الوسام .. الاكاديمي ابن الجنوب ..حسن القرشي ... لؤلؤة زهران كل الحكاية قسم المحاورة


 
 عدد الضغطات  : 5725


إهداءات


 
العودة   أكاديمـيـة العرضـة الجنوبيــة - ربـاع > ~*¤ô§ô¤*~ المنتديات العامة ~*¤ô§ô¤*~ > المنتدى الإسلامي
 

المنتدى الإسلامي على مذهب أهل السنة و الجماعة فقط

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 28/04/2005, 11:55 PM
المؤسس والمشـــرف العــــام
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه
Saudi Arabia     Male
SMS ~ [ + ]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
Awards Showcase
لوني المفضل Maroon
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل : Aug 2004
 فترة الأقامة : 7562 يوم
 أخر زيارة : 21/01/2025 (03:28 PM)
 الإقامة : جدة
 المشاركات : 64,160 [ + ]
 التقييم : 16605
 معدل التقييم : صقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي أراء الإمام أبي الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر





جامعة القاهرة
كلية دار العلوم
قسم الفلسفة الإسلامية

" أراء الإمام أبي الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر "

إشْرَافُ /
الأُستَاذِ الدّكتور / أحمد بن محمد جاد
أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

إعداد الطالب
موسى بن محمد بن هجاد الزهراني
للسنة التمهيدية للماجستير بقسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم
2003-2004م

المقدمة
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ‏:‏
‏(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [آل عمران:102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) [النساء:1].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ ‏:‏ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ .
أما بعد :
فإن وظيفة العلم أشرف الأعمال قدراً ، وأسماها منزلة ، وأرحبها أفقاً ، وأثقلها تبعة ، وأوثقها عـهداً ،
وأعظمها عند الله أجراً .
وإن العلماء هم ورثةَُ الأنبياء ، الآخذون بأهم تكاليف النبوة ، وهي الدعوة إلى الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ){ النحل: 125}، وتوجـيه خلقه إليه ، وتزكيتهم بالعلم ، وترويضهم على الحق ، حتى يفهموه ويقبلوه ، ويعملوا به ، ويعملوا له .
هذا وإن سير العلماء العظماء من الرجال ، لمن أعظم ما يبعث الهمة ، ويقدح زندها ، ويزكي أوراها ، ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام الباحث أو القارئ ، وتوحي إليهما بالإقتداء بهم ، والسير على منوالهم ؛ لاسيما من كانت لهم قدم راسخة في العلم يعرفها أولوا البصائر والألباب . وكثيراً ما دفع الناس إلى العمل الجليل حكايةٌ قرؤوها عن رجل عظيم أو حادثة رويت عنه .
والحديث في هذا البحث سيتناول أهم آراء الإمام العلامة الشيخ / أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري– رحمه الله – في رسالته المعروفة إلى أهل الثغر . ولا غرابة في طرق موضوع كهذا ؛ وذلك لأن الشيخ رحمه الله عليه بحرٌ خضمٌ ، وطود شامخ أشّم ، وقد بَعُد صيتُه ، وتناهى فضله ، وكمل سؤدده ، فلا عجب أن يكون لآرائه العقدية المتنوعة تأثيرها الواسع على كل من تبعه ، وقلده ، أو قرأ عنه ، ونقده . وهي بذلك تستحق الدراسة والتأمل وأخذ العبر والفوائد منها .
والداعي إلى البحث هو تكليف أستاذنا الفاضل ، الأستاذ الدكتور / أحمد محمد جاد ، أستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة . حفظه الله ورعاه .
وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد و أربعة مباحث وخاتمة:
التمهيد : وكان عن أهمية العلم والعلماء مختصراً
المبحث الأول : وترجمت فيه للإمام أبي الحسن الأشعري .
المبحث الثاني : واستعرضت فيه مذهب ابن كلاب موجزاً .
المبحث الثالث : وذكرت فيه مذهب السلف في الصفات الاختيارية وأنها قسمان :
1- ذاتية : تقوم بذات الله لازمة لها .
2- فعلية : تتعلق بالمشيئة والإرادة .
المبحث الرابع : وذكرت فيه عقيدة الأشعري في الرسالة مقارنة بالإبانة ..
الخاتمة : وتتضمن أهم نتائج البحث .
وأسال الله تعالى أن يوفقني للصواب وأن يجعل ما قمت به خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجزي الأستاذ الدكتور / أحمد محمد جاد ، الأستاذ بكلية دار العلوم ، خير الجزاء على تشجيعه لنا في طرح مثل هذه المواضيع القيمة ، وأن يرحم الشيخ أبا الحسن الأشعري، رحمة واسعة إنه على كل شيء قدير .

