أستاذنا أبو قردان.. ولا يزال!

أستاذنا أبو قردان.. ولا يزال!

نحن لا نظلم الإنسان إذا قارنا بينه وبين القرود أو الحيوانات الأخرى. إننا نظلم هذه الكائنات المسكينة لأننا نحتقرها ونتعالى عليها.. مع أننا لا ندرى حكمة حياتنا..

ولا بد أن تكون حياتنا حكمة.. وإلا فكيف استطاعت أن تعيش هذه الملايين من السنين، ولا تنقرض، وأن يتزايد عددها. وإذا كان الإنسان قد عرف بعض حياتها. فهو لا يعرف حياتها كلها ولا حياته هو. وإذا كانت الحيوانات لا تتكلم لغتنا فليس من الضروري أن تتكلم لغة واحدة. فالناس لا يتكلمون لغة واحدة.. والخلافات بين الناس أقصى وأعمق من الخلافات التي بيننا وبين الحيوانات!

وفي العالم اليوم اتجاهات علمية جادة تعود الى مقارنة الإنسان بالحيوان وبالطيور..وتميل الى وضع الحيوانات فى مكان أعلى وأرفع..

فالنحل هو أبو التعاون وإنكار الذات.. والفراشات هي أمهات التخصيب الصامت. ولولاها ما أثمرت أشجار الفاكهة ولا أشجار الحقل أيضا.. والوطواط هو أبو الرادار.. وجبلاية القرود هي نموذج للمجتمع السياسي وللقوة، الجسمية والجنسية.. والصرصار أبو الكلاكس، والسمك أبو الغواصة!

وقد أعجبني كتاب أصدره عالم فرنسي عنوانه «أستاذي في الغابات» أي أن أساتذته جميعا من الحيوانات. في أولى صفحات الكتاب تحية رقيقة بعث بها الى الطائر المصري أبو قردان.. الذي اخترع الحقنة.. أو على الأصح الذي اخترع الحقنة الذاتية.. فهذا الطائر عندما يصاب بإمساك فإنه يملأ منقاره بالمياه.. ويفضل الماء المالح.. ثم يدخل منقاره فى مؤخرته ـ إنها أول حقنة فى التاريخ!

والصفحات التالية أهداها لطيور أخرى فى أمريكا. من بين هذه الطيور واحد اسمه: الميكانيكى. فهذا الطائر يحدث أصواتا غريبة بجناحيه كأنه ميكانيكي صغير يحاول أن يدق مسمارا من الخشب فى جدار من الحديد.. ويقع المسمار أو ينكسر ولكنه يعاود المحاولة.. هذا الطائر يضع لنفسه نوعا من القطرة فى عينيه.. وذلك بأن يذهب الى إحدى الأشجار ويمرر جناحيه فى أوراقها المغطاة بمادة مخاطية بيضاء ثم يذهب الى الماء ..ويمسح بجناحيه على الماء ثم يضع رأسه تحت جناحيه وينتظر قطرات الماء فى عينيه.. ويحرك رأسه فى جناحيه بعض الوقت.. ثم يغسل عينيه..

وقد اكتشف الأطباء أن هذه القطرة الطبيعية هي أحسن ما عرف الإنسان.. وغير ذلك من الحكمة الحيوانية كثير جدا.. وكلها لا تبرر غرور الإنسان.. فما أقل ما نعرفه عن أنفسنا، وما أندر ما نعرفه عن غيرنا من الحيوانات!