الثقة في سوق الأسهم السعودي

الثقة في سوق الأسهم السعودينائلة حسين عطار - مستشارة إدارية واقتصادية 23/02/1427هـ
كنت قد كتبت سابقاً مقالة باسم "أي سهم أشتري؟" في (نوفمبر) العام الماضي، وهي عن إيميلات تصلني تستفسر عن أفضل الأسهم للشراء والبيع بغرض المضاربة.
واعتذرت بأنني لا أقدم أية نصائح في سوق الأسهم، وسردت حكاية صديقتي التي كانت محتارة بين الاستمرار في عملها الثابت أو التفرغ للعمل في المضاربة في سوق الأسهم السعودي بسبب الأرباح التي جنتها، مع أنها ليست خبيرة ولا تعرف أساسيات المضاربة، وهي تعمل بالحاسة السادسة فقط، والتي يظهر أنها مرتفعة جدا لديها، لأن زوجها طلب منها التفرغ التام لهذا العمل المرضي جداً مادياً.
وبالفعل قامت صديقتي بالاستقالة من عملها الذي تحبه وتفرغت للمضاربة في سوق الأسهم، وكانت مسرورة جداً، لأنها ظنت أنها اتخذت القرار الصائب فهي ليست ملزمة بساعات دوام محددة، ولا توجد مديرة تنغص عليها يومها، كما أن مصروف المواصلات انخفض كثيراً، فشعرت أن عوائد التفرغ للعمل من المنزل في سوق الأسهم باستخدام الإنترنت ليست عوائد مادية فقط، بل أيضاً نفسية واجتماعية، مما أكد لها جدية قرارها الصائب.
وللأسف بعد الخميس الأسود والثلاثاء المدمر والهبوط والتصحيح وتسونامي، وكل ما أطلق على ما أصاب سوق الأسهم السعودي.
زرت صديقتي في منزلها لإصابتها بوعكة صحية نفسية، حيث انهارت للأسف ولم تتحمل ما حدث بسبب مغامرتها بكل مدخراتها ومدخرات زوجها في سوق الأسهم، ونكبتهما بخسارة مالية لم تكن تحسب لها مسبقاً.
وخلال الزيارة، لم أكن وحدي، بل كان هناك العديد من الصديقات وجميعنا نرغب في الاطمئنان عليها وتطييب خاطرها وعونها في محنتها والدعاء لها بالصبر والاحتساب.
وكان الحديث بالطبع عن انهيار سوق الأسهم ولماذا؟ وكيف؟ ومن؟
وتعددت الآراء في الأسباب لكن اتفق الجميع وأولهم صديقتي المريضة على عدم دخول هذا المجال مرة أخرى، فلن يتحمل قلبها صدمة أخرى.
وبدأت النساء يفكرن في البديل المناسب لاستثمار الأموال في قطاع غير الأسهم، فلم يجدن البديل المناسب سريعاً، فعملية الشراء والبيع بسيطة وسريعة والنتائج واضحة مباشرة ويمكن البدء برأسمال صغير، ولا يوجد تعقيد فتكفي الحاسة السادسة أو رسائل الجوّال أو الشائعات كي يتم الاختيار واتخاذ قرار الشراء أو البيع بسرعة.
لا توجد ضرورة للجدوى الاقتصادية ولا لخطة عمل ولا إلى اتباع قوانين طويلة وانتظار موافقات من عدة جهات لبدء العمل.
ومع أن هذه الأسباب التي تظهر أن المضاربة في سوق الأسهم أفضل خيار لتنمية المدخرات أو حتى دخل الأسرة، لكن بعد هذه الهزة الاقتصادية اتضح أن الصحة والعافية هما الاختيار الأول لمن يرغب في راحة البال.
وأبدت صديقتي ندمها على تركها الوظيفة، وأقسمت أنها لن تعود إلى العمل في المضاربة مرة أخرى أبداً، فهي فقدت الثقة في سوق الأسهم تماماً. وأكد على قولها باقي الصديقات ممن مارسن هذا العمل.
وبدأن بالتفكير جدياً في البحث عن البدائل المتاحة، مما جعلني أتنبه لرؤية الجانب المشرق والموجب لما حدث، لعله خير سنتلمس نتائجه لاحقاً، والبحث عن بدائل للمضاربة هو أولها.
وتفاءلت بأنه قد يكون الوقت مناسباً فعلاً للتوجه إلى أنواع استثمارات أخرى الوطن في حاجة إليها فعلا.
وقمت بدعوة هذه المجموعة من الصديقات وصديقتي، التي تحسنت صحتها ولله الحمد، لمناقشة هذا الموضوع ومحاولة وضع تصورات عامة لما هو مطلوب وما هو مستهدف.
وبعد السلام والكلام، فتحت الموضوع بأننا قد نستطيع إيجاد بديل مناسب للمضاربة في سوق الأسهم، بتجميع جهودنا وأفكارنا ومرئيات كل منا لتكوين نواة ومبادرة استثمارية تستفيد منها كل النساء لاحقاً، إن شاء الله.
ولا أستطيع وصف وقع الصمت الذي طرأ على الجلسة والنظرات الخجلة التي رأيتها في جميع العيون، وشعرت بقلبي يدق، وأن هناك حدثاً جللاً! ما هي الحكاية؟ ماذا حدث؟
فاجأتني المتحدثة وهي صديقتي التي كانت مريضة بأنها ستستمر في العمل في مجال سوق الأسهم، كمستثمرة وليست كمضاربة، فهي قد درست الموضوع جدياً ووجدت أن هذا هو العمل الأنسب لها، وستقوم بالصوم لمدة شهر للتكفير عن قسمها الذي أطلقته أيام مرضها، لأن الأدوية أثرت في تفكيرها.
فلقد عادت ثقتها بالسوق، واستفادت من هذه الضربة القاصمة درس العمر، وأنها لن تستثمر ما تبقى من أموالها في سلة واحدة، بل ستنوع استثماراتها.
وسمعت أصوات الموافقة من الجميع، والتأكيد على أن كلامها صحيح، فسوق الأسهم السعودي يقف على اقتصاد قوي صلب والمستقبل واعد ومبشر .
ولم يكن رأيي الخاص مختلفاً عن باقي الآراء كثيراً، وإن كنت لا أمارس هذا العمل شخصياً.
ولكن عجبت لحال الإنسان كيف يغير رأيه بسهولة عند رغبته وأمله وتمنيه ذلك. وعندها عرفت حقاٌ لماذا حث الإسلام على التفاؤل ونهى عن التشاؤم.
وشعرت بالأسى قليلاً لظني أن الوقت كان مناسبا للبحث عن البدائل المناسبة للمضاربة في سوق الأسهم فقط، وأقله القيام بعملية البحث والدراسة والتطوير للاستثمار في القطاعات الأخرى، أو تطوير مجال الاستثمار وليس المضاربة في سوق الأسهم السعودي.

مستشارة إدارية واقتصادية
naila@sma.org.sa

الالوان بغير الوانها