيل :  Feb 2005
 أخر زيارة : 28/02/2014 (09:03 AM)
 المشاركات : 6,236 [ + ]
 التقييم :  10000
لوني المفضل : Brown
افتراضي يا أبناء الأرز كلكم: سيزيف! ** انيس منصور



يا أبناء الأرز كلكم: سيزيف!

في أساطير الإغريق، أن البطل عوليس ذهب فى مغامرات حول العالم. وغاب طويلا. عشرين عاما. وترك زوجته الجميلة بنيلوبة فتكاثر على بابها وتحت شباكها عشرات من الشباب يقولون لها: سيبك منه.. وهل معقول ان تضيعي شبابك من اجل رجل مجنون مثل زوجك!

ولكنها كانت على يقين من انه سوف يعود سالما مخلصا، كما أنها مخلصة له.. وكل يوم تقول لهم حكاية ورواية.. وأخيرا اهتدت الى حيلة قالت لهم: إنني أصنع بلوفر واذا اكتمل البلوفر فسوف اختار من بينكم رجلا! وكانت ما تصنعه بالليل تفكه بالنهار، ولم يكمل البلوفر عشرين عاما، حتى جاء زوجها وانقض على هؤلاء الشبان! والقصة تدل على صبر الزوجة واخلاصها. وتدل أيضا على الاصرار فى ان تمضي فى صنع البلوفر ليلا ونهارا دون ملل أو كلل! وكذلك فعل الشعب اللبناني في مواجهة الدمار والخراب، فالذى يهدمونه ليلا يعودون الى بنائه نهارا وهم مصرون على الهدم والبناء معا!!

وهناك قصة اخرى تقول: ان قضاة الاغريق حكموا على البطل سيزيف بأن يدفع أمامه حجرا الى أعلى الجبل. فإذا بلغ القمة انحدر الحجر الى السفح، فعاد سيزيف الى رفعه مرة اخرى الى القمة.. والى الابد!!

ولم يشعر البطل بأن هذا العذاب سخيف وممل. بل انه أراد أن يغيظ من عاقبوه، وكان يؤدي هذه العبقرية رافع الرأس واضح الابتسام.. كأنه اراد ان يقول: إن الذي يقوم به ليس سجنا مع الشغل والنفاذ.. وإنما هي رياضة الصعود والهبوط. يريد ان يقول لهم: انهم أرادوه عقابا، أما هو فأراده رياضة، أرادوا ان يحطموا رأسه، فرفعه الى أعلى.. أرادوا ان يكسروا ساقيه وقدميه، فازداد رشاقة وحيوية فلا انتهت العقوبة ولا سيزيف عرف اليأس!

وكذلك فعل الشعب اللبناني.. فالمحلات التجارية التي تهدمها القنابل او الصواريخ ليلا، يقومون ببنائها نهارا.. أو يعرضون سلعهم فوق الخرائب المجاورة لهم.. وكأن الحرب لم تفعل شيئا.. انهم لم يغلقوا دكانا، ولكنهم فتحوا واحدا آخر الى جواره.. ربما التقى الذي يبني والذي يهدم على منتهى واحد.. أو في دكان واحد.. فإذا جاء الليل ذهب صاحب الدكان لينام تحت الارض.. وذهب الرجل الآخر الى سلاحه يهدم الخرائب مرة اخرى.. فإذا طلع النهار عاد التاجر الى مكان مجاور وعاد المخرب الى نفس المكان يحول الحجارة الى تراب وهباب بعد ذلك!!

شيء عجيب أن تجد اللبنانين الذين تحطمت واجهاتهم الزجاجية، يعودون الى شراء واجهات أخرى ومن الزجاج أيضا.. إنهم يرفضون الدمار ويرفضون الخراب ويرفضون الموت.. انهم يواجهون القنابل بواجهات من زجاج، ويواجهون الصواريخ بإرادة من حديد!!

وليس بيننا أحد لم يحزن على الذي أصاب لبنان بأيدي أبنائها تجار السلاح والمخدرات والخونة والمرتزقة.. ولكن يسعدنا جميعا ان يعود لبنان الى ما كان عليه من جمال ودلال.. الى المقاهي الصغيرة البديعة.. والى أندية الليل الباهرة.. والى البيوت اللبنانية الدافئة.. فليس في شرقنا العربي أحد مثل أهل لبنان في الذوق واللطف والكلام الحلو.. وأذكر اني كنت أختلف مع الناشرين اللبنانيين الذين زوروا كتبي وسرقوني.. ونختلف ونهدد بأن نذهب الى القضاء.. ونختلف على الف او الفين من الليرات.. ولكن في الليل يقيم الناشر عشاء يدعو اليه أجمل وألطف الناس ويتكلف العشاء أكثر من عشرة آلاف ليرة. كيف؟ انه كناشر مصاص للدماء ولكن كصاحب بيت أو كإنسان في غاية الذوق والكرم والكلام الحلو ـ كلامه وكلام زوجته وأولاده!

والله وحشنا لبنان الجميل الفخم اللذيذ.. فلبنان ليس له نظير في الشرق بل وأجمل من كثير من بلاد الغرب.. وليس بيننا من لا يحمل له أجمل الذكريات وأبدعها وأبقاها..

ان سيزيف اللبناني قادر على أن يحقق المعجزات.. وقد بدأ فى ذلك.. وكلها سنوات وتعود الى أجمل ما صنع الله وما صنع الانسان أيضا!


 
 توقيع : مشهور



رد مع اقتباس