[font=Simplified Arabic][size=5]أنا والهاتف !
موسى محمد هجاد الزهراني
من أكثر الأمور التي عانيتها وأعانيها في حياتي الشخصية هي مسألة تغيري المستمر لأرقام هاتفي الجوال أو ليس ذلك بسبب غنىً أتقلب فيه ! بل من ثقلاء ابتليتُ بهم ، يظنون أنني فارغ الهم الليل النهار !! .
فيضطرني أحدهم - وما أكثرهم - إلى عزل نفسي من عالم الهواتف المحمولة والثابتة إلا ما اضطررت إليه أشهراً طويلة ! أعيش فيها على هاتف زوجتي المخصص في الأصل للاتصال بأهلها ؛ حتى تهدأ عاصفة البحث عني من قبل أولئك الأفاضل ! ؛ لأني أعلم يقيناً أنه لم ينظر إلى ساعته قبل أن يضغط على الزر المبرمج عليه رقم هاتفي ، ولم يستخر الله تعالى قبل المكالمة بل ولم يحدد هدف هذه المكالمة ولا حتى مدتها .. فيبدأ بالرنين عليك في حالة عدم الرد لأول مرة حتى تصاب بالدوار ثم تضطر صاغراً ذليلاً إلى أن ترد عليه لترى ما الأمر الهام الذي جعله يحرق هاتفك بالاتصال كما يقال ! فإذا بمقدمةٍ مدتها ربع ساعة كلها عتاب من أقسى الأنواع ، ثم تحقيق جنائي يضعك فيه بين فكي كماشة ويحاصرك بالأسئلة حتى تعترف بشيء لم تفعله والله ! كل ذلك بسبب أنك لم ترد عليه من أول وهله ! ثم يبدأ السؤال الممطوط عن أخبارك وأخبار الأهل وترديد كلمة ( عساكم طيبين .. وش الأخبار ، عساكم طيبين ، الله يسلمك ، وش الأخبار ،كيف حالكم ، كيف حال الأهل ،عساكم طيبين ،الله يخليكم ، الله يحفظكم ، الله يسلمك ) إلى ما لانهاية وبعد أن توشك أن تفيض روحك .. يختمها بمقولة لا يقصدها وهي ( أي خدمة ) ؟! ولو أنك أخذتها على محمل الجد وطلبت منه سلفة لتكملة دارستك في جامعة القاهرة لأغلق الخط في وجهك ! ثم إذا ما جاملت -وأنا من طبيعتي المجاملة والحياء الذي أوردني المهالك - ستضطر إلى استقبال القبلة ورفع يديك حذو منكبيك ثم تدعو على من اخترع هذا الهاتف ! .
لا تقل لي : لا تعط أحداً رقمك ! فأقلْ لك : كلما ائتمنتُ أحداً على ذلك أفاجأ بأنه يعطي رقمي لعشرة ويوصي كل واحد منهم بقوله : ( لا تقل له إنني أنا الذي أعطيتك الرقم .. فهو وصاني كثيراً واستحلفني بالله ألاَّ أعطيه أحداً ..رجاءً لا تحرجني معه ) ! وكل واحد من هؤلاء يعطيه لعشرة أشخاص آخرين حتى تفاجأ بأنك محاصرٌ باتصالات من القارات الخمس كلها ! .
وقد يتطفل أحدكم – وحاشاكم التطفل !- ويقول : ولماذا أنت متضايق فالخسارة على المتصل ! ونسي أن وقتي أو أنني قد أكون بين أناس أفاضل أخيار لا أستطيع الرد على رجل من طبيعته ( استخفاف دمه !) وتمطيط الكلام حتى أنه لو قِيستْ بعض كلماته لبلغ طولها 50 كيلو متراً ! وقد تكون في وضع ٍ لا يعلم به إلا الله ثم من جعلها الله " سكناً لنا !" ، فلا تستطيع أن تأتي حرثك أنى شئت ! في زمن الجوالات .
هذا في السعودية ! أما في مصر فحدث ولا حرج فلأنهم يعلمون أن الخسارة على المتصل فإن أحدهم يتصل عليك بنصف ( رنة ) ثم يغلق الخط سريعاً ، أملاً في تكرمك أنت بالاتصال لأنك كما يقولون تتنفس بترول !.
