عرض مشاركة واحدة
قديم 09/02/2013, 12:51 AM   #17
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  Aug 2004
 أخر زيارة : يوم أمس (06:02 AM)
 المشاركات : 64,173 [ + ]
 التقييم :  16605
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
لوني المفضل : Maroon
افتراضي



هذه قراءة في إحدى أعظم قصائد أبي الطيب المتنبي ، وهي قصيدته العصماء التي يرثي فيها جدته لأمه ، في قصة شهيرة والقصيدة أشهر منها ، وتجد ملخصا للأولى أسفل الثانية .
والقصيدة من عيون المراثي العربية ، ومن لم يكن مطلعا عليها وعلى معانيها الرائعة ففي تذوقه للشعر نظر ، وفي انتسابه للأدب شك مريب .
أما بالنسبة للقراءة فهي فقط مجرد قراءة تذوقية قد بنيتها على ما وجدته للشراح الذين شرحوها كأبي العلاء والواحدي ، مع إظهار بعض الملامح النفسية للمتنبي من وجهة نظري الشخصية .
ولأننا في عصر ( التيك أواي ) و ( السندويتشات ) و ( البيتزا ) سريعة الأكل عسرة الهضم فإنني آثرت الاختصار في النظر قدر الإمكان ، لأن النقد غالبا ما يكون ثقيلا على نفوسنا نحن أبناء زمان ( التيك أواي ) = ( خذ و اجرِ !) ، ومقصدي الأكبر هو مشاركة الجميع بلا استثناء في قراءة وتذوق هذه الدرة الفريدة من فرائد أبي الطيب المتنبي ، عل فيها ، وفي مطالعتنا لأدبه ونظمه ما يكون أداء لحقه كشاعر العربية الأول ، الذي عز نظيره وعدم شبيهه فيما تلاه من زمنه إلى زماننا ، فضلا عمن سبقه من شعراء الزمان الأول على كثرة هؤلاء وهؤلاء .
ولو لم يكن من ثمرة هذا الموضوع سوى قراءة القصيدة والتمتع بمعانيها التي تخطر على البديهة فهو أمر لا بأس به ، عل من فعل يعلق بذهنه ما يكون سببا في الرجوع إلىه ذات يوم .





القصيدة



ألا لا أُرِي الأحـداثَ مَدحـاً ولا ذَمّـا ---فَما بَطشُهـا جَهـلاً ولا كفُّهـا حِلمَـا



إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرْجـعُ الفتـى ---يَعُودُ كمَا أُبْدَي ويُكـرِي كمـا أرْمَـى



لَـكِ الله مِـنْ مَفْجُوعَـةٍ بحَبيبِـهـا ---قَتيلَةِ شَـوْقٍ غَيـرِ مُلحِقِهـا وَصْمَـا



أحِنّ إلى الكأسِ التـي شرِبَـتْ بهـا ---وأهوى لمَثواها التّـرابَ ومـا ضَمّـا



بَكَيْـتُ عَلَيهـا خِيفَـةً فـي حَياتِهـا ---وذاقَ كِلانـا ثُكْـلَ صاحِبِـهِ قِـدْمَـا



ولـوْ قَتَـلَ الهَجْـرُ المُحبّيـنَ كُلَّهُـمْ ---مضَى بَلَدٌ بـاقٍ أجَـدّتْ لَـهُ صَرْمَـا



عرَفْتُ اللّيالي قَبلَ مـا صَنَعَـتْ بنـا ---فلَمَا دَهَتْني لـم تَزِدْنـي بهـا عِلْمَـا



مَنافِعُها ما ضَـرّ فـي نَفْـعِ غَيرِهـا ---تغذّى وتَرْوَى أن تجـوعَ وأن تَظْمَـا



أتاهـا كِتابـي بَعـدَ يـأسٍ وتَرْحَـةٍ ---فَماتَتْ سُرُوراً بـي فَمُـتُّ بهـا غَمّـا



حَرامٌ علـى قَلبـي السّـرُورُ فإنّنـي ---أعُدّ الـذي ماتَـتْ بـهِ بَعْدَهـا سُمّـا



تَعَجَّـبُ مِـنْ لَفْظـي وخَطّـي كأنّمـا ---ترَى بحُرُوفِ السّطرِ أغرِبـةً عُصْمَـا



