الوسام .. الاكاديمي ابن الجنوب ..حسن القرشي ... لؤلؤة زهران كل الحكاية قسم المحاورة


 
 عدد الضغطات  : 5725


إهداءات


 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04/03/2006, 08:18 PM
المؤسس والمشـــرف العــــام
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه
Saudi Arabia     Male
SMS ~ [ + ]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
Awards Showcase
لوني المفضل Maroon
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل : Aug 2004
 فترة الأقامة : 7564 يوم
 أخر زيارة : 21/01/2025 (03:28 PM)
 الإقامة : جدة
 المشاركات : 64,160 [ + ]
 التقييم : 16605
 معدل التقييم : صقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حفلة الخدم ....



حفلة الخدم ....


في مزرعة معزولة،وسط الحقول والبساتين، ينتصب قصر أبيض على تلة ترابية مرتفعة، تكاد أضواءه المتلألأة تعانق النجوم، عند الغروب، فيما يختفي قرص الشمس رويدا رويداَ وراء خط الأفق،وتختلط أصوات الموسيقي مع أزيز الحشرات ونقيق الضفادع ونباح الكلاب الذي يبدد السكون في تلك الأرجاء الفسيحة.. عند عتبة باب القصر يقف رجل غليظ الملامح مستعد لاستقبال ضيوف يتوافدون عبر بوابة المزرعة في سياراتهم الأنيقة، وكلما توقفت سيارة عند باب القصر،ينزل بعض الرجال المسلحين، الذين يعيدون ترتيب هندامهم العسكري أو ملابسهم العربية، ويصافحون الرجل ويعانقونه،ثم يدخلون.. يقف الرجل مزهوا بانتظار ضيوف آخرين، يستنشق بعمق رائحة العطور النفاذة وأريج الزهور ورطوبة النافورات المائية القريبة، يملؤه شعور بالنشوة والارتياح.. لكل إمريء ما يفخر به، بيد آن هذا الرجل يفخر بأنه خادم مطيع.. ولكن لمن؟!..إنه خادم لخادم آخر،، وكلاهما يستمد قوته من نفوذ سيده الحاكم بأمره.

تظهر جثة الحاكم بأمره مسترخية على كرسي من الذهب، في قاعة فخمة، وتلمع ابتساماته على شاشة التلفزيون ليضفي على نفوس الخدم المحيطين به أملا غائبا وتفاؤلا مستحيلا، وبالأخص منذ آن اختفى عن أنظار الناس، بعد هزيمته العسكرية، وراح يكتفي بمخاطبتهم عبر التلفزيون، ويحدثهم عن انتصاراته الوهمية، قبل ساعات النوم،إثر إصداره قرارا بالغاء أفلام السهرة الاجنبية من الشاشة الوحيدة التي يسمح بمشاهدتها.

في تلك الجلسات الاستعراضية التلفزيونية،التي تبرز فيها فخامة القصور العديدة، يرد الخادم الاقدم على أحاديث سيده بابتسامات منافقة، وهو نوع من الواجب عليه آن يؤديه بتمثيل متقن، على الرغم من ملامحه المشوهة، وإلا فأن مصيره لا يقل بشاعة عن مصير بعض افراد العائلة الحاكمة والخدم السابقين الذين لم يحسنوا التصرف او لم يجيدوا الكلام في حضرة الحاكم بأمره، فذهبوا الى الدار الاخرة، أو على الأرجح الى جهنم، بلا عودة.

كل واحد من هؤلاء الخدم تنازل ببساطة عن شيء يسمى الكرامة الانسانية، وارتضى العمل بدرجة وزير أو مستشار أو سكرتير أو حتى قواد، وقد فرض عليهم جميعا إرتداء البزات العسكرية، وحظي كل منهم حسب درجة القرابة والولاء، برتب وعلامات ونياشين وقصور ومزارع وخدم، وراح كل منهم يتقبل تلك الامتيازات إزاء بؤس وشقاء عامة الناس،وكل من هؤلاء المقربين ينتظر الموت بحزن دفين، لا يستطيع إعلانه أبدا،، فهو طريق لا تراجع فيه مطلقا.. الانواط امامكم والموت من ورائكم، كما يقول الحاكم في إحدى توصياته الثمينة لرجاله الأقربين.

