السخرية بالرسول واحتقار المسلمين

السخرية بالرسول واحتقار المسلمين



::كتب/ عبد الله الصالح العثيمين
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وجعله أفضل الناس خَلقاً وخُلقا. والصلاة والسلام على ذلك الرسول الأفضل، الذي كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيما، وكانت حياته نبراساً لمن وفَّقه الله إلى سلوك طريق الحق. من أحبَّه واتبع نهجه فقد رشد، ومن لم تعمر، وتغمر محبته قلبه فقد ضلَّ وغوى.

لقد اطَّلع كثير من المسلمين - عبر وسائل الإعلام المختلفة - على ما حدث في الدانمرك من نشر صور تسخر بشخصية نبيَّنا محمد،- صلى الله عليه وسلم- ودين الإسلام الذي هو خاتم الديانات السماوية. واطَّلعوا أيضاً على مواقف المسؤولين في الدولة الدانمركية؛ وفي طليعتهم رئيس حكومتها الذي بلغ احتقاره للدول الإسلامية إلى درجة رفضه مقابلة سفرائها. وكل مسلم لم يسؤه ما حدث من سخرية برسوله فإنه مشكوك في إيمانه، وكل فرد لم يشعر بالإهانة التي وجهت إلى أمته وزعاماتها جراء رفض رئيس الحكومة الدانمركية مقابلة أولئك السفراء فإنه - بدون شك - فاقد لأي شعور بالكرامة.
ليس من المستغرب أن يتجرأ من يتجرأ من أعداء المسلمين؛ يهوداً أو نصارى، فيسخر بنبيِّهم.. نبيِّ الهدى المرسل رحمة للعالمين، أو يدنِّس مقدَّساً من مقدَّساتهم. فهذا وذاك من الأمور التي لم يخل منها سجل التاريخ منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، وإن كان قد ازداد في العقدين الأخيرين نتيجة ما وصل إليه المسلمون؛ قادة وشعوباً، من استمراء للذل والإهانة. ومسألة سلمان رشدي وأمثاله، وتدنيس المصحف الشريف في معتقل جوانتانامو وانتهاك حرمة المساجد في العراق، قليل من كثير. وإذا كان قد ظهر ما ظهر من بغضاء أولئك الأعداء فإن ما تخفي صدورهم أعظم.

لكن ربما وجد من يستغرب حدوث ما حدث في الدولة الدانمركية بالذات. ووجه هذا الاستغراب أن تلك الدولة - شأنها شأن بقية الدول الاسكندنافية - لم تكن بين الدول التي أظهرت عدوانها للمسلمين باستعمار بلدانهم وارتكاب مختلف الجرائم ضدهم. وهذا الاستغراب يمكن أن يقال: إن له ما يبَّرره. ومن الصعب إزالة وجهه إلا في ضوء ما تدل عليه الآية الكريمة {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...} (120) سورة البقرة.

ولقد ارتفعت أصوات الغضب في بلدان إسلامية متعدَّدة مستنكرة تلك السخرية البشعة بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وانبرت أقلام الغيورين محتجة على ذلك التحدَّي السافر لمشاعر المسلمين من قبل المسؤولين الدانمركيين.

وكلٌ من هذا وذاك علامة خير تدل على أن الأمة الإسلامية مهما ران عليها من مرض مازالت فيها بقية من حياة لو أولاها قادتها ما تستحقه من رعاية لذُلَّلت كثير من العقبات التي يضعها أعداؤها في طريقها إلى استعادة كرامتها واسترجاع حقوقها المسلوبة.