تمهيد
الناس بلا علماء هم جُهال ، تـتخطفـهـم شياطين الإنـس والجـن من كل حدب وصوب ، وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب ومن هنا كان العلماء من نعم الله - تعالى - على أهل الأرض فهم مصابيح الدُّجى ، وأئمة الهدى ، وحجة الله في أرضه ، بهم تُمحق الضلالة من الأفكار وتنقشع غيوم الشك من القلوب والنفوس ، فـهـم غيظ الشيطان وركيزة الإيمـان وقـوام الأمـة... وهم ورثة الأنبياء ؛ قال عليه الصلاة والـسلام: (... وإن العـالـم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سـائـر الـكـواكـب ، إن الـعـلـمـاء ورثة الأنبياء) . كل هذا الفضل للعلماء العاملين ، الجريئين في الحق ، المحبين للخير ، الآمرين بالمعروف ، الناهين عن المنكر ، والسـاهـريـن على مصالح المسلمين ، المهتمين بأمور الأمة ، المتحملين كل أذى ومشقة في هذا السبيل.
نعم ، كل ذاك الإكرام للعلماء الـذيـن يحــرسـون الإسلام الأمـنـاء على دين الله ، بلسان صدق وجَنان ثابت . ومن هؤلاء العلماء أبو الحسن الأشعري الذي نصر الله به السنة ،وقمع به البدعة ، فلنعرف له قدره .


المبحث الأول
ترجمة الإمام العلامة الشيخ / أبي الحسن الأشعري.

