31/03/2012, 02:44 PM
|
#10
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : 30/07/2025 (06:02 AM)
|
المشاركات :
64,173 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
جهاد أسد الجزيرة
في سبيل فلسطين (1)
لا أحد يجهل موقف أسد الجزيرة في مشكلة فلسطين منذ بدأت وكيف حرص جلالته على إنقاذ فلسطين ودوام عروبتها . وهذه الوثيقة التاريخية الخطيرة خير شاهد على ذلك ، وهي تتضمن نص الحديث الذي دار في الرياض بين جلالته ولجنة التحقيق البريطانية الأمريكية في موضوع فلسطين.
تشرفت لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية بمقابلة جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في قصره الملكي بالرياض صباح الثلاثاء 16 ربيع الثاني(2) 1365هـ الموافق 19 مارس 1946م، وكانت مؤلفة من الرئيس السير جون سنجلتون ، والعضوين الميجر ماننجهام بولر ، والمستر باكستون.
وأعربت اللجنة بعد تبادل التحية عن رغبتها في أن تستمع إلى آراء جلالته في موضوع فلسطين الذي حضرت من أجله، فتفضل جلالته بقوله:إن عليهم وقد حضروا للسؤال ومعرفة الآراء أن يبدأوا بأسئلتهم ، فقال رئيس اللجنة :
« إن اللجنة كما يعلم جلالة الملك قد أوفدتها الحكومتان البريطانية والأمريكية لتحقق وتسعى للوصول إلى حل مرض لمشكلة فلسطين الحاضرة،وبعد انتهائها من زيارة مختلف البلدان العربية وغيرها ،ستقدم ما يتجمع لديها من معلومات وتقارير إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية ، وتنحصر مهمتها في معرفة ما لدى الجميع لتقدم تقريرها إلى الحكومتين المذكورتين ، وليس لها أن تتعدى ذلك كما أنه ليس من اختصاصها أن تؤيد فريقًا دون آخر ،أو أن تفصل في القضية بحكم في صالح قوم دون آخرين ، وقال : إنهم ليعلمون أن موضوع فلسطين يهم جًلالة الملك عبدالعزيز كثيرًا ، ولذلك فهم يقدمون شكرهم لجلالته على قبوله لهم(3) ليسمعوا آراء جلالته الشخصية في هذا الموضوع.
وتفضل جلالته بعد سماع كلمة الرئيس فأبان أن أمر فلسطين يهمه كثيرًا؛ ذلك لأنه عربي ومسلم قبل كل شيء ، والعربي للعربي والمسلم للمسلم.
وقال جلالته:أنه وجميع العرب أصدقاء للحلفاء ومن رأي جلالته أن من مصلحة العرب مسلميهم ومسيحييهم دوام الصداقة والاتفاق مع الحلفاء ، وأن هذه الصداقة وهذا الاتفاق هما من مصلحة الحلفاء أيضًا.
وذكر جلالته أنه سعى في أثناء الحرب بالنصح للعرب والمسلمين ، ولا سيما مسلمي الهند بأن يكونوا على اتفاق مع بريطانيا ؛ لأن ذلك من مصلحتهم فأبدى رئيس اللجنة شكره لجلالة الملك على هذه النصيحة.
واستمر جلالته في حديثه قائلاً : إن قضية الصهيونية في فلسطين تهم المسلمين والعرب بصورة عامة ، وتهمني بصورة خاصة ، وأن العداوة التي بين اليهود والمسلمين ليست وليدة عهد جديد ، وإنما هي نتيجة عداء قديم يرجع إلى آلاف السنين ، وقد ذكرها الله في كتابه حيث قال: { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} (4)
وذكر جلالته أن ما جاء في هذه الآية الكريمة هو عماد سياسته وسياسة المسلمين الدينية .
وقال : أما الذي يهمني بصورة خاصة في هذه القضية زيادة عما يهم غيري من المسلمين والعرب فهو أني من العرب وللعرب ، والمسلمون يعرفون ديانتي وتمسكي بأحكام الإسلام ، وما أقوله عنهم يقبلونه مني لحسن ظنهم بي وما يعرفونه من صدق نيتي وتمسكي بعقيدتي.
