09/02/2013, 01:02 AM
|
#19
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : 30/07/2025 (06:02 AM)
|
المشاركات :
64,173 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍِ = لكان أباك الضخم كونك لي أما
" يا الله "
أي مديح وأي فخر وأي أدب هذا !مدح أباها وفضله بكرمه على سائر آباء الناس ، وفخر بنفسه على كل أبنائهم ، مع مراعاة قدر الجد الممدوح وحفظ مقامه ، فوجودالوالد منع من أن يكون فخرها فقط بكون الشاعر ولدها ، وفي هذا كمال الفخر .
هذا هو أبو الطيب ، رجل يزن الألفاظ في شعره بميزان أرق من ميزان الذهب .
لئن لذ يوم الشامتين بموتها = فقد ولدت مني لآنُفهم رغما
وما شمت بها إلا أولئك الذين منعوه من حقه في إظهار نسبه الشريف ، بل وسجنوه عليه ، فلما ماتت من كانت تحول بينه وبينهم ، فقد تركت من خلفها من يرغم أنوفهم ، ويذيقهم الذل والهوان .
تغرب لا مستعظماً غير نفسه = ولا قابلاً إلا لخالقه حكما
ولا سالكاً إلا فؤاد عجاجةٍ = ولا واجداً إلا لمكرمةٍ طعما
العجاجة : غبار زحمة الخيل عند القتال.
يصف حاله في سياحته في الأرض بكونه ضرب في الأرض غريبا بعيدا عن الأهل والإخوان ، ممتنعاً بنفسه لا بسواها مستصغرا كل عظيم في سيره ، لا ينزل على حكم أحد إلا على حكم ربه بما أراد له ،سالكا في كل ذلك أصعب الدروب ، دروب الحرب والقتال ، وهو مع ذلك لا يهين نفسه ولا يذلها بل يأخذ بأسباب المكارم دون سواها فلا يقبل ذلا ولا هوانا .
واستغراقه هنا في وصف هذه الحال ، لئلا يُظن به أنه خرج من بلده لطلب المعاش عند أبواب الأمراء ، كما كانت عادة الشعراء في زمنه ، فيعطيه منهم من شاء ويمنعه من شاء ، ويحكم هذا فيه بضيم وآخر يحكم عليه بترك حقه ، ويذكر انه أبى تلك الطريق وسلك سبيلا أخرى لا يسلكها إلا كل كريم شجاع يأبى الذل ويرفض الهوان .
يقولون لي: ما أنت في كل بلدةٍ؟! = وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى
فقد حير حاله الناس في كل مكان دخله ، فلا هو بطالب الأموال على أبواب الامراء ، ولا هو بطالب الذكر في الناس ، فإن ذكره قد طار في آفاق الدنيا ولم يلج الثلاثين من عمره بعد ، مع كثرة تطلعه في شعره إلى ألوان المعالى وأشكال المفاخر ودرجات المكارم ، فخفي أمره ومراده ، على من تتبع حاله .
وقوله " ما أبتغي جل أن يسمى " معرفة من الرجل بخطورة ما يريده وما يصبو إليه وما شغل نفسه به ، ولما كان السؤال من أعدائه الذين منعوه حقه ، والذين ملأوا قلبه حقدا ، فهو سؤال الخائف المهدَدِ ، فهم يعلمون أن بينه وبينهم ثأرا ، ومثله لا يهدأ حتى يدرك ثأره ( راجع المتنبي للعلامة محمود شاكر رحمه الله ص 243 )
كأن بنيهم عالمون بأنني = جلوبٌ إليهم من معادنه اليتما
قال أبو العلاء :الكناية في بنيهم: للشامتين. والهاء في معادنه: لليتم، غير أنه قدمه في اللفظ، وهو مؤخر في المعنى.
- وما علم بنوهم بذلك ، إلا لحديث الآباء عنه ونقلهم لخوفهم منه إلى أبنائهم ، فإن الأبناء لا تبلغ أفهامهم مثل تلك الأمور ، ولا ينقل الآباء ذلك للأبناء إلا لشدة مخافتهم من وقوعه .
وما الجمع بين الماء والنار في يدي = بأصعب من أن أجمع الجد والفهما
الجد البخت والحظ من الدنيا والمعنى أن الفهم في الأمور والعلوم والعقل في التدبير لا يجتمع مع البخت في الدنيا وليس الجمع بين الضدين بأصعب من الجمع بينهما أي فهما لا يجتمعان كما لا يجتمع الضدان
ولكنني مستنصرٌ بذبابه = ومرتكبٌ في كل حالٍ به الغشما
وجاعله يوم اللقاء تحيتي = وإلا فلست السيدَ البطلَ القَرْمَا
أراد بالذباب: السيف، فأضمره، وذبابه: حده. والغشم: الظلم. والقَرْم: السيد الرئيس.
