الشعر بين الماضي والحاضر

الشعر بين الماضي والحاضر

كتبها : أحمد اليوسف

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما أخذنا نقرأه من كلام يُدخل باب الشعر لكن ينقصه التدقيق في اللغة والوزن وقواعد النحو وروعة الأسلوب وتفجر المشاعر والعواطف... .... وكل ذلك ربما كان سببه بالدرجة الأولى هو غياب الناقد الحصيف المختص , وعدم تقبل النقد من الكثيرين ممن ينتجون النصوص الأدبية ,

حتى إن الشعر أصبح مباحاً لكل من أراد أن يسطر كلمات ما ثم يدخلها باب هذا الجنس الأدبي الراقي , وكأنه لا يليق بكل من كتب في الأدب ألا يكتب إلا شعراً , وكأنه إذا سمى نصه تسميته الحقيقة كالمقالة أو الخاطرة إنما ينتقصه ولا يعطيه قدره , دون قانون أو ضبوط تحفظ لهذا الجنس ( الشعر ) مكانته التاريخية الرائعة في تراثنا وأدبنا.‏

ولعلي بادئ ذي بدء أذكر قصة وكيل علي بن محمد بن سيّار مع المتنبي عندما جاءه مادحاً بقصيدة ركيكة المعاني وإن كانت سليمة اللغة والوزن حيث أشار إليها المتنبي عندما مدح علي بن محمد بن سيار بقوله :‏

يتممني وكيلك مادحاً لي‏

وأنشدني من الشعر العجيبا‏

فآجرك الإله على عليلٍ‏

بعثت الى المسيح به طبيبا‏

وهذا قدامة بن جعفر يعرّف الشعر بقوله:‏

( قول موزون مقفّى يدل على معنى )‏

وكلنا يعرف ما حظي به الشعر في بلادنا العربية دون غيره من الأجناس الأدبية من النقد والتحليل والحفظ والرواية .. نظراً لمكانته العالية في نفس العربي , حتى إن العرب لم تكن تسيّر الوفود من أجل التهنئة إلا في ثلاث مناسبات :‏

غلام يولد أو فرس تُنتج أو شاعر ينبغ .‏

وما خبر الأسواق التي هي أشبه ما تكون بالمهرجانات الأدبية في عصرنا الراهن يغائب عن بال من له أدنى اطلاع على الأدب الجاهلي ; إذ إن بلوغ مرتبة شاعر لم تكن بالأمر السهل الميسر لكل من قرض الشعر كما يقول أحدهم :‏

الشعر صعب وطويل سلّمه‏

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمُه‏

زّلت به نحو الحضيض قدمه‏

يريد أن يعربه فيعجمه‏

لذلك فإننا نجد أن شروط النقاد كانت دقيقة وقاسية ولها أسس وضوابط يجب أن يراعيها ويلتزم بها منتج النص الشعري حتى يدخل نصه باب الشعر , فهل يا ترى أصبح الباب في زماننا مفتوحاً على مصراعيه لكل من أراد الولوج وكأن الشعر في زماننا أصبح مالاً مباحاً لا حمى له ... !‏

حتى إن لقب شاعر فقد قيمته في زماننا هذا بعد أن كان لهذا اللقب ما كان من الروعة والرفعة .‏

إن شعر الزجل والعتابا والنبطي .. وما يتولد عن هذه الأنواع ألوان شعبية جميلة لها معجبوها ومتذوقوها لكنها لا تحمل تراث أمة وروعة حضارة فعلينا أن ننزلها المنزلة التي تستحقها إذا ما قورنت بالشعر العمودي أو التفعيلة بحيث لا نجعلها تطغى عليهما لأن من الحق أن تقول للمحق صدقت وللمبطل كذبت , وذلك لسبب بسيط هو أنها غير قادرة على النهوض بتراث الأمة وبتوحيد آرائها لأنها تفتقد الى اللغة السليمة رّوج لها مروجون وصفق لها مصفقون.‏

لذلك وبناء على ما سبق فإني أضع بعض المقترحات علها تلقى قبولاً ومتابعة من ذوي الاهتمام والنفوذ في هذا المجال لتكون الخطوة الأولى في السير على طريق ينهض بالمشهد الثقافي الشعري الى المستوى المطلوب فيعيد إليه جمهوره وألقه وهي :‏

1- الأولوية للشعر العمودي والتفعلية . وما عداهما أغان فولكلورية وشعبية‏

2- أن يعتنى باللغة صرفاً ونحواً وإملاء وبالأسلوب بكل ما يعنيه من حيث عدم تقديم المتأخر أو تأخير المتقدم إلا لسبب بلاغي .. وبالوزن وخلوه من الزحاف المقيت .‏

3- أن نشكل في كل دائرة أو مركز يعنى بالمشهد الثقافي لجنة مهمتها ترشيح الشعراء للاشتراك بالأمسيات لضبط عدم التجاوزات ترتبط بلجنة أم في المحافظة أو القطر .‏

4- ألا تحرم الألوان الشعبية من المشاركات وخاصة في المراكز الثقافية ولكن تحت اسم ( أمسيات فولكلورية وشعبية )‏

5- أن توضع ضوابط وأسس لهذه الغاية يرتكز عليها من أجل إقامة الأمسيات والندوات النقدية بحيث تكون منهجية لأن كل شيء ليس له ضابط سيؤدي الى فوضى والشعر ليس فوضى كما يروق للبعض ترويجه , لأن الفوضى تخريب لكل شيء .‏

بذلك نكون وفينا ولو بالقليل للغتنا لغة الآباء والأجداد التي تجمع شتاتنا وتحمل فكرنا وتنهض بنا ورحم الله القائل :‏

لغة إذا وقعت على أسماعنا‏

كانت لنا برداً على الأكباد‏

ستظل رابطة تؤلف بيننا‏

فهي الرجاء لناطق بالضاد‏