ثم قال جلالته : اليهود أعداؤنا في كل مكان . وهم في كل بقعة يأتون إليها ، يفسدون ويعملون ضد مصلحتنا ، وإني لعلي يقين ــ أولا ــ من أن اليهود الصهيونيين لا يدخرون وسعًا في إحداث الاختلافات بين العرب وصديقتيهم بريطانيا وأمريكا ،وهذا يتجنبه العرب ولا يريدونه ، وثانيًا أن هجرة اليهود اذا استمرت على ماهي عليه ، وتوسعت أملاكهم في فلسطين ، فسيكون خطرًا على العرب كافة؛لأن لديهم جميع الوسائل لإمدادهم بالأسلحة والنقود وغيرها ،ولا شك في أنهم سيستعملون هذا ضد العرب، وهو في نفس الوقت فيه إشكال على البريطانيين ،والدليل على هذا ما رأته اللجنة عند زيارتها لفلسطين. هل رأت اللجنة حال العرب وحال اليهود ؟ هل رأت اليهود في ترفهم ومساكنهم وسلاحهم وأموالهم وقوتهم ، ورأت العرب أصحاب البلاد الشرعيين وما هم عليه من الفقر والعوز ؟ ألم يصرح اليهود للجنة بأنهم أصحاب زراعات وأملاك ، وأنهم يعملون ويصلحون على نقيض ما يفعله هؤلاء الأشقياء ، ويعنون بذك العرب ؟
إذا أرادت اللجنة أن تسأل عن أسباب ذلك فإني أخبرها بالأسباب التي أوصلت الفريقين إلى ما هم فيه . فتكلم رئيس اللجنة راجيًا من جلالة الملك أن يتفضل بذكر الأسباب وما يراه لمعالجة الحالة في فلسطين.
فأجاب جلالته موضحًا الأسباب في حال العرب الحاضرة بأنها تتلخص في جملة واحدة ،وهي أن العرب نهضوا للدفاع عن بلادهم ،والمطالبة بحقوقهم ، واستعادة ما سلب منهم . ثم تكلم جلالته عن الأسباب التي جعلت اليهود يتقدمون في مرافقهم من زراعة وغيرها،والتي جعلتهم يسبقون العرب في هذه المراحل ، فقال:
ــ كيف يتسنى للعرب أن يبادروا اليهود ، وهم ما بين مصلوب على أعواد المشانق وسجين وشريد ومغرب ؟ كيف يتسنى لهم أن يتقدموا وهذه العقبات أمامهم؟ بينما اليهود تسهل لهم جميع الوسائل ، وكلما تكلم العرب مطالبين بحقوقهم لم يجدوا من يعينهم على أمرهم أو يسمع شكواهم.
أما اليهود فإنهم على مرأى ومسمع منكم أيها الإنكليز يقتلون عساكركم وكبراءكم ويحاربونكم بشتى الأشكال،وأنتم لا تجيبونهم إلا بإطلاق الرصاص في الهواء ،وكأن لم يكن بينكم وبينهم حساب .
وهنا قال رئيس اللجنة : إن الإنكليز متساهلون كثيرًا ، وهذا ما يجعل الناس يطمعون فيهم.
فقال جلالة الملك : ليس الخبر كالعيان . إن التساهل في بعض الأحوال يجعل الخطر أعظم ،والبلية أعم ، وأضرب لكم مثلاً بإنسان تحلق فوق رأسه الطائرات ، ويده مغلولة ،وخالية من السلاح ، وإنسان آخر عنده سلاح ويده طليقة ، فهل يتساوى الشخصان ؟ تلك هي حال العرب واليهود في فلسطين.
وأشار جلالته إلى مجموع الاعتداءات التي كانت من اليهود في جملتها الاعتداء على اللورد موين . فأبدى رئيس اللجنة أسفه على مقتل اللورد موين، وقال إن وفاته كانت خسارة فادحة على العالم ،لأنه كان صديقًا للعالم أجمع . وعاد جلالته إلى متابعة حديثة، فقال :
ــ « إنني منذ أن أوجدني الله وصرت أسعى لاستعادة ملك آبائي وأجدادي ما عرفت من الدول غير بريطانيا ــ وكانت صديقتي،رأيت منها ماسرني،ورأت مني ما سرها . ولما نشبت الحرب(5) أيدت سياستها وسياسة حلفائها وثوقًا مني بأن ذلك في مصلحتي ومصلحة العرب جميعًا».
