ابتهاج **سمير عطالله
ابتهاج
يبتهج الاعلام العربي بما يفترض انه يدعو الى الحزن. مثلا، مطاردة السي. اي. ايه في المانيا لأنها خطفت مواطنا المانيا لبناني الاصل. او استجواب الشرطة البريطانية لطوني بلير للمرة الثانية في مسألة تتعلق بمخالفة القانون. او مساءلة رئيس وزراء اسرائيل حول فشل حربه في لبنان. يتناول الاعلام العربي مثل هذه الحوادث على انها علامة اخرى من علامات سقوط الغرب وتهاوي اعدائنا وخصومنا. وهذا عبط. لأن المانيا قادرة على محاسبة او مواجهة آلة مرعبة مثل السي. اي. ايه في حين ان احدا لا يستنكر خطف العشرات في العراق كل يوم. ولأن احدا لا يجرؤ على قرع باب رئيس وزراء في العالم العربي بموجب اي سبب من الاسباب. ولأن اسرائيل حاكمت رئيسها بتهمة التحرش ورئيس وزرائها بتهمة الخسارة، في حين اننا لا نكف عن الاحتفال بذكرى الهزائم، وان بعض الذين لم يخوضوا معركة واحدة سوى الحرب على شعوبهم، يعلقون الاوسمة فوق «بيجاماتهم»، مثل الاطفال الذين يخافون النوم من دون الدمية المفضلة.
آن لنا ان نعرف كيف نميز بين سقوط بلير في العراق ـ وفي كل مغامرة اميركية تطوع لها ـ وبين صمود القانون في بريطانيا. ولا يتطلب منا الكثير ان ننتبه الى ان مواطنا لبنانيا بريئا قادر على مقاضاة السي. اي. ايه في المانيا وليس قادرا في بلده الأم على مقاضاة شرطي في مخفر الحارة. وفيما يستقيل عسكري اسرائيلي لأنه خسر الحرب يبقى العسكريون العرب في قياداتهم الى ما بعد التقاعد، وغالبا الى ما بعد الموت. وللهزيمة في حروب العالم معنى واحد ومؤدى واحد ومفاعيل واضحة، اما عندنا فلها اسماء اخرى وبطولات وتبريرات وغالبا تمجيد بلا نهاية. ولم يذهب عسكري واحد في تاريخنا الى المحكمة بتهمة الخسارة امام العدو، لكن مئات العسكريين «حوكموا» واعدموا ورموا في الآبار والسجون، لأنهم حاولوا منافسة خصم سياسي على السلطة، او على منصب. او على تنكيل بخصم.
وفي عالم لا يعرف القانون ولا معناه ولم يعش في ظله، يسارع الجميع الى حلقة «الدبكة» اذا رأينا رجلا مثل طوني بلير يتهاوى سياسيا، كأن الانتصار من صنعنا. ونحن من الجهل بحيث نتعلق بخطف مواطن تحميه قوانين المانيا، ولا ندري ان السي. اي. ايه خطفت 500 مواطن آخر من اوروبا والشرق الاوسط لا يعرف احد عنهم شيئا، ولا يهمنا ان نعرف. فالحريات لم تكن ولا هي قضية في العالم العربي. ولا الخطف. ولا السجون. وقد تجرأ مواطن على الشكوى من العمل الارهابي الذي تعرض له والمحنة النفسية التي عانى منها، لأنه يدرك ان القاضي لن يحكم عليه بالموت بتهمة التذمر والمطالبة بحقوقه كإنسان، بل هو ـ القاضي ـ مستعد لأخذ الفراو ميركل الى ازمة مع اميركا من اجل مجنس اصبح مواطنا وصار تلقائيا في حماية قانون بلده الجديد. اما بلده القديم فمشغول في الاعتصام، ضد المحكمة الدولية
|