وتَلْثِمُـهُ حـتـى أصــارَ مِــدادُهُ ---مَحاجِـرَ عَيْنَيْهـا وأنْيابَهـا سُحْـمَـا



رَقَا دَمْعُها الجـاري وجَفّـتْ جفونهـا ---وفـارَقَ حُبّـي قَلبَهـا بَعدمَـا أدمَـى



ولـم يُسْلِهـا إلاّ المَنَـايـا وإنّـمَـا ---أشَدُّ منَ السُّقمِ الذي أذهَـبَ السُّقْمـا



طَلَبْـتُ لهـا حَظّـاً فَفاتَـتْ وفاتَنـي ---وقد رَضِيَتْ بي لو رَضيتُ بها قِسْمَـا



فأصْبَحتُ أسْتَسقـي الغَمـامَ لقَبرِهـا ---وقد كنْتُ أستَسقي الوَغى والقنا الصُّمّا



وكنتُ قُبَيلَ المـوْتِ أستَعظِـمُ النّـوَى ---فقد صارَتِ الصّغَرى التي كانتِ العظمى



هَبيني أخذتُ الثأرَ فيـكِ مـنَ العِـدَى ---فكيفَ بأخذِ الثّأرِ فيـكِ مـن الحُمّـى



وما انسَـدّتِ الدّنْيـا علـيّ لضِيقِهَـا ---ولكـنَّ طَرْفـاً لا أراكِ بـهِ أعـمَـى



فَــوَا أسَـفـا ألاّ أُكِــبَّ مُقَـبِّـلاً ---لرَأسِكِ والصّدْرِ اللّـذَيْ مُلِئـا حزْمَـا



وألاّ أُلاقـي روحَـكِ الطّيّـبَ الــذي ---كأنّ ذكيّ المِسـكِ كـانَ لـه جسمَـا



ولَوْ لـمْ تَكُونـي بِنْـتَ أكْـرَمِ والِـدٍ ---لَكانَ أباكِ الضّخْـمَ كونُـكِ لـي أُمّـا



لَئِـنْ لَـذّ يَـوْمُ الشّامِتِيـنَ بيَوْمِهَـا ---لَقَـدْ وَلَـدَتْ منـي لآنُْفِهِـمِ رَغْـمَـا



تَغَـرَّبَ لا مُستَعظِمـاً غَيـرَ نَفـسِـهِ --- وَلا قـابِـلاً إِلّا لِخالِـقِـهِ حُـكـمـا



ولا سالِـكـاً إلاّ فُــؤادَ عَـجـاجَـةٍ --- ولا واجِــداً إلاّ لمَكْـرُمَـةٍ طَعْـمَـا



يَقُولونَ لي ما أنـتَ فـي كـلّ بَلـدَةٍ --- وما تَبتَغي؟.. ما أبتَغي جَلّ أن يُسْمـى



كـأنّ بَنيـهِـمْ عالِـمُـونَ بِأنَّـنِـي --- جَلُـوبٌ إلَيهِـمْ مـنْ مَعادِنـه اليُتْمَـا



وما الجَمْعُ بَينَ الماءِ والنّارِ في يـدي --- بأصعَبَ من أنْ أجمَعَ الجَـدّ والفَهمَـا



ولكنـنـي مُسْتَـنْـصِـرٌ بـذُبَـابِـهِ --- ومُرْتكِبٌ في كـلّ حـالٍ بـه الغَشمَـا



وجاعِلُـهُ يَــوْمَ اللّـقـاءِ تَحِيّـتـي --- وإلاّ فلَسْـتُ السيّـدَ البَطَـلَ القَرْمَـا



إذا فَلّ عَزْمي عن مدًى خـوْفُ بُعـده --- فأبْعَدُ شيءٍ ممكـنٌ لـم يَجِـدْ عزْمَـا



وإنّـي لَمِـنْ قَـوْمٍ كـأنّ نُفُوسَـهُـمْ --- بها أنَفٌ أن تسكـنَ اللّحـمَ والعَظمَـا



كذا أنَا يـا دُنْيـا إذا شِئْـتِ فاذْهَبـي --- ويا نَفسِ زيدي فـي كرائهِهـا قُدْمَـا



