المعـــــــركة الــــــــرهيبة ؟

بقية إكمال قصتي مع الجُعير .
في هذه الأثناء بزغت الشمس من خلف الجبل واشرقت لتنشر أشعة خيوطها الذهبية متخلّلةً فروع الأشجار وتعكس اشعتها مياه الغدران والكظايم ليزداد الوادي جمالا وبهاءً .
وتخرج الطيور من أوكارها لتقف على عتبة أعشاشها لتنال قسطا يسيرا من هذا الدفء الإلهي وبعدها تطيرُ سابحةً في الفضاء باحثةً عن رزقُها .
وأعجبني طير الصرصر الأصفر اللون في إبداعاته الهندسية لتصميم عشّه المتدلّي من فروع الأشجار وخاصّة شجر الطلح ودقّة بنائه ودورانه الرائع ، كذلك طير كُعي ذنب الصغير الحجم ذا اللون الرمادي وذيله في حركة مستمرة ولا يهدأ والذى بنى عشّه واخفاه بمهارةٍ فائقةٍ داخل شجرة النّيم الّلذيذة الطعم ، وطير أبو زُبنّه ذا اللون الأبيض والأسود للذكر والرمادي الباهت للأنثى يخرج من أحد عُرق البلاد أو الركايب أو الحُجر فرحا بصباح يومٍ جديدٍ وينقز من غارٍ إلى غارٍ باحثا عن الدود لالتهامه ، ولم أرى أجمل منظرٍ من عشِّ طير الّلطاه ذو اللون البني المُحمّر الذى أكتفى ببنائه عند قعر غارٍ أو أسفل نبتة الطّباق أو نبتة السّعوره ويرقد فيه مستأنسا بمن حوله من الرفاق والأصحاب ، وطيور الفرفر وهي تلتقط الحبًّ من البلاد المسقوي المحروثة .
وانا في هذا الجزء الصغير من العالم وعلى صهوة حمارتي شوشه أُسبّح الله وأذكره مدهوشا بما حبى الله هذه الطبيعة الساحرة من ما يفوقُ الصف والخيال فسبحان الخالق البارىء المصوّر .
نظرت في هذه العجوز الجُعرية الشمطاء التى تتبعني بعين الغضب وصحت فيها قائلا :
دعي النزال بيني وبين ابنك هذا فأنت عجوز ولا اقارع العجائز أبدا .
تردّدت في جنبات الوادي ضحكاتٍ هستيريةٍ مرتفعةٍ وصوتٍ كأنّه الرعد القاصف فالتفتُ يمنةً ويسرةً لأنظر ما هذا الصوت المُخيف الذى كاد يذهب بلبّي ويخلعُ فؤادي .
فإذا بي أمام ما لم تشاهده عيناي من قبل ولا بعد وفغرتُ فغرةً ابتلعت خلالها كمّاً هائلا من النامس وكان لي بمثابة وجبة الفال وظلا قلبي يدّقه وركُبي تتصاكع وعيوني تغمّض وتفتّح ولو أنّه نشب شويه من النامس في حلقيه لكن شربت ماء من السَّعُن سهل الأمر ، وما زال هذا الصوت المخيف يزلزل الوادي وجباله ويقترب ويدنو من الوادي رويدا رويدا .
وللقصة بقية إن شاء الله .