يتصوّر الأستاذ محمد راشد ديماس مؤلف كتاب «كيف تغيّر سلوك طفلك؟« أنّ سلوك الطفل يتم اكتسابه من الخبرة والبيئة معاً، الأمر الذي يساعد الأبوين على توفير خبرات معينة، وبيئة معينة كذلك من أجل صياغة سلوك إيجابي لدى طفلهما، ومن هنا يجد المؤلف أنّ هناك ثلاث قواعد أساسية يمكن اتباعها في هذا السياق.
أولاً: إثابة السلوك المقبول الجيد إثابة سريعة دون تأجيل، لأنّ الإثابة تزيد من دافع الطفل للعمل وتحفزه، وتؤدي إلى حدوث التعلّم، وهي قادرة على تزويده بمعلومات مباشرة عن نتائج عمله بسبب ما يناله من مكافأة، وهنا نجد الباحث يعتمد على الدراسات الحديثة والتربية وعلم النفس ليؤكد ضرورة توقيت الإثابة مباشرة بعد الوقت الذي يحدث فيه السلوك، وهذا الشأن ينطبق على العقاب عند الرغبة بالتخلص من سلوك سيئ.والإثابة في نظر المؤلف قسمان:
1 إثابة اجتماعية: وهي على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك التكيّفي المقبول، وقد تكون على شكل ابتسامة، أو قبلة، أو احتضان أو غير ذلك.
2 إثابة ماديّة: كأن يقدّم له قطعة حلوى، أو يتم اصطحابه في رحلة ترفيهية أو ما شابه.
وفيما يخصّ العوامل التي قد تحدّد مدى فعالية الإثابة في التحكم في السلوك، يأتي الشيء المستخدم كإثابة في الدرجة الأولى، إذ تؤكد الدراســــات ضرورة إعطاء الطفــل أكثر الأشيـاء حبّاً إلى نفسه، وضــرورة أن يكون التــدعيـــم فوريّاً، وإذا تم تقديم مُدعّم لم يؤدّ إلى السلوك المطلوب فالأفضل البحث عن مُدعّم آخر، وفي درجة ثانية يتمثل بسرعة تقديم الإثابة، والوقت الأمثل حسب رأي الخبراء هو نصف ثانية.وفي الدرجة الثالثة تأتي فترة الحرمان من الإثابة، أي كلّما كان الطفل قد قضى وقتاً أطول وهو فاقد للشيء المنتظر إثابته به كان مفعول الإثابة أكبر، وأخيراً يأتي حجم الإثابة في نهاية هذه العوامل والأمر الأمثل هو أن لا يكون هناك إفراط ولا تفريط.
طرق الإثابة: يرى المؤلف أنّ بإمكان الأم أن تعقد صفقة مع ولدها بشكل تفاهم على واحد من الشكلين التاليين:
1 الإثابة بوساطة النقاط.
2 الإثابة بوساطة التعاقد.
وفي كليهما يوصي التربويّون بجعل الإثابة متناسبة مع اهتمامات الطفل، وتشبع حاجاته النفسية والمادية، وتراعي الفروق الفردية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الإفراط وضرورة التنويع والابتكار، وتجنب إثابة السلوك السيّئ أو غير المستحب، أو الإثابة المقدمة للأبناء دون تبصّر بسبب انشغال الوالد أو الوالدة، فمثلاً الأم التي تتساهل مع ابنتها في ذهابها إلى النوم في وقت محدد، بحجة عدم رغبتها في النوم وعدم شعورها بالتعب، وترضخ الأم لمطلبها بعد الرفض بالبقاء مدة نصف ساعة أخرى.. هنا تتعلم البنت أنّ في مقدورها اللجوء إلى سلوك البكاء والصراخ كوسيلة لتلبية رغباتها بالإجبار.معاقبة السلوك السيّئ /في مقابل إثابة السلوك الجيد تأتي معاقبة السلوك السيّئ، وهنا نتحدث عن عقابٍ لا قسوة فيه ولا عنف من أجل التخلص من ذلك السلوك عبر عدة نقاط، كما يلي:
1 تشجيع الطفل كلما أقدم على سلوك جيد.
2 تجاهل سلوكه غير المرغوب.
3 إثـــابــــة السـلوك الجيد البــديل بعــــد تحديد السلوك غير المرغوب فيه.
4 مساعدة الطفل على ممارسة السلوك الجيد المرغوب فيه، فعلى سبيل المثال لمساعدته على التعاون نحضر له لعبة تقوم على هذا المبدأ.
5 مساعدة الطفل على أداء عمله أولاً ثم اللعب ثانياً.