في مثل هذه المناسبات المتلفزة، غالبا ما يفقد الحاكم صوابه، فينطلق في تصريحات تخلو من العقلانية.. ذات مرة قال ينبغي على الرجال والنساء الاستحمام قبل المعاشرة الزوجية وبعدها، في حين كانت مياه الشرب مقطوعة عن أغلب المدن، والاسواق خالية من الصابون.. في مرة أخرى،قال أمامه أحد المسؤولين إن الموظفين يشتكون من قلة رواتبهم، فأجاب الحاكم بسخرية: لماذا لا يعملون، بعد إنتهاء الدوام الرسمي، في نقل الحجر وبناء القصور وحمل طاسة الطين لتحسين أوضاعهم المعيشية.. ومن أجل مواجهة إرتفاع أسعار المواد الغذائية التي تحتكرها عناصر السلطة، أمر الحاكم أجهزته القمعية بمهاجمة التجار وتعليقهم على أعمدة الإنارة..وفي أحد الاجتماعات أخبره بعض حراسه أن أغلب الجنود الذين جرحوا خلال الحرب قد توفوا في المستشفيات، سحب الحاكم مسدسه وأطلق النار على وزير الصحة، وهو يقول للوزراء الاخرين: هذا مصير الخونة.

وذات مرة، دعا الحاكم وزراءه الى وليمة غير عادية، حيث إصطحبهم الى حديقة القصر،وطلب منهم التفرج على طبيبه الخاص الذي القي به داخل قفص حديدي مزدحم بالكلاب المفترسة، وقد راحت تمزق جسد الرجل وتمضغ لحمه،في حين كان الحاكم يتمتع بالمنظر ويسحب نفسا طويلا من السيجار الكوبي، ويتطلع في ملامح الرعب على وجوه الحاضرين.. وبعد إعلان زواج الحاكم من إحدى طبيباته الجميلات، للمرة الثالثة، ظهر على الشاشة ليبشر المواطنين أنه سوف يهدي لكل منهم بيتا وسيارة وإمرأة جميلة، وذلك عند تحقيق النصر النهائي على الاعداء.

وهكذا كان خادم الخادم يحتفل اليوم، بعد أن تشرف بلقاء الحاكم وحظي بتكريمه،فيبدو كالديك الذي يرفع صوته بالصياح والتباهي رغم وقوفه على تلة من القمامة، وكان مصدر البهجة لدى الخادم، أن التكريم ربما يتيح له مستقبلا الانتقال الى موقع سيده الخادم الاقدم أو يجعله قريبا منه في سلم الخدم.. وقد يحا لفه الحظ فيبدأ بتوسيع نفوذه تدريجيا، حتى يستطيع أن يمتلك مزرعة الخادم الاقدم وقصره وسياراته ونساءه، بعد أن تجتاح هذا الاخير، ذات يوم لابد منه،عاصفة من غضب الحاكم فيأمر باعدامه أو دفنه حيا، أو تذويبه بالسوائل الكيمياوية أو رميه الي الكلاب.. إن الخادم الاقدم يعرف أن مصيره لا يعدو واحدا من هذه الخيارات المرعبة، ومع ذلك يتصرف كأنه الحاكم نفسه، رغم أن الجميع يعرفون أن علاقة زوجته الرياضية الفاتنة مع الحاكم هي التي أوصلته الى هذا الموقع الخطير.

لقد جلب الخادم الاقدم من قريته النائية هذا الرجل البدوي ومنحه ثقته واستخدمه، مطمئنا الى صلة القرابة والانتساب الى القبيلة الحاكمة، وأخبره بدهاء بالغ، وهو يسلمه مفاتيح القصر والمزرعة: الولاء ثم الولاء ثم الولاء..والطاعة العمياء، طريقك الى..(صمت).. ثم ركب سيارته وغادره، ولم يره منذئذ إلا مرات قليلة، وجها لوجه، وكان يقول في نفسه عندما يراه علي الشاشة،يقف أو يجلس الى جانب الحاكم: يبدو أنه ما يزال حيا يرزق.

كان الرجل يستقبل المدعوين، وهم حصرا من الرجال فقط، يقف عند باب القصر كأنه سيده ومالكه وليس خادما فيه، وهؤلاء الضيوف في الاغلب من أبناء القبيلة أو القرية، من فصيلة الخدم الذين يديرون المزارع والقصور والاجهزة السرية.

