المتنبي .. وصف الحمى

قصيدة المتنبي في وصف الحمى

يعد المتنبي من أكبر شعراء العربية فقد ذاع شعره في الآفاق
حتى قيل أنه مليء الدنيا وشاغل الناس ولعل تلك الشهرة قد جاءت إلى المتنبي من عدد من الجوانب منها :
ما يشيع في شعره من الحكمة والتجارب الصادقة بالإضافة إلى صدق التعبير وحرارة الإحساس في شعره
ثم في عمق التجربة ومقدرته عن التعبير عن ذاته حتى في قصائد المديح فلم يستطيع المتنبي أن ينسى ذاته .

والقصيدة التي بين أيدينا تزخر بقوة تعبير المتنبي عن ذاته .
ولعل هذا من الأسباب التي أكسبت شعره صدق التجربة وحرارة الإحساس .
والقصيدة تزخر بقوة تعبيره عن ذاته وذلك من خلال :
1- أنه أجلُّ أن يُلام لأن فعله أعظم من قوله .
2- أنه يواجه قصائد الدهر وأيامه وحيداً ولا يحتاج عوناً من أحد .
3- أنه لا يصحب أحد في أسفاره فهو في جوار الله أولاً ثم في جوار سيف الدولة .
4- أنه لا يحل ضيفاً على بخيل لأنه ليس كذلك .
5- أنه يعتمد على صفاته ومكاسبه الشخصية وليس على الحسب والنسب والقبيلة فهو من يبني مجده بنفسه .
6- لا يجد راحته إلا في السفر والكر والسعي .
7- يرى أن صحبة الناس كلها خداع ورياء مما أضطره إلى معاملة الناس بهذا الأسلوب أي أنه شخصٌ مختلفٌ في طباعه عن بقية الناس .
8- أنه كريم ويكره البخل حتى لو كان هذا البخيل أخاه .
9- لا يقبل بما هو قليل ولا يرضى طموحه وشخصه فهو سباق إلى المعالي .
10- أنه قليل الراحة كثير السفر لم يعتمد على الراحة في الفراش إلا نادراً فقد عاش حياته في سفرٍ طالباً للمعالي فحياته كلها كفاحٌ في نيل هذه المعالي .
11- أنه لكثرة عظمته فقد كثر حساده لكنَّ مناله صعبٌ جداَ .
12- أنه رجل المهام الصعبة فهي تحيط به من كل جانب .
13- عاش حياته محاربه يخوض المعارك حتى إن السهام والسيوف والمصائب لا تجد طريقها إليه ولا تؤثر فيه .
14- أنه كالجواد الكريم الذي تعود على الكر والفر في ساحات المعارك فهو لا يقبل بالراحة فهي تضر جسده .
15- أن عزيمة إرادته قوية لا تتأثر بما يمر به من مصائب والآم .

مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلامِ وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلامِ
=
ذَرَاني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ وَوَجْهي وَالهَجِيرَ بِلا لِثَامِ
=
فإنّي أسْتَرِيحُ بذي وَهَذا وَأتْعَبُ بالإنَاخَةِ وَالمُقَامِ
=
عُيُونُ رَوَاحِلي إنْ حِرْتُ عَيني وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغامي
=
فَقَدْ أرِدُ المِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ سِوَى عَدّي لهَا بَرْقَ الغَمَامِ
=
يُذِمّ لِمُهْجَتي رَبّي وَسَيْفي إذا احْتَاجَ الوَحيدُ إلى الذّمَامِ
=
وَلا أُمْسِي لأهْلِ البُخْلِ ضَيْفاً وَلَيسَ قِرًى سوَى مُخّ النّعامِ
=
وَلمّا صَارَ وُدّ النّاسِ خِبّاً جَزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسَامِ
=
وَصِرْتُ أشُكُّ فيمَنْ أصْطَفيهِ لعِلْمي أنّهُ بَعْضُ الأنَامِ
=
يُحِبّ العَاقِلُونَ على التّصَافي وَحُبّ الجَاهِلِينَ على الوَسَامِ
=
وَآنَفُ مِنْ أخي لأبي وَأُمّي إذا مَا لم أجِدْهُ مِنَ الكِرامِ
=
أرَى الأجْدادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً على الأوْلادِ أخْلاقُ اللّئَامِ
=
وَلَسْتُ بقانِعٍ مِن كلّ فَضْلٍ بأنْ أُعْزَى إلى جَدٍّ هُمَامِ
=
عَجِبْتُ لمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ وَ يَنْبُو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ
=
وَمَنْ يَجِدُ الطّرِيقَ إلى المَعَالي فَلا يَذَرُ المَطيَّ بِلا سَنَامِ
=
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ
=
أقَمْتُ بأرْضِ مِصرَ فَلا وَرَائي تَخُبُّ بيَ الرّكابُ وَلا أمَامي
=
وَمَلّنيَ الفِرَاشُ وَكانَ جَنبي يَمَلُّ لِقَاءَهُ في كُلّ عامِ
=
قَليلٌ عَائِدي سَقِمٌ فُؤادي كِثيرٌ حَاسِدي صَعْبٌ مَرَامي
=
عَليلُ الجِسْمِ مُمْتَنِعُ القِيَامِ شَديدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدامِ
=
وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً ف َلَيسَ تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ
=
بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي
=
يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ
=
كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ
=
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ .مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ
=
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
=
أبِنْتَ الدّهْرِ عِندي كُلُّ بِنْتٍ فكَيفَ وَصَلْتِ أنتِ منَ الزّحامِ
=
جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيهِ مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ
=
ألا يا لَيتَ شِعرَ يَدي أتُمْسِي تَصَرَّفُ في عِنَانٍ أوْ زِمَامِ
=
وَهَلْ أرْمي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ مُحَلاّةِ المَقَاوِدِ باللُّغَامِ
=
فَرُبَّتمَا شَفَيْتُ غَليلَ صَدْرِي بسَيرٍ أوْ قَنَاةٍ أوْ حُسَامِ
=
وَضَاقَت خُطّةٌ فَخَلَصْتُ مِنها خَلاصَ الخَمرِ من نَسجِ الفِدامِ
=
وَفَارقْتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ وَوَدّعْتُ البِلادَ بِلا سَلامِ
=
يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ
=
وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ
=
تَعَوّدَ أنْ يُغَبِّرَ في السّرَايَا وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ
=
فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ
=
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي
=
وَإنْ أسْلَمْ فَمَا أبْقَى وَلَكِنْ سَلِمْتُ مِنَ الحِمامِ إلى الحِمامِ
=
تَمَتّعْ مِنْ سُهَادٍ أوْ رُقَادٍ وَلا تَأمُلْ كرًى تحتَ الرِّجَامِ
=
فإنّ لِثَالِثِ الحَالَينِ مَعْنًى سِوَى مَعنَى انتِباهِكَ وَالمَنَامِ

منقول