حكومة ابن سعود (26)
قبل أن نتكلم عن حكومة ابن السعود ، ينبغي لنا أن نتكلم عن الحاكم وعن دستوره في الحكم ، وأسد الجزيرة يقدم نفسه بنفسه في هذه الأقوال البليغة والآراء السديدة المأثورة عنه والمتداولة في جميع أنحاء الجزيرة شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا ، والتي نورد بعضها فيما يلي :
ــ إن الإسلام هو الوسيلة لسعادة الدنيا والآخرة ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، فلم يمنع الإسلام الناس من السعي في الأرض ، والعمل على كل ما يرفع شأن الدين.
ــ إنني والله لا أحب إلا من أحب الله حبًا خالصًا من الشرك والبدع ، وأنا والله لا أعمل إلا لأجل ذلك ، ولا يهمني أن أكون ملكًا أو فقيرًا ، والله ثم والله إني لأفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض ،وأعبد الله وحده ، من أن أكون ملكًا على سائر الدنيا وما فيها.
ــ إن المسلمين لا يرقون ولا ينهضون بالبهرجة والزخارف .. إن سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص والخروج من أسر البدع والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله الكريم.
إن تقدم المسلمين ونهوضهم من الأمور التي ما برحنا ندعو إليها إن شاء الله . ولا نهوض للمسلمين بغير الرجوع إلى دينهم، والتمسك بعقيدتهم الصحيحة . والاعتصام بحبل الله . والطريق إلى ذلك واضح معبد لمن أراد سلوكه ، وهو إفراد الله ــ سبحانه وتعالى ــ بالتوحيد الخالي من الشرك والبدع، والعلم بما يأمرنا به الدين لأنه لافائدة من قول بلا عمل . وإن بعض المسلمين مع الأسف لم يجدوا طريقة للتقدم في نظرهم إلا بتقليد الأوروبيين. ولكنهم لم يقلدوهم فيما ينفع بما كان سبب قوتهم ومنعتهم ؛ بل قلدوهم فيما لا يسوغه دينهم من الأمور الأخرى، فقد مضى عشرات السنين على الذين يدعون الناس في السر والعلن بالقول والعلم لتقليد الأوروبيين ، ولكن من منهم عمل إلى اليوم إبرة أو صنع طيارة أو اخترع بندقية أو مدفعًا. لقد قلدوهم فيما يخالف أمور دينهم ، واكتفوا من تقليد الأوروبيين بذلك.
أنا لست من رجال القول الذي يرمون اللفظ بغير حساب ، فأنا رجل عملي إذا قلت فعلت ، وعيب عليّ في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل ؛لأن هذا شيء ما اعتدت عليه، ولا أحب أن أتعوده أبدًا.
اثنتان أحمد الله على واحدة منها، وأشكره على الأخرى ، أحمد الله على أني أكره أهل الضلال وعلى كراهة أهل الضلال لي ، وأشكره على محبة أهل الخير لي ومحبتي لهم.
وحكم أسد الجزيرة حكم شوري ديمقراطي مثالي ، فمن اللحظة الأولى التي وصل فيها إلى عاصمة ملكه « الرياض » دعا جلالته الناس ، وقدم إليهم نفسه،وعاهدهم عهد المسؤول ،ودعاهم إلى انتخاب مجلس شورى من خيرة البارزين الصالحين فيهم ؛لإدارة مصالح الحكم من تعليم وتجارة وقضاء وغيرها . وتم إنشاء هذا المجلس في سنة 1344هـ ، وبعد عام من إنشائه تعدل نظام هذا المجلس ،فأدمج بالمجلس الاستشاري الذي صدر أمر ملكي بتشكيله ، ليعمل بجانب نائب الملك في الحجاز ، وأعطي المجلس اختصاصًا واسعًا للنظر في جميع شؤون الدولة وأنظمتها وميزانيتها.
وللمملكة العربية السعودية دستور يسمونه « التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية » صدر في سنة 1345هـ المقابلة لسنة 1926م ، وينص في القسم الأول منه على وَحْدة المملكة وشكلها وعاصمتها ولغتها . والمادة الثانية في هذا القسم تقول:«إن الدولة العربية الحجازية» دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة في داخليتها وخارجيتها ».