اسمه ولقبه :-
أبو الحسن الأشعري هو : علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فهو من نسل ذلك الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري،
و حسبك بنسب ينتهي إلى أبي موسى شرفاً ؛ فهو يدل على عراقة نسبه وصفائه فـ"العرق دساس "كما يقال .
مولده:-
اختلف المؤرخون في سنة مولده ؛ فمنهم من قال إنه ولد سنة 260 هـ ومنهم من قال إنها سنة 266هـ , ومنهم من قال إنها 270 هـ . والذي عليه الجمهور أنه ولد سنة 260 هـ . كما عليه ابن عساكر .
وفاته :-
اختلفوا في ذلك أيضاً ؛ فمنهم من قال إنه توفي سنة 324هـ ومنهم من قال 330 هـ وهذا الذي عليه أكثر المؤرخين كما رجحه ابن عساكر أيضا .
موطنه :-
تجمع المصادر التي بين أيدينا أنه ولد بالبصرة وأنتقل منها إلي بغداد بعد رجوعه عن الاعتزال , فهو بصري من حيث المولد بغدادي من حيث النشأة .
ثناء أهل العلم عليه :- كان الأشعري رحمه الله من العلماء الذين حملوا لواء العلم في كل ميادين وصنوفه وبعد من علماء الطراز الأول الذين جمعوا بين شتى المعارف والعلوم والفنون .
قال عن البغدادي :- أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب التصانيف في الرد على الملحدة ، وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة , وقال الذهبي :- " العلامة إمام المتكلمين , أبو الحسن ... وكان عجباً في الذكاء وقوة الفهم , ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه , وتبرأ منه , وصعد إلى الناس وتاب إلى الله تعالى منه ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم .
قال الفقية أبو بكر الصيرفي :- كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم ، حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السمم. وعن ابن الباقلاني قال : أفضل أحوالي أن أفهم كلام الأشعري . وقال ابن العماد الحنبلي :-" ومما بيض به وجوه أهل السنة النبوية , وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية , فأبان به وجه الحق الأبلج , ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج , مناظرته مع شيخه الجبائي ، التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي " ، ثم ساق المناظرة نقلاً عن ابن خلكان .
وقد أفرد الحافظ ابن عساكر مؤلفاً خاصاً بالأشعري , يدافع فيه عنه ويرد على من عاداه وظلمه ، ولمز نسبه ، وذكر روايات العلماء والأئمة في مدحه والثناء عليه وأبرز مكانته العلمية كما ذكر فيه بعضاً من شيوخه الذين تلقى على أيديهم العلم .كما ذكر تلاميذه, وكذلك فعل السبكي في الطبقات .
مؤلفاته :
كان الأشعري صاحب قلمٍ سيال يكتب في جميع الفنون ، ويؤلف في جميع العلوم، مما يدل علي ذكائه وفطنته، ومن ألقى نظرة على الكتب التي تركها الأشعري تراثاً للناس علم من خلال ذلك عن القدرة العقلية التي كان يتمتع بها , فقد كتب في الفرق التي خرجت وظهرت وانتشرت في أرجاء المعمورة , وذكر عقائدهم , ومذاهبهم وأفكارهم . كما رد عليها بأسلوب علمي رصين يحمل في طياته الدلائل الساطعة والبراهين الواضحة على صحة ما يقول , ومن هذه الكتب ما وصل إلينا , ومنها ما لم يصل وهو أكثرها , ونذكر هنا ما وصل إلينا وهي :
1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين .
2- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع .
3- رسالته إلى أهل الثغر .
4- الإبانة عن أصول الديانة .
5- رسالة الخوض في علم الكلام .
6- العمدة في الرؤيا .
7- كتاب في تفسير القرآن .
هذا هو ما وصل إلينا من مؤلفاته وأن كان هناك من يبلغ بها خمسةً وخمسين مصنفاً ، ومنهم من يصل بها إلى أقل من ذلك حوالي ثلاثمائة وخمسين مصنفاً .
شيوخه :-
تتلمذ الأشعري على يد كثير من علماء المسلمين منهم المعتزلي ومنهم من كان من علماء السنة وذلك بعد رجوعه ومن هؤلاء :
1- أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وهو زوج أمه وتتلمذ على يده وأخذ عنه أصول الاعتزال ثم رجع عن ذلك ورد عليه .
2- أبو خليفة الجمحي .
3- أبو العباس ابن سريح فقيه العراقين .
4- زكريا بن يحيى الساجي محدث البصرة وشيخها ومفتيها .
5- أبو إسحاق المروزي شيخ الشافعية وفقيه بغداد .
تلاميذه :-تتلمذ على يده الكثير ، منهم :
1- أبو عبد الله بن مجاهد البصري .
2- أبو الحسن الباهلي البصري .
3- أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي .
4- أبو محمد الطبري المعروف بالعراقي .
5- أبو بكر القفال الشاشي الفقيه .
6- أبو سهل الصعلوكي النيسابوري .
7- أبو زيد المروزي .
وغيرهم الكثير ، وقد قام ابن عساكر بتقسيمهم إلى خمس طبقات ؛ جعل الطبقة الأولى هي التي أدركته وأخذت عنه ، ثم ذكر الطبقة الثانية التي أخذت عن التلاميذ الذين عاصروه ، وهكذا إلى أن وصل إلى الطبقة الخامسة .
أطوار حياته :
لقد اختلف أهل العلم في النظر إلى أطوار حياة الأشعري ، فنجد من يحصر أطوار حياته في ثلاثة ، ومنهم من يراها مرحلتين اثنتين فقط ، وما ذاك إلا لما وقع من خلاف بينهم : هل رجع الأشعري في طوره الأخير إلى مذهب السلف رجوعاً كلياً ، أم بقي على مذهب بن كلاّب ؟ ، وهذا الذي سنفصله في طيات البحث .
الحاصل أن أطوار حياته ثلاثة :
الطور الأول:
وتجمع المصادر كلها على أنه كان في طوره الأول هذا معتزلياً ، تلقى أصول مذهب الاعتزال عن زوج أمه الجبائي ، وظل على ذلك أربعين سنة ، ومن ذلك ما ذكره أول المترجمين للأشعري ، وهو ابن النديم في الفهرست: وكان أولا معتزليا ثم تاب من القول بالعدل وخلف القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة رقى كرسيا ونادى بأعلى صوته. من عرفني فقد عرفني؟ ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ؛ أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالأبصار وأن أفعال الشر أنا افعلها، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة، فخرج بفضائحهم ومعايبهم.
وكذلك ابن عساكر يقول مثل ذلك ، وغيره ممن ترجم للأشعري .
واختلفوا في سبب خروج الأشعري عن المعتزلة فقيل: لرؤياه النبي  في المنام ، وأمره إياه باتباع السنة ، وقيل لأسئلته التي كان يوردها عن الجبائي ، فلا يروى غليله فيه ، ولم يجبه بما يريح نفسه فقرر الرجوع عن مذهب أهل الاعتزال إلى الطور الثاني في حياته .
الطور الثاني:
بعد خروج الأشعري عن الاعتزال سلك مسلك عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري وبدأ يرد على المعتزلة معتمداً على القوانين التي وضعها ابن كلاب . يقول ابن تيميه: وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع من الاعتزال سلك طريق ابن محمد بن كلاب.
وذكر الذهبي : أن الأشعري لحق بالكلابية وسلك طريقهم ، وكذلك قال المقريزي.
وهذا الطور يمثله بوضوح كتابه " اللمع " الذي بدأ فيه الأشعري بإثبات بعض الصفات التي تنكرها المعتزلة ، ودخل معهم في جدال يشوبه الهجوم الحاد على ما يعتقدونه ، ونراه يذكر أيضا بعض ما ذهب إليه ابن كلاب ولكن هل رجع عن هذا الطريق أم لا ؟ . هذا هو ما سنعرفه في الطور الثالث:
الطور الثالث:
هو الطور الذي أختلف فيه أهل العلم ، فمن قائل برجوعه إلى مذهب السلف ، ومن قائل ببقائه على مذهب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ، فترى العلماء فيه على قسمين:-
القسم الأول: من يقول برجوعه ، وهؤلاء كثير منهم كما ذكر د/ عبدالرحمن بن صالح المحمود في كتابه "موقف شيخ الإسلام ابن تيميه من الأشاعرة" ، والزبيدي في أتحاف السادة المتقين ، ومحب الدين الخطيب في حواشيه على الروض الباسم، وحافظ بن أحمد الحكمي في المعارج ، والشيخ أحمد بن حجر البوطامي في العقائد السلفية ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين في القواعد المثلى ، و د : مصطفى حلمي في قواعد المنهج السلفي ، و كتاب ابن تيميه والتصوف، وغيرهم .
القسم الثاني:-
وهم الذين قالوا بسيره على مذهب أبي محمد ابن كلاب ، وهؤلاء منهم ابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز في الطحاوية ناقلاً عنهم وابن حزم في الفصل والشهرستاني في الملل والنحل ، وابن فورك ، وابن حجر .
أما تحقيق الخلاف في ذلك وهل رجع أبو الحسن أم لا ؟ فإن ذلك هو موضوع بحثنا عن أصول الاعتزال عند أبي الحسن الأشعري في كتابيه ( الإبانة عن أصول الديانة ، ورسالة إلى أهل الثغر ) ، وهو ما سنحاول التوصل إليه وهل رجع رجوعاً كلياً إلى مذهب أهل السنة أم لا ؟ .