فلا عَبَـرَتْ بـي ساعَـةٌ لا تُعِزّنـي --- ولا صَحِبَتْنـي مُهجَـةٌ تقبـلُ الظُّلْمَـا





مناسبة القصيدة

ورد على أبي الطيب كتاب من جدته لأمه تشكو شوقها إليه و طول غيبته عنها , فشد رحاله قاصدا نحوها, ولكنه لم يستطع دخول الكوفة , فنزل بغداد, وكانت جدته قد يئست منه , فكتب إليها كتاباً يسألها المسير إليه , ففرحت بكتابه أشد ما يكون الفرح وأخذت تقبله , فحمّت لوقتها سروراً به , وغلب الفرح على قلبها فقتلها .
و من أراد أن يقف على مكانة تلك المرأة في حياة أبي الطيب ، وقدر محبته لها ، فليراجع السفر العظيم الذي لم يصنف مثله ، ولا أظنه يكون شبيهه في دنيانا ، ألا وهو كتاب ( المتنبي ) للأستاذ العلامة الشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى بواسع الرحمة وشمله بكريم المغفرة .
وذلك من صفحة 163 وما بعدها

قال


ألا لا أُرِى الأحداثَ حمداً ولا ذماً = فما بطشها جهلاً ولا كفها حلما

أُري : بالبناء للمجهول ، أي لا أمدحها ولا أذمها .
يستهل المتنبي قصيدته بنزعة الفخر الذاتية القوية ، مستهينا بالدنيا وأحداثها العظام ، وبأنه لا يحمد ما سره منها ، ولا يذم ما ساءه ، يقول المعري : لأنها لا تستحق ذلك فهي تأتي من غير قصد منها وذلك فعل الله تعالى .
فلا الشدة منها جهلٌ ، ولا الرخاء منها حلمٌ ، فلا معنى لمدحها ولا لذمها .
وأعجب هنا من موقف المتنبي من الأيام وصروفها ، فهو دائما ثائر عليها ، واقف في وجهها ، متوعد لها أن لا ترى منه إلا كل صلابة وعزم ، أما هنا فنشعر بالرغم من الاستهانة إلا أنها استهانة مسلم غير مكترث ، وليس كما عودنا استهانة مواجه مقاتل .


إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى = يعود كما أبدى ويُكرى كما أرمى

أبدى: أصله بدأ. ويكرى: ينقص. وأرمى: زاد.
يقول:
إن الإنسان كلما تقدم في العمر والسن والمكان ، فإنه عائد لا محالة إلى ضعف يتبعه ضعف اشد منه إلى أن يموت فمرجعه إلى ما كان عليه قبل وجوده .
وهذه النزعة التي توحي بالزهد والبصيرة بمآل هذه الدنيا قليلة في شعر أبي الطيب في هذه الفترة من حياته ، وإن كانت قد ازدادت بعد خروجه من مصر ودخوله بلاد فارس ولازمته حتى مماته أما هنا ، فهو بالرغم من بصره بالدنيا وأحوالها ، إلا أن آماله فيها كانت عظيمة ، ومبتغاه فيها كان كبيرا ، فمثل تلك النزعة الزهدية تفسد على أبي الطيب كثيرا من شعره ، لولا أنه ساقها في مقام الرثاء وهي هنا من لوازمه ، إذ أنه في حالة تذكر الموت وما يفعله بالإنسان .

لك الله من مفجوعة بحبيبها = قتيلةَ شوقٍ غير ملحقها وصما

المفجوعة: المتألمة للمصيبة.
قال أبو العلاء : وقوله: لك الله دعاء لها. أي كان الله لك حافظاً. وقيل: إنه تعظيم لحالها في شدة فجيعتها ، وهو أقرب والوصم: العيب ، أي أنها ماتت شوقاً إليه!! وهذا الشوق الذي قتلها لا يلحق بها عاراً؛ لأنه شوق لولدها.
ومسألة نفي الوصم عنها مقصودة كتمهيد لذكر مآثرها وحاسنها وفضائلها ، فهو ليس في حاجة لنفي ذلك عنها فقد كانت كما وصفت " من صلحاء الكوفة "

