الزواج العرفي سمسرة يقع في شراكها سعوديون .. والضحية حياة الأبناء

نتج عنه 200 أسرة تعيش أوضاعا صعبة
الزواج العرفي سمسرة يقع في شراكها سعوديون .. والضحية حياة الأبناء

تحقيق: أحمد العطوي






غدا بعض وسطاء الزواج العرفي يتمتعون بشهرة واسعة في تصدير الزوجات، الأمر الذي خلق سوقا رائجة، إذ يكفي أن تفصح عن رغبتك في الزواج لتجد (السماسرة) على أهبة الاستعداد لتلبية طلبك. وكثيرا ما وقع السعوديون ضحايا لسماسرة الزواج وكثيرا أيضا ما تم توريط فتيات مصريات بزيجات من سعوديين، هربوا عنهن واختفوا دون أدنى مسؤولية. في ظل هكذا أوضاع ينتج ضحايا يكونون بالدرجة الأولى هم الأطفال.
«عكاظ» وقفت على بعض الحالات التي نتجت عن زواج سعودي بمصرية وخرجت بالحصيلة التالية:
9 أعوام من الزحف دون أب
طوال 9 أعوام، هي عمره الشقي، لم يعرف عمر سوى امرأة مصرية تساعده على الصبر؛ لتحمل إصابته بإعاقة ذهنية شلت حركته، وطوال 9 أعوام ظلت المصرية أمل محمد أحمد تهجي (عمر) اسم والده الذي لم يره واسم عائلته البعيدة، واسم بلاده التي لم ينعم بالعيش فيها، بل لم ينعم حتى بالزحف على (ترابها). إنها إشكالية الزواج (المرتبك) في يوم صيفي حار قبل 15 عاما، طارت (أمل) فرحا حينما أخبروها بأن سعوديا يريد الزواج بها، رأته ورآها وتم الزواج على عجل، وقضت أيامها الأولى معه في (شقة تمليك) سجلها باسمها في أحد أحياء القاهرة، أقام معها عاما كاملا وعاد إلى السعودية العام الذي بعده، أصبح يأتيها عاما بعد آخر، عندما شعرت بأعراض حمل جديد بعد (سارة) التي ولدتها بعد زواجها بعام، انقطع عن المجيء إليها لتلد (عمر) الابن الحاضر بلا ذهن. تقول أمل: «كان في الأيام الأولى لانقطاعه يرسل لنا ألف دولار شهريا، وبعد ذلك انقطع عنا وانقطع المصروف، وفي شهر شعبان لعام 1429 هـ بدأ يرسل لنا 2000 جنيه كل شهرين ولا زال منتظما بإرسالها، وعرضت عليه أن يأخذ أطفاله للسعودية؛ ليتولى علاج عمر من الإعاقة ووافق على ذلك، وبدأت تجهيز أوراقهم من قسم الرعايا السعوديين لاستخراج تذاكر مرور لهم، وطلبت مني السفارة أن يقوم زوجي بالاتصال بها لإنهاء الموضوع، ولكنه بعد ذلك أقفل هاتفه واختفى تماما».
وتؤكد أم عمر بأنها كانت تمتلك شقة وباعتها لتتكفل بعلاج ابنها المعاق، مطالبة بتحسين أوضاع أبنائها واستخراج جوازات سفر سعودية لهم. وتتذمر من المصروف الشحيح ــ على حد قولها ــ الذي تتلقاه من السفارة «400 جنيه في الشهر لا تكفي أبداً». أثناء حديث الأم، كانت (سارة) تتابع باهتمام طفولي لتقفز ببراءة واضحة وتقول «أريد أن أذهب لوالدي وعائلته الكبيرة، لم أعد أحتمل معاملتي كمصرية في مدرستي، وأنا سعودية أبا عن جد».
في قصة الزوجة المصرية أمل (أم سارة وعمر)، تكمن المأساة في التالي: أمام أحد الفنادق المطلة على نهر النيل، يزحف (عمر) مادا يده نحو الناس.
هجرها لأنها أنجبت بنات