المبحث الثاني
مذهب ابن كلاب :
أما ابن كلاّب : فهو أبو محمد عبدا لله بن سعيد بن كلاب القطان شيخ المتكلمين في عصره ، يقول عنه شيخ الإسلام مبيناً طريقته (محمد بن عبدا لله بن سعيد بن كلاب البصري: الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة ، ولكن فيها نوع من البدعة لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ،ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته ، ولكن له في الرد على الجهمية نفاة الصفات والعلو من الدلائل والحجج ، وبسط القول ما يبين به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذهب نفاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب.
وصار ما ذكره معونة ونصيراً ومخلصاً من شبههم لكثير من أولى الألباب ، حتى صار قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها ، وإن كانوا قد شركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول .
ويكمل شيخ الإسلام مبيناً ما لدى ابن كلاب من خطأ موضحاً إياه " ولكن لما حدَّث أبو محمد بن كلاب وناظر المعتزلة بطريقة قياسية سلّم لهم فيها أصولاً هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف ، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك ؛ لأن ذلك يستلزم أنه لم يخل من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث . اضطره ذلك إلى أن يقول : ليس كلام الله إلا مجرد المعنى، وأن الحروف ليست من كلام الله ، وتابعه على ذلك أبو الحسن الأشعري".
هكذا نجد ابن كلاب في مذهبه وطريقته يثبت الصفات اللازمة لله تعالى ، كالحياة ، والعلم ، والقدرة وهو في ذلك موافقاً لمذهب السلف ولكنه ينكر ما يقوم بذاته ، وهو بذلك يوافق مذهب المعتزلة والجهمية.
يقول شيخ الإسلام: " كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين ؛ فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤوها ويقدر عليها ، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا لهذا ، فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك أبو العباس وأبو الحسن الأشعري ".
هكذا نجد عبد الله بن كلاب يثبت لله الصفات التي كان ينكرها المعتزلة من الاستواء والكلام والحياة والقدرة ، وغيرها من الصفات . أما الصفات الاختيارية التي تتعلق بالمشيئة والقدرة فإنه يجعلها قديمة أزلية لازمة لله حتى لا تحل به الحوادث ، فلا تجدد في الحدوث ، فالله لم يزل متكلماً أبداً ، وهذه الصفة قائمة بذاته قديمة غير معلقة على الفعل والمشيئة وكذلك صفة العلم تعني أن له علم فلم يزل عالماً ، وهكذا من الصفات الاختيارية ينكر أن تكون متعلقة بالمشيئة والقدرة يتكلم الله بها متى شاء ، كيفما شاء ، ويريد متى شاء كيف شاء .
كانت هذه باختصار كلمة موجزة عن مذهب الكلابية ومذهب أبي محمد عبدالله بن سعيد ، الذي سار عليه الأشعري في كتابه ( اللمع ) . فهل كان على نفس المذهب في الرسالة والإبانة ؟ هذا هو ما سنعرفه في السطور القادمة من البحث إن شاء الله تعالى .