في قاعة الاستقبال الفسيحة، الانوار المبهرة تسطع، الموسيقي تصخب، الجدران المنقوشة بزخارف ذهبية تلمع، المقاعد الوثيرة واللوحات المؤطرة تضفي علي المكان رهبة لم يتعودها هؤلاء الناس، إلا منذ أعوام قليلة، عندما جلبهم الحاكم من القرية الى العاصمة والمدن الاخرى فاجتاحوها بسياراتهم ومسدساتهم وسلوكياتهم البدائية وبذخهم ومجونهم وقسوتهم مع الناس في الشوارع، التي سرعان ما تحولت الى مسرح فوضوي دام.

الأجواء إزدادت إثارة عندما تحولت القاعة فجأة الى حلبة رقص دائرية،إحتشد ت بسرب من الراقصات الغجريات،يرتدين ملابس مزركشة فاقعة الالوان، يتمايلن مع إيقاع العزف والطبول السريعة بحركات داعرة..يكشفن عن أجسادهن ويخلعن الملابس تدريجيا.. الموائد المنصوبة في أرجاء المكان إزدحمت بقناني الخمر وانواع المأكولات والمشروبات.. العيون الشبقة تحركت بنظرات نارية، تتابع إيقاع الاجساد النسائية..الافواه تطحن بعصبية وشراهة لقيمات الطعام.. وتتجرع كؤوس الشراب بأفراط جنوني.. في أثناء صخب الغناء والرقص وتناول الاطعمة، كانت الاحاديث تدور بلا انقطاع، وفي كل نوبة هياج،تجرح الاسماع أصوات خشنة وتعليقات ماجنة، لم يتمالك بعضهم نفسه عن الرقص رغم ارتداءه البزة العسكرية، ورمى شخص اخر المسدس والكوفية والعقا ل على الارض والتحق بحلبة الرقص التي أتسعت بعد آن تشابكت الاذرع والسيقان والاعناق، واختلطت أجساد الرجال الهائجين مع النساء الراقصات في طقوس غريزية مقززة.

حمى الخمرة والرقص تصاعدت، لكن الرجل كان يحاول آن يبدو متزنا بين ضيوفه وهو يروي لثلة من بينهم قصة اللقاء التاريخي مع سيده الحاكم بامره، فيقول لهم متلعثما:

عندما طلب منا الحاكم آن نروي قصص البطولة قلت (عند عيناك سيدي).. فنظر إليَ كما ينظر الاسد.. لا.. لا.. كما ينظر الصقر.. لا.. لا.. كما ينظر الذئب.. كاد قلبي ينخلع من مكانه حين اجابني: تفضل.

قلت: سيدي أنا مدير المزرعة الغربية.

قال: حياك الله.

قلت: كلفني حضرة السكرتير الاقدم بأن أشرف على إدارة المزرعة وحراسة ما فيها من مخازن تحت بحيرة الاسما ك وفي حقول الدواجن،وذلك عند بداية الحرب..وأخبرني أن هذه المزرعة أمانة خطيرة، ويمكنني تعيين حراس أمناء دون أن نلفت نظر القرويين المجاورين أبدا، وقد نفذت هذه الاوامر بسرية بالغة.

قال أحد الضيوف السكاري: كيف تتحدث أمام الحاكم بهذه الطريقة، وأمام عدسات التلفزيون؟

أجاب: طبعا،قبل آن أتحدث طلب الحاكم من المصورين حذف المقاطع السرية من الكلام،

وأبلغنا أن علينا التحدث بحرية لأن اللقاء خاص جدا
.

إبتسم الضيوف، وصرخ بعضهم: خاص جدا.. جدا.. ثم رفعوا الكؤوس دفعة واحدة وسكبوها في أفواههم.

قال أحد الضيوف: طقت روحي.. إستمر يا بطل الابطال.!

قال الخادم: أوضحت للحاكم أن المزرعة كانت تضم خزان وقود كبير مدفون تحت الارض، فضلا عن المخازن السرية التي لا أعرف محتوياتها حتى هذه اللحظة.. ولم أجد من يشاركني في الحراسة سوى ثلاثة من الاشقاء العرب من عمال البناء الفقراء ، وجدتهم ، بعد آن ذهب أغلب أبناء ا لشعب الى الجبهة ، وكان هؤلاء الثلاثة يجلسون على الرصيف ويتضورون جوعا، فأخبرتهم العمل معي في مهمة سرية وخاصة، حيث لا يمكنهم مغادرة المكان إلا بإذن رسمي، واحتجزت جوازات سفرهم، ثم زودت كل منهم ببندقية وثلاثة مخازن عتاد، وأصدرت لهم أمرا لا يقبل التردد: عندما يحاول أي شخص اجتياز سياج المزرعة اطلقوا النار عليه واقتلوه بدون إنذار،وفي أي وقت..