أحن إلى الكأس التي شربت بها=وأهوي لمثواها التراب وما ضما
بكيت عليها خيفةً في حياتها = وذاق كلانا ثكل صاحبه قدما

الكأس: هو الموت. ومثواها: إقامتها.
يقول: أشتاق إلى الموت بعدها؛ لألحق بها، وأحب التراب، وما ضمها من القبر لأجل إقامتها فيه.
الثكل: موت الولد الحميم ، وقدما: نصب على الظرف. أي في زمان وروى: خيفة وحقبة أي مدة من الدهر، و بكيت عليها قبل موتها خوفاً من ألا ألقاها، وذاق كل واحد منا ثكل صاحبه قديماً ؛ بما كان بيننا من طول الفرقة وبعد المشقة.
نزعة الفناء العاطفية هذه عزيزة عند أبي الطيب عزيزة كذلك في شعره ، فهو ليس ممن يتمنى الموت ويحبه غير في مواطن العز والشرف والقتال ولقاء الأعداء ومجابهة الرجال ، أما أن يهوي الموت ويتمناه لمشاكلة حال حبيبته التي هي جدته فهذا معنى جديد في شعر أبي الطيب .
وهو كذلك شديد الترك ، نزاع إلى المفارقة ، إذا بلغه ولو يسير من الأذى ، لكن ههنا يأخذه الحنين إلى الموت ، وهو قد سلب منه أعز من عنده في الوجود ، وهذا يدل على قوة النزعة العاطفية التي في هذه القصيدة .

ولو قتل الهجر المحبين كلهم = مضى بلدٌ باقٍ أجدت له صرما

أجدت: أي جددت. وفاعله: الجدة المرثية .
فقد كان أهل بلدها كلهم يحبونها ، لفضلها ودينها ، ولو كان الهجر قاتلا كل من أحبها لما بقي بعدها أحد ولتقطعت أنفسهم كلهم لهجرها .
والمقصود ههنا أن يبرز الشاعر محبة كل الخلق لهذه الأم العظيمة .

منافعها ما ضر في نفع غيرها = تغذى وتروي أن تجوع وأن تظما

يقول المعري : إن منافع هذه المرأة فيما يضرها عند نفع غيرها. يعني: أنها كانت تضر بنفسها لتنفع غيرها، وإن ذلك كان نفعاً لها ، لأنها كانت تؤثر غيرها على نفسها فتجوع وتظمأ، فكأن جوعها إذا أشبعت غيرها يقوم لها مقام غذائها، وكذلك عطشها إذا أروت غيرها يقوم مقام ارتوائها. والمصراع الثاني تفسير الأول.
وههنا وقفة لا بد منها ، فهذه هي المرأة التي ربته ، والتي ارتضع منها لبان الخلق الكريم ، والنفس الحازمة ، وكثيرا من صفاتها قد تأثر بها بحكم النشأة والتربية ، وإشارة أبي الطيب لهذا الكرم الذي يفوق الكرم الحاتمي ، والذي تُذهب فيه المرأة منافع نفسها ، بل لا تراها إلا في نفع غيرها ولو جلب ذلك لها الضر ، في هذا الخلق رد غير مباشر على من اتهم أبا الطيب بالبخل ، وجعلها سمة لازمة له ،ممن نزع إلى كل فضيلة فيه فاستبدلها بضدها ، كاتهامه بالجبن ، وبجهل فنون الفروسية وألوان الالتحام والقتال ، وغيرها من التهم التي اتهم بها المتنبي بلا بينة من الأمر .
فإن من تربى في بيت كرمٍ على رغم الفاقة فهو أولى الناس بالسماحة والندى ، وهذا كان شأن المتنبي الذي يمدح نفسه كثيرا ببذله وعطائه وبره ، فكيف ينسب لنفسه في شعر تسير به الركبان ما ليس فيها ، فيقف عليه من عايشه وعاين بخله المزعوم فيكذبه ، وما كان الرجل كذوبا ، وكذلك أرومته العربية ونزعته القوية إليها ، تأبى له أن يكون كذلك بخيلا ، إذن فما فضله على سواه ممن هجاهم من الأعاجم الذين كانوا معه أسخياء كرماء ، في حين أنه هو العربي وارث السماحة والكرم كابرا عن كابر يعد من البخلاء ، فتأمل !

منقول



 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس