البلاط الملكي لأسد الجزيرة (1)
يتألف بلاط حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود المعظم من شعب كثيرة تقوم كل منها بعمل معين ، وهذا بيانها:
المستشارون:
فؤاد بك حمزة ــ وزير الدولة ــ وكان وكيلاً لوزارة الخارجية ،ووزيرًا مفوضًا لبلاده في أنقرة ، وهو شخصية لامعة من الشخصيات الديبلوماسية الممتازة النادرة ، ويتمتع لتفانيه وإخلاصه بثقة جلالة الملك وعطفه.
الشيخ إبراهيم بن معمر ، وكان يشغل منصب رئيس ديوان جلالة الملك، وكان أيضًا وزيرًا مفوضًا في العراق وأميرًا لجدة .
السيد خالد أبو الوليد.
السيد بشير السعداوي.
السيد حمزة غوث ، وكان وزيرًا مفوضًا في العراق.
الشعبة السياسية:
ويرأسها معالي الشيخ يوسف ياسين وزير الدولة ، وهو يشغل في الوقت نفسه المناصب الآتية : سكرتير جلالة الملك ، ووزير الخارجية بالنيابة ، وعضو مجلس الوكلاء ، ومبعوث جلالة الملك في الجامعة العربية.
وهو واسع الدراية بالسياسة العالمية ، وأديب ممتاز ، ورجل خلق وفضل، ومنزلته رفيعة في قلب كل من يعرفه وفي أي مكان يحل به .
الشعبة السرية :
ويرأسها « الشيخ محمد بن دغيثر » وهو كاتم سر جلالة الملك ، وقد رفعته كفايته وفضله إلى منصبه السامي الرفيع بالرغم من صغر سنه.
شعبة الأمور الداخلية:
ويرأسها « الشيخ إبراهيم بن عيدان » وهو رجل مهذب مثقف يخلص في أداء عمله ، سامي الخلق بعيد الهمة.
شعبة الوفود والضيافة:
وهي شعبة لها خطورتها ومنزلتها في بلاط جلالة الملك ، ويرأسها «الشيخ إبراهيم بن جميعة» ، ويدير أعمالها الواسعة بعبقرية فذة وكفاية نادرة.
الديوان الملكي :
ويرأسه « الشيخ عبدالله بن عثمان » ،وهو شاب ذو خبرة واسعة ومعرفة ممتازة، وله مكانته عند أسد الجزيرة.
الخاصة الملكية :
ويديرها « الشيخ عبدالرحمن الطبيشي» إدارة حزم وعزم ، وهو موضع ثقة جلالة الملك ورعايته.
الحرس الملكي :
وقائده هو « الأميرالاي سعيد بك جودت » رئيس حاشية جلالة الملك العسكرية ، ضابط من الطراز الأول الممتاز.
طبابة القصر العالي:
ويرأسها معالي « الدكتور مدحت شيخ الأرض » طبيب خاص جلالة الملك ، وهو يحمل لقب وزير دولة ، يعاونه الدكتور رشاد فرعون ، ويحمل لقب مستشار لجلالة الملك ، والأطباء الدكاترة ،أحمد ياسين ، وأديب العنتابي طبيب سمو ولي العهد ، وبشير عبيد .
وملحق بها صيدلي قانوني هو « الدكتور محمد الكيلاني » ،وقابلة هي «نظمية سهام المصري» .
الوزير
إذا كان الأمراء من آل البيت السعودي يتولون المناصب الكبيرة في الدولة ويصرفون شؤونها ، فإن هذا لا يمنع من أن يتولاها أفراد عاديون من الشعب نفسه. ومنصب الوزارة هناك من المناصب الكبيرة التي يتطلع إليها كل من يريد أن يخدم بلاده .
وأهالي الجزيرة العربية عندما يذكرون كلمة « الوزير » ينصرف ذهن السامع فورًا إلى « معالي الشيخ عبدالله السليمان» (2) وزير المالية ، ويذكرون له طيب شمائله وروحه الديمقراطية . وعلى الرغم من كثرة مشاغله وأعماله ، يحرص دائمًا على أن يفتح أبوابه للجميع ويستمع إليهم ، ويشاورهم فيما يعتزمه من مشروعات أو يواجههم من مصاعب ، فإذا ما أبديت له دهشتك من هذه الطريقة الفريدة ، قال لك:أنا اليوم وزير ، ويجوز أن هذا الذي يطلب مقابلتي اليوم يصير وزيرًا في الغد ، ومن الجائز أيضًا أن يكون رأيه خيرًا من رأيي.
