سفينة الغرباء

سفينة الغرباء

ورود الموسوي



غريبٌ بان من عينيه الغائرتين, أضناهُ تعبُ السنين بلا هوادة.

أجالَ ببصره ينظرُ من حوله رأى مَن هم أضنى منه, رقَ لحالهم ولحاله ...تساءل مع نفسه ..مَا الذي القانا في هذا الجحيم ؟ ومن الذي أوصلنا الى هذا البحر الهائج؟ فهل بعد هذا البحر سيكون الأمن والأستقرار؟ وهل سيكون هنالك الوطن؟ فكر ملياً في هذه الكلمة ثم تنهد بصوت خفي (وطن)تذكر بيت شعر لشاعر يعرفه (هنياله اليموت ويندفن بارض الوطن يا ناس هنياله). تزاحمت الأفكارُ في لُبه ..نظر الى البحر الطاغي يومها نظرةَ آيس من النجاة , ولكن شمعة أمل اتقدت في جوانحه, لمَ لا؟ فقد حرمتني الحياة كل شيء فلعل بعد الحرمان هذا تجود بالعطاء والسخاء! ولعل خلف هذا البحر عالماً آخر ..حيثُ لا عيناً رأت ولا أُذناً سمعت! ولعل خلف هذا البحر سأستنشق هواء الكرامة التي أُهدرت في وطني! ولعل خلف هذا البحر ستكون الحرية التي افتقدتها في وطني؟! نعم سنرتاحُ جميعاً من شظف العيش ..وسنحيا كرماء ...نظر يميناً رأى طفلاً يلهو بحبات رمل يكومها على بعضها ليبنيَ بيتاً له ....ابتسم في سره وقال : نعم فلعل خلف هذا البحر سيكون البيت الذي تحلم به ..ارتاح بعض ثوان لتفكيره ولكن...فجأة.... هجم عليه من لا يعرفه ...هجم عليه من انتزع منه روح الرجاء وابدله روح الخوف .... هجمت عليه الأفكار مرةً ثانية من قال أن هذا البحر الهائج سيوصلنا الى ما نحلم به؟ وهل فعلاً يوجد ما نحلم به؟ وما الذي نحلم به؟ وإن وجد فهل سيسمح لنا البحر بدخوله آمنين؟ألا يغدر بنا كما غدر بمن قبلنا؟ قطع عليه تفكيره صياح العاملين على السفينة ..السفينةُ آمنةٌ للأقلاع.. هيا اركبوا وانعموا بالحياة الأخرى..هيا اركبوا ..رحلة عناء يعقبها رخاء...هيا اركبوا ..فمن ركبها اليوم نجى ومن تخلف عنها عاش متحسراً عليها! هيا اركبوا.... وازدحمت السفينة المتهرئة بالغرباء ..بمن لا يعرفون البحر وغدره.. ازدحمت بنساء وأطفال صغار وكبار ...كانت لا تسع إلا لمئتي شخص ..لكن اللصوص المتآمرين مع شرطة المدينة أرادوا طمس الحقيقه ....أمروا جميع الغرباء بركوب السفينة ومن يتخلف سيطلق عليه النار....نظر الى ذلك الطفل رأه لاهياً ومندهشاً لما يجري حوله ..وأقلعت السفينة القديمة تشق عُبابَ البحر بشق الأنفس تتأرجحُ يمنةً ويسرة ويتأرجحُ من عليها...... بعد ساعات من الأقلاع وبعد أن أيقن ربانها أن لامفر إذ توسطوا البحر وهاهم داخلون إلى المحيط..أطلق صافرة إنذاره معلناًأن من ركبها غرق ومن تخلف عنها نجى ...تعالت صرخات النساء والأطفال أخذ هو ومن معه يهدئون من روعهم ..إلا أنه ساعتها كان بأمس الحاجة لمن يهدء روعه ......كانت حالة من الخوف والرعب لا توصف ..تُحسُ فقط.....أخذوا يتضرعون ويبتهلون الى بارئهم عله ينجيهم مما احاط بهم ...إلا أنهم ساعتها نسوا أن عصر المعجزات قد انتهى......فلو أن نوحاً رآهم على تلك الحاله لناح عليهم ..ارتفعت أمواج المحيط إذ لا شيء هناك إلا الظلام والمحيط...بدأوا بإلقاء قوارب النجاة ألقوا النساء والأطفال ...تلك تصرخ أين إبني وتلك تصرخ اين ابنتي الثانيه وتلك توادع أهلها بنظرة حزن وأسى ....الكل في حالة من الذهول ونسيان الذات...وطفا خشب السفينة على سطح الماء إذ انتهى الأمر ...كان هو ممسكاً بخشبة من تلك الأخشاب ..يصارع الموت الذي لابد منه ..مرت على باله تلك اللحظات التي كان يفكر بها ....مر من أمامه ذلك الطفل طافياً يسبح بهدوء غريب

بكى عليه في سره ..إذ كانت الدموع شحيحةً تلك اللحظه....أراد أن يصرخ لكن صوته قد اختفى ..استسلم الى واقعه ....تشهد الشهادتين ..أغمض عينيه وغاب في ظلمات المحيط.

ضحايا القارب الاندنوسي

الفاتحة على ارواح الشهداء

,,, ورود الموسوي