المبحث الثالث
مذهب السلف في الصفات الاختيارية
ذهب علماء السلف إلى تقسيم الصفات إلى قسمين:-
(1) صفات ذاتية:
فهي التي تقوم بذات الله سبحانه وتعالى ، وهي لازمة للذات الإلهية ، لا تنفك عنها بحال من الأحوال، وهي غير معلقة بالقدرة والمشيئة مثل الحياة والقدرة والعلم والكلام والبصر والسمع وما إلى ذلك من الصفات القائمة بذاته العلية سبحانه وتعالى ، وهذه الصفات لا يصح أن تتعلق بالمشيئة والقدرة فلا أقول الله حي مثلاً إذا شاء لأن ذلك نقص وهو محال في جانب الله.
(2) صفات أفعال:
هي التي تقوم بذات الله ولكنها معلقة على الإرادة والمشيئة مثل الضحك والكلام والغضب والسخط وما إلى ذلك ، فالله يتكلم إذا شاء ولا يتكلم إذا شاء ، ويضحك إذا شاء ولا يضحك إذا شاء ، ويغضب على من شاء ومتى شاء ، ويرضى عنه وقتما شاء سبحانه وتعالى ، ولذلك فإن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية ، فإذا نظرنا إليها من حيث كونها قائمة بذات الله لا تنفك عنه في مقابل عدم الكلام كانت ذاتية ، وإذا نظرنا إلى حدوث الفعل وتجدده متعلقاً بالمشيئة الإلهية ، فهي صفة فعلية وذلك في صفة الكلام.
وهكذا نجد السلف رضوان الله عليهم ينسبون جميع الصفات لله ذاتية كانت أم فعلية من غير تعطيل ولا تحريف ولا تكليف ولا تمثيل ، ويثبتون لله ذاتاً بائنةً عن خلقه ، فهو سبحانه في السماء ومستو على عرشه بائن عن خلقه ، وكذلك حال السلف في كل الصفات يثبتونها ويفوضون علم الكيف إلى الله كما ورد عنهم "أمروها كما جاءت دالة على معانيها" . فهذه ما قرره شيخ الإسلام عنهم في الجزء السادس من الفتاوى والذي أفرده للأسماء والصفات فرحم الله الجميع.