وهو مثل حي للحاكم الصالح الذي يقدس المصلحة العامة ،ويقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ، فقد حدث أن قل الماء في موسم الحج في سنة 1368 هجرية في مكة ، وكانت الحرارة شديدة جدًا ، فبذلت الحكومة جهودًا جبارة لحل الأزمة ، وبحث الشيخ عبدالله السليمان عن وسيلة تقي المدينة شح الماء وقاية دائمة. وكان لابد لذلك من عين جديدة تضاف إلى « عين فاطمة »، و« عين زبيدة اللتين تسقيانها ، فلم يجد إلا عينًا اسمها « عين حنين » ، يملكها شقيقه الشيخ حمد السلمان،ويروي منها مزرعته في خارج مكة على بعد 25 كيلو مترا من حدودها . ولم يتردد «الوزير» في الاستيلاء على هذه العين ، غير عابئ بالضرر الذي يصيب مزرعة شقيقه ، ودون أن يعوضه عنها . ولم يحتج الرجل لأنه هو الآخر يدين بدين أسد الجزيرة ،ودين أهله وشعبه « تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد». والوزير من الشخصيات المعروفة في المجالات الدولية ، وله آراء في النظم السياسية والدولية. وقد حدثني عن رأيه في نظام تعدد الأحزاب في البلدان العربية ، فقال : إن هذا النظام له مساوئ عديدة . وضرب مثلاً ببريطانيا فقال: إنها على الرغم من تقدم النظام الديمقراطي وعراقته فيها تأخذ بنظام الحزبين : حزب الحكومة وحزب المعارضة . وأعرب عن إعجابه بما يسود تفكير الإنجليز وسياستهم ، وهو إيثارهم لمصلحتهم على مصلحة غيرهم ، وقال : إن هذا تفكير سليم صحيح ، ولابد أن نتبعه، فنبدأ بأنفسنا أولاً ، وانتقد سياسة الحكومات العربية في كثرة تغيير سفرائها ووزرائها وتبديلهم في الخارج ، فما يكاد الواحد منهم يثبت أقدامه ، ويوطد علاقاته الرسمية وغير الرسمية فيها ،ويبدأ يعمل لنفع بلاده حتى ينقل ويتهدم كل ما بناه وينهار.
هذا هو « الوزير » قدوة الحكم الصالح النزيه الحر الكريم الذي يعيش منكرًا نفسه في سبيل خدمة مليكه وأمته . إنه أشبه ما يكون بالزاهد الذي يجرد نفسه من متاع الدنيا ويهبها خالصة لله.
معالي الشيخ حمد السليمان
وزير الدولة
شخصية هادئة رزينة، تبدو على طلعته سيماء الوقار والتقوى والصلاح ، ارتقى إلى منصب «وزير الدولة الرفيع » ،كما ارتقى معالي شقيقه .. الشيخ عبدالله السليمان ، إلى منصب وزير المالية ، بعد جهاد عنيف وكفاح طويل، وخدمة طويلة في إخلاص نادر لحضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز الذي يوليهما ثقته ،ويشرفهما بخدمة بلاده.
ولد « الشيخ حمد » في بلدة « عنيزة » في نجد ، ولما شب اشتغل بالتجارة بين الهند والبحرين وبلاده،فنجح في تجارته وجمع ثروة ضخمة ، ولكنه لم يستكن(3)إلى النعمة ، ويركن إلى الثراء ، فما إن دعاه داعي الجهاد حتى لبى،وسار في طليعة الأبطال المجاهدين المخلصين لعبد العزيز،وكان معه أخواه (4)محمد ــ الأكبر ــ وعبدالله الثاني.. واستشهد الأكبر في مطلع الفتح السعودي ،وعاش عبدالله وحمد ليكونا من العمد التي يقيم عليها أسد الجزيرة نهضة بلاده.
وقد استفاد معالي الشيخ حمد السليمان من ممارسته التجارة في شبابه صفاته البارزة التي تفرد بها آل السليمان بين رجالات الجزيرة العربية ،وهي الصبر والجلد عند الشدائد ، والثبات والصمود للحوادث مهما عظمت ، فهو رجل تمر به الشدائد والمشاكل المعقدة التي تعترض كل عمل حكومي ــ خصوصًا الأعمال المالية ـ فيصمد أمام هذه الشدائد ، ويحل هذه المشاكل في هدوء ورباطة جأش وحسن تصرف،وكله إيمان بالله وثقة بالنفس . ولا أدل على ذلك من توفيقه في معاونة شقيقه وزير المالية ــ إذ يتولى منصب وكيل المالية ــ في سد حاجات البلاد من الغذاء والكساء وكافة مطالب العيش(5) إبان الحرب العالمية الأخيرة ، في الوقت الذي كانت فيه جميع بلدان العالم تئن من وطأة الحاجة والمجاعة ، بتوجيه وإرشاد جلالة الملك عبدالعزيز.(6)
وقد أنجب الشيخ حمد ذرية صالحة أكبرهم « الشيخ سليمان الحمد » وكيل وزارة المالية المساعد الذي يقوم مقامه أثناء غيابه خارج البلاد ، وخالد، وعثمان ، ويوسف ، وصالح . وسعد .. وكلهم يتلقون العلم في مصر ، وهو عنوان مشرف ممتاز للشباب السعودي في بلادنا.
