الجلافة .. لماذا ؟

في رسالة له يستغرب أحد الأخوان ممن تربطني بهم علاقة ممن قضى معظم طفولته في احدى الدول العربية من سوء المعاملة السائدة بين الناس هنا في المملكة والذي يرى أنها تتسم بالقسوة والخشونة والتنابز بالألقاب والغطرسة والتسلط على كافة المستويات , فالزوج - كما يقول - لاينادي زوجته بإسمها وإنما يناديها
بـ" ياولد " أو هيه وياهيش ، والطفل ينادي من هو أكبر من سناً باسمه دون أن يسبق ذلك كلمة " عم/ عمة ، " " خال / خاله" والمعلم أو المعلمة لايتورعا أن يطلقا مسمى " حمار / حماره" أو كلب / كلبه على الطالب أو الطالبة ، ورجل المرور يصرخ بأعلى صوته أمام الملأ قائلاً " ياولد " لرجل مسن في عمر والده ، والأم لاتتورع عن إطلاق مسمى " حيوان/ حيوانه " على ابنها أو ابنتها.
ويتسائل الأخ العزيز عن الأسباب التي أدت إلى مثل هذه الشدة والخشونة والقسوة في المعاملة هنا .. في البيت .. في المدرسة .. في الشارع .. في العمل . في المستشفى في الأسواق .. الــخ ، ويسترسل هذا الأخ في استفساره فيقول : أين البشاشة وحسن المعاملة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف من واقع تعاملنا اليومي مع بعضنا البعض ؟ أليست الفظاظة في التعامل منبوذة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) !!؟ ثم ألستم من أكثر الناس تعلماً لأمور الدين الحنيف من بين بقية أمم الأرض لماذا لا ينعكس ماتدرسونه في مقرراتكم الدينية على طبيعة تعاملكم مع بعضكم البعض ؟ أين العطف على الصغير والرحمة بالكبير ؟ أين المجادلة بالتي هي أحسن ؟ أين انتم من قول النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام " ليس الشديد بالصرعه إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ؟ لماذا التنابز بالألقاب والاستخفاف بالآخريــن ؟ ولماذا مفرداتكم جافة من كل أشكال المودة والرحمة والتقدير والاحترام ويغلب عليها صيغة الأمر والزجر والنهر والتهديد والوعيد ناهيك عن الضرب المبرح في أغلب الأحيان ؟
أسئلة واستفسارات في الصميم وضعها أمامي ذلك الأخ لكنها لم تكن مفاجئة لي لأنها دائماً تدور في ذهني وأحاول البحث عن إجابات لها ، فتارة أرجعها للبيئة الصحراوية الجافة التي نعيش فيها بما فيها من قسوة الطبيعة كحرارة الشمس ووعورة الطرق وندرة الأنهار وقلة المناظر الخضراء ، هذه البيئة الطبيعية الصحراوية التي تكثر فيها الحمير والكلاب والثعابين والعقارب والجن ربما ساهمت إلى حد كبير في إطلاق البعض كلمات مثل
" حمار و" كلب" وعقرب " وجني " على الآخرين عند الغضب أحياناً أو من دون سبب أحياناً أخرى، كما أن مثل هذه البيئة تساهم في خلق شخصية قابلة للاستفزاز والنرفزة بسرعة لأنها تفتقر إلى مايهذب النفوس ويلطفها ويخفف من توتراتها وحالات العنف لديها " كالأنهار والخضرة .
وتأتي التربية الأسرية لتكمل الدور الذي تقوم به الطبيعة فيكون الإنجاب لمجرد الإنجاب وإرضاء توقعات المجتمع . أما التربية والتنشئة الاجتماعية فتقوم في أغلب الأحيان على الإخضاع والإكراه لقيم المجتمع وعاداته دون الإقناع . فالضرب والسب والشتم والحرمان العاطفي تعد من أهم اخضاع الطفل .
وهكذا تستمر دائرة القسوة من جيل إلى آخر لأن كل جيل يستقي تجربته التربوية ممن سبقوه فالآباء والأمهات الجدد يتقمصون أدورا آبائهم وأمهاتهم القاسية في العملية التربوية نظراً لخبرتهم الضعيفة في الأساليب الملائمة للتربية .
وفي المدرسة يمثل المعلمون والمعلمات امتداداً لتربية أسرية عنيفة أكملتها المدرسة من حيث القسوة والشدة فتاتي معاملتهم للطلاب والطالبات بنفس الأسلوب التربوي الذي مروا به إبان طفولتهم في الأسرة والمدرسة .
إننا بالفعل نفتقد إلى تعليم أطفالنا مهارات الاتصال الجيد وكيفية التعامل مع الآخرين ، وهذا الأمر يدفعنا إلى الدعوة إلى نشر الوعي بأساليب التربية الصحيحة بين الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات وتضمين منهاجنا تلك الاسايب ونشر روح الحوار في كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية إذا أردنا صنع جيل راق في تعامله وحضاري في سلوكياته .