حرص الصحابة على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم جميعا أقوى الناس شغفا به eحبا وإيمانا،فلا صبر لهم إذا لم يشهدوا محياه الكريم،ولا تطيب نفوسهم إذا لم تكتحل عيونهم برؤية وجهه.لشدة شغفهم به،ومحبتهم إياه000روى الإمام البغوي عن ثوبان مولى رسولe وكان شديد الحب لرسول الله e قليل الصبر عنه،فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه فقال له رسول اللهeما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع،غير أني إذا لم أراك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لا أنك ترفع مع النبيين،وإني إذ دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك و إن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا.فنزلت {الآية:وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً[1]}.ولذلك فقد حرصوا كل الحرص على التأسي بنبيهم العظيم،لأنهم وجدوا فيه المثل الأعلى،في العبادة والأخلاق وحسن الملاطفة والمعاملة،فتركت القدوة العملية أثرها الطيب في نفوسهم،حتى أنهم لم يحرصوا على كتابة أقواله r في حياته،لأن أقواله وأفعاله وصفاته وجميع تصرفاته كانت محفوظة في صدورهم ومروية فيما بينهم يعيشونها تطبيقا وسلوكا في حياتهم اليومية.قال الرسول r"إنه لم يكن نبي قط إلا وله من أصحابه حواري وأصحاب يتبعون أثره ويقتدون بهديه ثم يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء يقولون ما لا يفعلون،و يفعلون ما لا يؤمرون[2]".ويجدر بنا في هذا المجال أن نعطي مثالا يؤكد لنا شدة حرص الصحابة رضي الله عنهم أجمعين على الاقتداء بنبي الهدى r.جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الحجر الأسود فقبله فقال:"إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله rيقبلك ما قبلتك[3]".ولقد كان ما تعلمه الصحابة من قدوته عليه الصلاة والسلام بعيد الأثر،عميق الغور في نفوسهم،إذ أنهم قد اقتبسوا منه أروع الآداب وأعظم أنواع السلوك،ولذلك فإن الاقتداء بأفعال الصحابة وإتباع نهجهم هو بمثابة إتباع سننه r لأنهم حصاد تربيته عليه الصلاة والسلام وقد قال r"اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر[4]".وإليكم ما قاله الصحابي الجليل"عبدا لله ابن مسعود"رضي الله عنه في تعداد محامد وفضائل الصحابة ووجوب التأسي بأفعالهم الحميدة وأخلاقهم الكريمة:"من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله r فإنهم كانوا ابر هذه الأمة قلوبا،وأعمقها علما،وأقلها تكلفا،وأقومها هديا،وأحسنها حالا00اختارهم الله لصحبة نبيه r وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم،واتبعوهم في آثارهم،فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".ويقول محمد قطب:"إن الجماعة الأولى التي رباها الرسول r على عينه وحقق فيها منهج التربية الإسلامية بتمامه كله.هي القدوة الدائمة لنا بعد شخص الرسول rوأن صورتها الواقعية هي المرجع الدائم لنا في منهج التربية بعد كتاب الله وسنة رسوله.وأن هذه الجماعة00ستظل لأجيال المسلمين كلها بل لأجيال البشرية كلها هي النور الذي يستضيئون به ويحاولون أن ينسجوا منواله،فان استطاع المسلمون أن يعيدوا سيرتها في أنفسهم في أي جيل من أجيالهم فهو الخير لهم ولكل البشرية،وإن لم يستطيعوا فلن تذهب محاولتهم هباء،لأنهم سيكونون في أثناء المحاولة قد ارتفعوا بأنفسهم إلى أقصى طاقتهم فيكون الخير[5]00"وإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد حرصوا على الاقتداء بالنبي في جميع أفعاله وأحواله فأنهم قد حرصوا أيضا على إعطاء القدوة الحسنة من أنفسهم لأنهم يدركون أهمية القدوة،وأثرها على النفوس.وقد روى أبن عباس رضي الله عنه:"أنه دعا أخاه عبيد الله يوم عرفه إلى طعام فقال:إني صائم قال:إنكم أئمة يقتدى بكم قد رأيت رسول الله rدعا بحلاب في هذا اليوم فشرب[6]000"وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال له:ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة:يا أمير المؤمنين إنما هو مدر*.فقال عمر:إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال:أن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب[7]".وهكذا كان رسول الله r،رائدا في التربية استخدام أنجح الأساليب في تربية أصحابه الذين ساروا على نهجه واهتدوا بهديه فأناروا الطريق لمن بعدهم فلنا فيه r وفي صحبه الكرام أسوة حسنة.وأخيرا نقول عن هؤلاء الصحابة بأنه يكفيهم شرفا وفخرا وخلود "أن يقول القرآن العظيم في حقهم:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً[8]}.

[1] (سورة النساء:69)

[2] (مسند الإمام احمد بن حنبل:ج1،ص462).

[3] (مسند الإمام احمد بن حنبل:ج5،ص409)

[4](صحيح البخاري:ج2،ص160)

[5](محمد قطب:منهج التربية الإسلامية،ج2،ص87)
*المدر:الطين اليابس

[6](مسند الإمام احمد بن حنبل:ج1،ص164).

[7](موطأ الإمام مالك:ج1،ص216).

[8](سورة الفتح:29).

عليه الصلاة والسلام

جزاك الله خيرا