لهذا السبب كانت الحكومة البريطانية ولا تزال ترغب في أن أسعى للتوفيق بينها وبين العرب منذ أيام الحرب وبعد انتهائها ، اتقاء لحدوث المشاكل بينها وبينهم ، وكنت أعمل ما في وسعي مع إخواني العرب وأنصحهم بأن لا يجعلوا سبيلاً لحدوث اختلاف بينهم وبين بريطانيا ، لأن أعداء الحلفاء هم أعداء العرب ، ويجب علينا الصبر والتروي ، وذلك لاعتقادي بأنه من مصلحة العرب .
ولقد بلغ مني الأمر أن تكلمت أمام جمع من المسلمين في مكة المكرمة، ونصحتهم بأن يكونوا إلى جانب بريطانيا وحلفائها،لأنها صديقتهم وتدافع في حربها عن حقوقهم ومصالحهم ، وأن لا يدعوها في حرج من أمرها . تكلمت بهذا في وقت كان يجب فيه عليَّ أن أكتفي بالدعوة إلى كلمة الله والتمسك بكتابه وبشريعة نبيه ، والناس جميعًا يعلمون أن برنامجي الذي تسير عليه حكومتي هو برنامج ديني خالص ، لا مطمع لي في مال أو زيادة ملك ، أنا وحكومتي ندعو إلى عبادة الله ، والمسلمون عالمون بالأمن والسكينة والراحة في مملكتنا ، وكل هذا من فضل الله ثم ببركة الدين.
وعلى إثر ذلك تلقى علماؤنا كتبًا من العلماء في بلاد المسلمين تنتقد موقفي ،ففاتحوني بما جاءهم ، وأبدوا لي أنهم لا يتعرضون للمسائل السياسية، ولكنهم يعجبون من معاضدتي لبريطانيا في الوقت الذي تؤوي فيه اليهود وتوليهم على فلسطين . فأوضحت لهم الأخطار التي تستهدف لها أوطاننا إذا انتصر أعداء بريطانيا عليها . فقالوا : هل تضمن أن بريطانيا إذا انتصرت لا تؤيد اليهود ولا تؤويهم في بلادنا وأنها تعامل العرب في فلسطين بالعدل ؟ فأجبتهم: إني لا أضمن لكم أن تفعل بريطانيا هذا أو ذاك ، ولكن ما أعرفه عن بريطانيا ووعودها التي قطعتها على نفسها هو أنه إذا لم يقم العرب بأعمال ضدها فإنها ستعاملهم بالإنصاف.
ثم وجه جلالة الملك كلامه إلى اللجنة قائلاً :
ــ وأذكر لكم أمرًا واقعًا ، وهو أن الوزير البريطاني المفوض بجدة زارني بعد انتهاء الحرب بمدة وجيزة وقال لي : إن حكومتي ترى أن حركات اليهود الحاضرة ربما تكون من حظ العرب لأنه كلما ازدادت حركاتهم انكشفت نياتهم . ورجائي أن أبذل جهدي لدى العرب لالتزم الهدوء ، وأقنعني بأن هذا هو خير لمصلحتهم . فلم أدخر وسعًا في هذا السبيل إلى أن وصلنا للموقف الذي نحن فيه.
لقد وقعت الآن في مشكل خطير أمام شعبي وجماعتي وأمام العرب والمسلمين . فإذا كانت بريطانيا تريد أن تعدل عن الحق الواضح ، وأن تذهب مواعيدها أدراج الرياح فليس أمامي إلا أن أقول للمسلمين . دونكم ونفسي اقتلوني . أو انزلوني عن الملك ، لأني مستحق لذلك ، وأنا الذي جنيت عليكم وثبطت عزمكم .
هذه هي حقيقة موقفي شرحتها لكم بوضوح.
تسألونني عن رأيي في بقاء اليهود في فلسطين وأنا أقول لكم نحن ما تعدينا على اليهود ، ولم نأخذ أملاكهم وبلادهم ، وإنما أخذنا فلسطين من الرومان . والعرب حكام فيها من ألف وثلاثمائة سنة وأكثر ، لا نعرف اليهود ولا هم يعرفوننا، والبلاد بلادنا بحق الفتح . ونحن الذين فرحنا بنصر الحلفاء نحب أن نتمتع بلذة النصر ، فهل يراد أن يتمتع غيرنا ببلادنا نتيجة لهذا النصر ؟ اليهود اليوم قوتهم بالدينار، ونحن حجتنا بحقنا في فلسطين حجة شرعية . بلادنا أخذناها من الرومان بالسيف . قاتلنا دونها وملكناها بعد أن سفكت دماؤنا ، فكيف يأتيها تاجر ويأخذها بالفلوس ! ليس هذا من الإنصاف في شيء.