امرأة أخرى وضعتها الأقدار في قطار زواج بسعودي، هجرها لأنها أنجبت له بنتين، واحدة منهما معاقة (بدرية). تقدمت (دنيا) إلى السفارة السعودية بمصر من أجل مصاريف علاج بدرية، ونظارة طبية لحماية عيني ابنتها الأخرى. أعطوها 300 جنيه مصروفا شهريا، أرادت تدريس بدرية في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة فاعتذروا لعدم وجود شواغر في المدارس. تعيش دنيا وابنتاها كل ثلاثة أيام في مكان، تحلم في اليوم الذي ترى فيه صورة ابنتيها وقد دمغت في الصفحة الأولى من الجواز الأخضر.
حلول دبلوماسية
رئيس القسم القنصلي لشؤون الرعايا بسفارة خادم الحرمين الشريفين بمصر إبراهيم بن حمد الحميد أكد أن هناك اجتماعات بين الرياض والقاهرة لحل مشكلة الزواج العرفي بمصر، ولكننا فؤجئنا باعتراف مصر بهذا الزواج بالرغم من أننا طلبنا منعه عن السعوديين. وأوضح أن هناك عدة مشكلات تترتب على زواج السعوديين من مصريات، منها إثبات الجنسية للأبناء في حال عدم وجود الأب لسفره أو لموته أو لإنكاره لهم، ومنها كذلك عدم النفقة على الزوجة والأبناء وكذلك إلحاقهم بالمدارس قبل إثبات الجنسية للأبناء، مواصلا : «المشكلة الأكبر هي في إثبات النسب في حاله إنكار الأب أو في حالة عدم الوصول للأب السعودي، وقد أصدر صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية قرارا بتصحيح أوضاع أبناء السعوديين المتزوجين من أجنبيات».
وذكر رئيس القسم القنصلي لشؤون الرعايا أن هناك مشكلة كبيرة تواجههم مع القانون الذي أصدرته مصر في عام 2004 م القاضي باعتبار الأبناء المولودين للمصرييات في مصر، مصريي الجنسية مهما كانت جنسية الأب.
وتابع الحميد: «السفارة اتخذت عددا من الحلول المؤقتة لأبناء السعوديين حتى يتم تصحيح أوضاعهم، من ذلك إنشاء صندوق خيري لرعاية هذه الأسر والصرف عليها ووضع مخصصات شهرية لها والنفقة على دراسة الأبناء حتى يتم الوصول للأب أو تصحيح وضع الأبناء بالمملكة بعد مخاطبة الجهات المختصة ويتم التفاهم مع الأب بالنفقة عليهم». وأشار الحميد إلى أن السفارة تواجه العديد من المشاكل مع السعوديين «نواجه أحيانا إنكار الأب لابنائه؛ لذا قمنا باستحداث التحليل الوارثي إذا كان الأب على قيد الحياة، وشكلت لجنة من وزارة الداخلية لأخذ التحاليل من الأب ومن الأبناء ويتم تحليلها في الرياض، وإذا ثبت يجري إثبات النسب، أما إذا كان الأب متوفى فيتم عرض الموضوع على أهله فإن وجد التجاوب كان بها، وإن لم يوجد لعدم إخبار الأب لهم بأن لديه أبناء من زوجة أجنبية فيتم أخذ تحليل من الأقرباء له بالدرجة الأولى ومن الأبناء للأجنبية وإن تطابق يتم كذلك إثبات النسب لهم».
وأحصى رئيس القسم القنصلي لشؤون الرعايا بالسفارة عدد الأسر المستفيدة من الصندوق الخيري في ما بين (200 إلى 250) أسرة بواقع أربعة أفراد للأسرة الواحدة والأعداد تتزايد في حالة تقديم الشكوى وتنقص إذا تم حل مشكلتهم في كل فترة.
وأرجع رئيس القسم القنصلي للرعايا استمرار الصندوق الخيري في الصرف على الأسر المحتاجة إلى الدعم الذي يلقاه من قبل رجال الأعمال السعوديين بمصر والسعودية وأن الصندوق يصرف شهريا حوالي ( 150000 ريال) عدا المساعدات المقطوعة مثل: الدراسة، العلاج، الكسوة، والمواد التموينية.