المبحث الرابع
"عقيدة الأشعري في الرسالة"
وبعد كل هذا العرض الطويل جئنا إلى لب الموضوع ولحمته ، وذلك بالوصول إلى تلك القضية الأساسية والتي هي موضوع البحث هل رجع أبو الحسن عن مذهب عبدالله ابن سعيد بن كلاب ؟ ، وكلام شيخ الإسلام في اتباع الأشعري له في هذا المذهب ، وهذا واضح في كتابه اللمع ، لكن هل نجد ذلك أيضاً في كتابيه الآخرين ؟ ، هذا ما سيفصح عنه السطور القادمة في تتبعنا لكلام الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر وإلابانة لنرى من كلامه هل رجع أم لا ؟ ، وذلك هو الذي عليه المعول في الحكم على الرجل وعلى عقيدته ؛ فهذه كتبه التي سطرها بنفسه وأثبتها أصحابه له وفيها معتقده.
أولاً : الرسالة إلى أهل الثغر :
إن الناظر في كتابه "رسالة إلى أهل الثغر" والمتتبع للنصوص التي أوردها الشيخ فيها، ليجد بشكل جلي أن الشيخ رحمة الله تعالى عليه لم يزل على مذهب "ابن كلاب" في كلامه على كثير من الصفات الاختيارية.. فيقول في باب ذكر ما أجمع عليه السلف من الأصول.
"وأجمعوا على إثبات حياة الله عز وجل لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها قادرا وكلاما لم يزل به متكلما وإرادة لم يزل بها مريدا وسمعا وبصرا لم يزل به سميعا بصيرا وعلى أن شيئا من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثا إذ لو كان شيئا منها محدثا لكان تعالى قبل حدثها موصوفا بضدها ولو كان ذلك لخرج عن الإلهية وصار إلى حكم المحدثين الذين يلحقهم النقص ويختلف عليهم صفات الذم والمدح وهذا يستحيل على الله عز وجل وإذا استحال ذلك عليه وجب أن يكون لم يزل بصفة الكمال إذ كان لا يجوز عليه الانتقال من حال إلى حال " .. وهذا واضح في نفي الصفات الاختيارية له تعالى.
إذ في قوله "لا يجوز عليه الانتقال من حال إلى حال "، دلالة صريحة على أنها ليست متعلقة بالقدرة والمشيئة؛ إذ يستحيل أن تكون صفات الله ستحول من حال إلى حال لأنه لازم ذلك حلول الحوادث فيه وهذا عين كلام ابن كلاب.
ثم يقول أيضاً:-وقال في إثبات صفات الله وأنها صفات له على الحقيقة لا على المجاز، وذكر الحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة ثم قال:
"ولا يجب إذا أثبتنا هذه الصفات له عز وجل على ما دلت العقول واللغة والقرآن والإجماع عليها أن تكون محدثة؛ لأنه تعالى لم يزل موصوفاً بها، ولا يجب أن تكون أعراضاً؛ لأنه عز وجل ليس بجسم، وإنما توجد الأعراض في الأجسام، ويدل بأعراضها فيها وتعاقبها عليها علم حدثها، ولا يجب أن تكون غيره عز وجل؛ لأن الشيء هو ما يجوز مفارقة صفاته له من قبل أن في مفارقتها له ما يوجب حدثه وخروجه عن الألوهية، وهذا يستحيل عليه، كما لا يجب أن تكون نفس الباري عز وجل جسماً أو جوهراً، أو محدوداً أو في مكان دون مكان أو في غير ذلك، مما لا يجوز عليه من صفاتنا لمفارقته لنا، فلذلك لا يجوز على صفاته ما يجوز على صفاتنا، ولا يجب إذا لم تكون هذه الصفات غيره أن تكون نفسه لاستحالة كونه حياة، أو علماً، أو قدرة، لأن من كان كذلك لم يتأت منه الفعل، وذلك أن الفعل يتأتى من الحي القادر العالم دون الحياة والعلم والقدرة ".
وهذا أيضاً واضح في أنه لا يرى مفارقة صفات الله له ؛ لأن هذا يوجب حدثه، كما نفى أن يكون تعالى في مكان دون مكان، ولذلك قال في صفة المجئ: " وأجمعوا أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب من يشاء كما قال، وليس مجيئه حركة ولا زوالاً، وإنما يكون المجيء جسماً أو جوهراً، فإذن ثبت أنه عز وحل ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة، ألا ترى أنهم لا يريدون بقولهم: جاءت زيداً الحمى أنها تنقلت إليه، أو تحركت من مكان كانت فيه، إذ لم تكن جسماً ولا جوهراً، وإنما مجيئها إليه وجودها به" و " أما ما ذكره من كون مجيئة ليس حركة ولا انتقالاً، فهذا شيء لم يتكلم السلف فيه، ولم يورده وفي كتبهم ؛ لأن الأصل الذي اعتمدوا عليه في ذلك وهو إثبات الصفات دون تكييف رفع عنهم البحث في ذلك ما يجوز على صفاتنا.
ونجد هذا الاعتقاد لديه أيضاً عند كلامه عن صفة النزول " وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كما روى عن النبي ، وليس نزوله نقله، لأنه ليس بجسم ولا جوهر، وقد نزل الوحي على النبي  عند من خالقنا" ، وما يقال في صفة المجئ السابقة يقال هنا في صفة النزول من أن السلف لم يتكلموا بهذا ، وفيه دلالة على بقاء الأشعري على مذهب ابن كلاب كما تقدم.
ويقول في تأويله لصفتي الرضا والغضب : "وأجمعوا على أنه عز وجل يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم ، وأنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء"..
فهذه أراؤه رحمه الله تعالى الدالة أن مسلك في مسألة الصفات مسلك ابن كلاب في التأويل للصفات الاختيارية، وإن صدّر ذلك بقوله قبل كل مسألة : "وأجمعوا" ، إلا أن هذا الإجماع لم ينقل عن السلف، بل هم على خلافه من إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله  ولذلك قال شيخ الإسلام بن تيميه : " وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب ومال إلى أهل السنة والحديث ، وانتسب إلى مذهب الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها، وكان مختلطاً بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلم بهم" فهو ينسبه إلى مقالة ابن كلاب.
ومع ذلك لا يغفل انتسابه إلى الإمام أحمد ولا كتابه الإبانة، بل ينسب كلابيته إليه وإلى المقالات والموجز.
وابن تيمية كتب كتبه وقد أطلع على ما وصل إليه من كتب الأشعري ومنها المقالات والإبانة واللمع ورسالته إلى أهل الثغر ولم يذكر في موضع أن الأشعري ترك طريقة ابن كلاب.
فمما تقدم يتضح لنا جلياً تأثر الأشعري في رسالتة بعبد الله بن سعيد ابن كلاب في نفي تعلق الصفات الاختيارية بالمشيئة والإرادة.
وهل لازم ذلك الأشعري بقية حياته أم أنه رجع رجوعاً تاماً إلى مذهب السلف.. في كتابه الأخير (الإبانة) هذا ما سنراه في آرائه في:
ثانياً: كتاب الإبانة:
يقول في باب: الكلام في أن القرآن كلام الله غير مخلوق" "فلما كان الله عز وجل لم يزل عالماً، إذ لم يجز أن يكون لم يزل بخلاف العلم موصوفاً، استحال أن يكون لم يزل بخلاف الكلام موصوفاً، لأن خلاف الكلام الذي لا يكون معه كلام سكوت أو آفة، كما أن خلاف العلم الذي لا يكون معه علم، جهل، أو شك أو آفة، ويستحيل أن يوصف ربنا عز وجل بخلاف العلم، ولذلك يستحيل أن يوصف بخلاف الكلام من السكون والآفات، فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلماً، كما وجب أن يكون لم يزل عالماً "
يلاحظ في هذا النص أن الأشعري جعل كلام الله أزلياً كما أن علم الله أزلي، ثم ذكر أنه يستحيل أن يكون لم يزل بخلاف الكلام موصوفاً، وخلاف الكلام يفسره بأنه سكوت أو آفة.
وفي هذا دليل واضح أنه حتى في كتاب الإبانة لم يزل متأثراً بعقيدة ابن كلاب في هذا الباب.
ثم يقول أيضاً في الإبانة في الأدلة على كلام الله وأنه غير مخلوق: " دليل آخر " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) فلو كانت البحار مداداً كتبت لنفدت البحار وتكسرت الأقلام، ولم يلحق الفناء كلمات ربي، كما لا يلحق الفناء علم الله عز وجل، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت ، فلما لم يجز ذلك على ربنا عز وجل صح أنه لم يزل متكلماً، لأنه لو لم يكن متكلماً لوجب السكوت والآفات ، تعالى ربنا عن قول الجهمية علواً كبيراً"."
فقد ربط الكلام بالعلم في كونه صفة أزلية قائمة بذات الله أزلاً وأبداً، وكلمات الله لا نهاية لها، كما دلت على ذلك هذه الآية وغيرها، لكنها لا تدل على أن الله لا يتكلم بكلام بعد كلام إذا شاء متى شاء؛ وأنه كلم موسى بعد أن لم يكن مكلماً له، والأشعري جعل ضد الكلام السكوت وهذا يوحى بأنه يمنع من ذلك.
وإذا جئنا إلى نصوص في الإبانة أُخر ساقها الأشعري مضمنة للصفات الاختيارية وكلامه عليها نجده يتبع في ذلك أيضاً مذهب الكلابية وأصولهم كقوله في معرض كلامه عن صفتي الرضا والغضب:
"ثم يقال لهم: إذا كان غضب الله غير مخلوق، وكذلك رضاه وسخطه، فلم لا قلتم: إن كلامه غير مخلوق؟ ومن زعم أن غضب الله مخلوق لزمه أن غضب الله وسخطه على الكافرين يفنى، وأن رضاه عن الملائكة والنبيين يفنى حتى لا يكون راضياً عن أوليائه ولا ساخطاً على أعدائه وهذا هو الخروج عن الإسلام " . فقوله : " لزمه أن غضب الله وسخطه على الكافرين يفنى " هذا عنده خاص فيمن علم أنه يموت كافراً، أما الإنسان لو عاش سنين طويلة كافراً ثم أسلم ومات على إسلامه فهذا عند الأشعري لا يجوز أن يقال أن الله كان ساخطاً عليه في وقت كفره، ثم رضي عنه لما أسلم، وإنما يقال: إن الله لم يزل راضياً عنه حتى في حال كفره لأنه علم أنه يموت مؤمناً، وهذا بناء على أصله الكلابي. وهكذا كلامه في تأويل قوله تعالى: "(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) وتفسيره له بأنه هذا الذكر الذي عناه الله عز وجل ليس هو القرآن بل هو كلام الرسول  ووعظه إياهم..." ، دعاه إلى هذا التـأويل البعيد خوفه من أن يوصف (في رده على المعتزلة) القرآن بأنه محدث ، وذلك لأن الحدوث عند الكلابية يعني المخلوق وليس هو كذلك في كلام السلف بل هو بمعنى التجدد، وهكذا نراه مرة أخرى يرجع إلى مذهب ابن كلاب.
الخلاصة : فهذه أقوال الأشعري من كتابه "الإبانة" وهي بمجموعها دالة على أنه بقي على اتباعه لابن كلاب، وإن كان لم يصرح بذلك كتصريحه في كتبه الأخرى، فهو في الإبانة – بلا شك – أكثر إثباتاً وإتباعاً لأهل السنة، وبعد عن كلام أهل البدع، خاصة وأنه رد على المعتزلة القائلين بخلق القرآن، كما رد على الكرامية الذين يقولون: "إن الله لم يكن متكلماً ثم تكلم ". لكنه لم يرد على أقوال الكلابية الذين اشتهر في عهده إنكار السلف عليهم. وهذه الأدلة هي التي جعلت شيخ الإسلام بن تيميه يرجح بقاء الأشعري على مذهب ابن كلاب رغم أنه في الإبانة قد قرب كثيراً من مذهب أهل السنة.