يقول فإني لا أستنصر بأحد من الناس ، بل أطلب النصر بالسيف، وأرتكب الظلم، حتى أنال به ما أريد أخذه.
ويوم الحرب لا أرفع يدي بتحية ، ولكني أرفعه لضرب وجوههم به ، وأقيمه مقام التحية وإن لم أفعل فلست بسيد شجاع، ولا كريم مطاع.
وهو من قول عمرو بن معد يكرب.
وخيلٍ قد دلفت لها بخيلٍ ... تحية بينهم ضربٌ وجيع
والمتنبي هنا يظهر لنا بصورة السيد المطاع الكبير في قومه ، وليس مجرد شاعر ينتقل بين البلاد وبين الأمراء ، فو يعيد إلى الاذهان صورة عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وغيرهم من شعراء القبائل الفرسان السادة الكبار ، وهكذا كانت حياته حياة سيد من السادات لا واحدٍ من الشعراء .
إذا فلَّ عزمي عن مدىً خوفُ بعده = فأبعد شيءٍ ممكنٌ لم يجد عزما
قوله: خوف: فاعل فلَّ. وعزمي : فاعله.
يقول: إذا كسر عزمي؛ مخافة بعد المدى. يعني: كلما رمت أمراً بعيداً فأكسر عزمي خوفاً من بعده، فلم أظفر بمطلوب أبداً، فإنه إنما يدرك بصحة العزم، وأقرب الأشياء تناولاً إذا لم يكن عزم على تناوله فهو أبعد الأشياء .
وإني لمن قومٍ كأن نفوسنا = بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظما
قال المعري : كان القياس أن يقول: كأن نفوسهم، غير أنه يختار رد الكناية إلى الإخبار عن النفس؛ لما فيها من مبالغة المدح.
- وهذه من أعظم الكناية عن حب الموت ومقارفة أسبابه ، فلأن هذه النفوس الكبيرة تأنف سكنى اللحم والعظم فإنها تطلب الموت في مظانه ، وما مظانه إلا ساحات الحرب والوغى والقتال، وطلب الحقوق المسلوبة واسترداداها وإلا فالموت دونها .
وعلى هذا المعنى تدور كثر من أبيات المتنبي في شعره ، معنى حب الموت والأنفة من حياة لا فخر ولا عز فيها كحياة آحاد الناس
يقول: إنا نختار الموت ونلتذه؛ فكأن نفوسنا تأنف أن تسكن العظم واللحم، فتحب مفارقتهما وتحرص على التخلص منهما.
كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي = ويا نفس زيدي في كرائهها قدما
يقول: كذا أنا. أي: هكذا مذهبي. وقيل: أراد أنا مثل قومي، لا أرغب في الدنيا، فمتى شئت أيها الدنيا فاذهبي، ويا نفسي ازدادي في كراهة الدنيا وشدائدها، فإني لا أبالي بالدنيا وحياتها، وخيالاتها.
وهو يطلب من الدنيا التسليم بأمره ، وبما اختاره لنفسه ، أو فلترحل عنه ، فهو في أتم استعداد للرحيل ، ويحض نفسه على الزيادة في بغضها والنفور منها ، فليست هي ولا زينتها ولا زخرفها له بمراد ، وإنما مراده منها العلا والمفاخر العظام .
فلا عبرت بي ساعةٌ لا تغزني = ولا صحبتني مهجةٌ تقبل الظلما
روى: غبرت وعبرت. أي مضت. يعني إنما أريد الحياة للعز، فكل ساعة لا أكسب فيها عزاً أماتني الله قبلها، ولا صاحبت نفسي محتملةً للظلم، وفرق الله بيني وبينها.
قال أبو العلاء : وجعل قومٌ يستعظمون ما قال في آخر هذه القصيدة فقال
يستكثرون أُبَيْاتاً نأمت بها ... لا تحسدنَّ على أن ينئم الأسدا
لو أن ثم قلوباً يعقلون بها ... أنساهم الذعر مما تحتها الحسدا
نأم ينأم: أي صوت. والنئيم: الصوت والأبيات: تصغير الأبيات. وأراد بتصغيرها أنها صغيرة إلى جنب فعله. ونصب الأسد بتحسدن أي لا تحسدون الأسد. وأن مع الفعل: بمعنى المصدر. أي على نئيمه.
يقول: إنهم استعظموا هذه الأبيات، وفعالي أعظم منها، فأنا الأسد، والأسد لا يحسد على زئيره؛ لأن فعله أعظم من صوته، فلا ينبغي أن تحسدوني على ذلك.
الهاء في تحتها: للأبيات، وفي بها: للقلوب.
يعني: لو كان لهم قلوب فيها عقول لأنساهم ما تضمنته أبياتي من الذعر والحسد الذي هم عليه.
انتهت القصيدة
يتبع إن شاء الله بذكر بعض النواحي الفنية في هذه القصيدة بصورة إجمالية
|
|
|