هوامش على «كفاءة النسب»

يبدو أن تأييد محكمة الاستئناف في الرياض ـ قبل نحو أسبوعين ـ للحكم الصادر من محكمة الجوف بالتفريق بين زوجين لعدم كفاءة النسب قد فتح بوابة إن لم نحطها بالوعي فإنها ستعصف بطمأنينة الكثير من الأسر الآمنة، وستغرق المحاكم على أثرها في دوامة من القضايا المشابهة حينما يقوم بعض أقارب الزوجة بتصفية حساباتهم مع بعض أصهارهم من خلال قناة كفاءة النسب، التي اعتبرها من أكثر ما يمكن أن يهدد وحدة المجتمع وانصهار أفراده في بوتقة واحدة لها واجباتها وحقوقها ومسؤولياتها.

فاليوم تتداول بعض الصحف ومنتديات الإنترنت قضايا أخرى مشابهة يطالب فيها بعض الأفراد بتطبيق حكم التفريق على أزواج آخرين بحجة عدم التكافؤ في النسب، وأن أحدث قضية ستدخل إلى المحاكم تتعلق بزوجين لم يمض على زواجهما أكثر من شهرين ونصف الشهر، وقد أقاما الدعوى التي تطالب بالطلاق إخوة غير أشقاء للعروس وابن عم والدها، أي أن نفس السيناريو السابق يتكرر في هذه الحالة، وستتكرر في حالات أخرى كثيرة، وستحدث شروخا في الكثير من الأسر، وسنجد أنفسنا أمام شريحة كبيرة من الأطفال نتاج هذه البيوت المهدمة.

إن خطورة هذا التوجه تقتضي عقد مؤتمر فقهي لبحث هذه المسألة، يشارك فيه مجموعة كبيرة من العلماء، يضعون في اعتبارهم مصلحة المجتمع، وخطورة النتائج التي يمكن أن تتولد من استمرار الأخذ بحكم التفريق بين الأزواج لعدم كفاءة النسب، فالقياس على الحالة التي تم فيها التفريق ستشكل دافعية لدى البعض لرفع مثل هذه الدعاوى.

وأنا من خلال تخصصي واشتغالي في قضايا التربية وعلم النفس لنحو ربع قرن من الزمان استطيع أن أتصور حجم الضرر النفسي الذي سيقع على أطفال تلك الأسر المتهدمة لو اتسعت هذه القضايا، ومدى الأزمات النفسية التي سيتردون فيها وستلازمهم ككابوس في مختلف مراحل أعمارهم القادمة، ونزعات العدائية التي ستتولد في دواخلهم، فالأمر يستحق التأمل من عقلاء الأمة وحكمائها لبحث ضوابط المسألة ومخارجها في ضوء الشريعة الإسلامية التي اتسعت للكثير من مستجدات العصر ومتغيرات الزمن.. والله الهادي إلى الصواب.