الخاتمة
ومما تقدم، ومن خلال عرض آراء الأشعري في كتابه "رسالته إلى أهل الثغر" يتضح لنا ما يلي:
(1) أن الإمام الأشعري رحمه الله في طوره الثالث ، رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات كما هو مقرر ، ولكن على طريقة عبدالله بن سعيد بن كلاب حيث جعل الصفات الاختيارية قديمة أزلية لازمة للذات ، مع كونها لا تتحول من حال إلى حال ، وهذا هو الفارق بين السلف وبينه ، فالكل متفق على إثبات الصفات للذات ، ولكن السلف يختلفون معه في كون هذه الصفات متعلقة بالمشيئة والإرادة.
(2) أن من انتسب إلى كتاب الإبانة فهو في الجملة سلفي سني ، ولكن الانتساب إلى الأشعري ذاته بدعة، حيث يؤدي الأمر إلى الالتباس بالأشاعرة.
(3) أن الأشعري في مذهبه الكلابي لا يخرج عن كلام تلامذته كثيراً في مسألة الصفات الاختيارية بل هم جميعاً على أنها غير متعلقة بالمشيئة والقدرة.
(4) أن الصفات عند أهل السنة تنقسم إلى قسمين :
 ذاتية: متعلقة بذات الله لازمة لها لا تنفك عنها .
 فعلية : متعلقة بالقدرة والمشيئة.