وإذ تعرف الشيخ حمد السلمان تعرف فيه لأول وهلة دماثة الخلق ورقة الطباع ،وعمق الإيمان والتواضع الجم ، وتلمس فيه على الفور شدة ميله إلى الإحسان ، وعطفه على الفقراء ، ومواسته للضعفاء ، وترى يده دائمًا سباقة إلى فعل الخير.
وقد قام الشيخ حمد بعدة رحلات إلى الخارج للاستشفاء ، وبالرغم من أن سفره فيها لم يكن إلا من أجل العلاج ، وبالرغم من شدة وطأة المرض عليه خلال بعض هذه الأسفار ، فإنه كان يتتبع في يقظة تامة واهتمام نواحي النهضة والرقي في البلاد التي يزورها ، ويقتبس منها ما يرى أنه يصلح لنهضة بلاده الوثابة الحاضرة.
هذا هو الرجل الذي أنعم عليه جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود برتبة «وزير دولة» مع لقب « صاحب المعالي » تقديرًا لخدماته الجليلة،وإخلاصه للمليك والحكومة والشعب.
سعادة الشيخ محمد سرور الصبان
سعادة الشيخ محمد سرور الصبان رجل من أكثر خدام الدولة العربية السعودية صدقًا وإخلاصًا في خدمتها . وإليه يرجع الفضل في تشجيع الحركة الأدبية والنهضة الاقتصادية في بلاده ، وبيته في الزمالك في القاهرة منتدى ومضيفة لكل عربي من أبناء الشعوب العربية، ومقصدًا لطلاب الحاجات ، ولا يخيب هناك رجاء لمعوز أو فقير...
ولد سعادته في « القنفذة » عام 1316هـ هجرية ، وتلقى علومه في بلاده. والتحق بخدمة الحكومة ، وتقلب في عدة وظائف بها ،كان آخرها وظيفته الحالية «مستشار وزارة المالية السعودية » ،وهو يحمل لقب وزير مفوض من الدرجة الأولى ،ويعد من أعمدة المال والاقتصاد في المملكة العربية السعودية.
سعى إلى تكوين الاقتصادي القومي السعودي، ووطد دعائمه بإنشائه الشركة العربية للصادرات ، والشركة العربية للطبع والنشر ، والشركة العربية للتوفير والاقتصاد ، وشركة البواخر السعودية ، وهو أول رئيس للشركة العربية للسيارات وصاحب الفضل في إقامة بنيانها عاليًا.
وفوق هذا فهو سياسي محنك ، واسع الاطلاع ، وله إلمام بكل صغيرة وكبيرة ، ونشاطه لا يقتصر على الشؤون المالية التي يقوم بأعبائها ،بل يتعداه إلى كل ما يعود على الشعب السعودي والمملكة العربية السعودية بالخير واليمن . وهو لا يدخر جهدًا في هذا السبيل ، وقد أهلته مناقبه العالية ونشاطه لأن يحوز رضا مليكه المعظم عبدالعزيز آل سعود.
وسعادة الشيخ سرور رجل ملم إلمامًا واسعًا بالعلوم الدينية والشرائع السماوية، فإذا ما ناقشته في أمر أقنعك بالحجة والمنطق اللذين يكتسبهما كل متبحر في الدين والشريعة . ويفتنك بتواضعه وحيائه وأدبه الجم ، فيملك عليك حواسك ومشاعرك.
ويتجلى حبه للخير وبره في توليه رئاسة « جمعية الإسعاف الخيري في بلاده » ، و ( دار الأيتام والصناعة ) في مكة . أكثر الله من أمثاله لنفع الإسلام والمسلمين.(7)
هذه هي مكة المكرمة
ارتديتُ ملابس الإحرام في « جدة » في دار المفوضية المصرية لأداء فريضة الحج، وركبت السيارة ظهرًا ، سيارة « كاديلاك » فخمة، وضعتها الحكومة السعودية المضيافة تحت تصرفي، وسرنا في الطريق الصحراوي الممتد بين جدة ومكة ، طريق عظيم طوله نحو ثمانين كيلو مترًا ، وقد كلف الحكومة السعودية خمسة ملايين من الجنيهات منذ أنشئ إلى اليوم.
