طالبة تدعو لتصحيح المفاهيم وتتساءل: هل هذا حوار أم نشاط دعوي ?

اللقاء الوطني للحوار الفكري بمنطقة مكة المكرمة يصدر توصياته طالبة تدعو لتصحيح المفاهيم وتتساءل: هل هذا حوار أم نشاط دعوي ?

عكاظ (جدة)

استأثر الحديث عن المصطلحات والمفاهيم بالحيز الأكبر من اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري والذي عقد يوم أمس في جدة وحضره 64 مثقفا ومثقفة من منطقة مكة المكرمة.

وقد تناول المتحاورون مختلف المفاهيم بالنقاش بدءا من عنوان الملتقى المتعلق بمفاهيم الأنا أو (نحن) و(الآخر) ولم تستطع مداخلات فضيلة الشيخ صالح الحصين رئيس الملتقى ان تضع حدا للاختلاف رغم ايضاحه ان المقصود بـ(نحن) سكان المملكة العربية السعودية مؤكدا انه أمام مفهوم ضابط للموضوع باعتباره يشمل حيزا جغرافيا محددا لدولة لها ثقافتها وثقلها الاقتصادي وبنيتها السكانية الخاصة.



استطاعت الطالبة ديمة اخوان ان تستوقف المناقشين حيث تعرضت للبس الحاصل في مفهوم الحوار حين قالت:

يجب ان نفرق بين الحوار مع الآخر والأسلوب الدعوي تجاه الآخر.

ثم أوضحت قائلة: الحوار يعني ان نستمع الى الآخر, ان نسعى الى فهمه, ان نستوعبه كما هو أما الدعوة فهي ان نسعى الى اقناع الآخر, ان ننقله من قناعاته الى قناعاتنا.ثم علقت على المداولات التي تمت قائلة: ان كثيرا من المداخلات اخذت طابع الاسلوب الدعوي وليس الحوار الوطني وكثير من المتداخلين تحدثوا على اساس اقناع الآخر بالاخذ بقناعاتنا وليس الى فهمه واستيعابه.

مداخلة الطالبة ديمة اخوان (دارسة كمبيوتر) لم تلبث ان تبلورت في احدى توصيات الملتقى التي نصت على (تبني مشروع اقامة مركز علمي متخصص يقوم بعملية تحرير المصطلحات والمفاهيم ذات الصلة بالعلاقة مع الآخر من خلال رصد الدلالات الشائعة لها مقارنة بالثوابت وان يتولى المركز طباعة مايتم التوصل اليه وتوفيره بين ايدي الباحثين والمهتمين)

الحديث عن مفهوم (الآخر) استأثر بحديث مطول تراوح مابين النظر إليه باعتباره (غير السعودي) او (غير المسلم) او (غير المواطن) فيما اعتبرته بعض المشاركات (المرأة) من حيث نظرة الرجل اليها او(الرجل) من حيث نظرة المرأة إليه..واكد عدد من المتحدثين على أن (الآخر) مقيم بيننا وهوالشرائع والاطياف الوطنية التي تختلف عنا في بعض الاتجاهات والتفاصيل مطالبا باحترامهم وتقدير حقهم في الاختلاف..

(الاختلاف) نفسه كان موضع خلاف كذلك ففي الوقت الذي اعتبره احد المتحدثين امرا موجودا بالقوة ومن خصائص البشرية طالبت بعض المتداخلات بان تقوم التربية والتعليم بدور هام في محو الاختلافات وتذويب الفروق التي تمايز بين الاطياف الوطنية المختلفة.

غير ان المتداخلين جميعهم اتفقوا على اهمية ان يتحقق الحوار الداخلي اولا لكي نتمكن بعد ذلك من تحقيق الحوار على مستوى الخارج ولذلك اكدت العديد من المداخلات على اهمية الارتقاء بالوعي والمعرفة بخصائصنا وهويتنا الثقافية.

الاستاذ محمد الامين الفال لمس نقطة جوهرية حين انطلق من تعريف الشيخ صالح الحصين لـ(نحن) التي قال بانها تعني المقيمين في المملكة من السعوديين والمقيمين معهم وذلك قال ان ذلك يقتضي ان يكونوا ممثلين في هذه الجلسة.

الاشارة الى المقيمين في المملكة فتحت بابا للنقاش كذلك بدءاً من ضرورة الاهتمام والعناية بالعمالة واعطائهم حقوقهم وانتهاء بتصحيح النظرة اليهم واهمية معرفة ارائهم فينا من خلال تجربتهم معنا وقد تبلورت هذه المسألة في توصية نصت على اجراء استطلاع للرأي يشمل الوافدين لدينا لمعرفة وقياس رأيهم عن مجتمعنا ومدى رضاهم عن امور عديدة لا سيما ان قياس الرأي العام هو احد وظائف المركز الوطني للحوار.

