بلا زحمة **خالد القشطيني
بلا زحمة
لفت نظري قبل بضعة ايام ما قام به الطلاب الجامعيون في اثينا في مهاجمة الاحياء المجاورة وإضرام السيارات الواقفة في الطريق احتجاجا على سياسة الحكومة. ما كان هؤلاء بأميين جهلة. انهم طلاب جامعة يفهمون آثار ذلك على الاقتصاد الوطني ويعرفون الطرق الشرعية لمعارضة قرارات الحكومة. ولكن طلبة فرنسا قاموا بأشد من ذلك فيما سمي بثورة الطلاب في عهد ديغول. نفهم ان يلجأ الفلسطينيون للعنف، بل وحتى للاستشهاد. نفهم حتى قيام المغاربة بحرق السيارات في باريس. ولكن، كيف نفسر قيام بعض الاسلاميين بمهاجمة السياح، مصدر رزق الشعب في مصر، أو خطف النايجيريين للمهندسين الاجانب الساهرين على نفط بلادهم؟ أو كيف نستطيع ان نفهم هذه العمليات الوحشية التي يقوم بها عراقيون ضد عراقيين؟
يغص العالم اليوم في كل ربع من ربوعه بعمليات الضرب والسفك والتدمير لشتى الاسباب وبدون اي اسباب. حتى في هذه المدن الحضارية والعواصم الغنية، نقرأ كل يوم عن اعجب وابغض الجرائم. رجال في مناصب محترمة يغتصبون اطفالا في سن المهد ويقتلونهم. شباب يغتصبون عجوزا بعمر جدتهم ثم يخنقونها ويهربون! او يقتلونها من اجل يورو واحد! كيف نفسر كل هذا العنف الضاربة اطنابه في شتى الدول؟ مرة باسم الاسلام، مرة باسم الوطنية ، مرة للثأر، واخرى من اجل الثورة ؟ ثورة من اجل الثورة؟
اعاد كل ذلك لخاطري ذكر تلك التجربة التي قام بها احد العلماء على مجموعة من الفئران. وضعها في قفص ثم راح يضيف اليها فأرا بعد فأر. لاحظ ان سلوك الفئران تغير بنسبة الزحام في القفص. كلما ازداد الزحام ازدادت عنفا وراحت تعض بعضها بعضا.
هل تنطبق تلك التجربة علينا نحن البشر؟ هل يعود كل هذا العنف الى الزحام الذي اخذنا نعيشه من يوم الى يوم؟ هل يمكن تفسير هذه الشناعات الجارية في بغداد بكثافة سكانها المفاجئة؟
يقول جان جاك روسو إن ازدياد السكان من علائم ازدياد المدنية. لا شك اننا نجد مصداقا لكلامه في عالمنا هذا. كانت نفوس بغداد لا تتجاوز ربع المليون والآن يعيش فيها اكثر من ثلاثة ملايين. قل مثل ذلك عن القاهرة. الثروة والتمدن يزيدان السكان. ولكن هل وصلت زيادة السكان الحد الذي يعطي المردود العكسي، او ما يسميه الاقتصاديون بـ«تنازل الجدوى». لا شك اننا نلمس هذا المردود العكسي في تلوث البيئة وسخونة الأرض وانفلاق طبقة الاوزون. أيا ترى ان امنا الارض اخذت تحمي نفسها ضدنا بالتخلص منا ؟
لا ادري. ولكنني، انا المؤمن باللا عنف، الرجل المسالم الذي لم يحمل سلاحا في حياته ولا رفع يده ضد احد، اجد في نفسي دافعا جامحا، وانا في القطار المكتظ بالركاب والحسناء الجالسة بجانبي تغازل عشيقها بالجوال وانا استمع ولا أملك من دنياي غير هذه العجوز التي تنتظرني في البيت، أن اهجم عليها وانتزع الجوال من يدها وارمي بها وبه من الشباك.
|