وفي القسم الثاني من هذا الدستور ما ينص على أن « تكون جميع إدارة المملكة الحجازية في يد صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز الأول بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود . وجلالته مقيد بأحكام الشرع الشريف ». والمادة السادسة في هذا القسم تقول إنَّ: « الأحكام تكون دوامًا منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله ، وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح ».
وتقول المادة السابعة التي تليها :« يعين من قبل صاحب الجلالة الملك «نائب عام»، وحسب اللزوم مديرون ورؤساء لإدارة أمور المملكة ».
وفي القسم الثالث في المادة التاسعة جاء ما يأتي : « تنقسم أمور المملكة الحجازية إلى ستة أقسام أساسية ، وهي : 1 ــ الأمور الشرعية 2 ــ الأمور الداخلية 3 ــ الأمور الخارجية 4 ــ الأمور المالية 5 ــ أمور المعارف العمومية 6 ــ الأمور العسكرية .
وفي القسم الرابع بيان المجالس الاستشارية،وهي : مجلس الشورى بمكة ، ومجلس المدينة ، ومجلس جدة ، ومجالس النواحي ، ومجالس القرى والقبائل.
ويمضي الدستور حتى غايته في 79 مادة وتسعة أقسام ، وقد طرأت عليه تعديلات ،كان أولها في نفس سنة صدوره بعد بضعة أشهر بتعديل لقب الملك إلى «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها » .
والتعديل الثاني تم في السنة التالية بوضع نظام جديد لمجلس الشورى .
وفي سنة 1349هـ تحولت مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة ، وفي السنة التالية تألف مجلس الوكلاء ، وفي سنة 1352هـ أجري تعديل آخر هام بتحويل وكالة المالية أيضًا إلى وزارة .
وفي سنة 1367هـ أسست أول ميزانية رسمية للمملكة قدرت فيها الإيرادات بمبلغ 500،586،214 ريال سعودي،وتعادلت معها المصروفات وأكبر أرقام الإيرادات بلغ 000،000،140 ريال سعودي حصيلة الحكومة من استثمار البترول .
وتمضي الحكومة السعودية في أعمالها الإصلاحية في قفزات ووثبات رائعة ، ويسير الدولاب الحكومي في نشاط وسرعة دون أن يعرف « الروتين الحكومي» المقيت .. وكيف يعرف الروتين الحكومي والأعمال كلها تبرم وتقضى بالاتصال اللاسلكي بسرعة البرق ... ففي كل مصلحة حكومية جهاز لاسلكي يربطها بالحكام وباقي المصالح الأخرى.
والكل يعمل هناك في صمت وهدوء من أجل الصالح العام دون ضجة أو دعاية،ونبراسهم في هذا قول أسد الجزيرة المأثور: كثيرًا ما يقول الناس : لماذا لا أؤسس جمعيات أو أنشئ مكاتب دعاية لأعمالي؟، ولكن هذا شيء أتجافاه بطبيعتي؛ لأنه لا يلائمني وليس من طبعي.
الهوامش
(1) الصحيح : شكاواهن.
(2) لمزيد من الاطلاع على برنامج الملك عبدالعزيز اليومي وبعض خصائصه وعاداته ، انظر : البلاد العربية السعودية ،لفؤاد حمزة : 34 ــ 35 ، وشبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز ، لخير الدين الزركلي : ص 625 ومابعدها ، وقصر الحكم في الرياض ، لعبدالرحمــن بن سلــيمان الرويشد ص : 74 ــ 78.
(3) زار ملك أفغانستان محمد ظاهر شاه المملكة عام 1369هـ ، انظر، ص : 162 من هذا الكتاب ، وصورته مع الملك فيصل ــ رحمه الله ، وانظر أيضًا تذكرة أولي النهى والعرفان : 4/302، وذكر المواطن سليمان بن عبدالله الشماسي في مقابلة نشرتها له جريدة المسائية أنه كان قائد سيارة ملك أفغانستان أثناء زيارته المملكة ، انظر المسائية ، العدد : 4953 ، الخميس ،والجمعة : 8-9/3/1419هـ ، 2-3/7/1998م ، ص : 6.
ولد محمد ظاهر شاه عام : 1914م ، وتولى ملك أفغانستان عام : 1933م، ويعيش الآن في إيطاليا.