ولي كلمة أخرى أريد أن أقولها لكم : يزعم اليهود أن من المستحيل على العرب أن يحاربوا من أجل فلسطين . وأنا أقول : إن الحرب لوكانت بين العرب واليهود لما تأخر العرب دقيقة واحدة عن خوضها ، ولكن دفاع بريطانيا عن اليهود يجعل الحرب بين العرب وبريطانيا ، والعرب لا يحبون محاربة بريطانيا ، وأعتقد أن حكومة بريطانيا رشيدة عاقلة تدرك حقائق الأمور ، وتعلم أنه ليس من مصلحتها أن توجد لها أعداء من جميع المسلمين والمسيحيين يضمرون لها الشر في قلوبهم . والدنيا ليست على حال واحدة ، فقد يأتي يوم تقوى فيه شوكة اليهود ، فيكونون أول من يحاربها مع أعدائها كما يحاربونها اليوم.
لماذا تعمل بريطانيا بمساعدتها للصهيونية على تأليف مجموعة ضدها من كل مسلم يوحد الله في الشرق والغرب وليس هذا من مصلحتها ؟؟
فقال رئيس اللجنة . إن بريطانيا دخلت حربين في ربع قرن لأجل السلام والحرية. وبريطانيا يهمها كثيرًا أن لا تضيع صداقة العرب في الوقت الذي تدعو فيه إلى سلم عالمي . فرد عليه جلالة الملك قائلاً :
ــ نحن يهمنا وجود السلام العالمي،ونريد أن نعيش في هذا العالم بسلام، ولكن ما دام اليهود يؤتى بهم لبلادنا ،وعددهم يزيد في فلسطين يومًا بعد يوم، فمن المستحيل أن يستريح لنا بال أو يصلح لنا حال . وقد كنت ذكرت للرئيس روزفلت عند ما اجتمعت به في العام الفائت(6) مطامع اليهود ومقاصدهم، وأشار لي في أثناء حديثه إلى أنه يرغب بتزويدنا بمكائن وآلات زراعية حتى تنتج بلادنا ثمراتها،فأجبته : مادام اليهود في بلادنا فلا نريد زراعة، ونفضل الموت على الزراعة.
ثم أشار جلالته إلى اللجنة قائلاً :
ـــ أسالكم عن رأيكم أنتم ، وأرضاكم حكمًا ، هل ترضون بأن يعتدي أحد من العرب على امرأة إنجليزية أو أمريكية ويهينها ؟ إن اليهود يأتون إلى بلاد العرب ، ويأخذون أملاكهم ويطردونهم ويؤذونهم ، فأي عقل أودين أو سياسة تحمل العرب على قبول مثل هذا ؟!
أنا لا أريد أن أجرح عواطفكم . والذي يحملني على هذا القول هو ضيافتي لكم . وإن من حق الصديق على صديقه أن يصارحه بالواقع .
هذا ما عندي ، وإن أردتم أن تستوضحوا عن شيء ، فأنا مستعد لإجابتكم ، وهذا كلامي الشخصي ، وستقدم إليكم مذكرة خاصة من مستشاري توضح آرائي .
وبعد أن أتم جلالة الملك حديثه سأله رئيس اللجنة ،عما إذا كان قد تحدث مع المستر تشرشل والرئيس روزفلت في هذه القضية ، فأجاب جلالته:
ــ إنني تحدثت مع الرئيس روزفلت حديثًا طويلاً في قضية فلسطين سجلت خلاصته بمحضر خاص . وقد كان من الذين حضروا حديثي مع الرئيس روزفلت الوزير الأمريكي المفوض في جدة . وقد أطلعت المستر تشرشل على حديثي مع روزفلت وعلى الوعد الذي وعدني به ، فوعد المستر تشرشل بأن يقوم بالواجب من قبله في مساعدة العرب وعدم الإجحاف بحقوقهم . ولقد كان الرئيس روزفلت يسعى لإيجاد مكان لإيواء اليهود ، وكان مقتنعًا بأن فلسطين لا تصلح أن تكون مأوى لهم ، وأن في بلاد أوروبا متسعًا لهم،إذ يمكنهم الإقامة في الأماكن التي خلت بما أبيد من اليهود بسبب الحرب . ولقد كان عجيبًا ما روي عن الرئيس ترومان إذ قيل إنه طلب إيواء مائة ألف يهودي في فلسطين في الوقت الذي لم يسمح بإيواء أكثر من تسعة وثلاثين ألف يهودي في الولايات المتحدة كما بلغنا ذلك .