وفي الوقت الذي بدت فيه المداخلات التي تتحدث عن خصائص المجتمع السعودي تأخذ طابع المفاخرة والاستعلاء على كثير من الامم تساءل بعض المتداخلين وعلى رأسهم الاستاذ عبدالله الشريف عن حقيقة موقعنا على خارطة الحضارة مطالبا ايانا بمواجهة انفسنا ومراجعة تفكيرنا.

وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سادت كثيرا من المداخلات الا ان مداخلات اخرى بدت متشائمة وعلى رأسها مداخلة الدكتور زهير كتبي الذي اعلن يأسه من ان يستطيع المركز اصلاح الوضع بعد ان بقينا لعقود طويلة نغرس الكراهية في نفوس النشء تجاه مختلف الاديان والطوائف والنحل.

البيان الختامي

وفي ختام الملتقى قرأ الاستاذ فيصل المعمر البيان الختامي الذي تضمن عددا من التوصيات التي تم استخلاصها من مداخلات الحاضرين وملاحظاتهم التي زودوا بها امانة الحوار خلال الجلسة.. وجاء في البيان الختامي:

عقد في يوم الثلاثاء 16/8/1426هـ الموافق 20/9/2005م في منطقة مكة المكرمة اللقاء الحواري الخاص بالمناطق وذلك ضمن اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري بعنوان: (نحن والآخر.. نحو رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية) بمشاركة ستين مشاركا ومشاركة يمثلون تخصصات متنوعة من ابناء منطقة مكة المكرمة وقد تم في اللقاء مناقشة الموضوع من خلال ثلاثة محاور: المحور الشرعي, والمحور الحضاري والثقافي, والمحور السياسي والاقتصادي.

وقد طرح المشاركون جملة من الافكار والرؤى حول قضية العلاقة مع الآخر ومعالجتها في اطار الثوابت الشرعية والمصالح الوطنية والوعي بما يشهده العالم من تحولات شاملة تؤكد اهمية الوقوف الجاد عند هذه القضية المهمة والبحث في مختلف جوانبها الشرعية والثقافية والسياسية.كما توصل المشاركون الى مجموعة من النتائج كان من ابرزها:

* الحاجة الى دراسات مسحية لمعرفة اسباب التوتر في العلاقة مع الآخر ووضع الخطط لمعالجتها.

* عناية الجامعات بدراسة ثقافات الشعوب وحضاراتها بهدف:

- التعرف على تاريخ تلك الشعوب وخصائص ثقافتها.

- التعرف على التطورات الاجتماعية والثقافية بين الشعوب (دراسات مقارنة).

- تنمية مهارات التواصل وادخال المواد ذات الصلة بالحوار والمناظرة.

- اعتبار الجامعات تعلم اللغات متطلبا اجباريا.

- تبني مشروع اقامة مركز علمي متخصص يقوم بعملية تحرير المصطلحات والمفاهيم ذات الصلة في العلاقة مع الآخر من خلال رصد الدلالات الشائعة لها مقارنة بالثوابت الشرعية, وان يتولى المركز طباعة ما يتم التوصل اليه وتوفيره بين ايدي الباحثين والمهتمين.

- اهمية وضع استراتيجية وطنية للتعاون الدولي في مجالات الثقافة وتشمل تطوير آليات: المشاركة في المهرجانات, والمعارض, والندوات الدولية وتأهيل المشاركين وحسن حضورهم وتمثيلهم للوطن وتشجيع زيارات الطلاب للاطلاع على حضارات وثقافات المجتمعات الاخرى.

- اهمية استغلال المناسبات ومواسم الحج والعمرة واللقاءات الاقتصادية والمهرجانات والمعارض استغلالا جيدا يراعي المصلحة الوطنية ويقدم صورة حقيقية للاسلام والوطن.

- اجراء استطلاع للراي يشمل الوافدين لدينا لمعرفة وقياس رأيهم عن مجتمعنا ومدى رضاهم عن امور عديدة يحددها الاستطلاع, لا سيما ان قياس الرأي العام هو احد وظائف المركز الوطني للحوار.

- انشاء مراكز للدراسات ترصد توجهات وسياسات القوى الكبرى وتضع الحلول العملية والاستراتيجية للتعامل معها مما يحقق لنا خيارات وبدائل في العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية.

- دعوة الجامعات لوضع استراتيجية للتواصل مع الآخر من خلال زيادة المنح الدراسية بهدف التواصل مع الثقافات الاخرى.

- اهمية تضمن المناهج الدراسية المفاهيم الصحيحة للتعامل مع الآخر من اصحاب الملل والاديان والمذاهب وابراز المنهج الاسلامي الحق في التعامل مع الآخر.

- ضرورة استمرار الاصلاح الاقتصادي للتحول من مجتمع مستهلك الى مجتمع منتج فالقوة الاقتصادية اساس لعلاقات متكافئة مع الغير.