أجابني الحاكم: عفيه.. سبع..

قلت: سيدي، كانت أيام صعبة ومثيرة، إذ كنا نمضي الليل في المزرعة، نرقب السماء،ونسمع الاخبار، من (الراديو)، وكان صوت سيادتك يبعث الطمأنينة في نفوسنا، فأقول للحراس، هذا هو الرجل العظيم الذي سوف يحرر الامة العربية، ويقودها الي النصر،ويجعل كل واحد منكم حرا وقويا وثريا، بعد أن يوزع الثروات على الجميع.. مضت ثلاثة أسابيع من القصف ولم تقترب الصواريخ والطائرات من المزرعة، وفي ليلة ممطرة شديدة البرودة، إضطررنا الى الانسحاب الى داخل القصر، ورحنا نتطلع عبر النوافذ، ونرصد أية حركة قريبة من المكان.. فجأة قفز أحد الحراس، وقال هناك ومضة سيجارة تتحرك في الظلام، فقلت: إنصبوا الرشاشات من خلال الشبابيك، وتريثوا حتى يصبح هؤلاء اللصوص عند مرمى الاسلحة.. رأينا أحدهم يتسلق الجدار، وكان يحمل بيده (غالونا) فارغا، فاطلقنا رشقة من الرصاص، وسمعنا صرخته ثم سقوطه خلف الجدار، في حين فر الاخرون.. خرجنا من القصر، وجلسنا في خندق قرب السياج، لم يدم إنتظارنا طويلا، إذ سمعنا، بعد دقائق، أصوات سيارات قادمة وصياح رجال، وكان أحدهم يشير الي المزرعة ويصرخ: لقد قتلوه هنا، سقط في الخندق..كانوا يقتربون، لم يتورع أحد الحراس فراح يطلق عليهم النار، تبادلنا معهم الرمي بزخات عشوائية من الرصاص، إشتد الرمي، إحترقت إحدى السيارات، تساقط بعض المهاجمين على الارض، وهرب الاخرون.. بعد إنتهاء المعركة، سيدي، إتصلت بالرفيق السكرتير الاقدم، وشرحت الموقف، فقال: سوف أرسل اليكم وحدة قوات خاصة من الحرس لتدمير القرية، فهؤلاء متمردون ولا يمكن أن نخشاهم‍.

قبل أن ينتشر نور الفجر أحاطت القوات الخاصة بالقرية من كل جانب، واصدرت أمرا عبر مكبر الصوت الى القرويين يدعوهم الى الاستسلام.. لم يخرج أحد،بل سمعنا فقط أصوات غامضة وضجيج مبهم، وكان الرد من جانب القوات الخاصة ساحقا.. عندما أشرقت الشمس راحت الجرافات تزيل ما تبقى من البيوت المدمرة لتختفي تلك القرية المتمردة من الخارطة.. لقد نظفنا المكان من الغوغاء، وهدأت الامور، وما تزال المنطقة مستقرة حتي الان.

التفت الحاكم الى وزير الحرب وسأله: لماذا لم تخبرني عن هذه الحادثة في حينها؟

رد الوزير مذعورا: كانت حادثة بسيطة، سيدي، وعالجناها بالتنسيق مع السكرتير الاقدم وامر الحرس، وقد كنت سيادتكم مشغولا بإدارة الحرب، ولم نرد أن نزعجك بهؤلاء الأوغاد المتمردين
.

قال الحاكم: أريد تقريرا مفصلا عن الموضوع بعد هذه الجلسة.. ثم توجه نحوي وأضاف:

أحسنت.. لقد أديت الواجب بأمانة.. بارك الله فيك.. ولكن لم تخبرني عن الحراس الثلاثة، وكيف تصرفتم معهم بعد إنتهاء المهمة؟

قلت: سيدي، كانت هذه مشكلة أخرى، فلو استطاع أحدهم الهرب مثلا لكشف سر المزرعة وما فيها، وربما فضحنا أمام فرق التفتيش، فاستفسرت من السكرتير الاقدم عن الطريقة التي يراها مناسبة للتخاص منهم، فأمرني بتشغيل (المثرمة) ورمي لحومهم المهروسة الى الاسماك في البحيرة الموجودة في داخل المزرعة، وكانت وجبة لذيذة، كما يبدو، لتلك الاسماك
.

