النهي عن التقليد الأعمى:

القدوة تختلف عن التقليد رغم كونها تتضمن لونا أو أكثر من صورة التقليد،فالتقليد هو انتقال ألوان السلوك أو المظاهر التنفيذية من فرد إلى آخر فإذا كانت الرغبة في التقليد صريحة كان التقليد مقصودا.مثال:كأن يقرأ المعلم قراءة نموذجية ليقلده الطلاب و إذا كانت الرغبة في التقليد غير صريحة أو لا شعورية كان التقليد غير مقصودا وهنا يقوم تأثير القدوة على مدى اتصافه بصفات تدفع الآخرين إلى تقليده كتفوقه بالعلم أو الرئاسة أو الإخلاص وأن أخذ الأمور على علاتها وتقليد الآخرين دون تمحيص أو اختبار لما يؤدي بالإنسان إلى البعد عن الحقيقة من الأمور التي يرفضها الإسلام رفضا قاطعا،لذا فقد نعى القرآن الكريم على الكافرين تقليدهم لآبائهم أو ساداتهم دون فكر وروية وأعمال عقل فيما يقوله أو يفعله هؤلاء من الآيات التي أنكر الله سبحانه وتعالى فيها تقليد الكافرين لآبائهم،قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ[1]}.وقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ[2]}.جاء في معنى هاتين الآيتين،أن الكفار إذا قيل لهم كلوا مما أحل الله لكم ودعوا خطوات الشيطان وطريقه،واعملوا بما انزل الله على نبيه محمد rاستكبروا عن الإذعان للحق وقالوا:"بل نأتم بآبائنا فهم خير منا نتبع ما وجدناهم عليه من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا.فأنكر الله عليهم ذلك التقليد لآبائهم الذين لا يعقلون من أمر الله شيئا ولا هم مصيبون حقا ولا مدركون رشدا[3]".ويقول القرطبي في تفسيره:"التقليد ليس طريقا للمعلم ولا موصلا له لا في أصول ولا في فروع وهو قول جمهور العقلاء و العلماء[4]".وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد ذم الكافرين لإتباعهم لآبائهم.واقتدائهم بهم،فذلك لأنهم قلدوهم في الباطل واقتدوا بهم في الكفر والمعصية.أما إذا كان التقليد في الحق،فهو أصل من أصول الدين وعصمة من عصم المؤمنين،ومصداق ذلك ما أثبته الله على لسان نبيه يوسف عليه السلام في قوله تعالى:{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ*وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ[5]}فلما كان آباؤه عليه وعليهم السلام أنبياء متبعين للدين الخالص الذي ارتضاه الله،كان أتباعه لا بائه واقتداؤه بهم وبعلمهم أمرا مطلوبا،فجاء بصيغة المدح ولم يأت بصيغة الذم كما في تقليد الكافرين لآبائهم[6].إن التقليد الذي نعاه الله على الكافرين،هو ذلك التقليد الأعمى الذي يؤدي بالمرء إلى عدم إدراك الأمور على حقيقتها،فلا يفرق بين الحق والباطل والخير والشر.وقد كان هذا حال الكافرين الذين استقرت في نفوسهم عبادة الأوثان،فأعمتهم عن البراهين الواضحة التي تؤكد بطلان عبادتهم وفساد عقيدتهم،ولذلك فقد شبههم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بالأغنام التي ينادي عليها الراعي فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه.ولا تفقه ما يقول.قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ*وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ[7]}.قال قتادة "صم عن الحق فلا يسمعونه ولا ينتفعون به ولا يعقلونه عمى عن الحق والهدى فلا يبصرونه بكم عن الحق فلا ينطقونه به[8]".

د/احمد صالح زارب(ابو عبدالمحسن)

[1] (سورة البقرة:الآية،170)

2.(سورة لقمان:الآية،21)

[3](الطبري:جامع البيان في تفسير القرآن،ج3،ص307ـ308)

[4](الجامع لإحكام القرآن:ج2،ص212)

[5] (سورة يوسف:37ـ38).

[6](القرطبي الجامع لأحكام القرآن ج2 ص213-211)

[7]) (سورة البقرة: 170ـ171)

[8](الطبري:جامع البيان في تفسير القرآن،ج3،ص309).4)