فسأل رئيس اللجنة جلالة الملك عما إذا كان يوافق على هجرة عد من الأطفال والعجزة واليتامى واليهود الأوروبيين إلى فلسطين على أن يكفلهم يهود فلسطين.
فأجاب جلالته : العرب متفقون على رفض الهجرة ، والطفل اليوم سيكون رجلاً بعد بضع سنوات ، فأنا لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال بالقبول.
ثم استأذن رئيس اللجنة بأن يسمح له جلالة الملك بسؤال قد يكون فيه بعض الإزعاج . فأبدى جلالته سروره لسماع أي سؤال ، وأنه صريح ويحب الصراحة . فأشار الرئيس إلى قرار اللجنة البريطانية بتقسيم فلسطين إلى قسمين.
فأجاب جلالته بأنه واحد من العرب ، ورأيه هو ما يجمع عليه العرب ، وقد أجمعوا على رفض التقسيم ، وهو واحد منهم،ليس له رأي خاص يخالف ما أجمعوا عليه.
فسأل الرئيس عما إذا كان جلالة الملك يمانع في مواصلة الهجرة اليهودية بمعدل ألف وخمسمائة شخص في الشهر ؟ فأجاب جلالته بقوله : الموت خير لنا من قبول الهجرة ، وكل جهادنا هو لئلا يهاجر اليهود إلى فلسطين ، وألا يمتلكوا أرضًا.
وأشار الرئيس إلى بدء حديث جلالته عن العداوة الدينية القديمة بين العرب واليهود ، وسأل عن رأي جلالته فيما إذا امتنعت الهجرة اليهودية إلى فلسطين هل تستمر هذه العداوة بين العرب واليهود ؟
فأجاب جلالته : إذا أرادت بريطانيا أن تحافظ على صلاتها الحسنة مع العرب فلتوقف الهجرة في الحال ولتمنع بيع الأراضي ، لأن هذين الأمرين هما أساس المشكلات ومنبع الاضطرابات ، وتعقد مؤتمرًا من رؤساء العرب والبريطانيين والأمريكيين يتفق على الطريقة التي تؤمن الراحة والطمأنينة في فلسطين ، ويزال ما هنا لك من خلاف،ويحل السلام . فإذا منعت الهجرة منعًا باتًا ، وأوقف بيع الأرض أمكن الوصول إلى حل جميع المشاكل المعترضة.
فسأل عضو اللجنة البريطاني الميجر ماننجهام بولر جلالة الملك هل الحديث الذي تفضلتم بأنه كان بين جلالتكم والرئيس روزفلت هو كل ما جرى بينكما من حديث ؟.
فقال جلالة الملك . إنني طلبت من الرئيس روزفلت أن أتحدث معه كرجل مسلم عربي اسمه عبدالعزيز، يتكلم مع رجل هو رئيس الولايات المتحدة اسمه روزفلت،فقبل الحديث معي بهذا الاعتبار، فقلت له : لماذا تعين على هجرة اليهود إلى فلسطين وتمكنهم من الاستيلاء عليها بغير حق؟ فأجابني بصراحة وحزم وبكل تأكيد: إنني ما أمرت بهجرة اليهود إلى فلسطين،ولا عملت أي ضغط من أجلها ، ولا يمكن أن أعمل أي عمل ضد العرب في فلسطين ولن أعمل ذلك في المستقبل . وقد أكد لي حديثه هذا لا بصفته المستر روزفلت فقط ، بل بصفته رئيس الهيئة التنفيذية للولايات المتحدة.
ولما انتهى جلالة الملك من حديثه هذا أبدى رئيس اللجنة وأعضاؤها كلاَّ بمفرده، شكرهم لجلالته على تفضله بتزويدهم بهذه المعلومات ، وأبدوا إعجابهم بها،لأنها صادرة من أكبر رجل عربي في العالم ، وأنهم فخورون بهذه المعلومات التي حصلوا عليها.
رأيت . . وقرأت . . وسمعت . .
عن سعود ولي العهد (7) . .