وبعد مسيرة عشرة كيلو مترات رأيت جنة صغيرة .. ودعاني رفيقي مندوب الحكومة السعودية لزيارتها . إنها مزرعة نموذجية أنشأتها مديرية الزراعة السعودية للإفادة من الماء الزائد الذي تضيق به خزانات جدة ، وهو يقدر في المتوسط باثنين وعشرين ألف صفيحة في اليوم . لقد استطاع الشاب السعودي « محمد محمد بادكوك» أن يقلب رمال الصحراء إلى أرض خصيبة، وهو من خريجي كلية الزراعة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة.
وفي منتصف الطريق نزلنا لنصلي صلاة الإحرام في مصلى صغير ، ثم شربنا الشاي بعد الصلاة في مقهى قريب من المصلى واستأنفنا المسير .
وعلى مسافة ثلاثين كيلو مترًا من مكة طالعتنا لافتة كبيرة كتب عليها «ممنوع دخول غير المسلمين» ، وعلى بوابة مكة المكرمة شرطي يقظ يفحص الوافدين قبل أن يأذن لهم بدخول المدينة المقدسة .
دخلنا مكة وأخذنا نسير فيها ، وأشار رفيقي إلى الفضاء البعيد، وقال :
ــ هناك مستشفى الحكومة وخزانات ضخمة للبنزين، لتزويد السيارات والمدرعات والطائرات به في حالة الحرب.
وأخيرًا وصلنا إلى الكعبة ، وأحسست بالرهبة والخشوع يملآن نفسي لما اجتزت باب الحرم ، وشعرت أنني تحررت من كل أباطيل الحياة وأوهامها وشهواتها ، وأنا أردد دعاء البدء في الطواف وراء المطوف:
ــ لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك . لبيك . إن الحمد لك والنعمة والملك ، لا شريك لك لبيك . لبى لك عبدك وابن عبدك ، هارب من الذنوب والخطايا ،وجئت لديك . لبيك ..
وبعد الحج ذهبنا إلى الفندق « لوكاندة (8) مصر » التي بناها هناك طلعت حرب باشا ــ رحمه الله (9)ــ هناك يجد المرء كل وسائل الراحة . وهناك التقيت بمجموعة من الخبراء وأصحاب العلم والصناعة في العالم العربي ، دعتهم الحكومة السعودية ، لتستعين بهم في نهضتها الجديدة ، وكلهم ينعم بالتقدير والمكافأة السخية.
وتعرفت في الفندق « بالشيخ عبدالسلام غالي » مدير الضيافة ، وهو شيخ وقور مصري الأصل ، استطاع أن يصل بكفايته وإخلاصه إلى الحصول على ثقة الملك . وقد عرفت منه أن عدد سكان مكة 000،200، وأن عماد حياتهم ما يكسبونه في موسم الحج ، فليس هناك زراعة أو تجارة تذكر.
وصليت المغرب في الحرم . وكان سابحا في أضواء الكهرباء ، وستضاء مكة كلها بالكهرباء كما أضيئت جدة.
وقد شمل ابن سعود « شارع المسعى» الذي يسعى فيه الحجاج بين الصفا والمروة بعنايته ، فأمر بتغطيته بسقف من الصاج لوقاية الساعين شر الشمس والمطر.
وفي الصباح زرت « سوق الليل » ،وهو في موضع البيت الذي ولد فيه رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ. ثم زرت مقر « النيابة العامة » دار الحكومة . وهناك قابلت نائب الملك بالنيابة « الأمير عبدالله الفيصل» ، ورأيته يستقبل شيوخ القبائل وحكام البادية . كان كل منهم يقبل أنفه ، ثم يجلس .. وأخذوا يستشيرونه، فيشير عليهم ، ويستشيرهم ، فيشيرون عليه في غير كلفة . وفي خلال ذلك كان الموظفون يدخلون على الأمير ، فإذا دخل أحدهم خاطبه قائلاً «ياعمي».
والتفتَ إليَّ الأمير ، وقال في حياء جم وتواضع :
إننا مقصرون في الإصلاح .. مازالت البلاد تحتاج لكثير ، ولكننا معذورون . نحن ننفق على قدر ما عندنا من مال ، ونسير في الإصلاح شيئًا فشيئًا حتى لا ترهق ميزانيتنا.