ويبدو أنّ الأبحاث التربوية تجمع على ضرورة الامتناع عن العقوبة القاسية المؤذية أو المحقّرة، ويجب تأمل المشكلة قبل علاجها بطريقة متسرّعة، إذ قد تكون ناجمة عن حالة فيزيولوجية بدنية خارجة على سيطرة الطفل نفسه.وأدبيّات الإسلام في العقوبة تأخذ في اعتبارها ما يلي:
* معاملة الولد باللين، والرحمة هي الأصل.
* وجوب مراعاة طبيعة الطفل المخطىء عند عقوبته.
* وجوب التدرج في المعالجة من الأخفّ إلى الأشدّ.
ولكي يعمّم المؤلف المنفعة رصد الوسائل التالية الكفيلة بتغيير سلوك غير مرغوب فيه عند الطفل: * التعريض. * التوجيه المباشر. * التوبيخ. * المقاطعة والعقاب الذاتي.* العقاب المنطقي وغير المنطقي. * التشبّع. * الانطفاء. * تجنب الموقف المثير. * تشريط السلوك المخالف. * عقوبة الحجز. *وآخر الدواء الكيّ.
فالتعريض يمنح الطفل فرصة مراجعة السلوك وتصحيح الخطأ، أما التوجيه المباشر فهو يساعد على تصحيح الخطأ قبل أن يتحوّل إلى عادة مكتسبة، وينبغي أن يتم ذلك بأسلوب محبب ومقبول، وإلا فيلزم الانتقال إلى التوبيخ، ولكن لنحرص على أن يكون بقليل من الكلام المختصر والهادىء مع تجنّب المزيد من الانتقادات المطولة لعدة سلوكيات غير مرغوبة، والتأكيد على انتقاد الفعل لا الفاعل.
وفيما يخصّ المقاطعة فيعني الباحث بها مقاطعة الأسرة له، ومن فوائدها: إشعار المذنب بذنبه، وإشعاره بأهميّة علاقة الأسرة به، أما العقاب الذاتي، فهو أن يُترك الطفل ليتحمّل مسؤولية سلوكه السيّئ، وربما يلجأ المربّون إلى نوع آخر يسمّى العقاب المنطقي، ويعتمد على الحرمان من علاقة بأشياء معينة أخطأ الطفل في استعمالها مثلاً، كحرمانه من دراجته إذا قادها في مناطق خطرة، وقد نلجأ إلى عكس ذلك باستخدام العقاب غير المنطقي، كحرمانه من مشاهدة التلفاز لمدة يومين لكذبه على والديه، وعلى العموم فإنّ العقوبات السابقة يجب أن تطبّق بوعي كامل للفوارق الخاصة للأبناء عن بعضهم بعضاً.وبالنسبة لبقية أساليب العقاب فهي أكثر قرباً من الدراسات النفسية والتربوية المتخصصة، فأسلوب (التشبّع) مثلاً يستخدم لتعويق السلوك غير المرغوب فيه أو وقفه، فالطفل الذي يشعر بفقدان اهتمام الأهل به يصنع العديد من المشكلات ليلفت اهتماماتهم إليه، فعلى الأهل أن يشبعوا ذلك بمشاركته لهم في صنع أشياء مفيدة.
أما (الانطفاء) فهو عكس السابق، أي أنّ إهمال السلوك السيّئ يدفع بالطفل إلى هجرانه، ويمكن اتباع طريقة (تجنب الموقف المثير) كعزل الطفل عن الظروف المؤدية إلى اتـّباعه سلوكاً سيّئاً.
ومن أكثر الطرق فعالية في العقاب ما يسمّى بـ (تشريط السلوك المخالف) بوساطة تدعيم السلوك البديل، فبدلاً من ضرب الطفل الذي يكسر الأشياء ندعوه لعمل آخر مفيد مع تقديم جائزة عند إنجازه، أمّا (فرض عقوبة الحجز) فتتمثل بحجز اللعبة أو الشيء موضوع الخصام عن المتخاصمين وحرمانهما منه، وإذا أمكن تطبيق واحدة أو أكثر ممّا سبق فالنتيجة جيدة، وإلا فإنّ (آخر الدواء الكيّ) أي أنّ الضرب قد يكون مع التهديد والزجر والصراخ علاجاً، غير أنّ هذه الأساليب ذات آثار جانبيّة سيئة.
وأخيراً يختم المؤلف كتابه بضوابط وقواعد تربوية يجب الالتزام بها في قضايا العقاب وأهمّها: أن تكون غاية العقاب غاية تربويّة صادقة، وأن يراعي المربّون الخصائص الشخصية المميزة للطفل قبل اختيار العقاب.. والأهمّ من ذلك كله أن نضع في اعتبارنا جعل العقاب خياراً أخيراً ما دام بين أيدينا عدد من الطرق الأخرى المناسبة