ولد حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود ، ولي عهد المملكة العربية السعودية في ليلة استيلاء أسد الجزيرة على الرياض في الثالث من شوال سنة 1319هـ هجرية الموافق 15 يناير سنة 1902 ميلادية . وحينما بلغ السابعة من عمره بدأ يتعلم التعليم الابتدائي على يدي فقيه في الرياض(8)، وختم القرآن وهو في الحادية عشرة .
وبدأ أسد الجزيرة يدرب شبله على فنون الحكم والسياسة والحرب عندما اصطحبه معه في « غزوة جراب » (9).. وكان أول عمل سياسي عهد به إليه جلالته أن أوفده على رأس وفد كبير إلى « قطر » عقب حرب العجمان سنة 1915 ميلادية .. فقد حدث في هذا الوقت أن فر « سلمان بن محمد » بعد فشل حركة العجمان إلى قطر لاجئًا إلى « ابن ثاني » ، وكان الوحيد الذي تأخرت عودته من عائلته إلى الملك ، فتوسط ابن ثاني في الأمر، وتم الاتفاق على عودته وعلى سفر الأمير سعود مع وفد إلى قطر لتأمينه ومرافقته ،ونجح سعود في مهمته ووفق كل التوفيق ، وعاد إلى الرياض ومعه سلمان.
وكان سعود مع أبيه العظيم في زيارته « لتربة » عقب واقعتها المشهورة ، وبعد برهة وجيزة رجع الملك إلى الرياض ،وجهز سعودًا بحملة كبيرة ،وعهد إليه بتأديب بعض قبائل عتيبة الموالين للأشراف ، وكانت هذه الغزوة أول أعماله الحربية ، وكان انتصاره فيها عظيمًا ؛ فقد بلغت الغنائم التي قسمت على المحاربين بعد المعارك 3000 بعير و000،10 رأس غنم ..ولم يستغرق سعود فيها أكثر من يومين ، وعاد إلى الرياض.
وبعد رجوع سعود إلى الرياض أقامه والده المعظم على رأس حملة تتوجه إلى الشمال لغزو ابن رشيد ، فتوجه الأمير إلى « بريدة » بمجموعة المقاتلة ثم توجه إلى الطرفية ، وتقدم إلى الشعبية فعلم أن عليها عمالاً للزكاة تابعين لابن رشيد ، والعربان متجمعة عليهم،فصبحهم على الماء وأخذ مواشيهم ، كما ظفر بالأموال التي كانت مع عمال الزكاة وأرسل سرية إلى قرب البقيعة ، ثم تقدم بنفسه إلى الأجفر ، ولكنه لم يلق عليه قتالاً شديدًا ، فانكف إلى «بريدة»،ثم قفل إلى الرياض . واستراح في الرياض بضعة أشهر ، ثم رافق والده إلى بريدة حيث كان الاتفاق على قسمة الغزاة إلى قسمين أحدهما بقيادة الأمير محمد بن عبدالرحمن من أخوة الملك (10) ، والثاني بقيادة الأمير سعود. وكان نصيب سعود الجهة الشمالية المسماة « بالصحن » بين الجوف والحزول ، وهناك لقي قوات من شمر ،فدحرها وغنم حلالها ، ثم نزل الحزول ،ومنها عاد إلى بريدة ، كما عاد إليها عمه محمد . غير أن الملك أراد من سعود أن يعود إلى حرب حائل ، فجمع من تيسر لديه من المقاتلين، وتوجه بهم إلى قرب حائل وكانتالمناوشات تقع كل يوم بينه وبين شمر ،حتى فوجئ في أحد الأيام بنزول أمير حائل عبدالله بن متعب في مخيمه عارضًا الطاعة ،وطالبًا حمايته من ابن عمه الأمير محمد بن طلال . وتم الاتفاق إذ ذاك على فك الحصار عن حائل ،فرجع الأمير سعود في معيته، واشترك في الحملة التي انتهت باحتلال حائل واستسلام محمد بن طلال.