(4) زار الملك فاروق ملك مصر المملكة في الفترة من 10 إلى 19 صفر عام 1364هـ الموافق 15/1 إلى 2/2/1945م ، وأقيم له مخيم في سهل منبسط يطل عليه جبل رضوى في ينبع، والتقى بالملك عبدالعزيز وجرت بينهما أحاديث ودية مهمتها توثيق العلاقات بين البلدين ، وأتيح للملك فاروق زيارة المدينة المنورة ، عاد بعدها إلى مخيمه في ينبع.
انظر وقائع الزيارة في شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز : 1151 ــ 1154 ، ومن تاريخ الدولة السعودية، لأمين سعيد : 419، وتذكرة أولي النهى والعرفان : 4/195 - 196.
(5) محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد توفي عام 1315هـ ، وانظر خبرًا عنه في ص :128 من هذا الكتاب ،وخلفه على إمارة حائل ابن أخيه عبدالعزيز بن متعب بن رشيد الذي قتل في معركة روضة مهنا عام 1324هـ.
(6) مغادرة الإمام عبدالرحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز ــ رحمهما الله ــ الرياض ، لايعد هروبًا، بل استجابة لما يتطلبه الموقف من تفكير وتحضير للقوة لخوض الجولة القادمة، بعد أن تنامت قوة محمد بن عبدالله بن رشيد ، وحقق نصرًا ساحقًا في معركة المليداء عام 1308هـ ، ولم تكن مع الإمام عبدالرحمن القوة الكافية لمنازلته ، فآثر الانسحاب إلى حين. وقد تحققت الجولة القادمة على يد الملك عبدالعزيز عام 1319هـ= 1902م ، حينما استرد الرياض في عمل بطولي اتسم بالجرأة والإقدام وسرعة التنفيذ ، فحقق الابن ما كان يفكر فيه الأب ويتوق إليه.
وقد استفاد المؤلف في صياغة هذه المعلومات من كتاب البلاد العربية السعودية ، لفؤاد حمزة: 14 ــ 17.
(7) الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود من رجال الملك عبدالعزيز البارزين ، يلتقي معه في النسب في تركي بن عبدالله ، ولد عام 1287هـ ، وعرف بالشجاعة والحزم والشدة على الذين يعبثون بالأمن ، تولى إمارة القصيم عام 1328هـ إلى عام 1330هـ ، ولما فتح الملك عبدالعزيزالأحساء عام 1331هـ تولى المذكور إمارتها، واستمرأميرًا عليها وعلى سائر المنطقة الشرقية حتى وفاته عام 1354هـ = 1935م . تاريخ ملوك آل سعود : 236 ــ 237 ، والأعلام : 4/77 ، وتذكرة أولي النهى والعرفان : 4/64 ــ 68.
(8) لم أجد في المصادر التي بين يدي أن امرأة عجلان بن محمد أخت الملك عبدالعزيز من الرضاعة ، بل هي وأبوها من خدام آل سعود ومواليهم ، وعجلان بن محمد بن عجلان كان مولى لآل الرشيد ، ولم يكن ينتسب إلى قبيلة ، وأخبرني الأستاذ المؤرخ عبدالرحمن سليمان الرويشد رواية عن الشيح محمد بن إبراهيم . آل الشيخ ــ رحمه الله ــ أن عجلان كان رجلاً طويلاً جسيمًا أبيض مشربًا بحمرة ، وهذا الوصف عن رؤية ، فقد كان عمر الشيخ إبان فتح الرياض ثماني سنوات / وفقد بصره في الحادية عشرة من عمره.
