حمّى البتروكيماويات و"الأسمنتات"

حمّى البتروكيماويات و"الأسمنتات"

ماهر صالح جمال - تاجر – مكة المكرمة - - 21/01/1427هـ
بسم الله، لا يمر يوم إلا ونسمع عن استثمارات جديدة في قطاع البتروكيماويات وقطاع الأسمنت، وصحيح أن قطاع الصناعة عموما هو من القطاعات المنتجة في أي اقتصاد ومن الركائز الأساسية لأي اقتصاد يريد أن ينوّع مصادر دخله، وصحيح أن منطقة الخليج، بل بعض الدول العربية تتمتع بميزات نسبية في هذين القطاعين. وصحيح أن هناك توقعات زيادة معدلات الطلب على قطاع الأسمنت، مثلا خلال السنوات القادمة، ولكن المشاريع الصناعية لا تعد من المشاريع ذات العائد السريع. ومن مخاطر المشاريع الصناعية أن الأخطاء البسيطة في دراسات الجدوى لها قد تكلف الكثير، وأذكر شركة اللجين التي أسست لتنشئ مصهراً للألمنيوم، وكل دراسات الجدوى كانت تشير إلى عائد ممتاز، وفعلا حققت البحرين وقطر في المشاريع المماثلة عوائد ممتازة وتوسعات متلاحقة واستثمارات أجنبية، لكن المشروع - لدينا للأسف الشديد - لم ينفذ لعدم موافقة وزارة المالية آنذاك على تثبيت تكلفة تعرفة الكهرباء، وهو ما اعتقد أنه لم يكن قرارا مدروسا، فالدول الأخرى المحيطة شجعت هذه الصناعات لأنها تفتح بابا استثمارايا جديدا يعد تسويقا لما يمكن أن يتبعه من جذب لاستثمارات أجنبية. ونعلم ما أنفق وينفق على دعم الزراعة في بلد ينفق مليارات على تحلية المياه، نعود إلى موضوعنا وهو أن المشاريع الصناعية يجب أن تدرس بعناية ودقة اكثر من مرة.
* لا يعني أن لدينا ميزة نسبية في قطاع البتروكيماويات أننا سنضمن نجاح هذه المشاريع فالكل ينظر إلى "سابك" وما تحققه من نتائج لكن ليست كل المشاريع البتروكيماوية "سابك" وكم عمر "سابك" اليوم؟ فهناك استثمارات كبيرة في قطاع البتروكيماويات في السعودية وبإدارة "سابك" لم تحقق نتائج، بل حققت خسائر ولسنوات طويلة.
* لا تعني ربحية قطاع الأسمنت أن علينا أن ننشئ 20 مصنعاً جديداً للأسمنت، فالمواد الخام ليست متوافرة لكل هذه المصانع ونقل المواد الخام الأساسية مكلف جدا مما قد يؤثر في تكلفة الإنتاج و عدم قدرتها على المنافسة .
* يجب ألا ننسى أن للبتروكيماويات و"الأسمنتات" مثلها مثل أي منتجات لها دورات سعرية ترتفع فيه، فتحقق نتائج ممتازة ثم تمر بفترات ركود تعاني من خلالها، كذلك معدلات الطلب قد ترتفع في فترات ثم لا تلبث أن تنخفض، إضافة إلى ظهور مواد بتروكيماوية بديلة.
* يجب أن ناخذ في الحسبان تحرك جماعات أصدقاء البيئة تجاه بعض المواد البتروكيماوية، وكذلك آثار مخرجات مصانع الأسمنت التي يمكن أن تفرض عليها بعض القيود أو الضرائب المضافة.

إن كل ما ذكرته لا يعني أننا يجب ألا نستثمر في هذه القطاعات، بل يجب أن نستثمر في هذه القطاعات، لكن عندما نندفع بقوة بسبب توافر الموارد المالية ربما تكون هناك قرارات متسرعة ولا سيما أنني - وربما أكون مخطئاً- ألمس غياباً في التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما بينها وبعض الدول العربية، وما أخشاه أنه بعد ثلاث إلى خمس سنوات تبدأ كل هذه المصانع البتروكيماوية في طرح منتجات تفوق حاجة الأسواق، وبالتالي ستصبح المعادلة راجحة لمصلحة المستوردين لهذه المواد، وتظل هذه الاستثمارات تغني على ما وعدت به من أرباح مضمونة.

الخلاصة: ربما نندفع في الاستثمارات بقطاع معين لأننا نرى ربحية القطاع الحالية و لا ندقق في مستقبل هذه القطاعات. وباختصار أتمنى أن يكون هناك تنسيق فيما بين دول الخليج فيما بينها والدول العربية تجاه هذه الصناعات وأن يدرس نمو الطلب العالمي لهذه المنتجات، وأن تحصى المشاريع البتروكيماوية تحت التأسيس في العالم ككل لمعرفة أثر إنتاجها على الطلب، ثم تتخذ القررات الصائبة، فليس هناك ما يمنع أن تنشأ بعض المشاريع الآن، ونبدأ في مشاريع بتروكيماوية أخرى بعد خمس سنوات مثلا، على الأقل نسير بتوازن أكبر ونحافظ على هذه الموارد ولنتعلم مبادئ اقتصادية في الكتاب الكريم، اقتصاد السبع سنوات للسبع سنوات، فليس ضروريا أن ننفق كل مواردنا في سنوات الطفرة خلال هذه السنوات، وفي أي شيء، وهل نتعلم من الطفرات الماضية؟!
والله أعلم .