وتولى الأمير سعود قيادة الجيوش العربية السعودية المرابطة في نجران وعسير سنة 1353 هجرية ، وكان على رأس الحملة المهاجمة لليمن ،وأدار جميع الأعمال الحربية التي انتصر فيها الجيش السعودي في اليمن ،وكانت خطة تخليص نجران من أيدي الجيش اليمني وإخراج الجنود اليمانيين أيضًا من المنطقة التي احتلوها بين عسير وتهامة ، وفي الوقت نفسه القضاء على القوات اليمانية التي كانت تحتشد في صعدة وأطرافها .. حتى إذا ما طلب المغفور له الإمام يحيى (11) عقد الصلح ،ووقعت معاهدته توجه سعود إلى نجران ،وأشرف على تنظيم إدارتها بعد إعلان ضمها إلى مملكة أبيه.
وقام سعود في سنة 1935م بأول رحلة إلى أوروبا في زيارة خاصة للتعرف إلى رؤساء الحكومات فيها وقادتها ومشاهدة أحوال بلادها . ودامت رحلته ثلاثة أشهر زار خلالها إيطاليا وسويسرا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا ، وقوبل في كل منها بكل حفاوة وترحاب . وزار سموه بعدها فلسطين وشرق الأردن بدعوة خاصة ومنذ أربع سنوات زار الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة خاصة ،من الرئيس ترومان ، زار فيها واشنطن ، ونيويورك ، وكنساس سيتي،وهيوستن عاصمة تكساس ، وفينكس بالاريزونا ، ولوس أنجلوس ،وسان فرنسيسكو ، ثم ديترويت . وكانت رحلة دراسة واطلاع دقيق، وفي عودته استقل طائرة ترومان الخاصة (البقرة المقدسة) وتعددت زيارات سعود لمصر.. ومصر وطن ثان لكل سعودي،ولسموه أصدقاء خلص عديدون فيها ،وكل مصري يحبه ويجله وينزله في نفسه أرفع منزلة.
ولسعود برنامج خاص لحياته اليومية لا يغيره،فهو ينهض في الثلث الأخير من الليل قبل أن يطلع الفجر ، فإذا كان في الصيف أخذ حمامًا باردًا ، أما في الشتاء فيأخذ حمامًا ساخنًا ، ثم يمضي إلى مسجده الخاص وحده دون أن يصحبه أحد من أتباعه أو خدمه أو حراسه ، يجلس على مصلاه يقرأ بعض ما تيسر من آي الذكر الحكيم ، ثم يدعو الله دعاءه ، ثم يوقظ أتباعه فإذا أذن المؤذن يذهب إلى بيته ، ويسأل عن أهله وأسرته . وبعد ذلك يمضي إلى مكتبه، فيطلع على البرقيات والرسائل التي تتطلب الرد السريع ، فيؤشر عليها بما يراه ، ثم يمضي مرة أخرى إلى أهله وأولاده ، ويجلس إليهم ملاطفًا ويقضي معهم وقتًا ، ثم يذهب لتناول طعام الإفطار ويدعو كبار ضيوفه لمشاركته فيه .
وبعد الإفطار يتوجه سعود إلى قاعة الدرس،فيستمع إلى تلاوة العالم في أحد كتب التفاسير ثم إلى شيء من الحديث ، وفصول من التاريخ . وبعد ذلك يستقبل الناس ويستمع إلى أحاديثهم،ويقضي حوائجهم،وينصف مظلومهم ، ويوقع الأوامر الصادرة منه . ويمضي سعود بعد ذلك إلى أبيه العظيم فيسلم عليه ، ويبقى في معيته حتى ينصرف جلالته من مجلسه قبيل الظهر ، فيقوم سعود بمهام أعماله حتى يدخل الظـهر فيمضى إلى المسجد يؤدي الفريضة . وبعد الصلاة يعود إلى داره ، ويتناول الغذاء مع من جد من الضيوف ، ثم الشاي، وبعدئذ ينصرف إلى أهله فيقضي حوائجهم ، ثم يأوي إلى مضجعه في الثانية ،وينام ساعة ،ثم يستيقظ لصلاة العصر جماعة.
وبعد العصر يخرج إلى النزهة والرياضة في البساتين مع بعض رجاله حتى المغرب ، فيعود للصلاة ، ثم يستقبل زواره ويأمر لهم بالمنح والأعطيات . وبعد ذلك ينجز ما جد من الأعمال . ويتناول العشاء مع ضيوفه ويصلي معهم العشاء ، ثم يمضي إلى الملك فيجلس إليه ساعة ، ويعود إلى داره ، فيقرأ بعض دروس الفقه والتوحيد والتفسير والتاريخ ،ثم يطلع على قصاصات الصحف وأهم الأنباء،وفي الحادية عشرة يدخل مضجعه فينام.