(9) حديث المؤلف عن استرداد الرياض يحتاج إلى تصحيح ، فالملك عبدالعزيز ــ رحمه الله أتى ليسترد الرياض ومعه ستون رجلاً ، فلما وصل إلى ضلع الشقيب جنوبي الرياض بالقرب من مصنع الإسمنت الآن ، أبقى عشرين منهم عند الجيش (الإبل) ،وسار بالأربعين الباقين إلى الرياض ، وهي على مسافة ساعة ونصف للراجل ، فلما أشرف عليها أبقى أخاه محمدًا، ومعه ثلاثة وثلاثون رجلاً ، ودخل إلى الرياض بسبعة رجال ، ولما تمكن من دخول بيت حاكم الرياض عجلان بن محمد أرسل في طلب أخيه محمد ورفاقه ، فتكاملوا أربعين رجلاً في بيت عجلان يقودهم الملك عبدالعزيز ، وفي الصباح الباكر خرج عجلان ــ كعادته ــ يتفقد الخيل ، فهجموا عليه ، وحدثت معركة قصيرة قتل فيها عجلان وأربعون من أتباعه ، وسقط أربعة من فوق الجدران فحصلت لهم كسور ، وحصر ستة وثلاثون في القصر ، ثم أمنوا فنزلوا . وهذه رواية مختصرة جدًا عن فتح الرياض تجد تفصيلها في كتاب البلاد العربية السعودية ،ص: 20 بلسان الملك عبدالعزيز نفسه ، وفي شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز : 79 ـ 100، وتاريخ نجد وملحقاته لأمين الريحاني : 120 ــ 126 ، وصقر الجزيرة لأحمد عبدالغفور عطار: 231 ــ 264 ، وتاريخ ملوك آل سعود ، للأمير سعود ابن هذلول : 58 ــ 26.
(10) صحة العبارة « وقبيلة شمر كبرى قبائل الشمال).
(11) هو فيصل بن الحسين ، وكان آنذاك ملكًا على العراق ، ويعرف بفيصل الأول ، تمييزًا له عن فيصل الثاني حفيده ابن غازي الذي قتل عام 1958م عند قيام ثورة العراق.
(13) قاضي القضاة : لقب لا يجوز إطلاقه إلا على الله سبحانه وتعالى ، وكان من الواجب أن يقول : رئيس القضاة ، وهو لقب من يشغل هذا المنصب في المملكة.
(14) انظر النص في البلاد العربية السعودية ، لفؤاد حمزة : 51 ، وتاريخ الدولة السعودية ، لأمين سعيد: 323.
(15) توفي صاحب السمو الملكي الأمير محمد ــ رحمه الله ــ عام 1411هـ ،وكانت ولادته عام 1330هـ .
(16) توفي ــ رحمه الله ــ عام 1370 = 1951م ، وله ترجمة في الأعلام ، للزركلي: 7/300ــ 301 ،وتذكرة أولي النهى والعرفان : 40/303 ــ 306 ، ولأحمد عبدالغفور عطار كتاب عنه .
(17) انظر ص :229 من الكتاب .
(18) انظر أبناء الملك عبدالعزيز في البلاد العربية السعودية : 36 ــ 37 ، وشبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز : 1402 ــ 1414 ، وأصدق البنود في تاريخ عبدالعزيز آل سعود ، لعبد الله العلي المنصور الزامل (الملحق).
(19) أخَلّ المؤلف بالترتيب الموجود في المصدرين السابقين الأول والثاني. ولم يذكر اسم الأمير حمود بن عبدالعزيز الذي ولد عام 1368هـ ، وتوفي ــ رحمه الله ــ عام 1414هـ.
(30) إخوة الملك عبدالعزيز تسعه ذكر منهم ثمانية ، ولم يذكر فيصل بن عبدالرحمن أكبر إخوة الملك عبدالعزيز المتوفى عام 1317هـ = 1890م ، وأخلّ بترتيبهم تاريخيًا ، وسعد الأول هو الذي قتل في معركة (كنزان) مع العجمان عام : 1333هـ = 1915م ، وسعد الثاني سمي باسم أخيه ، ولد عام 1337هـ ، وتوفى(رحمه الله) عام 1375هـ = 1955م.
(24) محمد طاهر الكردي ، خطاط ، مؤلف ، ولد في مكة عام 1321هـ ، وعمل خطاطًا في مكة ، تابعًا لوزارة المعارف ، من آثاره : تاريخ الخط العربي وآدابه ، وتاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه ، توفي عام 1400هـ .
معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية ، الدائرة للإعلام المحدودة ، الطبعة الثانية : 1413هـ = 1993م ، الرياض ،ص : 129.
(25) الذي عرف بذلك مكة المكرمة مصداقًا لقوله تعالي على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام:{ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } سورة إبراهيم، الآية:37.
(26) انظر في هذا الموضوع البلاد العربية السعودية ، ص :84 ومابعدها ، وشبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز في مواضع متفرقة.