يفعل هذا خمسة آلاف مرة في اليوم وإن حدث ورددت على اتصاله قبل أن يغلق هاتفه عندما رن عليك فإنه سيحدث بها الثقلين وأنه خسر 30 قرشاً من جراء فتحك عليه الموبايل ( الهاتف النقال ) كما يعبرون ! .
ذهبت إلى مصر للدراسة فظننت أنني سأسلم فإذا بأحدهم يفاجأني باتصالٍ – وأنا وقف على باب قاعة المحاضرات أريد الدخول - ولمدة 7 دقائق وهو يلعب معي لعبة القط والفأر فيقول : " أتحداك تعرف من أنا.. فأقول .. فلان .. فلان .. فلان .. " -وهو يكركر .. ويضحك ملأ شدقيه – "و.. أتحدك .. إيه خلاص أنت في مصر يا عم : أم الدنيا " وهكذا حتى تتمنى الموت ! ثم يخـبرك بأمره فإذا هو ساذج غرضه السلام عليك فقط ، حصل على رقمك من رجل ، من هو ؟ ( آسف والله لا أستطيع أخبارك باسمه لأنه نبهني أنك تزعل )، فانظر إلى الغباء واحكم ولا حكم إلا لله ! .
نصيحة .. أيها العقلاء ... من الأصحاب والزملاء !!
ألا تعلمون حرمة دخول منزلٍ بغير أذن أهله ؟! فإن قلتم بلى فلماذا ترضون لي البلاء !! وتعطون رقمي لكل من هبَ ودبَ دون أذني ، بل بعضكم يصرُّ على ذلك رغم الوعود الطويلة ويمين الغموس ! .
ما الفرق بين دخول المنزل بدون أذن صاحبه وإعطاء رقم الهاتف دون أذن صاحبه .. وأعنيكم من حملة العلم الشرعي ! لماذا ترضون لي أن أكسِّب شركة الاتصالات وهي أغنى من قارون ، بكثرة تغييري لأرقامي ، على أني لم أذكر لكم رسائل الجوال التي تمزق الأعصاب تمزيقاً يرسلها أحدهم عتاباً على عدم ردك على اتصاله وأنت في الطواف في بيت الله الحرام ، أأدعو عليه في الطواف يا ناس أم ماذا أفعل ؟! .
أما هاتفي الثابت فإنا لله وإنا إليه راجعون ! قد تأذى أهلي داخل البيت من كثرة الاتصالات التي لو عصرتها والله لما خرجت بـ2% فائدة لا دينية ولا دنيوية ! ، حتى أصبحت أتوارى من الهاتف في غرفة النوم أو مكتبتي الخاصة كلما رنَّ بأمل أن يرد أحد الأولاد فيقو ل:_ أبي موجود لكن مشغول !.
والطامة الكبرى إذا أصر الطرف الآخر على أن يكلمني ضروري جداً جداً جداً : من أنت بارك الله في فخامتكم ؟ ونفع بكم الأمة ؟! من نقول له ؟ :
قال : قولوا له ( أبو أحمد ) ؟! فتنطلق ذاكرتي الكليلة التي أتعبتها كتب المنطق والفلسفة في جامعة القاهرة للبحث من بين مليون صديق كلهم ( أبو أحمد ) فلما أن عجزت عن ذلك أردُّ وبي من الغضب ما يملأ صحراء الربع الخالي فتُفاجأ بأنه شخص لا يوجد أثقل من دمه إلاَّ القار المستخدم في رصف الطرق الممزوج بالإسفلت ، والأطم من هذا أني لا أعرفه إلا مرة واحدة قابلته صدفة في مجلس فظن أنه حاز على رغبتي في وده وصداقته .
* * *
فاللهم عامل من اخترع هذا الجوال بما يستحق ! والكلام يطول ولكن المضيف في الطائرة أحضر لي طعامي فأقرؤا أنتم وأنا سأستمتع بالأكل حتى تقف الطائرة في مطار الرياض .
عودة من القاهرة
18/6/1425هـ
[/size][/font]