ابتسم الحاكم بإمتعاض، أشعل السيجار الطويل ووضعه بين شفتيه، إمتص الدخان بتلذذ، ثم نفثه الى الاعلى.. تأمل وجوه الحاضرين، حدق في وجهي الوزير والسكرتير.. إنتفض واقفا، وغادر القاعة مسرعا، وسط تصفيق الجميع.

رفع الخادم كأسا، بعد إن ختم حكايته، وتجرع مع زملائه الكؤوس المترعة بالخمر وهم يرددون بسخرية: في صحة سيدنا الحاكم بأمره.

في تلك الحظة، دخل من باب القاعة حارس مسلح، واتجه مباشرة الى الخادم ليهمس بضع كلمات في مسامعه.. نهض الرجل مرتبكا، وتوجه الى غرفة جانبية مع الحارس، بعد أن طلب من الضيوف والراقصات الاستمرار في اللهو والابتهاج.

أخذ سماعة الهاتف بيده، وأجاب بصوت مرتجف: نعم سيدي..

قال السكرتير الاقدم: وينك يا كلب.. ليش تأخرت؟

أجاب: نعم سيدي
!.

قال الصوت البعيد: ما هذه الحفلة التي يقول الحارس أنك مشغول فيها؟‍‍

رد الرجل: نعم سيدي
.

قال السكرتير: ما الذي تحدثت عنه اليوم يا غبي.. كيف نطقت تلك الكلمات السخيفة؟!

أجاب: نعم سيدي.

صرخ السكرتير: إحضر الي القصر فورا.

رأى الخادم دخانا أسودا كثيفا يملأ جو الغرفة، يغشي بصره، ويختلط مع ملامح الحارس الذي يقف أمامه مشدوها كتمثال من الشمع.

ساد الصمت بضع ثوان، صعق الخادم، كاد يسقط على الارض لولا ذراع الحارس الذي أمسكه بقوة، وذلك عندما إنتبه الى أن سيده قد أبلغه الحضور الى القصر.. لكنه لم يستطع أن يسأله أي قصر؟.. فالمكان الذي يسكن فيه الحاكم وسكرتيره يعد سرا من أخط الأسرار، ويقال أن هناك أكثر من خمسين قصرا حصينا، يتنقل بينها الحاكم، بين يوم وآخر وربما بين ساعة وأخري، وفي المرات القليلة التي أضطر فيها الخادم لمقابلة السكرتير، كان الاخير يرسل اليه سيارة صندوقية مصفحة لتأخذه الى المكان المقصود الذي لم يعرف طريقه أبدا.

خرج الخادم من باب الغرفة، متوجها الى قاعة الاحتفال، بخطى ثقيلة وعيون زائغة، رأى الجميع يتدافعون للفرار من الابواب (فروا كالارانب في البرسيم، في حرب هم هزموا فيها)، بعد أن سمع بعضهم جانبا من المكالمة الرهيبة، وعرفوا أن زميلهم سيؤخذ الى القصر، بعد لحظات، عنوة، وبلا رجعة.!



(أنتهى)
__________________________________________________ ___

القاص والكاتب العراقي الدكتور / محمد فلـحي




 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب


رد مع اقتباس

اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب
المواضيع المنتدى اخر مشاركة عدد الردود عدد المشاهدات تاريخ اخر مشاركة
دهاء الشيخ محمد بن يحيى العسيري شيخ رباع تاريخ قرية رباع بين الماضي والحاضر 0 4996 20/10/2024 02:27 PM
وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل... تاريخ زهران وغامد 2 9401 17/09/2024 11:11 PM
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) 0 18570 04/01/2024 11:35 AM
القصة (مورد المثل) منتدى القصص و الروايات المتنوعة 0 16972 02/01/2024 09:28 AM
الله لايجزي الغنادير بالخير منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) 1 15585 28/12/2023 05:06 PM

قديم 05/03/2006, 08:01 PM   #2


الصورة الرمزية عصام شبير
عصام شبير âيه ôîًَىà

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1422
 تاريخ التسجيل :  Sep 2005
 أخر زيارة : 18/03/2012 (01:50 AM)
 المشاركات : 767 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



مشكووور على القصة


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 :
لا يوجد أعضاء

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية )

انشر مواضيعك بالمواقع العالمية من خلال الضغط على ايقونة النشر الموجودة اعلاه

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w