وبعد:
فهذا كان استعراضاً عاجلاً لأهم آراء الإمام الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله في رسالته إلى أهل الثغر مقارنة مع آرائه الأخرى في كتاب الإبانة، أوضحنا فيما تقدم تأثره بابن كلاب في بعض المسائل .
نسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويرفع درجاته في المهديين أن يجعلنا من المهتدين جميعاً القائلين بالحق، المتبعين لسيد الخلق محمد  والله تعالى أعلم وأحكم.


أهم المراجع والمصادر
1. القرءان الكريم .
2. سنن النسائي.
3. سنن الترمذي .
4. سنن ابن ماجه .
5. صحيح الجامع الصغير . للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ت(1420هـ ).
6. خطبة الحاجة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ت(1420هـ ).
7. صحيح الترغيب والترهيب . للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ت(1420هـ ).
8. الإبانة عن أصول الديانة : للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري .260-324هـ . ت : بشير محمد عيون . مكتبة دار البيان ط 4 1420 هـ .
9. آراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة . رسالة ماجستير . هدى بنت ناصر بن محمد الشّلالي . مكتبة الرشد : الرياض . 1420 هـ .
10. رسالة إلى أهل الثغر . للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري. ت : عبدالله شاكر الجنيدي . مكتبة العلوم والحكم . المدينة المنورة . ط2 1422هـ .
11. شعبة العقيدة بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين إليه في العقيدة . تأليف : أبي بكر خليل إبراهيم أحمد الموصلي . دار الكتاب العربي . ط 1 1410هـ
12. اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع .للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري .260-324هـ ت : د : حمودة غراب المكتبة الأزهرية للتراث .
13. موقف ابن تيمية من الأشاعرة : د : عبدالرحمن بن صالح المحمود . رسالة دكتوراه . ط 1 1415هـ .
14. مجلة البيان العدد 13 ذو الحجة 1413هـ .
15. القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى : للشيخ محمد بن صالح العثيمين.
16. القواعد الطيبات في الأسماء والصفات : أشرف عبدالمقصود .



فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
مقدمة .................................................. ................................ 2
تمهيد .................................................. ................................ 4
المبحث الأول : ترجمة الأشعري .................................................. ......5
اسمه ولقبه ، ومولده ، ووفاته ، وموطنه ، وثناء أهل العلم عليه ..........................5
مؤلفاته ، وشيوخه .................................................. .....................6
تلاميذه وأطوار حياته .................................................. ..................7
الطور الأول .................................................. ...........................7
الطور الثاني .................................................. ...........................8
الطور الثالث .................................................. ..........................8
المبحث الثاني : مذهب ابن كلاب .................................................. .....10
المبحث الثالث : مذهب السلف في الصفات الاختيارية ..................................12
المبحث الرابع : عقيدة الأشعري في الرسالة ............................................13
أولاً : رسالته إلى أهل الثغر .................................................. ..........13
ثانيا : كتاب الإبانة .................................................. ...................15
خلاصة المقارنة .................................................. ......................16
الخاتمة .................................................. ...............................17
المراجع .................................................. ..............................18
الفهارس .................................................. .............................19



مواضيع : صقر الجنوب


رد مع اقتباس

اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب
المواضيع المنتدى اخر مشاركة عدد الردود عدد المشاهدات تاريخ اخر مشاركة
دهاء الشيخ محمد بن يحيى العسيري شيخ رباع تاريخ قرية رباع بين الماضي والحاضر 0 4905 20/10/2024 02:27 PM
وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل... تاريخ زهران وغامد 2 9351 17/09/2024 11:11 PM
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) 0 18534 04/01/2024 11:35 AM
القصة (مورد المثل) منتدى القصص و الروايات المتنوعة 0 16930 02/01/2024 09:28 AM
الله لايجزي الغنادير بالخير منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) 1 15557 28/12/2023 05:06 PM

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 :
لا يوجد أعضاء

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية )

انشر مواضيعك بالمواقع العالمية من خلال الضغط على ايقونة النشر الموجودة اعلاه

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w