ولابد، هنا من وقفة اعتزاز بالموقف النبيل الذي اتخذته قيادة وطننا العزيز باستدعائها سفيرها في الدانمرك. وهو موقف غير مستغرب على دولة وفقها الله بأن جعلها راعية لموطن صاحب الرسالة الخاتمة، مولداً ونشأة وسيرة عطرة ومثوى كريماً، كما جعلها خادمة للحرمين الشريفين ولكل من حج البيت أو اعتمر. ومازادها هذا الموقف النبيل إلا شرفاً وعزاً وتقديراً واحتراماً لدى كل من في قلبه ذرة من إيمان. ولقد سمع ورأى صداه الطيب كل من تابع قنوات الإعلام الخيِّرة. وبقدر ما عبَّر الجميع عن تقديرهم واحترامهم لذلك الموقف النبيل نادوا بأن يكون مثلاً تحتذيه كل الدول الإسلامية، ورجوا أن يكون فاتحة خير لمواقف تُتَّّخذ في التعامل مع كل من تحدَّثهم أنفسهم الشرِّيرة بإظهار عداوتهم لنبي الأمة،- صلى الله عليه وسلم-، والدين الذي أرسل به، والمؤمنين برسالته، أو المساس بمقدَّساتهم
ولابد، أيضاً من التعبير عن الشكر الجزيل، والتقدير الوافي، لكل من غمر الإيمان قلبه من التجار والأغنياء، فغضبوا من السخرية بالرسول الكريم،- عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-، وسارعوا إلى مقاطعة المنتجات الدانمركية.

وهم بهذا الموقف المحمود يبرهنون على عظمة دورهم في مجتمعهم الإسلامي الذي يثلجون صدور أفراده؛ رجالاً ونساء، باتخاذهم مثل هذا الموقف النبيل، وقيامهم بمثل هذا الدور العظيم. وهناك أمل في أن يكونوا أمثلة تحتذى ليس في وطننا العزيز وبلدان الخليج الشقيقة فحسب؛ بل في كل وطن عربي وإسلامي.

إن ما حدث في الدانمرك لم يكن مجرد نزوة حدثت من رئيس تحرير صحيفة. بل إنه عمل مدروس مقصود. فقد صرَّح ذلك الرئيس بأن نشر تلك الصور الساخرة بالنبي،- صلى الله عليه وسلم-، قد تمَّ لاختبار ما إذا كانت عمليات الثأر الإسلامية قد بدأت في الحد من حرية التعبير في الدانمرك). وأما رئيس الحكومة الدانمركية، الذي أبى إلا أن يظهر احتقاره للمسلمين ممثلين في سفراء دولهم، فادَّعى أن ما حدث من باب حرية التعبير التي هي الأساس في الديمقراطية الدانمركية.

وكاتب هذه السطورلا يدري إن كان الدستور الدانمركي ينص على عدم مراعاة مقدَّسات الأديان السماوية أولا. لكنه متأكد أن ذلك الرئيس سيكون أجبن من أن يرفض وفداً من الصهاينة لو طلبوا مقابلته للإشارة إلى من يحاول أن يبين شيئاً من مخازيهم وجرائمهم أو يشكِّك - مجرَّد تشكيك - في أعداء من يدَّعون بأنهم أبيدوا في الهولوكست على أيدي النازيين، وكاتب هذه السطور متأكد أيضاً، أن رئيس تحرير تلك الصحيفة الذي افتخر بما ارتكب، سيكون أجبن من أن ينشر أي رأي لا يعدُّه الصهاينة في صالحهم.

إنه لجدير بمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تسارع إلى مناشدة كل دولة إسلامية بأن تتخذ موقفاً مثل الموقف النبيل الذي اتخذته المملكة العربية السعودية، وأن توصي مواطنيها بمقاطعة المنتجات الدانمركية، وإذا كان للجانب السياسي أهميته القصوى فإن للجانب الاقتصادي دوره الذي لا يستهان به. والعالم الإسلامي لديه مندوحة في الاستغناء عن تلك المنتجات بمنتجات مثلها من دول داخل هذا العالم الإسلامي أو خارجه. لكن من المشكوك فيه جداً إن كان الاقتصاد الدانمركي يستغني عن الأسواق الإسلامية أولا يتأثر تأثُّراً بالغاً في فقدها. واتخاذ موقف حازم ضد إساءة مثل الإساءة التي حدثت في الدانمرك سيجعل دولاً أخرى تفكر جدياً، فلا ترتكب ما ارتكبته. لكن عدم اتخاذ موقف حازم سيشجع دولاً أخرى مثل الدانمرك حجماً أو أكبر أو أصغر منها بأن تحذو حذوها. وإلى جانب ذلك فإنه لابد من تكثيف الجهود لمقاضاة المسؤولين في الصحيفة التي نشرت الرسومات الساخرة البشعة بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ، حتى ينال أولئك المسؤولون ما يستحقونه من عقاب.


وفق الله الجميع لما فيه الخير

اللهم انصر المسلمين

اللهم امين جزاك الله خيرا اخي