وتعداد صفات سعود ومناقبه يضيق به هذا الكتاب ،وأبرز صفاته الشجاعة الفائقة البالغة المدى ، وقد تجلت هذه الشجاعة وهو طفل كما تجلت جرأته في سبيل الحق ، فيروى أن سعودًا كان طفلاً صغيرًا لا يعدو السابعة من عمره عندما أبعد شابًا يعتدي بالضرب على غلام في سنه لا تجمعه به زمالة أو قرابة ، فلم يطق سعود هذا الظلم وانتصف للمظلوم ، وثار على المعتدي الباغي ، وهو أكبر منه سنًا حتى أرهبه واضطره إلى الفرار ، ثم أخذ بيد الغلام ، ومسح له دموعه ، واقتاده إلى منزله ، فغسل له وجهه ، وأعطاه بعض الحلوى ، ثم أوصله إلى بيته مسرورًا.
وأبين البراهين وأقواها على شجاعة سعود النادرة حادث الاعتداء على أسد الجزيرة بالمسجد الحرام يوم العيد الأكبر في سنة 1353 هجرية .. كان الملك محُرِمًا يطوف بالكعبة طواف الإفاضة ، وبينما هو في الشوط الرابع يلتزم الحجر الأسود ، ثم يمشي خطوات أربع فيكون عند باب الكعبة ، وعلى بعد خطوات منه ابنه سعود يحتذيه ،إذا برجل ينقض من الفجوة الشامية لحجر إسماعيل منتضيًا خنجرًا حاد النصل ، ويصيح صيحات منكرة ، ويندفع كالسهم نحو أسد الجزيرة يريد اغتياله ، فيبصر به شرطي فيسرع إليه ليحمي مليكه ،إلا أن الشقي يعاجل الشرطي بطعنة تورده حتفه ، ويتقدم له شرطي آخر فيطعنه أيضًا طعنة قاتلة ، ويتقدم صوب الملك في حين أن زميلا للمجرم ينقض على مقربة منه ،حيث يخرج من الفجوة الأخرى للحجر ، ويتجه إلى ولي العهد حتى إذا كان على قيد خطوات منه يلتقط سعود المجرم الأول بيده القوية ، فيلقيه بعيدًا لئلا يعتدي على أبيه، ويعاجله مملوك من مماليك العاهل الكبير، ويوجه إلى المعتدي الأثيم طلقة ترديه في الحال .
وفي هذه اللحظة الرهيبة يبغت المجرم الثاني سعودًا وهو ملته بالتقاط المجرم الأول ، ويرفع خنجره ليغمده في جسم ولي العهد . وفي اللحظة التي يهوي الخنجر فيها على كتفه ، ويلامس «الإحرام» الذي يرتديه الأمير التقطه الحارس الخاص لسموه برصاصة أردته، ومن لطف الله لم يصب الأمير إلا بجرح سطحي بسيط . وفي اللحظة نفسها يخرج المجرم الثالث من الحجر ، ويركض من ناحية الركن اليماني للكعبة إلى الحجر الأسود ، ويبصر ماحل برفيقيه ، فيطلق ساقيه للريح هربًا،ولكن رصاصة تدركه فتصرعه . ويبدو سعود بين الحجاج الطائفين بعد ذلك كالطود الأشم يبحث عما إذا كان للجناة الثلاثة ــ وهم من زيود اليمن ــ رفاق ، ويطمئن الناس ، ويطلب إليهم أن يتموا مناسكهم في أمن وسلام ، ويغسل دم جرحه ، ثم يكمل طوافه .
وسعود صاحب قلب يفيض بالحنان ، وهو رحيم متواضع وديع وكرمه قرين شجاعته، فيداه مبسوطتان لا تنقبضان أبدًا،وأعطياته موصولة ، ومضيفه غاص بالآكلين. وهو عادل لأنه شريف فما ظلم في حكم ،ولا تجاوز حدًا ، ولا بغى ولا تكبر . قيل إنه غضب مرة في مجلس من مجالسه ، فضرب أحد حضور المجلس ــ وكان خادمًا ــ كفا على وجهه . ثم حاسب نفسه فلم يجد للخادم ذنبًا يستحق عليه هذا الجزاء ، فطلبه ، واعتذر له ، ومنحه مالاً كثيرًا بعد أن اعترف له بخطئه.
|
|
|